السبت، 29 يونيو 2019

الدين البربري التقليدي

أنتايوس يصور بشعر طويل ولحية كثيفة عكس هرقل.

الدين البربري التقليدي هو عبارة عن تشكيلة محلية قديمة من المعتقدات والمعبودات التي التزم بها البرابرة الأصليون في شمال إفريقيا. وتطورت العديد من المعتقدات البربرية محليا، بينما تأثرت أخرى من خلال الاتصال بباقي الأديان الإفريقية التقليدية (مثل الدين المصري القديم) أو استعيرت من الدين البونيقي واليهودية والميثولوجيا الإيبيرية والدين الهلنستي، أما أحدث التأثيرات فقد جاءت من الإسلام والدين العربي السابق للإسلام خلال العصور الوسطى. واستمرت بعض المعتقدات البربرية القديمة في الوجود إلى وقتنا الحاضر ضمن الثقافة والتقاليد الشعبية البربرية، ويمكن أيضا العثور على التأثيرات التوفيقية من الدين البربري التقليدي في بعض الأديان الأخرى. 

ويظهر البحث الأثري في مقابر ما قبل التاريخ في المغرب بأن جثامين الموتى كانت تدهن بالمغرة وقد عرفت هذه الممارسة في الثقافة الإيبيروموريسية، ويبدو أن هذه الثقافة كانت في المقام الأول نتاجا للحضارة القبصية، وكان الموتى يدفنون أحيانا كذلك مع أصداف بيض النعام والمجوهرات والأسلحة وكانت الجثامين عادة ما تدفن في وضعية الجنين. 

وعكس أغلب برابرة البر الرئيسي كان الغوانش يحنطون أمواتهم واكتشف "سافينو دي ليرنيا" مومياء ليبية أقدم من أي مومياء مصرية مشابهة سنة 1958. 

ويذكر مؤلفوا "كتاب البربر" بأن عبادة الأموات كانت واحدة من السمات المميزة للبربر في العصور القديمة، وذكر في تقرير "لبومبونيوس ميلا" بأن شعب "أوجيلا" (أوجلة الحديثة في ليبيا) كانوا يعتبرون أرواح أسلافهم بمثابة الآلهة ويقسمون بها ويستشيرونها وينامون في مقابرهم ـ بعد تقديم طلبات بذلك ـ في انتظار ردودهم في الأحلام. 

وسجل "هيرودوت" (484-425 ق.م) نفس الممارسة وسط قبيلة "الناسامونيين" البرابرة الذين سكنوا في الصحاري حول "سيوة" و "أوجيلا" وكتب: 

"يقسمون بالرجال فيما بينهم الذين قيل أنهم كانوا الأكثر صلاحا وشجاعة، ومن خلال هؤلاء، يضعون أيديهم على قبورهم ويتكهنون من خلال زيارة التلال القبرية لأسلافهم ويستلقون للنوم عليها والصلاة، وأي شيء يراه الرجل منهم في حلمه يقبله". 

كما عبد البربر ملوكهم، فكانت مقابر الملوك النوميديين تعتبر من بين أكثر الآثار البارزة التي تركها البربر القدماء. 

وتبجيل (وليس عبادة) الأولياء الموجودين عند البربر المعاصرين في شكل الأضرحة المنتشرة في شمال إفريقيا قد يتضمن أو لا يتضمن آثارا للمعتقدات السابقة أو العادات المتعلقة بالموتى. 
ضريح إيمدغاسن.

وتدل مقابر الشعوب القديمة وأسلافهم على أن البربر وأسلافهم (النوميديون والموريطانيون) كانوا يؤمنون بحياة أخروية، حيث كانت شعوب ما قبل التاريخ في شمال غرب إفريقيا تدفن الأموات في حفر صغيرة، وعندما أدركوا أن الأجداث المدفونة في حفر قد تصل إليها الحيوانات البرية أصبحوا يدفنون الأموات في حفر أعمق ولاحقا صاروا يدفنون الأموات في الكهوف والجثوات والقبور الصخرية والروابي وباقي أشكال القبور. 

وتطورت هذه المقابر من هياكل بدائية إلى بنايات أكثر تفصيلا مثل قبور الأهرامات كانت منتشرة عبر شمال إفريقيا، ويبدو أن شرف الدفن في مثل هذه القبور كان محجوزا ّلأولئك الذين شكلوا أهمية لمجتمعاتهم. 

وقد استرعت هذه المقابر الهرمية انتباه بعض العلماء والمختصين مثل محمد شفيق الذي ألف كتابا يناقش تاريخ العديد من القبور التي بقيت إلى وقتنا الحاضر، وقد حاول الربط بين القبور الهرمية البربرية بالأهرامات المصرية العظيمة على أساس البيانات التاريخية والإتمولوجية، ويبقى أكثر هذه القبور الهرمية شهرة هو قبر يعود للفترة ما قبل الرومانية النوميدية يبلغ ارتفاعه 19 مترا يقع في "مادغيس" وقبر هرمي موريطاني قديم يبلغ ارتفاعه 30 مترا. وقد أخطأ المستعمرون الفرنسيون في ترجمة الهرم النوميدي في "تيبازة" والمعروف أيضا باسم قبر الرومية أو قبر "جوبا وصيفاقس" إلى قبر المرأة المسيحية. ويحمل هذا القبر ضريح الملك "جوبا الثاني" و"كليوباترا سيليني الثانية" عاهلي موريطانيا. 

وقد أشار "أغسطينوس" بأن الأفارقة كانوا يعتقدون في عدة آلهة ويعبدون الصخور، وذكر "أبوليوس" أيضا أن الصخور كانت تعبد في القرن الثاني، وربما كانت هذه الثقافة الصخرية جزءا من عبادة الأموات أو عبادة النجوم. 

ويعتبر نصب "مسورا" أكثر نصب صخري شهرة في شمال إفريقيا، ويتكون من دائرة من الأحجار الضخمة تحيط بجثوة ويبلغ ارتفاع أطول هذه الصخور 5 أمتار. ووفقا لأسطورة محلية فإن هذا الموقع هو مرقد الملك البربري الأسطوري "أنتايوس"، وهناك نصب صخري آخر تم اكتشافه سنة 1926 جنوب الدار البيضاء في المغرب، وقد حفر هذا النصب بواسطة نقوش جنائزية بخط بربري يعرف باسم التيفيناغ. 

وقد أشار "هيرودوت" بأن البربر القدماء عبدوا القمر والشمس وقدموا القرابين لهما وقد سجل ما يلي: 

"إنهم يبدؤون بأذن الأضحية حيث يقطعونها ويلقون بها في منزلهم: ويقتلون الحيوان عبر لي رقبته ويقدمون الأضاحي للشمس والقمر ولكن ليس لأي إله آخر، وهذه العبادة شائعة عند كل الليبيين". 

وقد سجل "توليوس شيشرون" (105-43 ق.م) أيضا نفس الطقوس في كتابه "الجمهورية" (حلم سكيبيو): 

"وعندما قدمت إلى العجوز (ماسينيسا ملك مسيلة) احتضنني وذرف الدموع وبعد ذلك نظر إلى السماء وصرخ: أشكرك أيتها الشمس العليا، وأنت أيضا أيتها السماوات الأخرى لأنك كنت قبل مغادرتي لهذه الحياة في مملكتي وفي قصري يا بوبليوس كورنيوس سكيبيو". 

ووجدت بعض النقوش اللاتينية في شمال إفريقيا كانت مخصصة للإله الشمس، وكمثال النقش الموجود في سوق أهراس (مسقط رأس "أوغسطينوس" المعروف باسم "طاغاست" في الجزائر) المكتوب فيه "سول إنفكتوس"، ويبدو أن القديس "صامويل المعترف" ـ مثلا ـ قد عانى من عبادة البربر للشمس الذين فشلوا في جعله يعبدها. 

ويحتوي البانثيون البربري كذلك على عدة آلهة معروفة باسم "الدي موري" ممثلة في نقوش وكانت كذلك موضوعا للتفاني، وخلال الفترة الرومانية كان ساتورن مركز عبادة مهمة والذي كان يقابل بعل حامون وهو إله ذو أصول بونيقية. 

وكان قدماء المصريين جيرانا للبربر وبالتالي يمكن القول أن بعض المعبودات كانت تقدس في الأصل عند المصريين والليبيين على حد سواء ويمكن تمييز الآلهة الليبية والمصرية في هذا الإطار بحسب أصولها، حيث عبد البربر الشرقيون القدماء إيزيس و ست وسجل هذا من قبل هيرودوت الذي قال: 

"وعلى أي لم يتذوق أي من هذه القبائل (الليبية) أبدا لحم البقر ولكن امتنعت عنه لنفس السبب الذي اتبعه المصريون، ولا أحد من الشعبين يربي الخنازير، وحتى في قورينا، تعتقد النساء أنه من الخطإ تناول لحم البقر تشريفا لإيزيس، الإلهة المصرية التي يعبدونها في الصيام والمهرجانات، والنساء البركيات يمتنعن ليس فقط عن لحم البقر ولكن كذلك عن لحم الخنازير". 

يفترض إذن أن هؤلاء الليبيين لم يكونوا يتناولون لحوم الخنازير لإنها كانت مقترنة بالإله ست، بينما لم يتناولوا لحوم الأبقار لاقتران هذه الأخيرة بالإلهة "إيزيس". 

كما أن "أوزيريس" كان من بين المعبودات المصرية المبجلة في ليبيا، واعتقد "الدكتور بادج" (بالإضافة إلى عدد قليل من العلماء الآخرين) بأن "أوزيريس" كان في الأصل إلها ليبيا قائلا بأن "كل ما تشير إليه نصوص جميع الفترات المسجلة عنه أنه إله أصلي لشمال شرق إفريقيا (ليبيا الحديثة) وأن منزله وأصله ربما كانا ليبيين". 

واعتبر المصريون أن بعض المعبودات المصرية كانت ذات أصول ليبية مثل أثينا التي كانوا يعتبرونها قد هاجرت من ليبيا لتأسيس معبدها في "سايس" على دلتا النيل، وتحكي بعض الأساطير بأن "أثينا / نيث" ولدت حول بحيرة "تريتونيس" (في ليبيا المعاصرة). 

ويلاحظ أيضا أن بعض المعبودات المصرية تم تصويرها برموز ليبية، فالإلهة "أمونيت" صورت بريشتين التي كانت بمثابة الحلي الطبيعية لليبيين القدماء كما رسمها قدماء المصريين. 

وأكثر إله بروزا وشيوعا عند البربر والمصريين كان "آمون"، حيث يصعب نسبة هذا الإله إلى بانثيون واحد، على الرغم من أن معظم المصادر الحديثة تتجاهل وجود آمون في الأساطير البربرية، إلا أنه ربما كان أعظم إله بربري قديم، وكان مبجلا من قبل قدماء الإغريق في قورينا وكان متحدا مع الإله الفينيقي بعل بسبب التأثير الليبي، التصويرات المبكرة للأكباش (وارتبط ربما بشكل مبكر بعبادة هذا الإله) عبر شمال إفريقيا أرخ بين 9600 و 7500 سنة قبل الميلاد. 

وأشهر معبد "لآمون" في ليبيا القديمة كان المعبد الأوغوري في "سيوة" بمصر وهي واحة ماتزال مأهولة بالبربر. 

وكان الفينيقون شعبا ساميا قطن في سواحل لبنان الحديث وتونس، وكانوا بحارة وأسسوا قرطاج سنة 814 ق.م، وكانوا المسؤولين عن ميلاد ما يعرف بالثقافة البونيقية التي استمدت جذورها من الثقافتين البربرية والفينيقية، ويميز بعض العلماء العلاقات بين الفينيقيين والبربر في مرحلتين: 

المرحلة الأولى: قبل "معركة هيميرا" (480 ق.م) 

عندما أقام الفينيقيون في شمال غرب إفريقيا مكثوا في المناطق الساحلية لتجنب الحروب مع البربر، وقد حافظوا على معبوداتهم التي أحضروها من وطنهم الأم، وقد كان للقرطاجيين الأوائل معبودان هما بعل و عشتروت. 

