الأربعاء، 26 أكتوبر 2022

فلوروس

ويدعى كذلك: فلافروس؛ هوراس؛ هوريس؛ هافريس. دوق الجحيم العظيم، لديه ستة وثلاثين جحفلا من الشياطين (عشرون حسب مملكة الشياطين الزائفة)، يعطي إجابات صحيحة عن كل الأشياء في الماضي والحاضر والمستقبل، على أن يطلب منه الدخول في مثلث سحري أولا حتى لا يكذب أو يخادع المشعوذ، وحينئذ يجيب بصدق وبكل سرور عن الألوهية وخلق العالم وعن نفسه وعن الملائكة الساقطين الآخرين، يمكنه أيضا تدمير جميع أعداء المشعوذ وحرقهم. وبطلب من الساحر، يمكنه تجنب غواية أي روح بأي شكل من الأشكال، ويصور عادة في هيئة سنور بشري ذي مخالب كبيرة، نمر رهيب قوي يتغير بناء على طلب المشعوذ إلى رجل بعيون نارية وتعبيرات فظيعة. يمكن أيضا استدعاء فلوروس عند الرغبة في الانتقام من الشياطين الأخرى.
خاتم فلوروس
المرجع:

إليغوس

يعرف أيضا باسم أبيغور و إليغور، هو دوق الجحيم العظيم، يحكم ستين فيلقا من الشياطين، يكشف الأشياء الخفية ويعرف مستقبل الحروب وكيف يشتبك الجنود، يحظى بتأييد اللوردات والفرسان وباقي الأعيان. صورته فارس حسن الهيئة يحمل رمحا وراية وصولجانا (في شكل ثعبان لأليستر كراولي)، وفي صورة أخرى، يظهر كطيف شبحي، وفي أحيان أخرى يمتطي حصانا شبه هيكلي مجنح أحيانا، وهو فرس أبيغور، وهو معبود الجحيم نفسه، وكان عطية من بعلزبوب، خلق من بقايا أحد خيول جنة عدن.
خاتم إليغوس.

المرجع:

السبت، 22 أكتوبر 2022

سجّين

سجين (بمعنى العالم السفلي أو العالم الكاثوني) هو في العقيدة الإسلامية إما سجن أو عذاب شديد أو ظروف خانقة في قاع جهنم أو الجحيم، أسفل الأرض (مقارنة مع تارتاروس اليونانية)، وبحسب مختلف التفاسير هو سجل الملعونين أو الأشرار، وقد ذكر في القرآن (7:83)، ويعتبر كذلك مكانا لأرواح غير المؤمنين حتى حلول القيامة.
وفكرة وجود جحيم تحت جذور سطح الأرض مذكورة في القرآن الذي تحدث عن "سبعة أرضين" (65:12) بينما يصف الجحيم بأنه حفرة جوفية مقسمة إلى سبع حجرات، وهكذا، فإن العديد من العلماء المسلمين يوازون بين الجحيم مع طبقات الأرض السبعة جاعلين سجين أسفل هذه الطبقات، والمكان النقيض لسجين هو "عليين".
وتعني كلمة سجين كوصف "عنيف" أو "شديد" وهي مشتقة من جذر س-ج-ن المتعلق بالسقوط أو السجن. وهناك كلمة مشابهة هي "سجيل" (لكن لا علاقة لها بسيجيليون σιγίλλιον الإغريقية البيزنطية الواردة من السريانية القديمة) المذكورة في القرآن كذلك، وتفسر بمعنى الصحيفة، ويرى بعض المفسرين أن "سجين" سجل للملعونين أو قائمة لأسماء المذنبين رابطين إياها "بسجيل".
وروى الأعمش عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعباً - وأنا حاضر - عن سجين؟ قال: هي الأرض السابعة وفيها أرواح الكفار، وسأله عن عليين؟ فقال: هي السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين.
ويعرض الطبري بشكل أساسي رأيين مختلفين فيما يتعلق بمعنى سجين في تفسيره: فالمعنى الأول أن سجين كتاب يحتوي على سيئات الخطأة، وفي المعنى الآخر فسجين طبقة تقع أدنى سابق أرض حيث يسلسل إبليس وتقبع فيه أرواح الكفرة.
وبالنسبة لبعض التفسيرات الشيعية فإن أعداء آل البيت خلقوا من طينة أرض سجين.
ووفقا للغزالي، فإن العالم الآخر (الآخرة) هو حلم مثل عالم يتكشف وجوده بعد الموت، وفي كتابه "تهافت الفلاسفة" يشرح الغزالي فإن هذا الحدث لا يقلل من تجربة المتوفى في الحياة الآخرة، تحس الأرواح باللذة والألم كما لو كان أصحابها على قيد الحياة، ووفقا لكتاب "كيمياء السعادة" للغزالي سيكون سجين مظهرا من مظاهر الحياة الأرضية وسيقدم إلى أولئك الذين سعوا وراء الأمور الدنيوية بدلا من السعي إلى النعيم الديني، حيث أن العالم الأرضي سجن والغرائز البشرية فيه سلاسل تربط البشر بهذا العالم وتحيطهم بالإغراءات الشيطانية التي استسلموا لها.
ووفقا للمستشرقة الألمانية آنا ماري شيمل (1922-2003)، ربط الزعماء الصوفيون التقليديون كل باب من أبواب الجحيم السبعة بخطيئة معينة، وفي كتاب الفتوحات المكية الذي ألفه ابن عربي بين 1203 و 1240 تبرز هذه الفكرة بوضوح، كما يربط ابن عربي في كتابه بين كل طبقة من الجحيم وجزء معين من الجسم حيث تكون طبقة سجين هي الأخطر: فربط جهنم بالقدمين، والجحيم بالأعضاء التناسلية، والسعير بالبطن، وسقر باليدين، واللظى باللسان، والحطمة بالأذنين، وسجين بالعينين.
وقد صدرت سلسلة من أفلام الرعب التركية بعنوان Siccin آخذة التسمية من المصطلح الإسلامي سجين.
المرجع:

