السبت، 31 أغسطس 2019

الأمريكيون الليبيريون

مونروفيا خلال القرن التاسع عشر.

الأمريكيون الليبيريون أو "شعب الكونغو" باللغة الإنجليزية الليبيرية هم مجموعة عرقية ليبيرية تنحدر من أصول إمريكية ـ إفريقية وكاريبية ـ إفريقية وكذلك المحررين من أصول إفريقية. والمجموعة العرقية الشقيقة للأمريكيين الليبيرين هي الشعب الكريولي من سيراليون حيث تتشارك المجموعتان نفس الجذور والثقافة. وينسب الأمريكيون الليبيريون أصولهم إلى الأفارقة الأمريكيين سواء الذين ولدوا أحرارا أو الذين كانوا عبيدا وأعتقوا فيما بعد من الذين هاجروا في القرن التاسع عشر ليصبحوا المؤسسين لدولة ليبيريا، وهكذا يحددون أنفسهم بالأمريكيين الليبيريين. وبعض الأمريكيين الأفارقة ـ بالمعنى الأعم للمصطلح ـ شاركوا؛ بعد إعادة توطينهم في كندا بتأسيس سيراليون وساحل العاج كمواطنين مؤسسين كذلك. وعلى الرغم من أن مصطلحي "الأمريكيين الليبيريين" و "الكونغو" كانا متمايزان في القرن التاسع عشر فإنهما حاليا متعاوضان ويشيران إلى مجموعة عرقية تتألف من مختلف أحفاد الأمريكيين من الأصول الإفريقية الحرة الذين كانوا مستعبدين في وقت سابق "الريكابتيفز"، إضافة إلى الكاريبيين والكريول السيراليونيون الذين أقاموا في ليبيريا بدءا من سنة 1822. 

وقد أدمج هؤلاء الأمريكيون الإفريقيون في وقت لاحق نحو 5000 إفريقيا معتوقا يدعون "الكونغوس" (وهم العبيد السابقون من حوض الكونغو الذين أعتقوا على يد البريطانيين والأمريكيين من سفن الرقيق بعد حظر تجارة الرقيق الإفريقية) و كذلك 500 مهاجرا باربادوسي في "الهيمنة" (الهيمنة هنا تشير إلى نوع غير مباشر من الحكومة ذات السيادة الإمبراطورية حيث تمارس الدولة المسيطرة القيادة الجيوسياسية على الدول المسيطر عليها باستخدام القوة بدل السيطرة العسكرية المباشرة). وللإشارة فإنه نادرا ما كان يتزاوج الأمريكيون الليبيريون مع سكان غرب إفريقيا الأصليين. 

وعلى الرغم من أن الخطاب والأدب الغربي عموما وبالأخص في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يستخدمان مصطلح "الأمريكيين الليبيريين"، إلا أن هذا المصطلح يعد الآن عتيقا ومتجاوزا وفي التعبير الشائع لدى أغلب الليبيريين (بمن فيهم الأمريكيون الليبيريون أنفسهم) وجيرانهم في غرب إفريقيا مثل السيراليونيين فإنه يشار إلى الأمريكيين الليبيريين باسم "الكونغو" أو "الكونغاو". 

وقد قاد هؤلاء المستعمرون الأفارقة وأحفادهم القطاعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلاد وتمكنوا من حكم الأمة الجديدة بدءا من القرن التاسع عشر إلى حدود 1980 كأقلية مهيمنة. ومن سنة 1878 إلى 1980 كانت جمهورية ليبيريا دولة بحزب واحد بحكم الأمر الواقع يديرها حزب "ترو ويغ" الذي هيمن عليه كل من السكان ذوي الأصول الأمريكية الليبيرية والمحفل الماسوني الليبيري. 