المرحلة الثانية: بعد "معركة هيميرا"

بدأت "قرطاج" تتحالف مع القبائل البربرية بعد معركة هيميرا بعدما انهزموا أمام الإغريق في المعركة، وبالإضافة إلى التغييرات السياسية، استورد القرطاجيون بعض الآلهة البربرية. 

كان بعل هو الإله الأولي الذي عبد في "قرطاج" وتصويرات هذا الإله موجودة في مختلف المواقع عبر شمال إفريقيا. واستبدلت الإلهة "عشتروت" بإلهة محلية، هي تانيث، التي يعتقد أن أصولها بربرية. فالإسم نفسه، "تانيث"، لديه بناء لغوي بربري إذ إن الأسماء المؤنثة تبتدئ وتنتهي بحرف التاء في اللغات البربرية، ويعتقد بعض العلماء بأن الإلهة المصرية نيث كانت على صلة بالإلهة الليبية تانيث (تا-نيث)، هناك أيضا أسماء ماسيلية وفينيقية التي تحتوي ـ كما يبدو ـ على جذور ممتدة إلى الإله بعل مثل "عزربعل" و "حنبعل". 

كما أسس قدماء الإغريق مستوطنات في "كيرينايكا"، وقد أثروا في البانثيون الليبي الشرقي لكنهم تأثروا كذلك بالثقافة والمعتقدات الليبية. وبصفة عامة، يمكن تقسيم العلاقات الليبية الإغريقية إلى مرحلتين، في المرحلة الأولى، كانت للإغريق علاقات سلمية مع الليبيين، ولاحقا، كانت هناك حروب بينهما، وقد وثقت هذه العلاقات الاجتماعية في معتقداتهما. 

المرحلة الأولى: قبل "معركة إيراسا" (570 ق.م) 

أول ظهور مسجل للتأثير الليبي على المعتقدات الإغريقية الكيرينايكية كان الإسم "كيرينايكا" نفسه، حيث يعود أصله إلى محاربة بربرية أسطورية كانت معروفة باسم "كير"، و"كير" بحسب الأسطورة، كانت صائدة أسود شجاعة، ويسجل "هيرودوت" أن الليبيين علموا الإغريق كيفية شد أربعة خيول إلى عربة، وبنا الإغريق الكيرينايكيون معابد للإله الليبي آمون بدل إلههم الأصلي "زيوس". ولاحقا عرفوا إلههم الأعلى "زيوس" "بآمون الليبي"، وبعضهم استمر في عبادة "آمون" نفسه، وكانت عبادة آمون منتشرة على نطاق واسع وسط الإغريق رغم قرار كهنة "آمون" الليبيين في معبد "سيوة" إعلان "الإسكندر الكبير" إبن زيوس. 

ويشير قدماء المؤرخين بأن بعض المعبودات الإغريقية كانت ذات أصول ليبية، فابنة "زيوس" "آثينا" اعتبرت من قبل بعض هؤلاء ـ مثل "هيرودوت" ـ ليبية الأصل، وقد ذكروا بأنها كانت مبجلة في الأصل من طرف الليبيين حول بحيرة "تريتونيس" حيث أنجبت من الإله "بوصيدون" وبحيرة "تريتونيس" بحسب الأسطورة الليبية. وقد كتب "هيرودوت" بأن "أيغيس" وملابس "آثينا" تمثيل نموذجي لامرأة ليبية. 

وذكر "هيرودوت" كذلك بأن "بوصيدون" (إله البحر المهم عند الإغريق) استمده الإغريق من الليبيين وأكد أن لا شعب عبد "بوصيدون" منذ العصور المبكرة من غير الليبيين الذين نشروا عبادته. 

"أعتقد أن هؤلاء استمدت تسمياتهم من البيلاسجيين باستثناء بوصيدون، فبالنسبة لهذا الإله تلقاه الهيلينيون عن الليبيين، ولا شعب كان لديه إسم بوصيدون أو بجله غير الليبيين منذ سالف العصور". 

كما ارتبطت بعض المعبودات الإغريقية الأخرى بليبيا، حيث من المعتقد أن الإلهة لاميا ذات أصول ليبية مثل "ميدوسا" و"الغورغون"، ويبدو كذلك أن الإغريق قابلوا الإله "ترايتون" في ليبيا. وفي الوقت المعاصر يعتقد البربر ربما أن "الهيسبيريديس" وجدت في المغرب الحديث، ويرى بعض العلماء أنها توجد في بنغازي في إيراسا حيث عاش الإله "أنتايوس" وفقا لبعض الأساطير. وكان يعتقد أن "الهيسبيريديس" هن بنات "أطلس" الإله الذي ارتبط بجبال الأطلس عند "هيرودوت". وقد تمت عبادة جبل الأطلس من قبل البربر وأظهرت جزر الكناري عدة بنات لأطلس. لكن قد يكون هذا خاطئا باعتبار أن كل الدلائل التاريخية تشير إلى أن منبع أسطورة "الهيسبيريديس" هو مدينة بنغازي الحديثة في ليبيا، إضافة إلى معظم الكائنات العملاقة التي وجدت في شمال شرق إفريقيا، مثل الأفاعي العملاقة والهيدرا والأسود البربرية على ساحل طرابلس. 

المرحلة الثانية: بعد "معركة إيراسا"

بدأ كل من الإغريق والماسيليين في فك انسجامهما في عهد "باتوس الثاني" ملك "قورينا"؛ إذ شرع هذا الأخير في دعوة باقي الجماعات الإغريقية سرا إلى ليبيا وتونس وشرق الجزائر، وقد اعتبر الليبيون والماسيليون ذلك خطرا يجب إيقافه فبدأ البربر في القتال ضد الإغريق في حلف مع المصريين أحيانا أو مع القرطاجيين أحيانا أخرى، ومع ذلك، كان النصر من نصيب الإغريق. 

ويعتقد بعض المؤرخين أن أسطورة "أنتايوس" كانت انعكاسا لهذه الحروب بين الليبيين والإغريق. وتقول الأسطورة أن "أنتايوس" هو حامي "ماسيليا" الذي لا يهزم وكان إبن الإله "بوصيدون" و"غايا" وزوج الإلهة البربرية "طنجيس"، وقد اعتاد على حماية أراضي الليبيين إلى أن ذبح على يد البطل الإغريقي "هرقل" الذي تزوج "طنجيس"، وادعى ملك موريطانيا "جوبا الثاني" زوج ابنة "أنطونيوس" و"كليوباترا" (المتوفى سنة 23 ق.م) نسبته إلى "هرقل" و"طينجا" قرينة "أنتايوس"، لكن لم يتم إثبات هذا الادعاء أو تأكيده، وتصف بعض المصادر "أنتايوس" بأنه ملك "إيراسا"، ودون "فلوطرخس" بأن ابن "أنتايوس" أسس مدينة "طينجي" (طنجة) تكريما لأمه، وفي الأيقونوغرافيا الإغريقية، تم تمييز مظهر أنتايوس عن الإغريق بوضوح، حيث صور بشعر ولحية مسترسلتان وهو التصوير النموذجي لليبيين الشرقيين. إن الإغريق الذين أسسوا مستوطناتهم عبر سواحل شمال إفريقيا فيما يعرف اليوم بليبيا في القرن السادس ق.م، وضعوا أنتايوس في الصحراء الداخلية لليبيا. 

لقد تحالف الرومان في البدء مع الماسيليين ضد قرطاج فتمكنوا من هزيمتها سنة 146 ق.م لكنهم لاحقا ألحقوا ماسيليا بالإمبراطورية الرومانية. 

وحسب "بليني الأكبر"، فقد بجل الليبيون إلهة الحرب إيفري أو إفريقيا، التي كانت تعتبر حامية لعبادها (ويظهر أنها كانت إلهة مؤثرة في شمال إفريقيا) وتم تصويرها في العملات البربرية، وتم تمثيل هذه الإلهة بطرق متنوعة على عملات النوميديين منذ بداية القرن الأول ق.م، وعندما احتل الرومان شمال إفريقيا، ظهرت إيفري في نقش على عملات الدول الرومانية في شمال إفريقيا. 

ويبدو أن البانثيون الروماني قد تم تبنيه بشكل عام رغم أن عبادة "ساتورن" كما ذكر آنفا ربما كانت الأكثر أهمية. 

وقد ظهر إله جديد في النصوص اللاحقة وعرف عند القبائل البربرية التي تواجدت خارج الحدود الرومانية في ليبيا مثل قبيلة الأوستوريانيين وهو الإله "غورزيل"، وكان إله حرب عرف بكونه إبن "آمون"، وكان يؤخذ مع البربر في معاركهم ضد البيزنطيين، ويصف كوريبوس بأن زعماء لغواطة أخذوا إلههم "غرزيل" في معركة ضد البيزنطيين والعرب، ومن المحتمل جدا أن يكون ملاذ "غورزيل" في "غيرزا" (قرزة) في ليبيا، حيث تظهر النقوش الليبية البارزة "غورزيل" يتلقى جزية ليبية نبيلة بينما يجلس على كرسي كورولي. 
المرجع:

الأنوناكي

أربعة منحوتات نحاسية يرجع تاريخها إلى 2130 ق.م وتصور أربعة من آلهة بلاد الرافدين القديمة تعتر تيجانا قرنية مميزة.

"الأنوناكي" (وتملى أيضا "أنونا" و "أناناكي" وأشكال أخرى عديدة) هي مجموعة من الآلهة ظهرت في التقاليد الأسطورية للسومريين القدماء وكذلك الأكاديين والآشوريين والبابليين.

ويبقى تفصيل أعداد "الأنوناكي" والأدوار المنوطة بهم متضاربا ومختلفا، وفي الكتابات السومرية المبكرة بشأنهم والتي أتت في الفترة اللاحقة للعهد الأكادي، يعتبر "الأنوناكي" الآلهة الأقوى في مجمع الآلهة، وهم أحفاد "أنو" إله السماء، ووظيفتهم الأساسية هي تقرير مصير البشرية.

وفي أسطورة "نزول إنانا إلى العالم السفلي" يصور الأنوناكي بأنهم سبعة قضاة يجلسون أمام عرش "أرشكيجال" في العالم الأدنى، واتبعت النصوص الأكادية اللاحقة، مثل "ملحمة جلجامش" هذا التصوير. وخلال العهد البابلي القديم، اعتقد أن "الأنوناكي" هم آلهة أخروية في العالم السفلي، بينما عرفت آلهة السماء باسم "إغيغي". وعرف الحيثيون "الأنوناكي" بأنهم الجيل الأقدم للآلهة الذين أطيح بهم وتم نفيهم إلى العالم السفلي من قبل الآلهة الشابة، كما تم التركيز على "الأنوناكي" بشكل بارز في أعمال التاريخ المزيف المعاصرة مثل كتب زكريا سيتشين ونظريات المؤامرة من قبيل نظرية ديفيد آيك.
ختم أسطوانة أكادي يصور إلهة نباتية، ربما كانت "ننهورساج" جالسة على العرش ومحاطة بالمصلين (يعود تاريخها إلى حوالي 2350-2150 ق.م).

إن إسم "أنوناكي" مستمد من "أنو"، إله السماء السومري، ويكتب الإسم بشكل مختلف: "آ-نونا"، أو "آ-نون-ا"، بمعنى "النسل الأميري" أو "نسل أنو".

واعتقِد أن "الأنوناكي" هم نسل الإله "أنو" وزوجته إلهة الأرض "كي"، ويحدد الخبير السومري من أمريكا "صموئيل نوح كريمر" هوية "كي" مع الإلهة الأم "ننهورساج" مشيرا إلى أنهما كانا في الأصل نفس الشخصية، وكان أقدم فرد من "الأنوناكي" هو "إنليل" إله الهواء والإله الرئيس في مجمع الآلهة السومرية، واعتقد السومريون أنه إلى حدود ولادة "إنليل" كانت السماء والأرض غير منفصلتين، وبعدئذ، شق "إنليل" السماء والأرض إلى قسمين وحمل الأرض بعيدا بينما حمل أبوه "أنو" بدوره السماء بعيدا عن الأرض.