إبليس

منمنمة عثمانية تصور إبليس على أنه رجل أسود ملتح يعتمر قبعة. محمد سياه قلم (ق 15 م)، قصر طوب قابي.
إبليس هو زعيم الشياطين في الإسلام، وبحسب القرآن، فقد طرد من الجنة بعد أن رفض السجود لآدم، وفيما يتعلق بأصله وطبيعته، فهناك وجهتا نظر مختلفتين: ففي الرواية الأولى، فإن إبليس قبل أن يطرد من السماء، كان جنيا رفيع المستوى يدعى عزازيل، وقد أمره الله بمحو العصاة الأصليين من سكان الأرض الذين استبدلوا بالبشر الأكثر طاعة، وبعد أن اعترض إبليس على قرار الله بشأن خليقته الجديدة، عوقب بالهبوط وطُرح في الأرض كشيطان، أما في الرواية الأخرى، فقد خلق الله إبليس من نار تحت الأرض السابعة، فصعد إلى سطح الأرض وهو يعبد الله لآلاف السنين، وبفضل عبوديته الراسخة وصل إلى السماء السابعة إلى جانب الملائكة، وعندما خلق الله آدم وأمر الملائكة بالسجود رفض إبليس الأمر الإلهي ما أدى إلى سقوطه.
وفي التقليد الإسلامي، غالبا ما يرمز إلى إبليس بالشيطان، وغالبا ما يعرف بلقب الرجيم بمعنى الملعون، ويشار إليه كشيطان مغو، بينما تذهب بعض الفرق الصوفية الباطنية إلى عدم اعتبار إبليس شيطانا بل الموحد الحقيقي ومن ثم فإنها تلحق نعت الشياطين بقوى الشر التي لا ينتمي إليها.
وقد يكون إسم إبليس مشتقا من الجذر اللغوي بلس بمعنى واسع "لبقي في غم" أو "يائس" وهذا هو الرأي السائد لدى العلماء العرب، قال الله تعالى في القرآن: "ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون"، وقد كان اسمه الشخصي عزازيل.
وبعض العلماء مثل عبد الكريم الجيلي (1366-1424) يربط هذا الإسم "بالتلبيس" بمعنى الارتباك، لأن أمر الله له بالسجود أربكه.
والاحتمال الآخر أنه مشتق من اليونانية διάβολος (ديابولوس) عبر وسيط سرياني، وهو أيضا مصدر الكلمة الإنجليزية "Devil"، وهناك احتمال آخر يربط هذا الإسم "ببني إلوهيم" (أبناء الرب) المتمثلين في الملائكة الساقطين في القرون المبكرة الذين تفردوا تحت إسم قائدهم.
ومع ذلك، لا يوجد اتفاق عام على جذر المصطلح، ولا يمكن العثور على الإسم نفسه في الأدب العربي الجاهلي قبل القرآن، ولكن يمكن العثور عليه في "كتاب المجول" وهو عمل مسيحي ملفق مكتوب باللغة العربية.
ويعرف إبليس في التقاليد الإسلامية بالعديد من الألقاب البديلة والكنى، مثل أبي مرة وعدو الله وأبي الحارث وأبي كردوس.
قد يكون إبليس ملاكا ساقطا أو جنيا أو مخلوقا فريدا تماما، وينشأ هذا الغموض في التحديد النهائي من نصوص القرآن نفسه، فبينما كان إبليس معنيا إلى جانب الملائكة بالأمر الإلهي بالسجود فإنه مع ذلك يُجعل من الجن، وقد برز موضوع سجود الملائكة وتمرد واحد منهم في الكتابات المسيحية المبكرة وأدب الرؤيا، ولهذا السبب يمكن للمرئ أن يفترض أن إبليس كان ملاكا، وقد يكون صامائيل هو النظير المدراشي لإبليس، فكلاهما مخلوق من نار وعارضا خليقة الله الجديدة بدافع الحسد، ويرى بول إيشلر أن القرآن حين ينعت إبليس بالجني فإنه لا يذكر خلقه من نار، وعندما يشار إلى خلقه من نار فإن الصلة بين النار التي خلق منها وتلك التي خلق منها الجن تبقى غائبة، وكلما تحدث القرآن عن النار التي خلق منها الجن نعتها بأوصاف مختلفة من قبيل أنها بلا دخان، بينما لم يتم وصف النار التي خلق منها إبليس بهذه الطريقة في القرآن. وفي تقاليد الشرق الأدنى القديمة، لم يكن الجن وحدهم المرتبطون بالنار، بل الملائكة أيضا مثل السارافيم. إن التمايز الواضح بين الملائكة وإبليس مدعوم بالعقيدة اللاهوتية اللاحقة عن العصمة الملائكية: فبما أن الملائكة ليست لديهم إرادة حرة، فهذا يجعل من الضروري أن يكون إبليس كيانا منفصلا وهو ما يفسر سقوطه كجني.
ويناقش علم الكلام دور إبليس في القرآن ومسائل الإرادة الحرة، ويؤكد بعض المتكلمين، وخاصة المعتزلة، على الإرادة الحرة وأن إبليس اختار العصيان بحرية، بينما يؤكد آخرون أن إبليس كان مقدرا عليه الوقوع في العصيان، ويذكر كمال الدين الدميري (1341-1405) أن معظم المفسرين لا يعتبرون العصيان وحده سبب عقاب إبليس بل لأنه نسب الظلم إلى الله من خلال اعتراضه على أوامره.
ووفقا لمعظم العلماء فإن إبليس مجرد مخلوق وبالتالي لا يمكن أن يكون سببا أو خالقا للشر في العالم في مهمته كشيطان، ولا ينظرون إليه إلا كمغو يستغل ضعف البشرية وتمركزها على الذات ويحاول إبعادها عن طريق الله، فإبليس ورفاقه الشياطين لا يستطيعون العمل إلا بإذن الله، ووجود الشر خلقه الله نفسه، ففكرة أن الله والشيطان مبدآن متعارضان ومستقلان رفضها علماء الدين المسلمين مثل أبي منصور الماتريدي (853-944) باعتبارها جزءا من المعتقدات المجوسية السابقة للإسلام.
