الجمعة، 28 يونيو 2019

سبت الساحرات

تمثيل تجمعات السبت من سجلات جوهان جاكوب ويك (1522-1588).

سبت الساحرات مصطلح ينطبق على مجموعة من أولئك الذين يعتبرون ممارسين للسحر والطقوس الأخرى. 

وقبل حلول أواخر القرن التاسع عشر، كان من الصعب العثور على أي استعمال إنجليزي لمصطلح "الساباث" Sabbath للدلالة على مجموعة من الساحرات، وقد استعملت العبارة لأول مرة من قبل الكاتب الأمريكي "هنري تشارلز لي" في كتابه "تاريخ محاكم التفتيش" (1888)، واستعمل المؤرخ الألماني "جوزيف هانسن" ـ الذي كان مراسلا ومترجما لعمل "لي" أيضا ـ في كثير من الأحيان العبارة المختصرة "هكسنسابات" Hexensabbat لتفسير تسجيلات المحاكمات القروسطية، وربما قاد تأثير كل من "لي" و "هانسن" لاحقا إلى استعمال لغوي أوسع للعبارة المختصرة. 

ويبدو أن الاستعمال الألماني للمصطلح قبل "هانسن" كان نادرا بدوره، و "تصنيف الفلكلور الألماني" لـ "جاكوب غريم" سنة 1800 بدا غير متضمن لأية إشارة لـ" Hexensabbat " أو أي شكل آخر لمصطلح "سابات" Sabbat نسبة للجنيات أو الأعمال السحرية. كما أن معاصر "غريم" وأحد المؤرخين المبكرين للسحر "ولهلم جوتليب سولدان" لم يستعمل المصطلح في تاريخه لسنة (1843). 

وبخلاف نظرائهم الإنجليز والألمان، استعمل الكتاب الفرنسيون (بمن فيهم الكتاب الفرانكوفونيون الذين كتبوا باللاتينية) من حين لآخر المصطلح وبدا أنه تجذر من الاضطهاد التحقيقي لطائفة "الولدينيسيين"؛ ففي 1124، استعمل مصطلح Inzabbatos لوصف "الولدينيسيين" في شمال إسبانيا، وفي 1438 و 1460 على ما يبدو ارتبط بمصطلح "كنيس الشيطان" الذي استعمل لوصف "الولدينيسيين" من قبل المحققين في فرنسا، وفي كتابه اللاتيني الصادر سنة 1458، أطلق المؤلف الفرنكفوني "نيكولاس جاكيي" تسمية Synagogam Fasciniorum على ما اعتبره تجمعات للساحرات. 

وبعد حوالي 150 سنة من هذه الحقبة، وأثناء ذروة فوبيا الساحرات والاضطهادات التي قادت لحرق حوالي 50.000 شخص حتى الموت (80 % تقريبا منهم نساء)، يبدو أن الكتاب الفرنكوفونيين الذين كانت لديهم فوبيا ساحرات هم الوحيدون الذين ظلوا يستعملون هذه المصطلحات المترابطة، على الرغم من أن هذا الاستعمال بقي غير منتظم إلى حد ما وبشكل متقطع في معظم الحالات، وقد استعمل "لامبرت دانو" مصطلح Sabbatha مرة واحدة (1581) للدلالة على Synagogas quas Satanica sabbatha "تجمعات السبت الشيطاني"، واستعمله "جان بودان" ثلاث مرات (1580)، واستعمله "نيكولاس ريمي" كذلك للدلالة على Synagoga (1588)، واستعمل "جاك فونتين" Sabat خمس مرات في كتاباته الفرنسية وبطريقة بدت أكثر توافقا مع الاستخدام الحديث، كما أن "بيير دولانكري" استعمل المصطلح أكثر من أي أحد آخر. 

وبعد أزيد من مائتي سنة من عصر "بيير دولانكري" استعمل الكاتب الفرنسي "لاموت-لانون" ـ الذي شخص عمله وحقق في 1970 ـ المصطلح ـ على نحو محتمل ـ أثناء ترجمة مجموعة من الوثائق من محاكم التفتيش في جنوب فرنسا، وقد اعتمد "جوزيف هانسن" "لاموت-لانون" كأحد المراجع. 