وفيما يخص العبادة والأيقنة تمت الإشارة إلى "الأنوناكي" بشكل رئيسي في الكتابات الأدبية، ولم يتم العثور على أدلة كافية تدعم أي عبادة مخصصة لهم بشكل جماعي، وهذا على الأرجح يرجع إلى حقيقة أن كل عضو من "الأنوناكي" لديه(ا) عبادة فردية مختلفة عن الآخرين، وبالمثل، لم يتم بعد اكتشاف أية تمثيل "للأنونانكي" كمجموعة على الرغم من أنه تم تحديد بعض الصور لأفرادها، كانت الآلهة في بلاد الرافدين مجسمة بشكل حصري تقريبا، لقد كان يعتقد أنهم يمتلكون قوى غير عادية وكثيرا ما كانوا يصورون أنهم ذوي أحجام هائلة، وعادة ما كانوا يرتدون "الميلام"، وهي مادة مبهمة "تلفهم بالفخامة المهيبة"، وقد كان في وسع الأبطال والملوك والعمالقة وحتى الشياطين أيضا ارتداء هذا "الميلام"، ووصف تأثير رؤية "ميلام" الآلهة على الإنسان ب "ني"، وهي كلمة تعني حالة الخدران أو الخدر، كذلك دائما ما كانت تصور الآلهة معتمرة قلانس مقرنة تتكون مما يصل مجموعه إلى سبعة أزواج متراكبة من قرون الثور، وكذلك صوروا أحيانا وهم يرتدون ثيابا وشيت بزخارف ذهبية وخيطت بحلي فضية.

وقد اعتقد سكان بلاد الرافدين القدماء بأن آلهتهم تعيش في السماء، لكن منحوتات هذه الآلهة كانت عبارة عن تجسيد مادي لها، وعلى هذا النحو، رعوا الأصنام باستمرار واهتمام بالغين وعينوا كهنة لهذا الشأن، حيث كان هؤلاء الكهنة يكسون الأصنام المذكورة ويضعون الولائم أمامها حتى تتمكن من تناولها، وساد الاعتقاد بأن معبد الآلهة مكان لإقامتها الفعلية، فخصصت قوارب لهذه الآلهة ومراكب "صندل" كاملة الأحجام خزنت عادة داخل المعابد واستخدمت لنقل التماثيل على طول المجاري المائية خلال المهرجانات الدينية المختلفة، وقد كان للآلهة عربات كذلك خصصت لنقل تماثيلهم المعبودة في البر، وقد كانت تنقل هذه التماثيل أحيانا إلى ساحات المعارك حتى تتمكن الآلهة من مشاهدتها، واعتقد أن الآلهة الرئيسية في البانثيون الميسوبوتامي بما فيها "الأنوناكي" كانت تشارك في "مجلس الآلهة" الذي كانت تتخذ فيه كل قراراتها، وكان ينظر إلى هذا المجلس على أنه "نظير رباني" للنظام الشبه ديمقراطي القضائي الذي وجد خلال عصر سلالة أور الثالثة (2112 إلى 2004 قبل الميلاد). 
ختم أسطوانة أكادي يرجع تاريخه إلى حوالي 2300 ق.م يصور الآلهة إنانا و أوتو و إنكي ثلاثة أعضاء من الأنوناكي.

وقد اختلفت تمظهرات الأنوناكي في علم الأساطير، ففي علم الأساطير السومرية جاءت الاستعمالات الأولى المعروفة لمصطلح "الأنوناكي" من النقوش التي دونت خلال حكم الملك السومري "جوديا" (2144 إلى 2124 قبل الميلاد) وفي عصر سلالة أور الثالثة، وفي الكتابات المبكرة، كان يخصص هذا اللقب للآلهة الأكثر قوة وأهمية في مجمع الآلهة السومري وهم: أحفاد إله السماء "أنو"، وربما ضمت مجموعة الآلهة هذه "آلهة القضاء السبعة: أنو و إنليل و إنكي و ننهورساج و نانا و أوتو و إنانا".

وبالرغم من أن آلهة معينة وصفت بكونها أعضاء من "الأنوناكي"، لم تنجو لائحة كاملة واحدة لأسماء جميع "الأنوناكي"، وعادة ما كان يشار إليهم فقط كمجموعة ملتحمة في النصوص الأدبية، علاوة على ذلك، وصفت النصوص السومرية "الأنوناكي" بشكل غير متسق ولم تتفق على عددهم أو وظيفتهم الإلهية، وفي الأصل، تظهر "الأنوناكي" بأنها آلهة سماوية ذات قوى هائلة، ففي قصيدة "إنكي والنظام العالمي" على سبيل المثال فإن "الأنوناكي" يبايعون "إنكي" ويرتلون ترانيم الحمد على شرفه، "ويأخذون منازلهم" وسط شعب "سومر". ونفس التأليف ينص مرارا وتكرارا على أن "الأنوناكي" "يقررون مصائر البشرية".

من الناحية العملية فقد كان ينظر إلى كل معبود رئيسي من مجمع الآلهة السومرية كسيد لمدينة محددة وكان يتوقع أن يحمي مصالح تلك المدينة، واعتقد أن هذا المعبود يقيم بشكل دائم في معبدها، وهناك نص يشير إلى نحو خمسين من "الأنوناكي" ارتبطوا بمدينة "إريدو" وحدها، وفي أسطورة "نزول إنانا إلى العالم السفلي" هناك فقط سبعة من "الأنوناكي" الذين أقاموا في العالم السفلي وشغلوا مناصب القضاة، وقد وقفت "إنانا" في محاكمتها أمامهم عند محاولتها الاستيلاء على العالم السفلي، لكنهم اعتبروها مذنبة بسبب الكبر وحكموا عليها بالموت.

لقد كانت الآلهة الرئيسية في الأساطير السومرية مرتبطة أيضا بأجرام سماوية محددة، فاعتقد أن "إنانا" كانت مرتبطة بكوكب الزهرة، و "أوتو" بالشمس، و "نانا" بالقمر ومُعرفة أيضا بكل نجوم "السماء الاستوائية"، وارتبط "إنليل" "بالسماء الشمالية" بينما ارتبط "إنكي" "بالسماء الجنوبية"، وكان مسار مدار "إنليل" دائرة متواصلة ومتناظرة حول "القطب السماوي الشمالي"، لكن اعتقد أن مسار "أنو" و "إنكي" متقاطعان في نقاط مختلفة.
التمثيل البابلي للإله الوطني مردوخ، وقد صوره البابليون والآشوريون كعضو بارز في الأنوناكي.

أما في كل من علم الأساطير الأكادية والبابلية والآشورية فالنصوص الأكادية التي تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد تتبع صورا "للأنونانكي" مشابهة لتلك المذكورة في أسطورة "نزول إنانا إلى العالم السفلي"، وتُظهر "الأنوناكي" في شكل آلهة أخروية سفلية، وفي "الإصدار الأكادي المختصر لهبوط إنانا" التي كتبت في بدايات الألفية الثانية قبل الميلاد، فإن "أرشكيجال"، ملكة العالم السفلي، تعلق قائلة بأنها "تشرب الماء مع الأنوناكي"، وفي مقطع لاحق من نفس القصيدة الملحمية، تأمر "أرشكيجال" خادمها "نمتار" بإحضار "الأنوناكي" من "إيجالجينا" (قصر العدل) "لتزيين ممشى العتبة بالمرجان"، وكذلك "لإجلاسهم على عروش ذهبية".

وخلال العهد البابلي القديم (1830 – 1531 قبل الميلاد) تظهر مجموعة جديدة من "الأنوناكي" باسم "إغيغي" على أن العلاقة بين "الأنوناكي" و "الإغيغي" تبقى غير واضحة، وفي بعض المناسبات، تظهر هاتان الفئتان كمرادف لبعضهما، لكن في كتابات أخرى، مثل "قصيدة إيرا" يبدو التمايز واضحا بينهما، وفي الملحمة الأكادية "أترا هاسس" يظهر "الإغيغي" بأنه الجيل السادس للآلهة والذي أرغم على خدمة "الأنوناكي"، وبعد أربعين يوما، يتمرد "الإغيغي"، فيخلق الإله "إنكي" ـ أحد "الأنوناكي" البشر لتحل محل "الإغيغي".

وابتداء من العهد البابلي الأوسط (1592 – 1155 قبل الميلاد) فصاعدا، أطلق إسم "الأنوناكي" بصفة عامة على آلهة العالم السفلي، بينما أطلق إسم "الإغيغي" على آلهة السماء، وخلال هذه الفترة، فإن آلهة العالم السفلي "دمكينا (ننهورساج)" و "نيرغال" و "مادانو" تصنف بأنها الأقوى من بين كل "الأنوناكي" إلى جانب "مردوخ" الإله الوطني لبابل القديمة.

وفي "محلمة جلجامش" الأكادية الأساسية (1200 سنة قبل الميلاد) فإن "أوتنابيشتيم" الناجي الخالد من الفيضان العظيم، يصف "الأنوناكي" بأنهم سبعة قضاة في العالم السفلي والذين يلهبون الأرض باقتراب العاصفة، ولاحقا، مع قدوم الطوفان، فإن "عشتار" (النظيرة السامية الشرقية "لإنانا") "والأنوناكي" يحزنون حدادا على دمار البشرية.

وفي "قصة الخلق البابلية"، يخصص "مردوخ" "للأنونانكي" منازلهم، لكن في إصدار بابلي متأخر للملحمة فإنها تشير إلى 600 من "الأنوناكي" في العالم السفلي، وفقط 300 "أنونانكي" للسماء، مما يشير إلى وجود علم كون سفلي معقد، واعترافا بالجميل، تبني "الأنوناكي ـ الآلهة العظام" "إيساكيلا" "معبد فخم مخصص "لمردوخ" و "إيا (إنكي)" و "إنليل"، وفي "قصيدة إيرا" من القرن الثامن قبل الميلاد، يوصف "الأنوناكي" بأنهم إخوة للإله "نيرغال" ويصورون بأنهم معادون للبشر.

ويصف نص مدمر على نحو سيء يعود إلى العهد الآشوري الحديث (911 – 612 قبل الميلاد) "مردوخ" يقود جيشه من "الأنوناكي" داخل المدينة المقدسة "نفر" ويسبب الاضطرابات التي تؤدي إلى فيضان الذي يرغم بدوره الآلهة المقيمة في المدينة للجوء إلى معبد "إيشوميشا" في مدينة "نينورتا"، ويغضب "إنليل" من خطيئة "مردوخ" ويأمر آلهة "إيشوميشا" بأخذ "مردوخ" وباقي "الأنوناكي" أسرى، فيتم القبض على "الأنوناكي"، لكن "مردوخ" يأمر مرشحه للقيادة المسمى "موشتيشيراحبليم" بالثورة ضد آلهة "إيشوميشا" ويرسل مبعوثه "نيريتغاميل" لتنبيه "نابو" إله الأدب، وحين تسمع آلهة "إيشوميشا" خطاب "نابو"، تخرج من معابدها للبحث عنه، ويهزم "مردوخ" آلهة "إيشوميشا" ويأخذ 360 منهم كأسرى حرب، بمن فيهم "إنليل" نفسه، ويعترض "إنليل" بأن آلهة "إيشوميشا" بريئة، فيخضعها "مردوخ" للمحاكمة أمام "الأنوناكي"، وينتهي النص بتوجيه "دامكيانا" (إسم آخر "لننهورساج") تحذيرا للآلهة والبشر ومناشدتهم بعدم تكرار الحرب بين "الأنوناكي" وآلهة "إيشوميشا".
نقش حثي قديم يازليكايا، وهو ملاذ في حتوساس (حتوشاش) عاصمة الحثيين، يصور اثنا عشر من آلهة العالم السفلي الذين حددهم الحثيون بكونهم الأنوناكي الميزوبوتاميين.

