الجمعة، 19 يوليو 2019

آسموديوس

 آسموديوس كما تم تصويره في كتاب "كولين دوبلانصي" "المعجم الجهنمي".

آسموديوس (آسموديوس باليونانية) أو آشمداي (بالعبرية) هو ملك للشياطين، وفي الفلكلور اليهودي ـ الإسلامي هو ملك للأرواح الأرضية (شيديم Shedim) معروف أكثر في سفر طوبيا (أول الأسفار القانونية الثانية) حيث كان في البدء غريما، وقد أشير إلى هذا الشيطان كذلك في بعض الأساطير التلمودية، كما في قصة بناء هيكل سليمان. 

وقد اعتقد بعض المسيحيين من عصر النهضة أن آسموديوس هو ملك النيران التسع، ويشار إليه كذلك بأنه واحد من أمراء الجحيم السبعة، وفي تصنيف بيتر بينسفيلد للشياطين فإن كل واحد من هؤلاء الأمراء يمثل واحدا من الخطايا السبع المميتة (البذخ، النهم، الجشع، الملل، الغضب، الحسد، التفاخر). 
 
ويقال أن أن الأشخاص الذين يخضعون لطريق آسموديوس، أو الشيطان ذو العصوين، سيحكم عليهم بالأبدية في المستوى الثاني من الجحيم. 

ومن الناحية الإيتيمولوجية، يعتقد أن إسم "أسموداي" مشتق من اللغة الأفستية بهذا الشكل: "aēšma-daēva"، حيث تعني aēšma "الغيظ" وتشير daēva إلى "الشيطان" أو "الذات الإلهية" حسب السياق، بينما daēva Aēšma تعني في الزرادشتية شيطان الغيظ، وترفض الموسوعة اليهودية لسنة 1906 العلاقة الاشتقاقية بين آيسمادايفا aēšma-daēva الفارسية و أشماداي (Ashmodai) اليهودية، زاعمة أن حرف "دايفا" لا يمكن أن يصبح "داي" وأن آيسمادايفا كإسم مركب لم يظهر أبدا في النصوص الفارسية المقدسة، وماتزال هذه الموسوعة تقترح أن "آسموديوس" (Asmodeus) من الأبوكريفا وعهد سليمان لا ترتبط فقط بـ "إيشما Aeshma" (التسمية الأفستية الأحدث لشيطان الغيظ في الزرادشتية) لكن لديهما سلوكات وقواعد ومظاهر متشابهة، وفي مقال معنون بـ "تأثير المعتقدات الفارسية على اليهودية" من الموسوعة اليهودية لسنة 1906 يشير إلى أن المعتقدات الفارسية الزرادشتية قد يكون لها تأثير قوي على اللاهوت اليهودي مع الأخذ في الاعتبار أن هناك في بعض النصوص اختلافات مفاهيمية حاسمة بينما في نصوص أخرى يوجد قدر كبير من التشابه مقترحا في الآن نفسه نمطا من التأثير على المعتقدات الشعبية الذي من شأنه أن يمتد إلى الميثولوجيا بنفسها بشكل عام. 

ولا وجود للإسم الكامل "أشماداي" في الكتاب المقدس، لكن في سفر الملوك الثاني الإصحاح 17:30 يظهر "آشيما" معين كإله مزيف بقولها: "فعمل أهل بابل سكوث بنوث وأهل كوث عملوا نرجل وأهل حماة عملوا أشيما"، حيث جعل السوريون الحماويون "آشيما" معبودهم، هذا الإسم لا يتشابه فقط بشكل أفضل مع "الدايفا آيشيما" الفارسية، لكن إسم "آشيما" אֲשִׁימָא، يتشابه كذلك مع الإسم "آشماداي" אַשְמְדּאָי في العبرية. 