ومن الناحية الإتيمولوجية جاءت "ساباث" Sabbath بطريقة غير مباشرة من المصطلح العبري "شبات" שַׁבָּת (يوم الراحة)، وفي العبرية الحديثة، "شبات" هو يوم الراحة الذي يحتفل به من مساء الجمعة إلى غسق السبت، وفي المسيحية المعاصرة، تشير "ساباث" إلى السبت، أو لفترة زمنية مماثلة "للساباث" في "كنيسة اليوم السابع"، واتصالا بالمعتقدات القروسطية حول قوى الساحرات الشريرة وضغينة اليهود وتهويد الهرطقات أسست التجمعات الشيطانية للساحرات التي أطلق عليها "الأسبات" Sabbats، أو الكنس Synagogue، أو الأديار، وقد كانت المتغيرات المحلية للإسم المعطى لتجمعات الساحرات متكررة. 

ولعل أول عمل أشار إلى تجمع قد يفسر من وجهة النظر المسيحية كتجمع لساحرات السبت هو Canon Episcopi (906) وضمن لاحقا في مجموعة "بورشار من فورمس" للقرن الحادي عشر الميلادي. 

وجاء الوعظ الشامل للمصلح الفرنسيسكاني الشعبي "برناردينو من سيينا" الذي احتوى على عظات واسعة الانتشار تتضمن مختلف الإشارات لـ "السبت" والتي استهدفت المساعدة على نشر الإيمان في معاقل ساحرات السبت وتوجيه الوعيد لها، ومن ثم شكل هذا العمل مصادر قيمة ثمينة في تاريخ هذه الظاهرة، كما وجدت تلميحات إلى اجتماعات عدد من الساحرات وربما باقي الشياطين في "دليل الباحثين عن صيد الساحرات" (1486)، ومع ذلك، كان الفلكلور السبتي أكثر شعبية في عصر النهضة، حيث نشرت الكثير من الكتب عنه وفقد الكثير من الناس أرواحهم بسبب اتهامهم بممارسة السحر، وكتاب "Commentarius de Maleficiis" لـ "بيتر بينسفيلد" (1622) نص على أن المشاركة في "الأسبات" دليل على الإدانة بممارسة السحر. 

وبالحديث عن العناصر الطقوسية ذكر "رونالد هوتون" من جامعة "برستل" بأن "ساحرات السبت" هي بنية حديثة أساسا قائلا: 

"[المفاهيم] تمثل أقدم ثلاث مكونات أسطورية، وتنشط جميعها في الليل: 1ـ موكب أرواح أنثوية، غالبا ما تنضم إليه كائنات إنسانية مُشرفة وغالبا ما يقاد من قبل امرأة خارقة للطبيعة. 2ـ صياد طيفي وحيد يعتبر شيطانيا أو معلونا أو أخرويا. 3ـ موكب بشر أموات، يعتقد أنهم في العادة يتجولون للتكفير عن خطاياهم، هم في الغالب صاخبون وهائجون، وعادة ما يتألف من أولئك الذين ماتوا قبل الأوان أو بسبب العنف، أول هذه العناصر لديه أصول ما قبل مسيحية، وربما ساهم مباشرة في صياغة مفهوم ساحرات السبت، أما العنصران الآخران فيبدو أنهما ينتميان إلى حقبة العصور الوسطى في الوهلة الأولى لارتباطهما بتزايد التكهنات حول مصير الموتى في القرنين الحادي والثاني عشر...". 

ويوضح كتاب "Compendium Maleficarum" (1608) لصاحبه "فرانسيسكو ماريا غوازو" نظرة فوبيا نموذجية لتجمعات الساحرات "الحاضرين الذين يركبون الماعز الطائر، ويدوسون الصليب، ويعاد تعميدهم باسم الشيطان، بينما يعطون ملابسهم له، ويقبلون مؤخرته، ويرقصون إلى الخلف مشكلين دائرة". 