وفيما يتعلق بعلم الأساطير الحورية والحيثية: فإن الحوريين والحيثيين (الذين ازدهروا من منتصف إلى أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد) كانوا يؤمنون بأن الجيل الأقدم للآلهة قد نفي من قبل الجيل الأحدث نحو العالم السفلي، حيث حكمتهم الإلهة "ليلواني" وحدد الكُتاب الحيثيون هذه الآلهة في "الأنوناكي"، وفي اللغة الحورية القديمة، يشار إلى "الأنوناكي" بلفظ "كاريوليش شوينش" بمعنى "الآلهة القديمة السابقة"، أو "كاتيريش شوينش" بمعنى "آلهة الأر ض"، والمواثيق "الحورية" و "الحيثية" كان القسم فيها غالبا ما يتم باسم الآلهة القديمة لضمان الحفاظ عليه، وفي إحدى الأساطير، كانت الآلهة مهددة من لدن الوحش الصخري العملاق "أوليكومي"، فيأمر "إيا" (الإسم الأحدث "لإنكي") الآلهة السابقة بإيجاد السلاح الذي استعمل سابقا لفصل السماء عن الأرض، فيجدونه ويستعملونه لقطع أرجل "أوليكومي".

ورغم أن أسماء "الأنوناكي" كثيرا ما تختلف في النصوص الحورية والحيثية، لكن عددهم دائما ثمانية، وفي إحدى الشعائر الحيثية، صنفت أسماء الآلهة القديمة حسب ما يلي: "أدونتاري" المتنبئ، و "زولكي" مفسر الأحلام، و "إربيتيا" رب الأرض، وكل من "نارا" و "نامشارا" و "مينكي" و "أمونكي" و "آبي"، ولم تكن للآلهة القديمة أية عبادة معروفة في الديانة الحورية ـ الحيثية، وبدلا من ذلك، سعى الحيثيون للتواصل مع الآلهة القديمة من خلال القرابين الطقوسية التي كان يضحى فيها بالخنانيص (صغار الخنازير) في تجويفات محفورة في الأرض، وعادة ما كانوا يبتهلون للآلهة القديمة ويستحضرونها لأداء طقوس التطهير.

وفي نهاية المطاف أصبح الحساب الحيثي لنفي الآلهة القديمة إلى العالم السفلي مصدرا لسرد الشاعر الإغريقي "هسيودوس" عن الإطاحة بالجبابرة من قبل الأولمبيين في "أنساب الآلهة" الخاص به، فإله السماء الإغريقي "أورانوس" (الذي يعني السماء) هو أبو الجبابرة، وقد استمد من الإصدار الحيثي "لأنو"، وحسب "هسيودوس" خُصي "أورانوس " من قبل إبنه "كرونوس" كما خصي "أنو" من قبل ابنه "كوماربي" في الحكاية الحيثية.

كذلك فإن الأنوناكي صاروا موضوعا دسما في التاريخ المزيف الحديث: ففي كتابه الصادر سنة 1976 بعنوان "الكوكب الثاني عشر" يزعم المؤلف الأمريكي ـ الروسي زكريا سيتشين أن "الأنوناكي" كانوا في الواقع عرقا من الكائنات الفضائية قادمة من الكوكب غير المكتشف "نيبيرو" الذين أتوا إلى الأرض منذ حوالي 500.000 سنة مضت قصد استخراج الذهب، ووفقا لسيتشين، فإن "الأنوناكي" هندسوا وراثيا "الإنسان المنتصب" بهدف خلق بشر معاصرين وتسخيرهم كعبيد، ويدعي سيتشين أن "الأنوناكي" أجبروا على مغادرة الأرض عندما ذابت الأنهار الجليدية القطبية الجنوبية متسببة في "طوفان نوح" والتي أدت إلى تدمير قواعد "الأنوناكي" في الأرض، وكان ينبغي إعادة بناء هذه القواعد وكان هؤلاء "النفليم" في حاجة إلى مزيد من البشر للمساعدة في هذا المجهود الهائل، فلقنوهم الزراعة، وكتب "رونالد إتش فرايتز" أنه بحسب سيتشين، "بنا "الأنوناكي" الأهرامات وكل الهياكل الضخمة الأخرى من حول العالم لأن منظري ريادة الفضاء القديمة يعتبرون أنه من المستحيل جدا تشييد هذه البنايات دون تقنيات متقدمة للغاية".

ويزعم سيتشين كذلك أن "الأنوناكي" خلفوا وراءهم هجينا بشريا- فضائيا، والتي مايزال بعضها موجودين في عصرنا الحاضر، غير مدركين لأسلافهم الفضائيين، وقد توسع سيتشين في هذه الأسطورة في أعماله اللاحقة، بما فيها "الدرج نحو السماء" (1980) و "حروب الآلهة والرجال" (1985). وفي كتابه "نهاية الأيام: أرمجدون ونبوءة العودة" (2007)، تنبأ سيتشين أن "الأنوناكي" سوف يعودون إلى الأرض، ربما بحلول سنة 2012 بالتطابق مع "التقويم العددي الطويل الوسط – أمريكي".

وقد رُفضت كتابات سيتشين عالميا من قبل مؤرخي الاتجاه السائد، الذين صنفوا كتبه بكونها "تاريخا زائفا" مشيرين إلى أن سيتشين يتعمد ـ على ما يبدو ـ تحريف النصوص السومرية عن طريق افتباسها خارج سياقاتها، مقتطعا الاقتباسات ومسيئا ترجمة الكلمات السومرية لمنحها معاني مختلفة جذريا عن تعريفاتها المقبولة، ومع ذلك، بسبب عمل سيتشين في ظل كتاب "إريك فون دانكن" الأوسع انتشارا "عربات الآلهة؟"، فقد تمكن من الخلاص من ملاحظات "كاشفي الزيف"، سامحا لنظرياته بأن تصبح أكثر تأثيرا، ورغم أن سيتشين بنفسه يصف "الأنوناكي" ب "هيومانويدات" (كائنات حية لها مظهر يشبه الإنسان) أو "فضائيي الشمال"، فإن منظر المؤامرة آرثر هورن يقرر في كتاب صدر عام 1994 بأن "الأنوناكي" كانوا في الواقع عبارة عن "هيومانويدات زاحفة"، أما منظر المؤامرة البريطاني "ديفيد آيك" فيتوسع بشكل أبعد في هذه الأطروحة مدعيا أن سلالات الفضائيين الناجية المشار إليها من قبل سيتشين ألفوا "أخوية بابل" وهو عرق متحول الشكل أو الفضائيون الزاحفون الذين يسيطيرون على كل حكومات العالم ويبقون البشر مستعبدين، مستعملين "المتنورين" كواحدة من قطع الشطرنج المجازية.
المرجع:

بيمون

بيمون كما تم وصفه في كتاب "كولين دوبلانصي" "المعجم الجهنمي"، طبعة 1863.


"بيمون" (أيضا بايمون)، روح ذكرت في كتب: المفتاح الأصغر لسليمان (في الجزء المسمى Ars Goetia)، ومملكة الشياطين الزائفة، والمعجم الجهنمي، وكتاب الأرواح (باسم بويمون)، ومكتب الأرواح، وكتاب أبراميلين (أو الساحر أبراهام)، وعدة مطبوعات فرنسية من كتاب السحر للبابا هونوريوس الثالث (باسم باييمون)، وكذلك في كتاب أرواح الكنز.

ويعتبر فن الاستخراج أو الـ Ars Goetia في كتاب مفاتيح سليمان وكذلك جوهان واير في كتابه هما أول من بدأ إدخال بيمون مع إشارتهما إلى أنه مذعن تماما للوسيفر.

ويظهر بيمون بأنه الروح التاسعة في الغويتيا، والروح الثانية والعشرون في كتاب واير "مملكة الشياطين الزائفة" وكذا في المعجم الجهنمي، أما في كتاب "مكتب الأرواح" فقد أدرج أولا بأنه الروح السادسة ولاحقا بأنه الملك الثالث.

وكل كتب السحر المذكورة آنفا تصنف بيمون كملك، وقد حددت كتب "كتاب الأرواح" و"أرواح الكنز" و"غريموار البابا هونوريوس" بأن بيمون هو ملك الغرب، ووفقا لكتاب "أبراميلين" (حيث لم يعط لظهور بيمون أي توصيف) فإن بيمون على خلاف ما تقدم هو أحد الدوقات الثمانية.

وقد حذرت الـ Goetia وكذلك جوهان واير وكولين دو بلانصي من أن بيمون إذا ظهر وحده، يجب تقديم أضحية لاستدعاء بيبال وآبالام وهما ملكان في خدمته لكن لا يرافقانه دائما، هذه المصادر الثلاث صرحت بأن بيمون يحكم 200 من فيالق الأرواح، بعضها يرتقي إلى مصاف الملائكة وباقي القوى، و"كتاب الأرواح" من ناحية أخرى يجعلهم فقط 25 فيلقا من الأرواح، أما "أرواح الكنز" يذكر بأنه يقود أسقفا يدعى سبيريون من بين الأرواح الأخرى.

الطبعات النقدية لكتاب "المفتاح الأصغر لسليمان" تصنفه على أنه سلطان سابق، ويلاحظ واير التباسا فيما إذا كان سلطانا سابقا أو كاروبيم، ووفقا لتوماس رود فإن بيمون كان يناصب العداء للملاك ذي الإسم الصريح حزائيل.

المنجم الممارس كارول بوك رينيون يذكر بأن الإسم مستمد في النهاية من "إلهة وثنية شرق أوسطية" على أساس أن بعض المخطوطات تصور بيمون في شكل امرأة شابة تركب جملا، وأن الإسم "بيمون" يعني في زعمه "الصوت الرنان" في لغة غير محددة، وفي المقابل، هناك ادعاء بأن مرجع الإسم يعود إلى إيزيس، وهذا جزء من زعم أشمل بأن "المفتاح الأصغر لسليمان" يعود إلى سليمان وأنه متجذر في أساطير بلاد ما بين النهرين.

ويوصف بيمون في "الغويتيا" و "واير" و "دو بلانصي" و"كتاب الأرواح" و"مكتب الأرواح" و"أرواح الكنز" بأنه رجل يمتطي جملا عربيا يتقدمه رجال يعزفون نوعا من الموسيقى الصاخبة (خصوصا الأبواق)، ويضيف "أرواح الكنز" بأن الجمل مكلل، بينما تجعل المصادر الأخرى بيمون بنفسه متوجا، والغويتيا بنفسها لا تقع على ذكر لوجه بيمون، بينما تصفه الكتب الأخرى بأن لديه وجه امرأة ولكن تظل مع ذلك تشير إليه باستخدام الضمائر الذكورية.

ويذكر كتابا "أرواح الكنز" و"كتاب مكتب الأرواح" بأن لبيمون صوت أجش، ويذكر "واير" و"الغويتيا" بأن بيمون مأمور بالتحدث بثبات، أما كتاب "مكتب الأرواح" فيذكر بأن بيمون سيتحدث لغته المحلية إلى أن يوجه إليه أمر بالتحدث بلغة المستضيف الخاصة.

وتصف كتب السحر الآنفة بيمون بأنه يلقن المعرفة ويجيب عن الأسئلة الأخرى، "الغويتيا" و"واير" يحددان بأن معرفة بيمون تشمل كل الفنون و"الأشياء السرية"، مثل المعرفة المتعلقة بالأرض ومياهها ورياحها، ويوسع "كتاب الأرواح" و"مكتب الأرواح" هذه المعرفة لتشمل الجواب الصادق عن كل الأسئلة الموجهة إليه، وتزعم المصادر الأولى بأن في وسع بيمون الكشف عن الكنوز المخفية، أما المصادر الأخيرة تشير إلى أن بيمون يعرف كل أمور الأرض، وتزعم "الغويتيا" و"واير" و"كتاب الأرواح" أيضا بأن لبيمون القدرة على منح الكرامات والسيادة، وتنسب "الغويتيا" و"واير" لبيمون منح شياطين (الذين يتقنون التلقين أيضا)، وحده "كتاب مكتب الأرواح" يعطيه الأمر على الكائنات البحرية، و"أرواح الكنز" يشير إلى أن بيمون في "اختبار يجعل لصا يعود".