كان "حب الحرية الذي جلبنا إلى هنا" شعارا لنحو 13.000 شخص عبروا المحيط الأطلسي لإنشاء مستوطنات جديدة على ساحل الحبوب في غرب إفريقيا بين عامي 1817 و 1867، وانضم الأمريكيون الليبيريون هؤلاء إلى القوات المسلحة الملكية في "مملكة كويا" (التي كانت توجد على أراضي سيراليون الحالية) بمساعدة جمعية الاستعمار الأمريكية، ومارس المستوطنون الأوائل عقيدتهم المسيحية بالاشتراك أحيانا مع المعتقدات الدينية الأفريقية التقليدية، وتحدثوا اللغة الإنجليزية العامية الإمريكية الإفريقية (أو الإيبونيكسية)، وقلة منهم غامروا في الداخل أو اختلطوا مع الشعوب الأفريقية المحلية. وقد هربت معظم العائلات الأمريكية الليبيرية القديمة القوية سنة 1980 إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد اغتيال الرئيس "ويليام تولبرت" في انقلاب عسكري. 

وهكذا كان الأمريكيون الليبيريون قد أنشؤوا عدة مستوطنات على طول نهر "سانت بول" مثل "مونروفيا" و "كروزرفيل" و "كاريسبيرغ" و "كلاي آشلاند" و "بوكانان" و "ميريلاند" و "ميسيسيبينافريكا" و "غرينفيل"، واستقر العديد من الأمريكيين الليبيريين أيضا في "كيب ماونت"، أما السكان البارباديون الذين تم دمجهم في العرق الأمريكي ـ الليبيري أو "الكونغو" فقد استقروا تحديدا في "كروزييرفيل" وشكلوا عائلات بارزة مثل "آل باركليز" و "آل مورغانز" و "آل بيستس" و "آل ثوربز" و "آل ويكس" و "آل بورتمان"، وتم توطين شعب "الكونغو" الأصلي أو العتقاء الأفارقة أو "الريكابتيفز" في "نيوجورجيا" وأدمجوا في المجموعة "الأمريكية الأفريقية". إضافة إلى ذلك استقر المهاجرون من سيراليون و ساحل الذهب في "مونروفيا" ومستوطنات أمريكية ليبيرية أخرى وأدمجوا بدورهم في المجتمع الأمريكي الليبيري. وقد كان هناك تمييز بين الريفيين الأمريكيين الليبيريين "الأبريفيرز" وبين الأمريكيين الليبيريين السياسيين والتجار المتواجدين في "مونروفيا". 

وباعتبارهم مؤسسين للأمة واستحواذهم على نحو 5 % من من سكان ليبيريا، كان للأمريكيين الليبيريين دور قيادي في السياسة الوطنية منذ تأسيس المستعمرة حتى انقلاب "صمويل دو" عام 1980. وقد كان هناك نقاش حول تمسك الأمريكيين الليبيريين بالسلطة لفترة طويلة، ويعزو البعض ذلك إلى حقيقة أن الانقسامات كانت تستند إلى "الألوان"، خاصة وأن الرئيس الأول لليبيريا كان من عرق مختلط وكذلك العديد من المهاجرين، مما يعكس طبيعة المجتمع الأمريكي من أصل إفريقي في (الآبساوث) "الجنوب الأعلى" (القسم الشمالي من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية). ومع ذلك، لاحظ الباحثون أنه خلال عهد الأمريكيين الليبيريين، كان لدى الزعماء مجموعة من ألوان البشرة المختلفة انطلاقا من اللون الغامق إلى خليط البشرة الإفريقية الأوروبية، مما يعني أن هذه النظرية غير محتملة، ويبقى من المرجح أنهم بنوا سلطتهم بناء على معرفتهم بالثقافة والاقتصاد الأمريكيين، والأسلاف المشتركة، والقدرة على إنشاء شبكة من المصالح المشتركة، ويعتقد آخرون أن فترة حكم الأمريكيين الليبيريين الطويلة ترجع جزئيا إلى المحفل الماسوني الليبيري، أو المنظمة الماسونية الليبيرية، وهي منظمة أخوية بني معبدها الرخامي في عام 1867 باعتباره أحد مباني "مونروفيا" الأكثر إثارة للإعجاب ومعقلا للقوة الأمريكية الليبيرية، وكان هذا المعقل قويا بما فيه الكفاية للاستمرار طوال فترة الحرب الأهلية، وبعد سنوات من الإهمال بعد الحرب، قام النظام الماسوني بترميم المعبد. 