كما يتميز إبليس بأنه سلف الشياطين، وبالتالي يشار إليه "بأبي الشياطين".
تصوير لإبليس من القصيدة الملحمية "الشاهنامه".
وقد ذكر إبليس 11 مرة بالإسم في القرآن، في تسع منها تعلقت برفضه لأمر الله أن يسجد لآدم، ومصطلح الشيطان يبقى أكثر انتشارا، على الرغم من أن إبليس يشار إليه أحيانا باسم الشيطان، وقد تناثرت الأجزاء المختلفة من قصة إبليس في القرآن، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
عندما خلق الله آدم، أمر الملائكة بالسجود أمام خليقته الجديدة، فسجد جميع الملائكة، لكن إبليس رفض ذلك، وحاجج أنه خلق من نار فهو أسمى من البشر الذين خلقوا من طين وأنه لا ينبغي أن يسجد لآدم. وعقابا على تكبره، طرده الله من السماء وجعل مصيره جهنم، فطلب إبليس أن ينظره الله إلى يوم القيامة وأن يمكنه من محاولة إغواء آدم وذريته، فاستجاب الله لسؤاله ولكنه حذره من أنه لن يكون له سلطان على عباده المصطافين من الرسل والأنبياء.
لوحة من مخطوطة هرات للإصدار الفارسي للبلعمي عن حوليات الطبري تصور الملائكة الذين يكرمون آدم باستثناء إبليس الذي يأبى الانصياع للأمر الإلهي. مكتبة متحف قصر طوب قابي، إسطنبول.
وهناك آراء مختلفة حول المعنى الصحيح لعبارة "بين الجن" في القرآن، ويقدم التفسير الإسلامي روايتين مختلفتين عن أصل إبليس في هذا الشأن: فوفقا لإحداها، كان إبليس ملاكا نبيلا بينما في الأخرى كان جنيا حقيرا شق طريقه إلى السماء. كما يعتبره البعض مجرد سلف للجن الذي خلق في الجنة، لكنه سقط بسبب عصيانه، وفي اللحظة التي هبط فيها آدم من الجنة بسبب خطيئته تحول إبليس إلى جني حيث كان ملاكا خلق من نار قبل ذلك.
وحسب مفسري القرآن مثل ابن عباس (619-687) ثم الطبري (839-923) ثم الأشعري (873-936) ثم الثعلبي (ت 1035) ثم البيضاوي (ت 1286) فأبي الثناء الألوسي (1802-1854)، فإن إبليس كان ملاكا في الأصل، ويصف الرازي إبليس بأنه كان من الملائكة المقربين، ووفقا لتقليد منسوب لابن عباس وابن مسعود (594-653) يستخدم مصطلح الجن في حالة إبليس للإشارة إلى الجنة، وعليه، كان إبليس وصيا إلى جانب فئة فرعية من "الملائكة الملتهبة"، ويجب تمييز هؤلاء الملائكة المخلوقين من نار عن ملائكة الرحمة المخلوقين من نور وكذا الجن الدنيوي المخلوق من نار بلا دخان "مارج من نار"، ويرى الطبرسي (1073-1153) أن إبليس إذا كان جنيا فلن يكون قادرا على الوصاية على الجنة مع الملائكة. ويقول شعبان علي أن تعريف إبليس على أنه جني هو خطأ تفسيري، والأصوب أنه لم يكن من الجن بل أصبح من الجن لاحقا وأنه كان ملاكا في البدء فصار جنيا عندما كفر، ويرى المؤيديون للأصل الملائكي لإبليس أن تحول إبليس من ملاك إلى شيطان هو بمثابة تذكير على قدرة الله المطلقة وأنه تحذير وتذكير في نفس الوقت بأن العطايا التي يمنحها قد يأخذها أيضا.
ومن ناحية أخرى، يعتبر كل من الحسن البصري (641-728) والفخر الرازي (1149-1209) وابن تيمية (1263-1328) وابن كثير (1301-1373) وسيد قطب (1906-1966) من أشهر العلماء الذين يرفضون أصل إبليس الملائكي، وينسب هذا الموقف أيضا إلى جمهور من المعتزلة، وقد عرفوا بتأكيدهم على الإرادة الحرة، وبالتالي لا يرون أن إبليس قدر له السقوط، وقد شاع هذا الرأي كذلك لدى العلماء السلفيين (مثل محمد صالح المنجد وعمر بن سليمان الأشقر) في الآونة الأخيرة.
وفي هذا الموضوع وجهان: فيقول الحسن البصري أن إبليس كان أول الجن، وبالتالي مثل آدم خُلق في الجنة وعندما أخطأ طرد هو وذريته، بينما يرى ابن كثير أن الجن عاشوا على الأرض قبل آدم، لكنه على عكس ابن عباس يجادل بإن إبليس لم يكن من الملائكة الذين يحاربون الجن، بل كان هو نفسه من الجن، وبسبب تقواه وعبادته المستمرة ارتقى إلى السماء ليكون مع الملائكة.
كما يشير العديد من العلماء إلى مسألة العصمة الملائكية، فيرون أن إبليس لا يمكن أن يكون ملاكا بسبب عدم عصمته من الخطإ، ومع ذلك يبقى هذا الرأي محل خلاف؛ فبينما جعل الحسن البصري الملائكة معصومين من كل النواقص، يقال أن أبا حنيفة (699-767) ميز بين عدة أنواع من الملائكة: الملائكة المطيعون والملائكة العصاة مثل هاروت و ماروت والكفار من الملائكة كإبليس، وبالنسبة للبعض، فإن عصيان إبليس هو جزء من مشيئة الله، وكان الله خلقه ـ بخلاف باقي الملائكة ـ من نار، فتركبت فيه طبيعة التمرد، وهذا ما جعل مهمة إغواء البشر تقع على عاتقه، تماما كما منحت الملائكة الأخرى مهام مختلفة تتناسب مع طبيعتهم.