كما تم إخراج "سبت الساحرات" في عدة قوالب فنية، فقد وصف الروائي والقاص الأمريكي "ناثانيال هاوثورن" "سبت الساحرات" والأنشطة المحيطة به في قصة قصيرة "Young Goodman Brown"، وموسيقيا تم استخدام الطقوس المفترضة كمصدر إلهام لأعمال من قبيل "Night on Bald Mountain"، والحركة الخامسة للسيمفونية الفانتازية لـ "هيكتور بيرليوز". 

وفي مجال الأفلام، صور فيلم "روبرت إيجرز" لسنة 2015 "The Witch" احتفالا بهذه الطقوس خلال ذروة الفيلم، وكذلك فيلم "روب زومبي" بعنوان "The Lords of Salem". 
رؤيا "فاوست" لـ "لويس ريكاردو فاليرو".

أما تصوير الساحرات في الرسومات فقد شمل ما يلي: 

ـ لوحة "سبت الساحرات" للفنان "هانز بالدونغ" سنة 1510. 

ـ لوحة "سبت الساحرات" للفنان "فرانز فرانكن" سنة 1606. 

ـ لوحة "سبت الساحرات في الأطلال الرومانية" للفنان "جاكوب فان سواننبورغ" سنة 1608. 

ـ "طيران الساحرات" لـ "فرانسيسكو ماريا غوزو" سنة 1626 من دليل صائدي الساحرات Compendium Maleficarum. 

ـ لوحة "سبت الساحرات" للفنان "فرانسيسكو غويا" سنة 1798، في متحف "لازارو غالديانو". 

ـ لوحة "طيران الساحرات" للفنان "فرانسيسكو غويا" سنة 1798، في متحف "ديل برادو". 

ـ لوحة "سبت الساحرات أو الجدي العظيم" للفنان "فرانسيسكو غويا" سنة 1823 في متحف "ديل برادو". 

ـ لوحة "رؤيا فاوست" للفنان "لويس ريكاردو فاليرو" سنة 1878. 

ـ لوحة "عروس شعر الليل (سبت الساحرات)" للفنان "لويس ريكاردو فاليرو" سنة 1880. 

ورغم عدد المرات التي أعادت فيها السطات الدينية المسيحية سرد قصص تجمعات الساحرات، فإن الباحثين المعاصرين لم يتمكنوا من العثور على أي دليل على أن تجمعات من هذا النوع قد حدثت بالفعل، ويقدم المؤرخ "سكوت إ. هيندريكس" تفسيرا مزدوجا عن سبب سرد هذه القصص على الرغم من أن حقيقة "السبت" لم توجد أبدا في دراسته بعنوان "السعي وراء الساحرات والخطاب الجنسي للسبت"، فحسب "هيندريكس" نما الاعتقاد بالقوة الحقيقية للساحرة خلال فترة العصور الوسطى المتأخرة وبداية العصر الأوروبي الحديث، خاصة وأن النظرة المذهبية المعارضة للقانون الأسقفي Canon Episcopi قد اكتسبت أرضية في مجتمعات معينة، مما ساهم في تغذية جنون العظمة وسط بعض السلطات الدينية بأن هناك مؤامرة تحت أرضية شاسعة للساحرات مصممة على الإطاحة بالمسيحية، وكانت النساء اللواتي تجاوزن سنوات الإنجاب هدفا سهلا وقدمن كأكباش فداء وألقي اللوم عليهن لما يتسببن فيه من المجاعات والطاعون والحروب وغيرها من الآفات، وقد ساعد وجود عناصر بشرية غوغائية وعفوية على ضمان نقل وإشاعة هذه القصص بين الآخرين. 
سبت الساحرات لـ "فرانز فرانكن الأصغر".

لقد عملت فوبيا "السبت" ـ في الواقع ـ كوسيلة للتحايل "الإعلامي" الفعال، وانتشرت بسرعة أكبر عبر القارة، ويعني ذلك أيضا أن قصص السبت شجعت على المطاردة والملاحقة القضائية وإعدام الساحرات المفترضات. 

وتم وضع أوصاف "السبتيات" ونشرها من قبل الكهنة ورجال القانون والقضاء الذين لم يشاركوا قط في مثل هذه التجمعات، حيث أن هذه الأوصاف كانت تستنبط من المحاكمات المزعومة للساحرات. وقد جادل "نورمان كوهن" أن هذه الأوصاف حددت على نحو بعيد بتوقعات المحققين وإساقطها على المتهمين، هذه التوقعات التي تعكس فقط المخيال الشعبي على مر العصور متأثرا بالجهل والخوف والتعصب الديني تجاه الأقليات. 