ويشار إلى أنه في سنة 1980 قاد "صمويل دو" (مشير عسكري) انقلابا عسكريا عنيفا، وشهدت فترة رئاسته للبلاد دوامة من الحروب الأهلية أدت إلى تدمير الاقتصاد الوطني، وفي بدايات الألفية الثالثة تحولت ليبيريا إلى واحدة من أكثر الدول فقرا في العالم حيث يعيش معظم السكان تحت خط الفقر الدولي. 

ومن الناحية الثقافية، فإن الثقافة الأمريكية الليبيرية هي عبارة عن مزيج من ثقافة الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية ومنطقة البحر الكاريبي التي جلبها إلى ليبيريا مختلف المستوطنين من الهنود الأمريكيين والعتقاء الأفارقة وسكان الغرب الهندي، وتبرز هذه الثقافة في الطبخ واللغة والأسلوب المعماري للأمريكيين الليبيريين حيث قدم الأمريكيون الليبيريون جوانب مختلفة من الثقافة الأمريكية الأفريقية في ليبيريا، ومن ضمن ذلك اللغة الإنجليزية للسكان الليبيريين إضافة إلى شكل فريد من "هندسة ما قبل الحرب" (وهو أسلوب هندسي انتشر في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في الجنوب العميق خلال فترة ما قبل الحرب الأهلية). وعلاوة على ذلك، ساهم الأمريكيون الليبيريون في إضافة تقنيات الخبز الأمريكية إلى المطبخ الليبيري. 

وعند وصول الأمريكيين الليبيريين إلى المنطقة كانوا على درجات متفاوتة من التعليم الرسمي وغير الرسمي، وأنشؤوا المدارس وجامعة ليبيريا كذلك، آو "الكلية الليبيرية" سابقا، بالإضافة إلى مؤسسات التعليم العالي الأخرى مثل "مدرسة كوتينغتون"، وكان الأمريكيون الليبيريون من بين الأفارقة السود الأوائل الذين تأهلوا كأطباء ومحامين في الولايات المتحدة ومن بينهم رواد أمريكيون ليبيريون بارزون، مثل الدكتور "سليمان كارتر فولر" وهو طبيب نفساني ليبيري بارز تلقى تعليمه في "هارفارد". وعمل العديد من الأمريكيين الليبيريين كمدرسين وقاموا بتدريس كل من الأمريكيين الليبيريين والليبيريين من المجموعات العرقية الأخرى، وبذل الأمريكيون الليبيريون جهودا متضافرة لتثقيف الليبيريين من المجموعات العرقية الأخرى، وشملت هذه الجهود استخدام نظام الحي. 

وقد نشر الأمريكيون الليبيريون البروتستانتية على نطاق أوسع في منطقة ليبيريا الحديثة، وخدم العديد منهم كمبشرين في مجموعات عرقية أخرى في ليبيريا وكانوا من أوائل المبشرين المعمدانيين والمنهاجيين والأسقفيين من أصل أفريقي أسود في ليبيريا. وأدخل الأمريكيون الليبيريون تقنيات الخبز الأمريكية الإفريقية التقليدية كما تقدم إلى الدولة الحديثة في ليبيريا، وما تزال ليبيريا متميزة في تقليدها الفريد هذا المستمد من المهاجرين الأمريكيين من أصل إفريقي. ويرتدي الأمريكيون الليبيريون ـ على غرار باقي الليبيريين ـ ملابس كلاسيكية وغربية، واعتادت الجماعات العرقية في ليبيريا على ارتداء ملابس أوروبية قبل وصول الأمريكيين الليبيريين كنتيجة للتجارة الواسعة مع الأوروبيين التي تعود جذورها إلى القرنين الخامس والسادس عشر. ومع ذلك، فإن الأمريكيين الليبيريين أشاعوا الأزياء ذات النمط الغربي بما في ذلك القبعات العلوية والمعاطف المذيلة والفساتين، وفي الوقت الحاضر، يرتدي الليبيريون ـ بصرف النظر عن العرق ـ ملابس ذات طراز أفريقي وغربي على حد سواء. وقد قدم الأمريكيون الليبيريون شكلا من أشكال اللغة الإنجليزية العامية الأمريكية من أصل إفريقي التي أثرت على اللغة الإنجليزية غير المعيارية التي كانت موجودة في منطقة ليبيريا منذ عهد ما قبل الاستعمار. وكانت العمارة الأمريكية الليبرية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مزيجا فريدا من الهندسة المعمارية لما قبل الحرب الأهلية الأمريكية في جنوب الولايات المتحدة إضافة إلى البيئة الأفريقية في ليبيريا، فتم بناء المنازل الأمريكية الليبيرية بألواح الطقس والإطارات الحجرية مع شرفات ذات نمط يوناني روماني بالنسبة الأمريكيين الليبيريين الأثرياء. 