وبينما يجعل القرآن مصير إبليس هو جهنم فإن بعض المفسرين لم يقرروا ما إذا كان إبليس في الجحيم بالفعل أو سيلقى فيه يوم القيامة، وتصفه بعض المصادر وجنوده من الشياطين بأنهم أول من يدخل الجحيم ويخلد فيه، بينما يرى آخرون أنه في جهنم بالفعل بسبب خلق الشياطين من النار، ويقترح البعض أن الشياطين لا تحترق في الجحيم، بل ستعذب في البرد القارس (الزمهرير) بدلا من النار. ويهلك إبليس قبل يوم الحساب، وتسود بين المسلمين الشيعة فكرة أن المهدي "المنتظر" سيقتل إبليس، وفي بعض كتب الأخرويات الإسلامية يكون إبليس آخر مخلوق على وجه الأرض وأن ملائكة العدل تقبض عليه وتأخذ روحه.
ويرى آخرون أن إبليس لا يتصرف وفقا لإرادته الحرة بل كأدة من أدوات الله، وعندما أنزل إبليس إلى الجحيم تم إرساله إلى "سجّين"، ولم يطلب من الله أن يعفيه من العقاب الأخروي بل طلب أن يعطيه فرصة لإثبات أنه على حق من خلال قيادة البشر إلى الخطيئة، وعليه، جعله الله مغويا للبشر، ويذكر ابن عربي (1165-1240) في كتابه "الفتوحات المكية" أن إبليس والشياطين (أو الجن الشرير) سيقولون بعد انتهاء الجحيم في اليوم الآخر، أن أفعالهم قد شرعها الله وبالتالي فهم غير ملومين عندما حاولوا إغواء البشر. وبما أن إبليس حسب القرآن ملعون إلى يوم القيامة، اعتبر البعض أنه قابل للافتداء بعد هلاك العالم، ويمكن أن يكون مأواه في الجحيم مؤقتا وبعد انتهاء مهمته كمغو قد يعود إلى الله كواحد من أعز الملائكة. وينشأ خلاصه النهائي من فكرة أن إبليس ليس سوى أداة لغضب الله، وليس بسبب شخصيته، ويقارن فريد الدين العطار (1142-1221) بين لعنة إبليس وخلاصه بقصة بنيامين بن يعقوب.
تكريم الملائكة لآدم ـ منمنمة فارسية: يظهر إبليس أسود الوجه وبدون شعر (أعلى يمين الصورة) رافضا السجود مع الملائكة الآخرين.
وقد طورت بعض الفرق الصوفية الباطنية منظورا آخر لإبليس، ودمجوه في مخطط كوني أكبر، حيث جعلوه إلى جانب محمد الرسول أحد الموحدين الحقيقيين ثم أداة الله للعقاب والغواية، لذلك يرى بعض هؤلاء أن إبليس رفض السجود لآدم لأنه كان مخلصا لله وحده وأنه رفض السجود لأي شخص آخر، ومع ذلك لا يتفق جميع الصوفيين مع خلاص إبليس.
ومن خلال إضعاف الشر في الشكل الشيطاني فإن الثنائية تتدهور أيضا، وهو ما يتوافق مع علم الكونيات الصوفية اللاحق لوحدة الوجود الرافض للميول الثنائية؛ إذ الإيمان بالثنائية ـ حسب هذا التوجه ـ أو أن للشر سببا آخر غير الله حتى لو كان ذلك بإرادته المطلقة يعتبر شركا، وبتفضيل إبليس أن يلعن في الجحيم بدلا من السجود أمام شخص آخر غير "الحبيب" (في إشارة إلى الله هنا) صار بذلك في هذا التيار نموذجا للحب النقي الذي لا ينتظر مقابلا.
ووسط هؤلاء الصوفيين الباطنيين تطور منظور إيجابي لرفض إبليس السجود لآدم بحجة أن إبليس اضطر إلى الاختيار بين "الأمر" و "الإرادة"، وعليه، رفض إبليس أن يسجد لآدم لأنه كان مخلصا لله وحده وهكذا اتبع إرادة الله الحقيقية بعصيان أمره الظاهر، ويعرف هذا الاعتقاد أيضا باسم "توحيد إبليس".
وتؤكد الرواية الشهيرة عن لقاء بين موسى وإبليس على منحدرات سيناء، رواها الحلاج (858-922) وأبو حامد الغزالي (1058-1111) و روزبهان البقلي الشيرازي (1128-1209) على نبل إبليس حيث سأل موسى إبليس لماذا رفض أمر الله فأجاب أن الأمر كان في الواقع اختبارا، ثم رد موسى من الواضح أن إبليس عوقب بالتحول من ملاك إلى شيطان، فأجاب إبليس أن شكله ذاك مؤقت لكن محبته لله دائمة.
وبالنسبة لأبي الفتوح أحمد الغزالي (1061-1126) كان إبليس نموذجا للعشاق في التضحية بالنفس لرفضه السجود لآدم من منطلق الإخلاص الخالص لله، وكان تلميذه الشيخ عدي بن مسافر الأموي (1075-1162) من بين المتصوفين المسلمين السنة الذين دافعوا عن إبليس وأكد أن الشر هو أيضا من خلق الله، ورآى أنه إذا وجد الشر بدون إرادة الله فسينسب إلى الله العجز والقصور الذي هو منزه عنه.
ورغم أن إبليس يذكر في القرآن فقط من خلال سقوطه واتجاهه لتضليل خلق الله، إلا أن دورا آخر عزي إليه كحارس لبوابة الجوهر الإلهي بناء على بعض الروايات الشفوية للصحابة، وفي بعض التفسيرات يرتبط إبليس بالنور الذي يضلل الناس، ونقل عن حسن البصري قوله: "لو أظهر إبليس نوره للبشرية لعبدوه كإله"، وذكر عين القضاة الهمداني (1097-1131) إن إبليس يمثل "النور المظلم"؛ أي العالم الترابي الذي يقف مقابل النور المحمدي الذي يمثل السماء. وعلى هذا النحو سيكون إبليس الأمين والقاضي للتفرقة بين الخطأة والمؤمنين. ويتبع عين القضاة في تفسيره سهلا التستري (818-896) وشيبان الراعي (المتوفى بين 786 و 787 تقريبا) اللذين زعما أنهما قد استمدا رأييهما من الخضر، ويربط عين القضاة تفسيره لنور إبليس بالشهادة: فالأشخاص الذين خدمتهم لله ظاهرة هم محاصرون في دائرة لا إله (الجزء الأول من الشهادة)، فهم في الواقع يعبدون أنفسهم بدلا من الله، وفقط الذين يستحقون مغادرة هذه الدائرة يمكنهم سحب إبليس نحو دائرة "إلا الله" أي "الحضور الإلهي".