وفي كتاب "أبراهام" تشمل قوى بيمون معرفة أحداث الماضي والمستقبل وتوضيح الشكوك وجعل الأرواح تظهر للعيان وخلق الرؤى واكتساب وطرد أرواح خادمة وإحياء الموتى لسنوات معدودة والطيران والمكوث تحت الماء دون وقت محدد وكذلك القدرات العامة لجعل كل أنواع الأشياء وكل أصناف الناس تظهر بأمر من الساحر.
المرجع:

أسرار ديونيسوس

ديونيسوس في باخوس، للرسام الإيطالي كارافاجيو (1571-1610).


أو الأسرار الديونيسوسية، وهي عبارة عن طقوس كانت تمارس في اليونان القديمة وروما والتي رافق تأديتها أحيانا استعمال بعض المهلوسات بالموازاة مع وسائل أخرى للتغييب مثل الرقص والموسيقى، وكانت الغاية من ذلك هو التخلص من الموانع والقيود الاجتماعية، وتحرير الفرد وإعادته إلى الحالة الطبيعية، كما قدمت هذه الطقوس خدماتها للمهمشين من قبل المجتمع الإغريقي والذين كانوا يتمثلون في النساء والعبيد والخارجين عن القانون وغير المواطنين، وفي مراحل متأخرة من ممارستها، غيرت هذه الطقوس تركيزها من التوجه إلى العالم السفلي إلى التوجه نحو عالم متسام وباطني، وتغيرت بالتالي طبيعة ديونيسوس وفقا لهذا التغير. وبطبيعتها كديانة غامضة محجوبة عن جموع المستهلين، فقد بقيت العديد من جوانب عبادة ديونيسوس غير معروفة وتم فقدانها مع تراجع الوثنية الإغريقية ـ الرومانية، والمعلومات الحالية عنها مستمدة من خلال تقفي النعوت والمنحوتات والدراسات متعددة الثقافات. 
كراتر ديرفيني، طولها 90.5 سنتمتر تعود للقرن الرابع قبل الميلاد، والكراتر هو نوع من الزهريات التي كان يشرب فيها الخمر والماء في عصر اليونان القديمة.

ويعتقد أن أسرار ديونيسوس قد تطورت في البر الرئيسي لليونان وعلى مستوى الإمبراطورية الرومانية من كونها عبادة أولية أكثر بدائية ومجهولة الأصول انحدرت من تراقيا أو فريجيا ربما، إلى عبادة أكثر تطورا تمكنت من الانتشار عبر منطقة البحر الأبيض المتوسط منذ بداية العصر الكلاسيكي اليوناني، وقد ارتبط انتشار هذه العبادة بانتشار شراب النبيذ وذيوعه بالإضافة إلى مختلف مهلوسات الإنثيوجين التي يبدو أنها ارتبطت بها بشكل وثيق علاوة على شراب "الميد". وبابتدائها كشعيرة بسيطة، سرعان ما تطورت عبادة ديونيسوس داخل الثقافة الإغريقية لتصبح "ديانة غامضة" ذات شعبية استوعبت مجموعة متنوعة من الطوائف الدينية المماثلة بآلهتها لتشكل تخليقا إغريقيا نموذجيا امتد عبر مختلف أقاليم اليونان، ولعل أحد الأشكال المتأخرة لهذه العبادة يتمثل تحديدا في الديانة الأورفكية. وعلى أية حال، يبدو أن جميع مراحل هذه السلسلة التطورية لأسرار ديونيسوس قد استمرت متوازية في جميع أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط حتى أواخر التاريخ الإغريقي وبداية صعود التنصير. 
طاولة رخامية دعائمها مزينة بمجموعة من الآلهة تشمل ديونيسوس و بان و ساتير، ويحمل ديونيسوس الريتون (إناء للشرب) منحوتة على شكل نمر، من ورشة عمل آسيا الصغرى، 170-180 م، المتحف الوطني الأثري، أثينا، اليونان.

وبتقصي أصول العبادة النشوانية لديونيسوس فإن الاعتقاد الذي كان سائدا هو أنها قدمت إلى اليونان من تراقيا أو آسيا الصغرى بسبب شعبيتها هناك والدليل على ذلك ـ حسب هذا الاعتقاد ـ هو عدم دمج ديونيسوس داخل البانتيون الأولمبي لآلهة الإغريق، خاصة بعد اكتشاف إسم هذا المعبود في "الألواح الموكيانية" التي تنتمي إلى المنطقتين الآنفتين، لكن أصبحت هذه النظرية مهجورة وتم التوصل لاحقا إلى أن أسرار ديونيسوس هي عبادة محلية بامتياز، أما غياب ديونيسوس عن البانتيون الأولمبي فيفسر بأنماط الاستبعاد الاجتماعي لمعتنقي هذه الأسرار وتهميش العبادة ككل في بداياتها، وعلى أية حال، يصعب تتبع التسلسل الزمني الدقيق لهذه العبادة، سواء أصلت العبادة في كريت المينوسية كجانب من عبادة "زاجروس" القديم أو أفريقيا أو في تراقيا أو آسيا كتمثل بدائي" لسابازيوس" وتظل الإجابة الحاسمة غائبة بسبب نقصان الأدلة، ويبقى من المؤكد عموما أنها تحتوي على ميزات مألوفة من "الحضارة المينوسية". 
فسيفساء يونانية تصور الإله ديونيسوس كأنه مجنح يمتطي نمرا من بيت ديونيسوس في جزيرة ديلوس (التي كان يسيطر عليها الأثينيون ذات وقت) في منطقة جنوب بحر إيجة في اليونان، ويعود تاريخ هذه الفسيفساء إلى أواخر القرن الثاني ق.م، من متحف ديلوس الأثري.

إن الجذور الأصلية لديونيسوس ـ كما عرفت في اليونان ـ ارتبطت بتقديس النبيذ وهو نفس ارتباط طوائف أمريكا الوسطى القديمة بتقديس الأنثيوجين مثلا، وتمثل هذا التقديس في الاهتمام بزراعة الكرمة التي كان يعتقد أنها تجسيد للإله الحي وفهم دورة حياتها، وكذا تخمير النبيذ من "جسدها" المعتصر، هذا النبيذ الذي مثل للإغريق جوهر الرب في العالم السفلي، والأهم من ذلك كان ينُظر إلى الآثار المسكرة والفاضحة للنبيذ على أنها عبارة عن تملك من قبل روح الإله ولاحقا كمسبب لهذا التملك، هذه الطائفة ـ طائفة ديونيسوس ـ لم تكن تهتم فقط بالكرمة في حد ذاتها، ولكن انصب اهتمامها أيضا على المكونات الأخرى للنبيذ، فمن المعلوم أن النبيذ يشتمل على عناصر أخرى عشبية وزهرية وراتنجية، إضافة إلى جودته، والنكهة والخصائص الطبية التي تميزه، على أن محتوى الكحول في النبيذ عند قدماء الإغريق كان منخفضا، وعزا بعض العلماء المعاصرين تأثيره القوي كان بسبب ربما مكونات إنثيوجينية كانت تضاف إلى "شكله المقدس" في الغالب، وعادة ما كان يضاف إليها العسل والشهد كذلك، بل وحتى مشروب أكثر عراقة مثل شراب الميد، وبناء على ذلك، افترض العالم الهنغاري "كارولي كيرينيي" في أن تقليد النبيذ هذا حل محل تقليد "الميد" في العصر الحجري الحديث. أو استوعبه جزئيا. 

وكان هناك نباتات أخرى اعتقد الإغريق بأهميتها الثقافية فضمنوها أيضا في تقاليد النبيذ مثل نبتة اللبلاب الكبير المقاومة للسكر والتي تزهر في الشتاء بدل الصيف، والتين الذي اعتبر بمثابة ملين للذيفان والصنوبر الذي جُعل حافظا للنبيذ، إضافة إلى رمزية الثور بالنسبة للذين كانوا يسكرون من قرن النبيذ والماعز فيما يتعلق بالزق الذي كان يخصص للنبيذ، وفي نهاية المطاف كان ينظر إلى هذه المكونات كتجليات لديونيسوس، ففهم التقليد الثقافي للكرمة ورمزيتها عند الإغريق كان المفتاح الرئيسي لفهم عبادة ديونيسوس التي انبثقت منها، هذه الرمزية التي شملت الحياة والموت والبعث من جديد وتوفير نظرة ثاقبة في علم النفس البشري. 

وسواء كان بزوغ ديونيسوس في اليونان مرتبطا بدخول النبيذ إليها منذ 6000 سنة قبل الميلاد آتيا من جبال زاغروس والأراضي المتاخمة لبلاد الرافدين وفارس مرورا بآسيا الصغرى التي عرفت بالروافد الغنية لثقافة النبيذ، أو آتيا من منحدرات جبال ليبيا والمناطق الأخرى من شمال أفريقيا ـ التي اشتهرت بالكروم البرية ـ مرورا بمصر القديمة، فإن كريت المينوسية تبقى المعبر الأساسي حيث كانت تستورد النبيذ من المصريين والتراقيين والفينيقيين وتصدره لمستعمراتها بما فيها اليونان، وربما تبلورت أسرار ديونيسوس في كريت المينوسية في الفترة الممتدة من 3000 إلى 1000 سنة قبل الميلاد، خاصة إذا علمنا أنه لم يكن هناك وجود لاسم "ديونيسوس" كما هو متعارف عليه في أي مكان جغرافي آخر غير اليونان وجزيرة كريت. 

وقد كانت "طقوس ديونيسوس" مؤسسة على ثيمة الموت والبعث الموسمية، وشائعة وسط مختلف الطوائف الزراعية على غرار "طائفة أسرار أليوسيس"، كما أن الأسرار الأوزيريسية في مصر الفرعونية تقاطعت مع نظيرتها الديونيسيسية إلى حد بعيد حسب المهتمين بالحضارة المصرية والإغريقية. وتضمن "تملك الروح" في عبادة ديونيسوس التحرر من مبادئ الحضارة وقيودها والاحتفال بالخارجين عن المجتمع المتحضر العائدين إلى الطبيعة البدائية، وتضمنت العبادة أيضا الهروب من الشخصية المجتمعية والأنا داخل شطحات الروح والانصهار في "الدولة المؤلهة أو القطيع البدائي" أو كلاهما، بهذا المعنى اعتبر ديونيسوس الإله الذي بداخله وحش، أو تجسد العقل الباطن حسب علم النفس المعاصر لذا ليس مفاجئا أن العديد من المصلين لديونيسوس كانوا على هامش المجتمع من النساء والعبيد والخارجون عن القانون والأجانب (وهم غير المواطنين في الديمقراطية الإغريقية)، فالكل كان سواسية في عبادة قلبت أدوارهم كما هو الحال في "عيد الساتورن" الروماني. 

ولم تشتمل طقوس استثارة النشوة الرئيسية في العبادة فقط على النبيذ والمهلوسات، "فاستحضار الروح" كان يتم كذلك عن طريق آلة "الرومبوس" والرقص الجماعي على إيقاع الطبول والمزامير، وكان استجداء الوصول إلى النشوة مرفوقا بحركات مميزة مثل هز الرأس إلى الخلف الذي يوجد تقريبا في كل الطقوس التي تسببها الغيبوبة والمعروفة حاليا في طقوس الفودو وغيرها من الطقوس المشابهة، وكما في طقوس الفودو، كان هناك ترانيم معينة ارتبطت بالنشوة والتي وجدت محفوظة في الكتابات الإغريقية حول الطقوس الديونيسوسة (مثل دراما "يوربيديس" المسماة "الباخوسيات") إذ تضمنت وصفا لهذه الطقوس في الريف اليوناني وبالأخص في الجبال حيث كانت تقام المواكب في أيام الأعياد. 