وفي الوقت الذي حملت فيه العولمة الثقافة الأمريكية الأفريقية حول العالم، استنسخ الأمريكيون الليبيريون ثقافتهم الأمريكية في ليبيريا، ويعني إسم "ليبيريا" "أرض الأحرار"، وتعتبر أكثر بلد إفريقي أمركة، ويشبه الدستور الليبيري وهيكل الحكومة والعلم نظير ما يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم بناء المساكن السابقة للعائلات الأمريكية الليبيرية على طراز منازل المزارع في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، واستمرت لغتهم في حمل عناصر من اللغة الإنجليزية الأمريكية السوداء ووفقا للعديد من الروايات، اندمج الليبيريون المهاجرون بسهولة في المجتمعات الأمريكية الأفريقية، ولدى هؤلاء أعلى معدلات قبول جواز السفر في الولايات المتحدة وأطول معدلات التمديد بالنسبة لمواطني دول إفريقيا. 

وعلى الرغم من أن العديد من أفراد الطبقة الأمريكية الليبيرية غادروا البلاد أو قتلوا خلال فترة الحرب الأهلية وانهارت منازلهم ومعالمهم، فإن الليبيريين العاديين يتطلعون إلى الولايات المتحدة دائما للحصول على المساعدات اللازمة، وفي عام 2007، دعا "روبرت جونسون" أحد مؤسسي تلفزيون الترفيه للسود؛ الأمريكيين الأفريقيين إلى دعم ليبيريا مثلما يدعم الأمريكيون اليهود إسرائيل.
المرجع:

الثلاثاء، 27 أغسطس 2019

أصول "البلوز"

مغني "البلوز" الأمريكي "روبرت جونسون" (1911-1938) الذي عرضت تسجيلاته التاريخية بين عامي 1936 و 1937 مجموعة من الأغاني ومهارات عزف الجيتار وموهبة تأليف الأغاني التي أثرت على الأجيال اللاحقة من الموسيقيين.




لا يعرف سوى القليل عن الأصل الدقيق للموسيقى المعروفة اليوم باسم "البلوز"، ولا يمكن الإشارة إلى أي سنة محددة كانطلاق لهذا النمط الموسيقي، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أن هذا الأسلوب قد تطور عبر فترة طويلة من الزمن كما كان موجودا في شكله الحالي قبل أن يطلق عليه إسمه الرسمي "البلوز" أو قبل حتى أن يوثق بدقة، وقد تتبع عالم الموسيقى الإثنية "جيرهارد كوبيك" جذور العديد من العناصر التي يفترض أن موسيقى "البلوز" قد تطورت منها وصولا إلى القارة الإفريقية "مهد البلوز"، وتأتي في هذا السياق إحدى الإشارات المبكرة المهمة إلى نمط موسيقي يشبه إلى حد بعيد "البلوز" من عام 1901، عندما قام عالم آثار في ولاية "الميسيسيبي" بتوصيف أغاني العمال السود ذات المواضيع الغنائية والعناصر الفنية المشتركة "بالبلوز". 