ومع ذلك، لا يتفق جميع الصوفيين مع الصورة الإيجابية لإبليس، ففي رواية ابن غانم (ت 1280) عن لقاء موسى وإبليس، لا يقدم إبليس عذرا حقيقيا لعصيانه، فحججه المعروضة ضد موسى ليست سوى خدعا لجعل الصوفيين يرتابون في صحة طريقهم الروحي، ويبدو أن روزبهان البقلي انتقد إبليس أيضا، مؤكدا أن الأعذار التي قدمها كانت مجرد اختراعات للادعاء بالبراءة، وفي هذا السياق يسمي البقلي إبليس سيد الخداع الديني وأبو الكذب.
وفي كتاب المثنوي الثاني لجلال الدين الرومي (1207-1273) فإن إبليس أيقظ معاوية بن أبي سفيان لأداء الصلاة فشك معاوية في نواياه وسأله عن حقيقتها فأبدى إبليس عدة حجج لتبيان براءته فأخبره أنه كان رئيسا للملائكة وأنه لم يتخلى عن توحيد الله وأنه مجرد مختبِر يخرج شر الخطأة لتمييزهم عن المؤمنين الحقيقيين لكنه ليس شريرا، وأن قدرة الله المطلقة وخطيئة إبليس هما النتيجتان النهائيتان في دينونة الله، فانساق معاوية لحديث إبليس ونسي أن يستعيذ بالله، وفي الأخير اعترف إبليس أنه أيقظه فقط لأنه فوت الصلاة وليكون سببا في توبته التي تجعله أقرب إلى الله من الصلاة. ويرفض الرومي فكرة "توحيد إبليس" التي أكدها العديد من الصوفيين الآخرين بحجة أن إبليس إذا كان ملاكا فهذا لا يحميه من المعصية التي اجترمها.
وينظر الرومي إلى إبليس على أنه مظهر من مظاهر الخطايا العظيمة للتكبر والحسد، ويقول: "المكر من إبليس والحب من آدم"، لقد رأى فقط الشكل الأرضي الخارجي لآدم لكنه عمي عن الشرارة الإلهية المخبأة فيه عبر استخدام طريقة غير مشروعة للمقارنة.
ويرى حسن البصري أن إبليس كان أول من استخدم "القياس" مقارنا نفسه بشخص آخر، مما تسبب في خطيئته، لذلك يمثل إبليس أيضا نفسية البشر التي تتجه نحو الخطيئة أو يوضح كيف يمكن أن يسبب الحب الحسد والشجن.
ومعظم القصص عن إبليس تعتبره متورطا في معركة بين الملائكة والجن، إلا أن الروايات تختلف حول ما إذا كان إبليس من الملائكة أو من الجن في المعركة.
لوحة تظهر الطرد من الحديقة: الأشخاص الأساسيون في رواية سقوط آدم يظهرون جميعا: آدم؛ حواء؛ إبليس؛ الحية؛ الطاووس؛ الملاك رضوان ربما الذي يحرس الجنة.
وكجني، من المفترض أن إبليس عاش على الأرض قبل خلق البشر، ولما نزلت الملائكة لمحاربة الجن أخذوا أسرى من بينهم إبليس ونقلوا إلى الجنة، ولأنه على عكس الجن الآخرين كان تقيا، فقد تأثرت الملائكة بنبله، وسمح له أخيرا بالانضمام إليهم وترقيته إلى رتبتهم، ورغم حصوله على المظهر الخارجي للملائكة إلا أنه كان مايزال جنيا في جوهره، وبالتالي كان قادرا على عصيان الله فيما بعد. ثم حكم عليه بالجحيم إلى الأبد، ولكن الله منحه ـ جزاء على عبادته السابقة ـ سلطة الانتقام من البشر بمحاولة تضليلهم إلى يوم الدين.
هذه اللوحة من نسخة للفالنامه (كتاب الفأل) المنسوب إلى جعفر الصادق: يظهر إبليس بوجه أسود أسفل يسار اللوحة.
أما التقاليد التي تعتبر إبليس ملاكا فغالبا ما تصفه برئيس الملائكة (ملك مقرب) المسمى عزازيل، ووفقا لهذه القصة، كان عزازيل / إبليس زعيما وإماما (معلما) للملائكة، وأصبح وصيا على الجنة، وفي نفس الوقت كان هو الأقرب إلى عرش الله، وأعطاه الله سلطانا على السماوات السفلية والأرضين، وعندما أرسل الله الملائكة إلى الأرض لمحاربة الجن ساق عزازيل / إبليس وجيشه الجن إلى حافة العالم، إلى جبل قاف.
ومع علمه بفساد سكان الأرض السابقين، احتج إبليس عندما أمر بالسجود أمام ساكن الأرض الجديد؛ وهو آدم، وافترض أن الملائكة الذين يسبحون بحمد الله ليل نهار متفوقون على البشر المخلوقين من طين بما فيهم من عيوب ونقائص، حتى أنه اعتبر نفسه متفوقا على باقي الملائكة لأنه خلق من نار، ومع ذلك فقد انحط وحكم عليه بالجحيم "سجّين" من قبل الله لغطرسته.
ويقال أن لإبليس أربعة أجنحة وبعد أن لعن تحول شكله من ملاك إلى شيطان، وحول الله عنقه إلى رقبة خنزير ورأسه إلى رأس جمل وعيناه ممتدتان على وجهه، وتخرج من فمه أنياب خنزير، وتنبت من لحيته سبع شعرات فقط.
وبعد أن طرد من بين الملائكة جعله الله قادرا على التناسل وأثار في نفسه البغضاء فشبت منه شرارة من نار، ومن هذه الشرارة خلق الله زوجته، وفي تقاليد أخرى جعل الله إبليس خنثى وأنجب ذريته من تلقاء نفسه.