متبعين المشاعل المنغمسة والمتمايلة في الظلام، كان العُباد يصعدون مسالك جبلية برؤوس محنية إلى الخلف وعيون لامعة راقصين على دقات الطبول التي كانت تستثير دماءهم أو يترنحون بثمالة فيما عُرف باسم "مشية ديونيسوس"، في هذه الحالة من الهذيان أو الحماس، كانوا ينفلتون عن أنفسهم أو بتعبير أدق يتخلون عنها، ويرقصون بعنف صارخين "Euoi" ("إسم الإله" وهي صرخة كانت تطلق من نشوة الطرب والحماس في الاحتفالات والعربدات الباخوسية) وفي تلك اللحظة من نشوة الطرب الشديد، يصيرون متماهين مع الإله نفسه ممتلئين بروحه مكتسبين لقوى علوية. 

هكذا تظهر هذه الممارسة في الثقافة اليونانية من خلال مهرجانات "عيد باخوس أو الباخاناليا" و "الميندات" (Maenads أتباع ديونيسوس الإناث وأهم أعضاء "الثياسوس" أي "حاشية ديونيسوس الشاطحة") و "الثيات" (شخصيات نسائية ارتبطت بعباداة مختلف الآلهة الرئيسية) و"الباكشوي" (الغصون التي كان يحملها الملقنون خلال موكبهم على طول الطريق المقدس من أثينا إلى أليوسس)، وقد اعتبر العديد من الحكام الإغريق في البداية أن هذه الطائفة تشكل تهديدا للمجتمع المتحضر وترغب في السيطرة عليه لذا حاولوا قمعها غير أنهم لم يستطيعوا، لكن استطاعت هذه الطائفة أن تنجح في تأسيس ديونيسوسية "متمدنة" لتصبح كدين لدولة أثينا، وهذا عموما لم يكن إلا شكلا من عدة أشكال متطورة للديونيسوسية، فقد أخذت طائفة ديونيسوس أشكالا مختلفة في عدة مناطق حيث غالبا ما كانت تستوعب الآلهة الأصلية لتلك المناطق وطقوسها، لقد كان "الباكشويون" اليونانيون يرون أن ديونيسوس ـ كالنبيذ ـ له نكهة مختلفة في مناطق مختلفة، عاسكا تراثها الأسطوري والثقافي، مما يجعله يظهر بأسماء وأشكال مختلفة في كل منطقة على حدة. 

إن أهم المعدات التي كانت تستخدم في تأدية طقوس ديونيسوس اشتملت على كوب "الكانتاروس"أو زهرية "الكراتر" للشرب، وقضيب "التيرسوس" الذي يحمله الملقنون، وسوط، والخنجر المعروف "بالكوبيس اليوناني"، وشبكة صيد عرفت "بالريتيس"، وتاج الغار وعباءة أرجوانية، وأقنعة شخصية، وآلة الرومبوس، وبوق طويل مستقيم عرف باسم "السالبينكس"، وآلة البان فلوت، ودف "التيمبانون"، وسلة مليئة بالتين "الليكنون". 

واشتملت الهبات التقليدية التي كانت تقدم "لديونيسوس" على: عبير المسك، بخور اللبان، طيب الزباد، بلسم الإصطرك، اللبلاب، الصنوبر، التين، النبيذ، العسل، التفاح، القنب الهندي، جذور الأوركيس، نباتات شائكة، جميع الأشجار البرية المحلية، الماس أسود. 

أما الحيوانات التي كان يضحى بها لأجل "ديونيسوس" فتألفت من: الثور والماعز وعدوهما النمر أو أي سنور كبير والثعابين إضافة إلى الظباء والغزلان والثعالب والدلافين والأسود والخفافيش والنحل. 

وفيما يخص الابتهال لديونيسوس فإليكم هذه التراتيل الأورفكية: 

أدعوك بصوت عال وهادر "ديونيسوس"، 

أيها البدائي، ذو الطبيعة المزدوجة، المولود ثلاث مرات، السيد الباخوسي، 

أيها البري، تعلو فوق كل وصف، أيها السري، صاحب القرنين والشكلين، 

أيها المغطى باللبلاب، ذي وجه الثور، المولع بالحرب، العاوي، النقي، 

خذ اللحم الذي نُزع جلده، لك ولائم، ملفوفة بأوراق الشجر، مزينة بعناقيد العنب، 

أيها الـ"يوبوليوس" ذي الحيلة الواسعة، أيها الإله الأبدي المولود من "زيوس"، 

عندما تزوج من "بيرسيفون" في اتحاد لا يوصف، 

إستمع إلى صوتي، أيها المبارك، 

مع حورياتك النقيات ذوات الزنانير اللائي يلقين علي أنفاس روح مدهشة".
المرجع:

الجمعة، 28 يونيو 2019

سبت الساحرات

تمثيل تجمعات السبت من سجلات جوهان جاكوب ويك (1522-1588).

سبت الساحرات مصطلح ينطبق على مجموعة من أولئك الذين يعتبرون ممارسين للسحر والطقوس الأخرى. 

وقبل حلول أواخر القرن التاسع عشر، كان من الصعب العثور على أي استعمال إنجليزي لمصطلح "الساباث" Sabbath للدلالة على مجموعة من الساحرات، وقد استعملت العبارة لأول مرة من قبل الكاتب الأمريكي "هنري تشارلز لي" في كتابه "تاريخ محاكم التفتيش" (1888)، واستعمل المؤرخ الألماني "جوزيف هانسن" ـ الذي كان مراسلا ومترجما لعمل "لي" أيضا ـ في كثير من الأحيان العبارة المختصرة "هكسنسابات" Hexensabbat لتفسير تسجيلات المحاكمات القروسطية، وربما قاد تأثير كل من "لي" و "هانسن" لاحقا إلى استعمال لغوي أوسع للعبارة المختصرة. 

ويبدو أن الاستعمال الألماني للمصطلح قبل "هانسن" كان نادرا بدوره، و "تصنيف الفلكلور الألماني" لـ "جاكوب غريم" سنة 1800 بدا غير متضمن لأية إشارة لـ" Hexensabbat " أو أي شكل آخر لمصطلح "سابات" Sabbat نسبة للجنيات أو الأعمال السحرية. كما أن معاصر "غريم" وأحد المؤرخين المبكرين للسحر "ولهلم جوتليب سولدان" لم يستعمل المصطلح في تاريخه لسنة (1843). 

وبخلاف نظرائهم الإنجليز والألمان، استعمل الكتاب الفرنسيون (بمن فيهم الكتاب الفرانكوفونيون الذين كتبوا باللاتينية) من حين لآخر المصطلح وبدا أنه تجذر من الاضطهاد التحقيقي لطائفة "الولدينيسيين"؛ ففي 1124، استعمل مصطلح Inzabbatos لوصف "الولدينيسيين" في شمال إسبانيا، وفي 1438 و 1460 على ما يبدو ارتبط بمصطلح "كنيس الشيطان" الذي استعمل لوصف "الولدينيسيين" من قبل المحققين في فرنسا، وفي كتابه اللاتيني الصادر سنة 1458، أطلق المؤلف الفرنكفوني "نيكولاس جاكيي" تسمية Synagogam Fasciniorum على ما اعتبره تجمعات للساحرات. 

وبعد حوالي 150 سنة من هذه الحقبة، وأثناء ذروة فوبيا الساحرات والاضطهادات التي قادت لحرق حوالي 50.000 شخص حتى الموت (80 % تقريبا منهم نساء)، يبدو أن الكتاب الفرنكوفونيين الذين كانت لديهم فوبيا ساحرات هم الوحيدون الذين ظلوا يستعملون هذه المصطلحات المترابطة، على الرغم من أن هذا الاستعمال بقي غير منتظم إلى حد ما وبشكل متقطع في معظم الحالات، وقد استعمل "لامبرت دانو" مصطلح Sabbatha مرة واحدة (1581) للدلالة على Synagogas quas Satanica sabbatha "تجمعات السبت الشيطاني"، واستعمله "جان بودان" ثلاث مرات (1580)، واستعمله "نيكولاس ريمي" كذلك للدلالة على Synagoga (1588)، واستعمل "جاك فونتين" Sabat خمس مرات في كتاباته الفرنسية وبطريقة بدت أكثر توافقا مع الاستخدام الحديث، كما أن "بيير دولانكري" استعمل المصطلح أكثر من أي أحد آخر. 

وبعد أزيد من مائتي سنة من عصر "بيير دولانكري" استعمل الكاتب الفرنسي "لاموت-لانون" ـ الذي شخص عمله وحقق في 1970 ـ المصطلح ـ على نحو محتمل ـ أثناء ترجمة مجموعة من الوثائق من محاكم التفتيش في جنوب فرنسا، وقد اعتمد "جوزيف هانسن" "لاموت-لانون" كأحد المراجع. 

ومن الناحية الإتيمولوجية جاءت "ساباث" Sabbath بطريقة غير مباشرة من المصطلح العبري "شبات" שַׁבָּת (يوم الراحة)، وفي العبرية الحديثة، "شبات" هو يوم الراحة الذي يحتفل به من مساء الجمعة إلى غسق السبت، وفي المسيحية المعاصرة، تشير "ساباث" إلى السبت، أو لفترة زمنية مماثلة "للساباث" في "كنيسة اليوم السابع"، واتصالا بالمعتقدات القروسطية حول قوى الساحرات الشريرة وضغينة اليهود وتهويد الهرطقات أسست التجمعات الشيطانية للساحرات التي أطلق عليها "الأسبات" Sabbats، أو الكنس Synagogue، أو الأديار، وقد كانت المتغيرات المحلية للإسم المعطى لتجمعات الساحرات متكررة. 

ولعل أول عمل أشار إلى تجمع قد يفسر من وجهة النظر المسيحية كتجمع لساحرات السبت هو Canon Episcopi (906) وضمن لاحقا في مجموعة "بورشار من فورمس" للقرن الحادي عشر الميلادي. 

وجاء الوعظ الشامل للمصلح الفرنسيسكاني الشعبي "برناردينو من سيينا" الذي احتوى على عظات واسعة الانتشار تتضمن مختلف الإشارات لـ "السبت" والتي استهدفت المساعدة على نشر الإيمان في معاقل ساحرات السبت وتوجيه الوعيد لها، ومن ثم شكل هذا العمل مصادر قيمة ثمينة في تاريخ هذه الظاهرة، كما وجدت تلميحات إلى اجتماعات عدد من الساحرات وربما باقي الشياطين في "دليل الباحثين عن صيد الساحرات" (1486)، ومع ذلك، كان الفلكلور السبتي أكثر شعبية في عصر النهضة، حيث نشرت الكثير من الكتب عنه وفقد الكثير من الناس أرواحهم بسبب اتهامهم بممارسة السحر، وكتاب "Commentarius de Maleficiis" لـ "بيتر بينسفيلد" (1622) نص على أن المشاركة في "الأسبات" دليل على الإدانة بممارسة السحر. 

وبالحديث عن العناصر الطقوسية ذكر "رونالد هوتون" من جامعة "برستل" بأن "ساحرات السبت" هي بنية حديثة أساسا قائلا: 

"[المفاهيم] تمثل أقدم ثلاث مكونات أسطورية، وتنشط جميعها في الليل: 1ـ موكب أرواح أنثوية، غالبا ما تنضم إليه كائنات إنسانية مُشرفة وغالبا ما يقاد من قبل امرأة خارقة للطبيعة. 2ـ صياد طيفي وحيد يعتبر شيطانيا أو معلونا أو أخرويا. 3ـ موكب بشر أموات، يعتقد أنهم في العادة يتجولون للتكفير عن خطاياهم، هم في الغالب صاخبون وهائجون، وعادة ما يتألف من أولئك الذين ماتوا قبل الأوان أو بسبب العنف، أول هذه العناصر لديه أصول ما قبل مسيحية، وربما ساهم مباشرة في صياغة مفهوم ساحرات السبت، أما العنصران الآخران فيبدو أنهما ينتميان إلى حقبة العصور الوسطى في الوهلة الأولى لارتباطهما بتزايد التكهنات حول مصير الموتى في القرنين الحادي والثاني عشر...". 