ويبقى هناك القليل من الخصائص المشتركة بين جميع أطياف "البلوز"، حيث يستنبط هذا النوع شكله من خصائص كل أداء فردي على حدة، وكان بعض هذه الخصائص موجودا قبل إنشاء موسيقى "البلوز" الحديثة، وهي على العموم شائعة في معظم أنماط الموسيقى الأمريكية الإفريقية، وكانت الموسيقى الأقدم التي تشبه موسيقى "البلوز" عبارة عن "تعبير وظيفي" تم تقديمه بأسلوب النداء والاستجابة دون مرافقة أو تناغم وغير مقيد بشكليات أي بنية موسيقية معينة، وكانت موسيقى ما قبل "البلوز" هذه مقتبسة من صيحات الحقول وأداء الصائحين في عهد الرق، وتم توسيع هذه الموسيقى لتصبح أغاني منفردة بسيطة محملة بالمحتوى العاطفي. ويمكن إرجاع العديد من عناصر "البلوز" هذه مثل شكل "النداء والرد" إلى موسيقى إفريقيا. كما أن استخدام تقنية المد والترنيم الأنفي المتموج يوحي كذلك بوجود صلة بين موسيقى غرب ووسط إفريقيا تحديدا و"البلوز". والاعتقاد بأن "البلوز" مستمد تاريخيا من غرب إفريقيا ـ وتحديدا دولة "مالي" ـ ينعكس في وصف "مارتن سكورسيزي" الذي اعتبر موسيقى "علي فاركا توري" بمثابة الحمض النووي "للبلوز". 

ولعل الآلة الموسيقية الإفريقية التي تعتبر سلفا للآلة الأمريكية الإفريقية المسماة "البانجو" هي "الأكونتين"، وهي عبارة عن مزهر تقليدي لشعب "الجولا" من منطقة 'السينغامبيا"، فالآلتان تتشابهان في أسلوب العزف وبنائهما بحد ذاته ودورهما الاجتماعي كآلتين شعبيتين. 

ومن ناحية أخرى، حددت الدراسات التي أجراها "ويلي رووف" أصل الموسيقى الروحية السوداء من خلال تعرض العبيد الأفارقة لتأثير الأناجيل الهبرديسية لأسيادهم البيض، ويلاحظ كذلك المؤرخ الأمريكي من أصل إفريقي "توماس سويل" أن سكان الجنوب السود من الرقيق السابق كانوا متأثرين بدرجة كبيرة بثقافة جيرانهم الإسكتلنديين والإيرلنديين "حمر الأعناق". وبالإضافة إلى ذلك، هناك نظريات مفادها أن البنية المكونة من أربع نبضات للقياس الخاصة "بالبلوز" قد تشترك في أصولها مع الثقافة الأمريكية الأصلية المتمثلة في التقليد الأمريكي الأصلي لتجمع "البو بو". 

كما حددت المؤرخة "سيلفيان ضيوف" وعالم الموسيقى العرقية "جيرهارد كوبيك" الموسيقى الإسلامية باعتبارها ذات تأثير على موسيقى "البلوز"، وتشير "ضيوف" إلى تشابه صارخ بين الدعوة الإسلامية للصلاة (التي كان يقوم بها حسب التقليد الإسلامي بلال بن رباح الحبشي وهو مسلم إفريقي مشهور من الحبشة في أوائل القرن السابع الميلادي) وموسيقى الحقول الصاخبة للقرن 19، مشيرة إلى أن كليهما يحتوي على كلمات متشابهة تشيد بالله، إضافة إلى تشابههما في اللحن وتغير النوتات والكلمات التي ترتعش وتهتز في الحبال الصوتية، والتغيرات المثيرة في المقاييس الموسيقية، والترنيم الأنفي. وتعزو "ضيوف" موسيقى صياح الحقول إلى العبيد الأفارقة المسلمين الذين مثلوا ما يقدر بـ 30 % من العبيد الأفارقة في أمريكا، ووفقا "لكوبيك"، فالأسلوب الغنائي للعديد من مغني "البلوز" الذين يستخدمون تقنية المد والترنيم المتموج وما إلى ذلك هو إرث يعود لتلك المنطقة الكبيرة في غرب إفريقيا والتي كانت على اتصال بالعالم الإسلامي عبر المغرب العربي منذ القرنين السابع والثامن، وكان هناك على الخصوص تلاقح كبير عبر الصحراء بين التقاليد الموسيقية في المغرب والساحل. 