وأعطيت بعض الاعتقادات الحالية عن "السبت" عندما كان الأشخاص يتعرضون للتعذيب الذي كان يشكل حافزا على الموافقة على الاقتراحات المقدمة لهم أثناء التحقيق. 

وقد اتخذت العديد من العناصر الشيطانية لساحرات السبت صورا نمطية، مثل أكل الرضع، وتسميم المياه، وتدنيس المقدسات، وتقبيل مؤخرة الشيطان، هذه الصور انتقلت حتى إلى الطوائف المسيحية التي اعتبرت مهرطقة، إضافة إلى المجذومين والمسلمين واليهود، ولم يكن موقف المبشرين المسيحيين من الطوائف الدينية الإفريقية يختلف كثيرا عن موقفهم تجاه "سبت الساحرات" في أوروبا من حيث المبدإ، وبعضها كانت يعتبر تلك الطقوس الإفريقية هي نوع من الممارسات السبتية، لكنها في الواقع لم تكن كذلك، فإن كانت بعض المجتمعات الإفريقية تؤمن بالسحر فعلا، فإن المحاكمات الأوروبية للساحرات كانت تشمل أشخاصا لا علاقة لهم بالسحر. 

إلا أن هناك وجهة نظر مختلفة في المسألة، حيث يرى مؤرخون آخرون من بينهم "كارلو غينسبورغ" و "إيفا بوكس" و "بينغت أنكارلو" و "جوستاف هنينغسن" بأن الشهادات التاريخية عن "سبت الساحرات" يمكن أن تعطي أفكارا عن الأنظمة العقائدية للمتهمين. وقد اكتشف "غينسبورغ" على نحو معروف تسجيلات لمجموعة من الأفراد في شمال إيطاليا يدعون أنفسهم "بينانداتي Benandanti" (المشاؤون الجيدون) الذين اعتقدوا أنهم سيخرجون من أجسادهم روحيا وسيحاربون داخل السحب ضد الأرواح الشريرة من أجل تأمين الازدهار لقراهم، كما كانوا يتجمعون في أعياد كبيرة ترأسها إلهة حيث علمتهم السحر والقيام بالعرافة، وقد ربط "غينسبورغ" هذه المعتقدات مع شهادات مشابهة سجلت عبر أوروبا من جيوش "البرانس" ومن أتباع "السنيورة أوريانتي" في القرن الرابع عشر في "ميلان" وأتباع "ريشيلا" و "سيبيا الحكيمة" في القرن الخامس عشر في شمال إيطاليا، وأبعد من ذلك، من "المستذئبين الليفونيين"، و "صائدوا مصاصي الدماء الدالماسيين" و "تالتوس الهنغاري" و "الكالوشار الرومانيين" و "بوركوتزاتا من أوسيتيا". ووصفت هذه اللقاءات السحرية في عدة شهادات بأنها كانت خارج الجسد بعيدة عن أي تجل مادي. 

لقد سلطت أبحاث "كارلو غينسبورغ" الضوء على العناصر الشامانية في الساحرات الأوروبيات في توافق مع حالات الإدراك المتغيرة بالمخدرات (على الرغم من أنها ليست شاملة بشكل دائم)، وفي هذا السياق، هناك ثيمة متواصلة حول الساحرات الأوروبيات تمتد إلى زمن المؤلفين الكلاسيكيين أمثال "أبوليوس" في استخدام المراهم التي تمنح القدرة على الهروب وتغيير الشكل. وقد نجا عدد من الوصفات لهذه "المراهم المطيرة" تعود إلى العصور الحديثة المبكرة، مما يسمح ليس فقط بتقييم آثارها العلاجية المحتملة ـ استنادا إلى مكوناتها النباتية المختلفة (وبشكل أقل الحيوانية) ولكن أيضا الترويج الفعلي وتجريب هذه المستحضرات الدهنية والزيتية لأغراض سحرية. 
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...