إلا أن آسموديوس يظهر في سفر طوبيا باعتباره عدوا لسارة أخت راكيل (الإصحاح 6:13) وأنه ذبح سبعة أزواج عقدوا عليها وقد وصف بأنه "أسوأ الشياطين" وعندما أوشك طوبيا اليافع على الزواج من سارة، أراد أسموديوس أن يذبحه كسابقيه، لكن طوبيا كان محصنا بفضل مشورات ملاكه المرافق رافائيل " 1 إِنَّ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ، فَيَنْفُونَ اللهَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَيَتَفَرَّغُونَ لِشَهْوَتِهِمْ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ اللَّذَيْنِ لاَ فَهْمَ لَهُمَا؛ أُولئِكَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ. 18 فَأَنْتَ إِذَا تَزَوَّجْتَهَا وَدَخَلْتَ الْمُخْدَعَ، فَأَمْسِكْ عَنْهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلاَ تَتَفَرَّغْ مَعَهَا إِلاَّ لِلصَّلَوَاتِ. 19 وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، إِذَا أَحْرَقْتَ كَبِدَ الْحُوتِ، يَنْهَزِمُ الشَّيْطَانُ". وقد أحدث طوبيا بخارا دخانيا جعل الشيطان يهرب إلى مصر حيث شد وثاقه رافائيل (الإصحاحات 8 و 2 و 3 من طوبيا) وحسب بعض الترجمات خُنق أسموديوس. 

وربما عاقب أسموديوس أزواج سارة لرغباتهم الشهوانية الحيوانية ولذلك أخذ طوبيا يصلي ليكون محصنا من تلك الرغبة وحتى يبقى سالما، وقد وصف أسموديوس كذلك بأنه روح شريرة بصفة عامة، Ασμοδαίος τὸ πονηρὸν δαιμόνιον or τõ δαιμόνιον πονηρόν, and πνεῦμα ἀκάθαρτον " لأَنَّهُ كَانَ قَدْ عُقَدِ لَهَا عَلَى سَبْعَةِ رِجَالٍ، وَكَانَ شَيْطَانٌ اسْمُهُ أَزْمُودَاوُسُ يَقْتُلُهُمْ عَلَى أَثَرِ دُخُولِهِمْ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ" (الإصحاح 3/8)، " وَلَمْ أَكُنْ قَطُّ أُمَازِجُ أَرْبَابَ الْمَلاَهِي، وَلاَ أُعَاشِرُ السَّالِكِينَ بِالطَّيْشِ" (الإصحاح 3/17)، " حِينَئِذٍ قَبَضَ الْمَلاَكُ رَافَائِيلُ عَلَى الشَّيْطَانِ وَأَوْثَقَهُ فِي بَرِّيَّةِ مِصْرَ الْعُلْيَا." (الإصحاح 8/3). 

ووفقا للقابالا ومدرسة شلومو بن أدرت فإن آسموديوس هو "كامبيون" Cambion (في الميثولوجيا والأدب الأوروبي هو نسل الشيطانين من إنكوبوس وسوكويوس (السعلوة) مختلطا بنسل إنسان ـ نصف شيطان)، ولد كاتحاد لسعلوة تدعى أغرات بات محلات " אגרת בת מחלת" والملك داوود דָּוִד. 

أما شخصية آشماداي في التلمود فهي أقل إيذاء من أسموديوس في "طوبيا"، إذ يظهر مرارا وتكرارا ذا طبيعة ودودة وكزميل يمتلك روح دعابة، لكن إلى جانب ذلك، هناك خاصية واحدة يتوازى فيها مع أسموديوس، وهي رغباته الموجهة صوب نساء سليمان وكذلك ابنة إليعام المسماة بثشبع "בַּת שֶׁ֫בַע". 

وهناك أسطورة تلمودية أخرى تجعل الملك سليمان يخدع أسموداي للتعاون في بناء معبد القدس. 