وكان هناك اختلاف في الموسيقى التي يؤديها العبيد في منطقة الساحل والذين كانوا يتألفون من المسلمين في الغالب وباقي العبيد غير المسلمين، فقد كان العبيد المسلمون في الساحل عموما يفضلون الآت النفخ والآلات الوترية والغناء الفردي، في حين أن العبيد غير المسلمين كانوا يفضلون الطبول والهتافات الجماعية، لكن كان يتم السماح لعبيد الساحل بمواصلة الغناء والعزف على آلاف النفخ والآلات الوترية باعتبار ذلك أقل تهديدا بالنسبة لأصحاب المزارع، ومن بين الآلات التي جلبها العبيد الأفارقة المسلمون كانت الآلات السالفة "للبانجو"، وفي حين تم الضغط على العديد منهم للتحول إلى المسيحية فقد سمح لعبيد الساحل بالحفاظ على تقاليدهم الموسيقية، وتكييف مهاراتهم مع أدوات مثل القيثارة والكمان، كما سمح للبعض بتقديم عروض في قاعات المسارح الخاصة بأصحاب العبيد، مما سمح لموسيقاهم بالهجرة عبر الجنوب العميق. 

وكانت موسيقى نداء الحقول المعروفة أيضا باسم موسيقى نداء المخيمات أو المعسكرات، من أوائل الأنماط الموسيقية الأمريكية الإفريقية وتم توصيفها في القرن التاسع عشر، وقد أرسى منادوا الحقول أسس "البلوز" والموسيقى الروحانية التي تطورت في الأخير إلى نوع "الريذم أند بلوز". وقد شكل فن صائحي الحقول من العبيد ولاحقا من المتزارعين العاملين في حقول القطن وسجناء العصابات المقيدة وعصابات السكك الحديدية (الغاندي دانسرز) أو معسكرات زيوت التربنتين سلفا لنمط النداء والاستجابة في الموسيقى الأمريكية الإفريقية الروحانية والموسيقى الإنجيلية لينتقل هذا الأخير عبر الفرق الإيقاعية وعروض "المينستريلسي" والبيانو السريع إلى موسيقى "البلوز" و "الريذم أند بلوز" و "الجاز" والموسيقى الأمريكية الإفريقية عموما. وقد تتبعت المؤرخة "سيلفيان ضيوف" و "جيرهارد كوبيك" أصول صائحي الحقول إلى العبيد المسلمين الأفارقة الذين تأثروا بالتقاليد الموسيقية الإسلامية في غرب إفريقيا. 

وكان السلف الموسيقي الأكثر أهمية "للبلوز" هو الموسيقى الروحية الأفرو-أمريكية، وهي شكل من أشكال الأغنية الدينية التي تجذرت في لقاءات المخيمات خلال فترة الصحوة الثانية العظمى (1790-1840). وكان النمط الروحاني شكلا عاطفيا للأغاني ينقل للمستمعين شعورا موحدا بالبؤس وعدم الانتماء مثل "البلوز" تماما. وعلى أية حال، كانت الموسيقى الروحية الأفرو-أمريكية أقل اهتماما بالمؤدي وأكثر تركيزا على الوحشة العامة للجمهور، ويبقى الشكلان ـ الموسيقى الروحية و"البلوز" ـ أكثر نزوعا للرمزية منها إلى المعاني المباشرة، ورغم اختلافاتهما الظاهرة فإنهما يتشابهان لدرجة يصعب معها الفصل بينهما بسهولة، بل وكانت الأنماط الروحانية تنضوي في إطار المعنى الواسع "للبلوز" في تلك الحقبة. 

إضافة إلى ما سبق، تبقى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لظهور "البلوز" غير معروفة تماما، فقد تطورت موسيقى "البلوز" من الموسيقى الصوتية غير المصاحبة للعمال السود الفقراء إلى مجموعة من الأساليب والأنواع الفرعية دون إغفال الفروق الإقليمية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، على أن الأغاني العمالية الأمريكية ظلت مقدمة هامة "للبلوز" الحديث، وتضمنت الأغاني التي كان يرددها العمال أثناء التحميل والتفريغ مثلا وصيحات الحقول وصيحات العبيد، ولم يتم التوصل إلى الظهور الأول للبلوز بشكل واضح إلا أن تاريخه يرجع غالبا إلى الفترة الممتدة من 1870 إلى 1900، وهي فترة تزامنت مع تحرير العبيد والانتقال من العبودية إلى الإنتاج المحاصيلي والزراعي على نطاق صغير في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية. 