ووفقا لقصص الأنبياء، وفي سبيل دخول منزل آدم في الجنة، استعان إبليس بالثعبان التوراتي נחש للتسلل إلى هناك، وكانت الجنة محروسة من قبل وصي من الملائكة، فاخترع خطة لخداعه، فدنا من الطاووس وأخبره أن كل المخلوقات قد قدر عليها الموت وبموته سيفنى جماله، لكنه إذا مكنه من الحصول على ثمار الأبدية فسيجعل كل المخلوقات خالدة، فتمكن من إقناعه بأن يحمل الحنش الذي يتوارى فيه بمنقاره، وفي رواية مماثلة تم إبعاد إبليس بسيف رضوان المحترق مدة مائة عام، ثم وجد حنشا، وأخبره بما أنه كان أحد الشيروبيم الأوائل فسوف يعود يوما ما إلى نعمة الله ووعده بأن يبدي له الامتنان إذا ما قدم له الحنش معروفا، وفي كلتا الروايتين، يتحدث إبليس في الجنة ـ من خلال الحنش ـ إلى آدم وحواء، ويخدعهما ليأكلا من ثمار الشجرة المحرمة.
وفي سياق متصل يتهم المسلمون المعاصرون اليزيديين أو الإيزيديين بعبادة الشيطان عبر تبجيل الطاووس، وقد تكون صورة الثعبان التوراتي مستمدة من التقليد الشفوي الغنوصي واليهودي الذي انتشر قديما في شبه الجزيرة العربية.
تصوير تركي من قبل الرسام الفارسي محمد سياه قلم (ق 15 م) لمجموعة من الديفات (الشياطين) الراقصة.
ربما يكون إبليس من أشهر الكيانات الخارقة للطبيعة وقد تم تصويره في تمثيلات بصرية متعددة على خطى ما ورد في القرآن مثل مخطوطات أبي علي البلعمي (ت ح 992-997) في ترجمته لتاريخ الطبري إلى الفارسية. كان إبليس شخصا فريدا من نوعه، وصف بأنه من الجن الورع وأحيانا ملاكا قبل أن يطرد من نعمة الله بعدما رفض السجود لآدم، وبعد هذه الحادثة تحول إبليس إلى شيطان، وفي هذا المعنى صورته فرانشيسكا ليوني في تقليدها للفنون البصرية الإسلامية بجسم شبيه بالإنسان بعيون ملتهبة وذيل ومخالب وقرون كبيرة قائمة على رأس كبير غير متناسب مع حجم الجسد.
لوحة أخرى للملائكة الساجدين أمام آدم بينما يظهر إبليس بغطاء رأس وهو يرفض أمر السجود.
وغالبا ما يصور إبليس في اللوحات الإسلامية بأنه ذو وجه أسود وهي سمة ترمز إلى أي شخصية شيطانية أو مهرطق، وبجسم أسود كذلك يرمز إلى طبيعته الفاسدة، وهناك رسم شائع آخر لإبليس يظهره وهو يرتدي غطاء رأس إسلامي تقليدي، وربما تشير العمامة إلى رواية سقوط إبليس حيث كان يعتمر عمامة قبل أن يسقط من السماء، وهناك صور أخرى كثيرة تظهر إبليس وتصفه في اللحظة التي سجدت فيها الملائكة أمام آدم، حيث يقف خلف منكشف صخري بينما يتحول وجهه إلى وجه شيطان حسود ويحترق جناحاه، وغالبا ما يتم تصوير إبليس ورفاقه الشياطين في الفن التركي الفارسي على أنهم مخلوقات ذات أساور، ملتهبة العيون ومغطاة بتنانير قصيرة على غرار الفنون الأوروبية التي أخذت سمات الآلهة الوثنية لتصوير الشياطين بحيث صوروها في كثير من الأحيان بطريقة مشابهة للآلهة الهندوسية.
وخلال العصر العباسي الأول ربما كان إبليس شخصية ملهمة كراع للآداب والفنون بالنسبة للشعراء الماجنين مثل مسلم بن الوليد (748-823)، ويقال أن بعض الناس اتصلوا بإبليس كملهم مثل عبد الله بن هلال الكوفي الساحر المعروف بصديق إبليس (نهاية القرن السابع)، وكثيرا ما ذكر أبو الفضل محمد بن أحمد بن أبي جعفر الطبسي (ت 1089) إبليس (أو عزازيل) وذريته في موسوعته عن السحر في العصور الوسطى. ويقال كذلك أن إبليس يحاول إغواء المحتضرين للكفر مقابل حياتهم، ووفقا لكتاب الموتى الإسلامي يدنو إبليس متخفيا من رجل عطشان وفي يده كوب ماء فيعرض عليه الماء مقابل أن يشهد بوجود إلهين أو أنه لا يوجد خالق للكون أو أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كاذب.
وفي كتابه "الواثق" Vathek، يصف الروائي الإنجليزي ويليام بيكفورد (1760-1844) دخول الأبطال إلى العالم السفلي باعتباره "مجال إبليس"، وفي نهاية رحلتهم يقابلون إبليس شخصيا الذي يبدو بصورة أقل وحشية من شيطان دانتي وأكثر شبابا، بملامح عادية ملطخة وعينان يلمع منهما الكبرياء واليأس في نفس الآن وشعر الذي يشبه شعر ملاك نوراني.
وفي شعر محمد إقبال (1877-1938) ينتقد إبليس الطاعة المفرطة التي تسببت في سقوطه، لكنه ليس سعيدا كذلك بالولاء الذي يقدمه له بعض البشر، فهو يفضل الذين يقاومونه، فربما ألفى بينهم ذاك الإنسان الكامل ليفتدي نفسه بالسجود بين يديه.
وتصف رواية توفيق الحكيم (1898-1987) الشاهد (1953) ضرورة شر إبليس للعالم، ويحكي المؤلف من خلالها قصة خيالية عن إبليس الذي يسعى إلى التوبة فيلتمس البابا والحاخام الأعظم فيطرده كلاهما ثم يزور بعد ذلك مفتي الأزهر ويخبره أنه يريد اعتناق الإسلام لكن هذا الأخير يرفضه كذلك مدركا ضرورة شر إبليس، وبعد ذلك يتوجه إبليس إلى جبرائيل ليشفع له أمام الله، فيرفض جبرائيل ويشرح له ضرورة اللعنة الملقاة عليه، وعندئذ ينزل إبليس إلى الأرض وهو يصرخ "أنا شهيد"، وتعرضت رواية الحكيم هذه لانتقادات من قبل العديد من علماء المسلمين.
المرجع:

الأربعاء، 19 أكتوبر 2022

رودولف فون سيبوتيندورف


آدم ألفريد رودولف جلاور (9 نوفمبر 1875 ـ 8 مايو 1945) المعروف أيضا باسم رودولف فرايهر فون سيبوتيندورف (أو فون سيبوتيندورف)، كان منجما وكاتبا ووكيل استخبارات وناشطا سياسيا ألمانيا والمؤسس لجمعية ثول وهي منظمة ألمانية غامضة نشطت بعد الحرب العالمية الأولى حيث لعبت دورا رئيسيا في تلك الفترة وأثرت على العديد من أعضاء الحزب النازي. كان جلاور ماسونيا وصوفيا ـ بعد إعلان إسلامه ـ مريدا للطريفة البكتاشية وممارسا للتأمل والتنجيم وسحر الأعداد والخيمياء، كما استخدم أثناء مسيرته الإسم المستعار "إروين تور".
الحياة المبكرة:
ولد جلاور في هويرسفيردا في مقاطعة سيليزيا البروسية (ساكسونيا الحالية)، وكان ابنا لمهندس قاطرة، ويبدو أنه عمل كتقني في مصر بين 1897 و 1900. ورغم روايته الخاصة أنه أمضى أقل من شهر هناك سنة 1900 حيث عمل بحارا، وفي يوليو من ذلك العالم سافر إلى تركيا حيث استقر هناك سنة 1901 وعمل مهندسا.
وبحلول عام 1905 عاد إلى دريسدن وتزوج من كلارا فاوس، لكن الزوجين انفصلا سنة 1907، وذكرت صحيفة الميونيخنر بوست (14 مارس 1923) أنه أدين بالغش والتزوير سنة 1909، وهو ما قاله جودريك كلارك واعتبر حدوث ذلك سنة 1908 وليس كما ذكرت الصحيفة.
وأصبح مواطنا عثمانيا في عام 1911 وتم تبنيه على ما يبدو (بموجب القانون العثماني) من قبل المغترب البارون هاينريش فون سيبوتيندروف وأكد هذا التبني في ألمانيا وتم التشكيك في صحته القانونية لكن عائلة سيبوتيندروف صادقت على هذا التبني وعلى هذا الأساس تم تأكيد مطالبته باسم سيبوتيندروف ولقب فرايهر.
وبعد القتال مع الجانب العثماني التركي في حرب البلقان الأولى، عاد جلاور إلى ألمانيا بجواز سفر تركي عام 1913، وأعفي من الخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الأولى بسبب جنسيته العثمانية وبسبب جرح أصيب به خلال حرب البلقان.
وقد مات في إسطنبول بتاريخ 8 مايو 1945.
التأثيرات الغامضة والصوفية:
تعرف جلاور على السحر والتنجيم والفلسفات الباطنية عندما كان يعيش في بورصة التركية، وكان مضيفه الثري حسين باشا صوفيا ومهتما بمثل هذه الأمور. وفي هذا الوقت تقريبا تعرف جلاور على الطريقة المولوية وزار الهرم الأكبر بالجيزة في يوليو 1900. كما تعرف في بورصة على عائلة ترمودي، وهي عائلة يهودية من سالونيك، وكانت منخرطة في الأعمال المصرفية وتجارة الحرير وكانوا في نفس الوقت ماسونيين ينتمون إلى محفل تابع لطقوس منف-مصرائيم. وارتطبت شبكة المحفل هذا ارتباطا وثيقا بجمعية الاتحاد والترقي التركية (التي انضمت لاحقا إلى حركة تركيا الفتاة)، وقد رشح بطريرك عائلة ترمودي جلاور للانضمام إلى المحفل وورث هذا الأخير مكتبته الخاصة بالنصوص الغامضة والقبالية والروزكروسية والصوفية. وأثارت أحد هذه الكتب اهتمام جلاور بالصوفية البكتاشية وخاصة في الجانب المتعلق بممارساتها العددية والخيميائية، وتقول التكهنات أنه ربما تحول إلى الإسلام الصوفي رغم أن الأدلة من كتاباته شبه الذاتية لا تؤكد هذه التكهنات، وفي حكايته الذاتية "الطلسم الروزكروسي" يميز جلاور بين الماسونية التركية المتأثرة بالصوفية والماسونية الكلاسيكية.
وبحلول عام 1912 تقريبا أصبح جلاور مقتنعا بأنه اكتشف ما أسماه "مفتاح الإدراك الروحي" والذي وصفه مؤرخ لاحق بأنه "مجموعة من تمارين التأمل العددي التي تشبه إلى حد ما الصوفية أو الماسونية".
المشاركة في مجتمع ثول:
وبحلول عام 1916 اجتذب جلاور مريدا واحدا فقط، ومع ذلك كان في تلك السنة على اتصال بالمجتمع السري المسمى "النظام الجرماني أو التيوتوني" وتم تعيينه لاحقا قائد مجموعة محلية في هذا النظام لقسم بافاريا، واستقر في ميونيخ وأسس جمعية ثول التي صارت ذات توجهات سياسية بشكل متزايد، وفي 5 يناير 1919 أنشأ أنطون دريكسلر، الذي طور روابط بين جمعية ثول ومختلف منظمات العمال اليمينية المتطرفة في ميونيخ، جنبا إلى جنب مع كارل هارير من جمعية ثول؛ حزب العمال الألماني (DAP) وانضم إلى هذا الحزب في سبتمبر 1919 أدولف هتلر، الذي حوله إلى حزب العمال الاشتراكي الألماني أو الحزب النازي، وكان جلاور أيضا مالك جريدة فولكشر بيوباختر التي شتراها الحزب النازي سنة 1920 بمبادرة من شاز بودوين و ديتريش إيكارت اللذين أصبحا أول محررين للجريدة، وفي عام 1921 استحوذ هتلر على جميع الأسهم في الشركة مما جعله المالك الوحيد للنشر، وكان من المقرر أن تصبح الجريدة أهم أداة لدعاية هتلر.
الحياة اللاحقة:
بعد مغادرته لألمانيا، نشر جلاور "الممارسة الماسونية التركية القديمة: مفتاح فهم الخيمياء" سنة 1925، إضافة إلى رواية "الطلسم الروزكروسي" وهي شبه سيرة ذاتية والتي تعد المصدر الرئيسي لحياته السابقة.
ثم عاد جلاور إلى ألمانيا سنة 1933 ونشر "قبل أن يأتي هتلر: وثائق من الأيام الأولى للحركة الاشتراكية الوطنية" حيث تناول جمعية ثول وحزب العمال الديمقراطي، وكان هتلر نفسه لم يعجبه هذا الكتاب الذي تم حظره وألقي القبض على صاحبه جلاور، لكنه نجا بطريقة ما (على الأرجح بسبب بعض علاقات الصداقة من أيامه في ميونيخ) وفي عام 1934 عاد إلى تركيا.
كان جلاور عميلا للمخابرات العسكرية الألمانية في إسطنبول المحايدة خلال الفترة من 1942 إلى 1945، بينما كان يعمل أيضا على ما يبدو كعميل مزدوج للجيش البريطاني، ووصفه معالجه الألماني هربرت ريتلنجر فيما بعد بأنه عميل "عديم الفائدة" لكنه اعتنى به إلى حد كبير على ما يبدو بسبب عاطفة تجاه "هذا الرجل الغريب المفلس الذي لم يكن يعرف تاريخه الذي تظاهر بالحماس لقضية النازية وإعجابه بقوات الأمن الخاصة ولكنه في الواقع لم يهتم بأي منهما مفضلا في المقابل أن يتحدث كثيرا عن التبتيين".
ويعتقد أن جلاور بشكل عام أنه انتحر بالقفز في مضيق البوسفور في 8 مايو 1945.
المرجع:

الخميس، 6 أكتوبر 2022

ماريا دي سانتو دومينغو



كانت الأخت ماريا دي سانتو دومينغو "La Beata de Piedrahita" (المرأة المقدسة من بيدراهيتا) متصوفة إسبانية (ح1485-1524) من أوائل القرن السادس عشر.
ولدت ماريا في قرية ألديانويفا دي سانتا كروث، وبحسب معاصريها، فإن هذه القروية ذات الرؤى كانت ابنة فلاحين متدينين، وأمضت طفولتها في الأعمال الخيرية وكانت تقضي ساعات طويلة في الصلاة.
وكانت بيدراهيتا التي تقع بالقرب من أفيلا الموطن الروحي لماريا، وكان يوجد بها دير للدومينيكان حيث أقام المفتش العام توركويمادا، وكامرأة شابة، أصبحت بيدراهيتا أختا من الدرجة الثالثة وهو نفس الترتيب الدومينيكاني الذي رعى توركويمادا الشاب، وأطلق على ماريا لقب لا بياتا وهو لقب كان دارجا وسط الإسبان ويعني المرأة غير المتزوجة والتي لم تكن راهبة لكنها سعت وراء القداسة من خلال التعهد بالعفة والفقر في كثير من الأحيان. ولم تلبث ماريا طويلا حتى انتقلت إلى أفيلا.
وعبرت الشخصية الكاريمزاتية لماريا عن نفسها في العديد من الكشوفات والتجليات، حيث عقدت محادثة سماوية مع مريم العذراء ويسوع المخلص، وأخبرت معاصريها أن المسيح كان معها وأنه تجسد فيها وأنها كانت عروسه، وهو ما كانت تزعمه جارتها القديسة تيريزا دي أفيلا، وغالبا ما كانت ماريا تقضي ساعات في غيبوبة منتشية لا تتحرك، وذراعاها ورجلاها ممدودان بالقوة حيث زعمت أنها كانت تذوب في ذراعي الإله، وعلى الرغم من أنها لم تكن متعلمة إلا أنها اشتهرت بمضاهاتها لفكر أكثر اللاهوتيين نبوغا، حيث كان العرفان يعوض افتقارها إلى التعليم، وأرسل أسقف أفيلا الدومينيكاني دييغو ماجدالينو ماريا إلى طليطلة لضبط منازل الرهبنة هناك وبدء إصلاحات تقشفية، واعتبر هذا الأمر الإداري غير لائق وصادم للمؤرخ الدومينيكاني بيلتران سنة 1939.
واستدعى الأرمل فرديناند الثاني من أراغون ماريا إلى بلاطه في بورغوس، وخلال موسم 1507-1508 أثارت إعجاب الملك وحاشيته بمن فيهم الكاردينال سيسنيروس، ومع ذلك شعر باقي المعاصرين لماريا بارتباك حيال كراماتها المزعومة، بل شجبها بعضهم واتهموها بالاحتيال ووصفوا سلوكها النشواني "بالفاسد". وكان السيد العام الجديد للدومينيكانيين؛ توماس كاييتان يشك في أن الشيطان هو الذي يلهم ماريا وليس الإله، وقام بتقييد وصولها إلى رهبنة سانتو دومينغو التي كان نظامها يحث على إصلاحات الزهد. وكان دوق ألبا الذي كانت إحدى قصوره تقع مقابلة لدير أفيلا مهتما بالمحاكمات الأربع التي عقدت بشأن أرثوذوكسية ماريا بين عامي 1508 و 1510.
وتمكن كل من الدوق ابن عمه الملك وفرديناند والكاردينال سيسنيروس (الذي أصبح وصيا على قشتالة) من إقناع النظام الأسقفي بأن لابياتا تتمتع بإلهام خاص متاح لعدد قليل جدا من الأشخاص، وكان دعمهم لها حاسما فيما يتعلق بتهم الهرطقة، وكانت النتيجة ليس تبرءتها من التهم المنسوبة إليها فحسب بل أعلن المحققون أن حياتها ومذهبها مثاليان، وحظيت لابياتا بالأولوية في دير أسسه خصيصا لها دوق ألبا في قريتها الأصلية وسط قشتالة.
وقام كل من أنطونيو دي لابينيا و دييغو فيكتوريا بطبع كتاب لصلوات ماريا سنة 1518 تقريبا، وتم اكتشاف نسخة في سرقسطة وأعيد نشرها في مدريد سنة 1948 وظهرت ترجمة إنجليزية لها سنة 1992.
وتقول الموسوع الأرثوذوكسية الكاثوليكية (1907-1914) أن إسم ألومبرادوس (المتنور أو المستنير) ابتدعه بعض المتصوفة الزائفين الإسبان في القرن السادس عشر الذين ادعوا ـ على غرار لابياتا دي بيدراهيتا ـ أن لهم صلة مباشرة بالإله، ورأوا أن النفس البشرية يمكن أن تصل إلى درجة الكمال بل يمكنها التأمل في جوهر الإله حتى في الحياة الحالية وتفهم سر الثالوث، وأعلنوا أن كل العبادات الخارجية غير ضرورية وأن قبول الأسرار المقدسة لا طائل منه. والخطيئة تعتبر مستحيلة في هذه الحالة من الاتحاد الكامل مع الذي هو الكمال نفسه، وقد تصل الرغبات الجسدية إلى الإشباع وترتكب باقي الأفعال الخاطئة بحرية دون تلطيخ الروح. وتنص الموسوعة الكاثوليكية على وجه التحديد على أنه بالرغم من ذكر لابياتا دي بيدراهيتا بين أتباع هذه البدع فلا يمكن التحقق من أنها كانت مذنبة بارتكابها بدعة.
ولم تكن لابياتا وحدها المعنية بهذا التوجه، ففي طليلطة قامت إيزابيل دي لاكروز بالتبشير بنشاط به وكانت ماجدالينا دي لاكروز وهي من نظام سان كلير من أغيلار قرب قرطبة أكثر شهرة بهذا الخصوص، ومع ذلك اقتنعت محاكم التفتيش ببراءتها من الهرطقة سنة 1546، ووجدت أفكار هذا التيار ردود فعل واسعة بين الكاثوليك الإسبان رغم أن محاكم التفتيش واصلت التصدي لجميع المشتبه بهم وبلا هوادة ولم يفلت من نظرها حتى القديس يوحنا دي أفيلا و إغناطيوس دي لويولا.
المرجع:

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...