ويوضح كتاب "Compendium Maleficarum" (1608) لصاحبه "فرانسيسكو ماريا غوازو" نظرة فوبيا نموذجية لتجمعات الساحرات "الحاضرين الذين يركبون الماعز الطائر، ويدوسون الصليب، ويعاد تعميدهم باسم الشيطان، بينما يعطون ملابسهم له، ويقبلون مؤخرته، ويرقصون إلى الخلف مشكلين دائرة". 

كما تم إخراج "سبت الساحرات" في عدة قوالب فنية، فقد وصف الروائي والقاص الأمريكي "ناثانيال هاوثورن" "سبت الساحرات" والأنشطة المحيطة به في قصة قصيرة "Young Goodman Brown"، وموسيقيا تم استخدام الطقوس المفترضة كمصدر إلهام لأعمال من قبيل "Night on Bald Mountain"، والحركة الخامسة للسيمفونية الفانتازية لـ "هيكتور بيرليوز". 

وفي مجال الأفلام، صور فيلم "روبرت إيجرز" لسنة 2015 "The Witch" احتفالا بهذه الطقوس خلال ذروة الفيلم، وكذلك فيلم "روب زومبي" بعنوان "The Lords of Salem". 
رؤيا "فاوست" لـ "لويس ريكاردو فاليرو".

أما تصوير الساحرات في الرسومات فقد شمل ما يلي: 

ـ لوحة "سبت الساحرات" للفنان "هانز بالدونغ" سنة 1510. 

ـ لوحة "سبت الساحرات" للفنان "فرانز فرانكن" سنة 1606. 

ـ لوحة "سبت الساحرات في الأطلال الرومانية" للفنان "جاكوب فان سواننبورغ" سنة 1608. 

ـ "طيران الساحرات" لـ "فرانسيسكو ماريا غوزو" سنة 1626 من دليل صائدي الساحرات Compendium Maleficarum. 

ـ لوحة "سبت الساحرات" للفنان "فرانسيسكو غويا" سنة 1798، في متحف "لازارو غالديانو". 

ـ لوحة "طيران الساحرات" للفنان "فرانسيسكو غويا" سنة 1798، في متحف "ديل برادو". 

ـ لوحة "سبت الساحرات أو الجدي العظيم" للفنان "فرانسيسكو غويا" سنة 1823 في متحف "ديل برادو". 

ـ لوحة "رؤيا فاوست" للفنان "لويس ريكاردو فاليرو" سنة 1878. 

ـ لوحة "عروس شعر الليل (سبت الساحرات)" للفنان "لويس ريكاردو فاليرو" سنة 1880. 

ورغم عدد المرات التي أعادت فيها السطات الدينية المسيحية سرد قصص تجمعات الساحرات، فإن الباحثين المعاصرين لم يتمكنوا من العثور على أي دليل على أن تجمعات من هذا النوع قد حدثت بالفعل، ويقدم المؤرخ "سكوت إ. هيندريكس" تفسيرا مزدوجا عن سبب سرد هذه القصص على الرغم من أن حقيقة "السبت" لم توجد أبدا في دراسته بعنوان "السعي وراء الساحرات والخطاب الجنسي للسبت"، فحسب "هيندريكس" نما الاعتقاد بالقوة الحقيقية للساحرة خلال فترة العصور الوسطى المتأخرة وبداية العصر الأوروبي الحديث، خاصة وأن النظرة المذهبية المعارضة للقانون الأسقفي Canon Episcopi قد اكتسبت أرضية في مجتمعات معينة، مما ساهم في تغذية جنون العظمة وسط بعض السلطات الدينية بأن هناك مؤامرة تحت أرضية شاسعة للساحرات مصممة على الإطاحة بالمسيحية، وكانت النساء اللواتي تجاوزن سنوات الإنجاب هدفا سهلا وقدمن كأكباش فداء وألقي اللوم عليهن لما يتسببن فيه من المجاعات والطاعون والحروب وغيرها من الآفات، وقد ساعد وجود عناصر بشرية غوغائية وعفوية على ضمان نقل وإشاعة هذه القصص بين الآخرين. 
سبت الساحرات لـ "فرانز فرانكن الأصغر".

لقد عملت فوبيا "السبت" ـ في الواقع ـ كوسيلة للتحايل "الإعلامي" الفعال، وانتشرت بسرعة أكبر عبر القارة، ويعني ذلك أيضا أن قصص السبت شجعت على المطاردة والملاحقة القضائية وإعدام الساحرات المفترضات. 

وتم وضع أوصاف "السبتيات" ونشرها من قبل الكهنة ورجال القانون والقضاء الذين لم يشاركوا قط في مثل هذه التجمعات، حيث أن هذه الأوصاف كانت تستنبط من المحاكمات المزعومة للساحرات. وقد جادل "نورمان كوهن" أن هذه الأوصاف حددت على نحو بعيد بتوقعات المحققين وإساقطها على المتهمين، هذه التوقعات التي تعكس فقط المخيال الشعبي على مر العصور متأثرا بالجهل والخوف والتعصب الديني تجاه الأقليات. 

وأعطيت بعض الاعتقادات الحالية عن "السبت" عندما كان الأشخاص يتعرضون للتعذيب الذي كان يشكل حافزا على الموافقة على الاقتراحات المقدمة لهم أثناء التحقيق. 

وقد اتخذت العديد من العناصر الشيطانية لساحرات السبت صورا نمطية، مثل أكل الرضع، وتسميم المياه، وتدنيس المقدسات، وتقبيل مؤخرة الشيطان، هذه الصور انتقلت حتى إلى الطوائف المسيحية التي اعتبرت مهرطقة، إضافة إلى المجذومين والمسلمين واليهود، ولم يكن موقف المبشرين المسيحيين من الطوائف الدينية الإفريقية يختلف كثيرا عن موقفهم تجاه "سبت الساحرات" في أوروبا من حيث المبدإ، وبعضها كانت يعتبر تلك الطقوس الإفريقية هي نوع من الممارسات السبتية، لكنها في الواقع لم تكن كذلك، فإن كانت بعض المجتمعات الإفريقية تؤمن بالسحر فعلا، فإن المحاكمات الأوروبية للساحرات كانت تشمل أشخاصا لا علاقة لهم بالسحر. 

إلا أن هناك وجهة نظر مختلفة في المسألة، حيث يرى مؤرخون آخرون من بينهم "كارلو غينسبورغ" و "إيفا بوكس" و "بينغت أنكارلو" و "جوستاف هنينغسن" بأن الشهادات التاريخية عن "سبت الساحرات" يمكن أن تعطي أفكارا عن الأنظمة العقائدية للمتهمين. وقد اكتشف "غينسبورغ" على نحو معروف تسجيلات لمجموعة من الأفراد في شمال إيطاليا يدعون أنفسهم "بينانداتي Benandanti" (المشاؤون الجيدون) الذين اعتقدوا أنهم سيخرجون من أجسادهم روحيا وسيحاربون داخل السحب ضد الأرواح الشريرة من أجل تأمين الازدهار لقراهم، كما كانوا يتجمعون في أعياد كبيرة ترأسها إلهة حيث علمتهم السحر والقيام بالعرافة، وقد ربط "غينسبورغ" هذه المعتقدات مع شهادات مشابهة سجلت عبر أوروبا من جيوش "البرانس" ومن أتباع "السنيورة أوريانتي" في القرن الرابع عشر في "ميلان" وأتباع "ريشيلا" و "سيبيا الحكيمة" في القرن الخامس عشر في شمال إيطاليا، وأبعد من ذلك، من "المستذئبين الليفونيين"، و "صائدوا مصاصي الدماء الدالماسيين" و "تالتوس الهنغاري" و "الكالوشار الرومانيين" و "بوركوتزاتا من أوسيتيا". ووصفت هذه اللقاءات السحرية في عدة شهادات بأنها كانت خارج الجسد بعيدة عن أي تجل مادي. 

لقد سلطت أبحاث "كارلو غينسبورغ" الضوء على العناصر الشامانية في الساحرات الأوروبيات في توافق مع حالات الإدراك المتغيرة بالمخدرات (على الرغم من أنها ليست شاملة بشكل دائم)، وفي هذا السياق، هناك ثيمة متواصلة حول الساحرات الأوروبيات تمتد إلى زمن المؤلفين الكلاسيكيين أمثال "أبوليوس" في استخدام المراهم التي تمنح القدرة على الهروب وتغيير الشكل. وقد نجا عدد من الوصفات لهذه "المراهم المطيرة" تعود إلى العصور الحديثة المبكرة، مما يسمح ليس فقط بتقييم آثارها العلاجية المحتملة ـ استنادا إلى مكوناتها النباتية المختلفة (وبشكل أقل الحيوانية) ولكن أيضا الترويج الفعلي وتجريب هذه المستحضرات الدهنية والزيتية لأغراض سحرية. 
المرجع:

الأربعاء، 26 يونيو 2019

صامائيل

"غوستاف دوريه": يعقوب يتصارع مع الملاك صامائيل (1855).

"صامائيل" بالعبرية סַמָּאֵל (سم الإله) أو (عمى الإله) وينطق في حالات نادرة "صاميل" أو "صميل" أو "صامييل"، وهو رئيس ملائكة مهم في التقليد التلمودي وما بعده،، وتمثل شخصيته المتهِم (الهاساتان) والمغوي، والمدمر (الماشحيت)، وينظر إليه بأنه طيب وشرير، وتصف الكتابات الحاخامية "صامائيل" بأنه الملاك الحارس "لعيسو" وراعي مملكة "إدوم". 

ويعتبر "صامائيل" في النصوص التلمودية عضوا في "الجمهرة السماوية" (مع مهام قاتمة ومدمرة في الغالب)، وأحد أدوار "صامائيل" الأعظم في التقليد اليهودي هو منصب رئيس ملائكة الموت، ويبقى خادما للرب رغم أنه يتغاضى عن خطايا الإنسان، وباعتباره ملاكا، يقيم "صامائيل" في السماوات السبع، وقد أعلن بأنه رئيس ملائكة السماء الخامسة، وسبب هذا هو وجود "عرش المجد" في السماء السابعة. 

ويقال أن "صامائيل" في اليهودية هو ملاك الموت، كما منح له لقب "شيطان"، وبينما توصف وظيفة "الشيطان" "بالمتهِم" فإن هذا اللقب يعتبر إسما لائقا "لصامائيل"، وبينما يدافع "ميكائيل" عن أفعال إسرائيل، فإن "صامائيل" يحاول دفع الناس لارتكاب الخطايا، ويصور كذلك بأنه ملاك الموت وأحد رؤساء الملائكة السبعة، وحاكم السماء الخامسة، وقائد 2 مليون ملاكا كما أنه زعيم باقي الشياطين، وتقدم المجموعة الأقداتية "يالقوت شيموني" "صامائيل" في صورة الملاك الحارس "لعيسو" أحد أولاد يعقوب. 