ويصف العديد من الباحثين تطور موسيقى "البلوز" في وقت مبكر من القرن العشرين على أنه انتقال من العروض الجماعية إلى أسلوب أكثر فردانية، ويزعمون أن تطور "البلوز" ارتبط بالحريات المكتسبة حديثا للعبيد. ووفقا "للورنس ليفين" فقد كانت هناك علاقة مباشرة بين التركيز الإيديولوجي القومي على الفرد وشعبية تعاليم المفكر الأمريكي الإفريقي "بوكر تي واشنطن" (1856-1915) آنذاك وصعود "البلوز". ويقول "ليفين" أن ثقافة الزنوج في تلك الفترة أثريت من النواحي النفسية والاجتماعية والاقتصادية بطريقة لم تكن ممكنة على الإطلاق في عهود العبودية، وليس من الغريب إذن أن تعكس موسيقاهم العلمانية ذلك بقدر ما فعلت الموسيقى الدينية. غير أن أحد الأسباب المهمة لعدم وجود معرفة دقيقة بأصول "البلوز" هو ميل موسيقيي "البلوز" الأوائل للتجوال في المجتمعات الشيء الذي أدى إلى تخليف سجل شبه معدوم أو بسيط للغاية للأنواع الموسيقية التي كانوا يعزفونها أو مصادرها، كما أنها لم تكن في تلك الحقبة صالحة للتوثيق أو الدراسة أو حتى الاستماع من قبل الطبقات الغنية والمتوسطة. 

وفيما يخص استعمال النوتة الزرقاء المعروفة في نمط "البلوز" و"الجاز"، فقد استعملت قبل صعود "البلوز" من لدن المؤلف الموسيقي الإنجليزي ذي الأصول الإفريقية "صامويل كوليريدج-تايلور" (1875-1912) في "أغنية حب زنجية" من متتاليته الإفريقية بالبيانو التي ألفها سنة 1898، وقد تضمنت مقطوعته تلك النوتة الزرقاء الثالثة والسابعة. كذلك فالمؤلف الأمريكي الإفريقي "ويليام كريستوفر هاندي" الذي يعتبر "أب البلوز" (1873-1958) كتب في سيرته الذاتية عن تجربة النوم على متن قطار أثناء السفر عبر "توتويلر، الميسيسيبي" حوالي 1903، وأنه استيقظ على وقع: 

"وصلة فضفاضة لزنجي نحيل بينما كان قد بدأ في النقر على أوتار قيثار بجواري أثناء نومي، وكانت ملابسه خرقة وقد برزت أصابع قدميه من حذائه وبدا على وجهه حزن العصور، وأثناء عزفه ضغط بسكين على الأوتار بطريقة كانت شائعة لدى عازفي القيثار الهاوايين الذين كانوا يستخدمون موازين فولاذية... لقد كان التأثير لا ينسى، لقد أصابتني أغنيته في مقتل، وكرر المغني سطر "Going’ where the southern cross’ the Dog"[ الذهاب حيث يعبر الجنوبي الكلب (الكلب هنا لقب أطلق على خط سكك حديد فرعي كان اسمه سكك حديد دلتا "يازو" في الميسيسيبي) ] ثلاث مرات مرافقا نفسه بالقيثار مع أغرب موسيقى سمعت على الإطلاق". 

لقد تملكت "هاندي" مشاعر مختلطة تجاه هذه الموسيقى التي اعتبرها بدائية ورتيبة، لكنه استعمل خط "الجنوبي الذي يعبر الكلب" في أغنيته لسنة 1914 "راج الكلب الأصفر" ("الراج" Rag أو "الراجتايم" Ragtime نوع من الموسيقى استخدم فيه اللحن الرخيم القوي مع الإيقاع المتسق المنتظم كان معروفا بين 1895 و 1919) والذي أطلق عليه إسم "بلوز الكلب الأصفر" بعد أن أصبح مصطلح "البلوز" مشهورا. 