وهناك أسطورة أخرى تصور أسموداي يرمي الملك سليمان أكثر من 400 فرسخ بعيدا عن العاصمة من خلال وضع جناح واحد على الأرض وجعل الآخر ممتد إلى السماء، ثم احتل مكان الملك سليمان لبضع سنوات، وعندما عاد هذا الأخير، هرب أسموداي من غضبه، وهناك أساطير مشابهة يمكن أن توجد في الفولكلور الإسلامي، حيث يسمى أسموديوس "صخر" لأنه في التقليد الإسلامي قد عاقبه النبي سليمان بأن حوله إلى صخرة. 

كما أن هناك مقطع آخر يصفه بأنه زوج ليليث التي أصبحت ملكته. 

وأشير إليه كذلك بأنه من نسل ناتج عن اتحاد آدم شيطانة الزنا ناعماه " נַעֲמָה‎"، حُبل به أثناء زواج آدم من ليليث. 

وفي عهد سليمان، (هو عبارة عن بسوديبجرافا ـ كتاب منحول ـ ألفت ما بين القرن الأول والثالث الميلادي) فإن الملك سليمان يستحضر أسموديوس للمساعدة في بناء الهيكل، ويظهر الشيطان ويتنبأ أن مملكة سليمان ستتجزأ يوما ما (عهد سليمان المقطع 21-25)، وحين يطلب سليمان من أسموديوس المزيد من الإفصاح يعلم الملك أن أسموديوس محبط من قبل الملاك رافائيل وكذلك من سمك يدعى "سمك الجري" الذي يوجد في أنهار آشور، واعترف كذلك بكرهه للماء والعصافير لأن كلاهما يذكرانه بالرب. 

كذلك في مطرقة الساحرات Malleus Maleficarum (1486)، يعتبر آسموديوس شيطان النشوة الجنسية، وقد قال المحقق الفرنسي سباستيان ميشاليز بأن خصم أسموديوس هو القديس يوحنا الإنجيلي، وبعض الديمونولوجيين من القرن 16 يخصصون شهرا لكل شيطان ويعتبرون شهر نونبر هو الشهر الذي تصبح فيه قوى أسموداي أشد، وديمونولوجيين آخرين يحددون برجه في الدلو لكن فقط بين تواريخ 30 يناير و 8 فبراير. 

ولديه 72 فيلقا من الشياطين تحت إمرته وهو أحد ملوك الجحيم بقيادة الإمبراطور لوسيفر، يحرض على القمار، وهو المشرف على كل دور القمار في محكمة الجحيم، وبعض اللاهوتيين الكاثوليك يقارنونه بملاك الجحيم "أبدون"، وهناك مؤلفين آخرين يعتبرون آسموديوس أمير الانتقام. 

وفي "المعجم الجهنمي" لمؤلفه كولين دوبلانصي يصور آسموديوس بصدر رجل وسيقان ديك وذيل ثعبان وثلاثة رؤوس (أحدها رأس رجل ينفث نارا والثانية رأس خروف والثالثة رأس ثور) يركب أسدا ولديه جناحي ورقبة تنين، وجميع هذه الحيوانات مرتبطة إما بالمجون أو الشهوة أو الانتقام. 

ويظهر أسموداي بلقب "الملك أسموداي" في الـ Ars Goetia من "المفتاح الأصغر لسليمان"، حيث يقال أن لديه ختم ذهبي وأنه مصنف في الرتبة الثانية والثلاثين. 

إنه قوي وجبار ويظهر بثلاثة رؤوس، الأول يشبه رأس ثور، والثاني رأس رجل، والثالث رأس كبش، لديه ذيل ثعبان، ومن فمه يلقي لهب النيران، كذلك، يمتطي تنينا جهنميا، ويحمل رمحا ينتهي براية، ومن بين فيالق أمايمون، يحكم أسموداي اثنان وسبعون فيلقا من الأرواح السفلى. 

وقد أشير إلى أسموديوس في الكتاب الثاني، الفصل الثامن من مؤلف "الماجوس" (The Magus) (الصادر سنة 1801) لصاحبه فرانسيس باريت. 