وحسب كتاب "معراج موسى" فإنه يشار إلى وجود "صامائيل" كذلك في السماء السابعة: 

"في السماء الأخيرة رأى موسى ملاكين، طول كل واحد خمسمائة فرسخا في الارتفاع، مطوقان بقيود مصنوعة من النيران السوداء والحمراء، وهما ملاك الغضب "آف" وملاك الغيظ "حماه"، "وهما اللذان خلق الرب في بداية العالم لتنفيذ إرادته، وقد ارتبك موسى عندما شاهدهما، لكن "ميتاترون" احتضنه وقال "موسى، موسى، أنت المفضل عند الرب، لا تخف، ولا تكن مذعورا"، ثم هدأ موسى، وقد كان هناك ملاك في السماء السابعة، مختلف المظهر عن الآخرين ذو سحنة مخيفة، وكان ارتفاعه عظيما جدا، وقد تستغرق تغطية مسافة مساوية لارتفاعه خمسمائة عام، ومن ذروة رأسه إلى باطن قدميه كان مرصعا بعيون صارخة، "هذا ـ يقول "ميتاترون" مخاطبا موسى ـ "صامائيل" الذي يأخذ روح الإنسان". "إلي أين يذهب الآن؟" يسأل موسى، فيرد "ميتاترون": "ليجلب روح أيوب الورع"، عندئذ صلى موسى للرب بهذه الكلمات: "قد تكون إرادتك، يا إلهي وإله آبائي، فلا تسمح لي بالوقوع في أيدي هذا الملاك". 

وفي "القابالا المقدسة" (آرثر إدوارد ويت، ص 255) يوصف "صامائيل" "بصرامة الرب" ويحتل الموقع الخامس بين رؤساء الملائكة في عالم "البريئاه"، حينئذ صار "صامائيل" قرين زوجة آدم الأولى "ليليث"، و"ليليث" هي شيطان خلق جنبا إلى جنب مع آدم، وخلقت في الأصل لتقوم بالدور الذي ستشغله حواء لاحقا، وقد خلق "صامائيل" معها حشدا من الأطفال الشياطين، بمن فيهم إبن يدعى "سيف صامائيل" (أو آشماداي). 

ويتم الخلط أحيانا في بعض الكتب بين "صامائيل" و "خامائيل" وهو رئيس لملائكة الرب، ويعني إسمه تقريبا "حب الإله"، ويقال أيضا أنه ذات مرة تم استدعاء "صامائيل" في "البعل شيم". 

وفي مختلف التفسيرات التي أعطيت "لمعراج أشعياء"، يعرف "صامائيل" كذلك باسم "ملكيرا" מלך רע (ملك الشر أو ملك الأشرار) أو "مالكيرا، مالخيرا" מלאך רע (رسول الشر أو ملاك الإثم) أو "بلكيرا" בעל קיר (رب الحائط) أو "بخيرا" בחיר רע (مرشح الشر، أو المختار من الشر) وهي في المجمل نعوت "للرسول الزائف" المبعوث من "بليال" لاتهام "أشعياء" بالخيانة، والجدير بالذكر، هذا المسلك يعرف "صامائيل" كشيطان أيضا. 

وفي العمل "المدراشي" "فصول الحاخام ألعيزر" פרקי דרבי אליעזר, أو פרקים דרבי אליעזר، والمؤرخ خلال فترة انتشار الإسلام، يظهر "صامائيل" كثعبان في سفر التكوين أو شيطان، ربما تأثرا بما ورد في القرآن الكريم، وهذا واضح بسبب أوجه الشبه بينها وبين الشيطان الإسلامي، فهنا "صامائيل" مخلوق من النار يستنكر خلق آدم من الطين، ثم بعد ذلك ينزل من السماء لإغواء آدم وحواء وجعلهما يأكلان من الفاكهة الممنوعة، علاوة على ذلك، ربما اعتمد هذا العمل من النص الغنوصي "أبوكريفا يوحنا"، حيث ولد "قايين" من حواء بعد مجامعة "صامائيل" لها. 

وينظر إلى "صامائيل" أحيانا في الديمونولوجيا المسيحية كشيطان جبار. 

وحسب بعض الأساطير، تزوج "صامائيل" بكل من "إيشيث زينونيم" و "ناعماه" و "ليليث" و "أغرات باتمحلات"، وكل هؤلاء ـ باستثناء ليليث ـ هن "ملائكة البغاء المقدس". هذا الربط مشكوك فيه وينشأ على الأرجح من حالة ـ الهوية المخطئة ـ التي تساوي "صامائيل" بالشيطان "عزازئيل" الذي هو بنفسه ـ في التقليد الزوهاري ـ مزيج بين الملاكين "عزا" و "عزرائيل". 

وبالنسبة للغنوصية، وفي "أبوكريفا يوحنا" تحديدا الذي عثر عليه في مكتبة "نجع حمادي"، "صامائيل" هو الإسم الثالث "للديميرج"، والذي يسمى كذلك "يالدابوث" و "ساكياس"، ويعني "صامائيل" في هذا السياق "الإله الأعمى"، فثيمة العمى متواصلة في الكتابات الغنوصية، ومظهره هو تلك الحية التي تملك وجه الأسد، وفي نص "في أصل العالم" من نصوص نجع حمادي، يشار إليه كذلك ب "آريائيل"، رئيس ملائكة "الإمارات". 

أما في علم طبائع البشر فيعرف الأنثروبوصوفيون "صامائيل" بأنه أحد رؤساء الملائكة السبعة، وقد حدد القديس "غريغوري العظيم" هؤلاء الملائكة في: حنائيل، جبرائيل، ميكائيل، أوريفيئيل، رفائيل، صامائيل، و زراشئيل. وقد صوروا جميعا بأن لديهم مهام خاصة للتصرف ك "الزيتجيست الكوني" (روح العصر)، لفترات تمتد 360 سنة تقريبا لكل واحد منهم، ومنذ سنة 1879 وضع الأنثروبوصوفيين "ميكائيل" قائدا لروح العصر.
المرجع:

الاثنين، 24 يونيو 2019

الغويتيا

بديل "أليستر كراولي" للدائرة والمثلث الغويتيين، الكائنات / الرموز السحرية المستخدمة في الجمع بين اثنين وسبعين من أرواح "الآرس غويتيا".

الغويتيا Geotia هي مجموعة من الممارسات تشمل استدعاء الشياطين، خاصة تلك التي استدعاها "الملك سليمان" من قبل، والاستعمال الإنجليزي للمصطلح استمد بشكل كبير من "غريموار" القرن السابع عشر "المفتاح الأصغر لسليمان" التي جعلت "الآرس غويتيا" جزءها الأول وتضمنت أوصاف "المناداة" على الشياطين الإثنان والسبعون، وقد نشرت هذه "الغريموار" على نحو معروف من قبل "أليستر كراولي" سنة 1904 باسم "كتاب الغويتيا للملك سليمان". 

أما "السيمياء الغويتية" فهي ممارسة أخرى وصفت في "المفتاح الأصغر لسليمان" وهي تشبه ممارسات "الغويتيا" إلا أنها تستخدم لاستحضار الأرواح الجوية. 

وتنحدر عبارة "الغويتيا" من الكلمة اليونانية القديمة γοητεία (goēteía) التي تعني بشكل عام "سحر" واصطلاحا "الشعوذة" من γόης (góēs) (المشعوذ، الساحر)، وجمعها γόητες (góētes) ومعنى "المشعوذ" موثق في تعليقة تشير إلى "الداكتيل" وهو عرق أسطوري، وتنص هذه التعليقة على أنه وفقا "فيريكيديس السيروسي" و "هيلانيكوس اللسبوسي" "فإن هؤلاء إلى اليسار هم "غويتيين" في حين أن أولئك الذين على اليمين هم من المولعين بالشعوذة". وقد تكون الكلمة مستمدة في النهاية من فعل "γοάω" (تأوه، ندب، goáō)، والعبارات المشتقة هي "γοήτευμα" "سحر" (goḗteuma، جمعها γοητεύματα، goēteúmata) و "γοητεύω" "فتن، ألهى" (goēteúō). 

واستعملت كلمة Γοητεία أخيرا للتعبير عن السحر في العالم اليوناني الروماني، وتم تحويلها إلى اللاتينية goëtia، وجرى اعتماد تعديل إنجليزي في القرن السادس عشر goecie أو goety (والنعت goetic) عن طريق العبارة الفرنسية goétie. 

وكانت "الغويتيا" خلال عصر النهضة مناقضة أحيانا لـ "ماجيا" magia باعتبار الأولى "سحر شرير" والثانية "سحر خير" أو "سحر طبيعي"، وأحيانا أخرى تعارضت العبارة مع "السيمياء"، وقد كتب "هاينريش كورنيليوس أغريبا" في مؤلفه "ثلاثة كتب لفلسفة السحر": "أجزاء السحر الاحتفالي الآن هي الغويتيا والسيمياء، فالغويتيا مشؤومة من خلال أعمال الأرواح النجسة المؤلفة من طقوس الفضول الشرير، إنها سحر غير قانوني مدان ومهجور وملعون من كل الشرائع". 

وكما تقدم، فإن "الآرس غويتيا" هي الجزء الأول من "المفتاح الأصغر لسليمان" وتتضمن أوصافا للشياطين الإثنان والسبعون الذين يقال بأن سليمان استدعاهم وحبسهم في وعاء برونزي مختوم برموز سحرية، وأجبرهم على العمل من أجله. وتخصص "الآرس غويتيا" تصنيفا وألقاب نبالة لكل عضو في التسلسل الهرمي الجهنمي، وتعطي للشياطين "علامات يجب تقديم فروض الولاء لها" أو "أختاما"، وتتطابق قوائم هذه الكيانات مع ما ذكر في مؤلف "جوهان واير" "مملكة الشياطين الزائفة" (إلى درجة عالية ولكن متفاوتة غالبا وفق الإصدار) وكذا الملحق الذي يظهر في الطبعات الأخيرة لمؤلفه "حول خدع الشياطين" الصادر سنة 1563. 

وكما سبقت الإشارة إليه، فهناك طبعة إنجليزية مراجعة "للآرس غويتيا" نشرت سنة 1904 من قبل "صامويل ليدل ماكغريغور ماذرز" و "أليستر كراولي" بعنوان "الغويتيا" والتي تأسست على مخطوطات المتحف البريطاني مع إضافات من قبل "كراولي" شملت "النداء الأولي" المشتقة من "قطعة غودواين" "للعمل المصري الإغريقي عن السحر"، كما شملت بعض الاستدعاءات التي كتبت بالإنوشية من قبل "كراولي" في تقديمه. ويجادل "كراولي" بأن عمل الاستدعاء الشيطاني مجرد شكل للاستكشاف السيكولوجي للنفس، ومنذ ذلك الحين، أصبحت "الغويتيا" كتابا شهيرا للسحر وتم عرضها في مواضع مثل الرواية التصويرية "بروميثيا" لصاحبها "آلان مور"، ورواية "الفصح الأسود" لصاحبها "جيمس بليش". 

ويعتبر السحر المقدس "لأبراميلين" "الماج" كتاب سحر "غويتي" و "سيميائي" في نفس الآن، ويستعمل غالبا في سياق ديني، وعلى النقيض من باقي الغريموارات الغويتية، لا يدل هذا الكتاب على استدعاء الشياطين من أجل تلبية أوامر المرئ أو القيام بأعمال لاإرادية، لكنه يصف كيف للمرئ أن يستدعي هذه القوى الجهنمية فقط لغرض عزلهم عن حياة "الماجوس"، واعتبر هذا الكتاب نظاما يقود المتطلع بشكل أقرب إلى هدف "الهينوسيس" أو الاجتماع الروحي بالرب، واصفا كيفية المناداة على دوقات الجحيم وحتى "لوسيفر" لغرض مقاومة إغراء رذائلهم وتقييد تأثيرهم في حياة المتطلع. 

ويصف هذا الكتاب كذلك نظام سحر مقدس خلال طهارة طقوسية تمتد ثمانية عشر شهرا، وعندئذ بعد محادثة الملاك الحارس المقدس يستدعي المرء ملوك الجحيم الأربعة العظام (لوسيفر، لوياثان، ساتان، بليال) ويجعلهم يعقدون حلفا (بعد كسب السلطة على المملكة السماوية) يمنح بموجبه الخبير سلطة على المملكة الجهنمية ويساعده على اكتشاف "الحكمة الحقيقية المقدسة" في شكل مربعات سحرية.
المرجع:

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...