وقد كان أسموديوس يسمى ملاكا من ملائكة نظام العروش من قبل البابا غريغوري العظيم، كما تم الاستشهاد به من قبل راهبات لودون في المحاكمة سيئة السمعة المسماة "محاكمة ممتلكات لودون". 

وعرفت قصة أسموديوس وسليمان ظهورا جديدا في التقليد العربي والإسلامي كما سبقت الإشارة، غير أن الإسم الشائع لأسموديوس هنا هو "صخر" ربما إشارة إلى مصيره، لأنه وحسب الفولكلور الإسلامي فإن سليمان بعد أن هزم أسموديوس سجنه داخل صندوق حجري وقيده بالحديد وألقاه في البحر، وأشار الطبري إلى أسموديوس في سورة الصافات الآية 106، وذلك في كتابه "تاريخ الأمم والملوك"، وذكر بأن أسموديوس احتل مكان سليمان أربعين يوما. 

واستمرت سمعة أسموديوس كتجسيد للشهوة في الكتابات اللاحقة، كما عرف بأنه "أمير الفسق" في ملحمة "الأخ راش" في القرن 16، وساوى الراهب البنيديكتي الفرنسي أنطوان أغوستين كالمي بين إسمه والرداء الناعم، أما الديمونولوجي الألماني من القرن 16 جوهان واير فقد وصفه بأنه مصرفي طاولة البكاراه في جهنم، والمشرف على دور القمار الأرضية. 

وفي سنة 1641، نشر الكاتب المسرحي والروائي الإسباني لويس فيليس دي غيفارا الرواية الساخرة "El diablo cojuelo" (الشيطان الأقزل أو الأعرج) حيث يقدم أسموديوس كشيطان مؤذ وُهب عبقرية ساخرة ومرحة، الحبكة الروائية تتحدث عن تلميذ وغد يختبئ في علية منجم ويحرر شيطانا من قنينة، وكاعتراف بالجميل يريه الشيطان شقق مدريد وحيل وبؤس سكانها، أما الروائي الفرنسي آليان روني لوساج فقد جدد هذا المرجع الإسباني في روايته لسنة 1707 بعنوان "le Diable boiteux" حيث ربطه بـ "كيوبيد"، وفي الكتاب يذكر أن الشيطان يتم إنقاذه من قنينة زجاجية سحرية على يد تلميذ إسباني يدعى الدون كليوفاس ليوندرو زامبولو، وكتعبير عن الامتنان، فإنه ينضم إلى الشاب الصغير في سلسلة من المغامرات قبل أن يقبض عليه مجددا، وصور بورتريه أسموديوس في أضواء حساسة ككائن ذو طبيعة لطيفة، ومحاك ساخر وناقد للمجتمع الإنساني، وفي حادثة أخرى يأخذ أسموديوس الدون كليوفاس في رحلة طيران ليلية وينزع الأسقف عن البيوت من إحدى القرى لكي يريه أسرار ما يقع في الحياة الخاصة، واتباعا لعمل لوساج، صور أسموديوس في عدد من الروايات والمجلات، وبشكل رئيسي في فرنسا، وكذلك في لندن ونيويورك. 

وتم تصوير أسموديوس على نحو واسع بأن لديه ملامح وسيمة بأخلاق حسنة وطبيعة جذابة، إلا أنه كان يمشي بعرج حيث ساقه العرجاء إما كانت مخبأة أو عبارة عن ساق ديك، وفي عمل لوساج فإن أسموديوس يمشي بمساعدة عكازين، وهذا ما جعل العنوان الإنجليزي للرواية هو "الشيطان بعكازين The Devil on Two Sticks" (كما ترجمت لاحقا بعنوان "الشيطان الأعرج أو الكسيح The Limping Devil و The Lame Devil، ويعزو لوساج عرج أسموديوس في عمله إلى سقوط هذا الأخير من السماء أثناء قتاله مع شيطان آخر.
المرجع:

هناك تعليقان (2):

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...