واعتمد "البلوز" لاحقا عناصر إثيوبية (إثيوبي هنا يعني أسود) من عروض "المينستريلسي" والموسيقى الروحانية الزنجية متضمنا المصاحبة الآلاتية والنغماتية، كما ارتبط هذا النمط الحديث ارتباطا وثيقا بنمط "الراجتايم" الآنف الذكر، هذا الأخير الذي كان قد تطور في نفس الوقت تقريبا على الرغم من أن "البلوز" كان يحفظ الأنماط اللحنية الأصلية للموسيقى الإفريقية بشكل أفضل. ومنذ سنة 1890، كانت صناعة نشر صحائف الموسيقى الأمريكية قد أنتجت قدرا كبيرا من موسيقى "الراجتايم"، وكانت أول أغنية تم نشرها على نمط "الراجتايم" تتضمن قسما مكونا من 12 شريط بعنوان "One O’ Them Things" ألفها "جيمس شابمان" و "ليروي سميث" ونشرت في "سانت لويس، ميسوري" من قبل شركة "جوس بلاشيت وابنه"، وكان هناك خليط موسيقي "راج/بلوز" مبكر آخر بعنوان "I Got The Blues" نشر سنة 1908 من قبل "أنطونيو ماجيو" في "نيو أورلينز". 

وفي مقابلة طويلة أجراها عالم الموسيقى الأمريكي "آلان لوماكس" مع عازف البيانو "جيلي رول مورتون" سنة 1938 استذكر هذا الأخير أن "البلوز" الأول الذي سمعه على الأرجح كان سنة 1900 وقد عزفه مغن ومومس بعنوان "مامي ديسدونس" في "غاردن ديستريكت، نيو أورلينز"، وقد غنى "مورتون" هذا البلوز، وتم إصدار هذه المقابلة في تسجيلات مكتبة الكونغس الكاملة. 

وفي عام 1912، نشرت صناعة صحائف الموسيقى لحن "بلوز" آخر بعنوان "بلوز دالاس" من قبل "هارت أ. واند" من "مدينة أوكلاهوما، أوكلاهوما"، كما نشر في نفس السنة مؤلفان موسيقيان آخران يشبهان "البلوز"، مما أدى إلى اعتماد مجموعة ناشري "زقاق تين بان" في "نيويورك" لعناصر "البلوز"، كما تم نشر "بلوز بيبي سيلز" من قبل "بيبي فرانكلين سيلز" (وقد رتب من قبل "آرتي ماثيوس") و "ممفيس بلوز"، وهو ترتيب آخر لمقطوعة "راجتايم" مع مقطع واحد مكون من 12 ميزان بواسطة "و. س. هاندي"، وأيضا في عام 1912 تم نشر حقوق التأليف والنشر لأغنية أخرى بعنوان "البلوز" بواسطة "لي لاسز وايت" لكن لم يتم نشرها فعليا حتى 1913. 

وكان "هاندي" مدربا تدريبا رسميا على الموسيقى، كما كان ملحنا ومنسقا ساعد على تعميم "البلوز" من خلال تدوين وتنسيق "البلوز" بأسلوب سيمفوني تقريبا مع الفرق الموسيقية والمطربين، وقد أصبح فيما بعد ملحنا شعبيا غزير الإنتاج، ووصف نفسه بأنه "أب البلوز"، ومع ذلك، يمكن وصف مؤلفاته الموسيقية على أنها مزيج من "البلوز" وموسيقى "الراجتايم" و "الجاز"، وهو اندماج سهل عبر استخدام إيقاع "هابانيرا" الأفرو-كوبي الذي كان لفترة طويلة جزءا من موسيقى "الراجتايم"، ومن أعمال "هاندي" التي جاءت بهذه الصيغة "سانت لويس بلوز" سنة 1914. وكانت للأغاني في هذه الفترة العديد من الهياكل المختلفة، ويمكن الاطلاع على شهادة من ذلك الوقت في تسجيلات "هانري توماس"، ومع ذلك أصبحت هياكل: الثمانية موازين أو الستة عشر ميزان المؤسسة على نغمة القرار والتآلف تحت الثابت والثابت هي الأكثر شيوعا. ومن الناحية اللحنية، تميزت موسيقى "البلوز" باستخدام التآلف المخفض الثالث والثابت السابع (أو التي أطلق عليها النوتات الزرقاء) في ارتباط بالسلم الكبير. وقد سجل نموذج الميزان الثاني عشر المعياري "للبلوز" بتواريخ شفوية غير مؤكدة كما هو الشأن بالنسبة للمجتمعات في جميع أنحاء المنطقة المحيطة "بالميسيسيبي السفلي" حوالي 1900 (وعرضت في "نيو أورلينز" على الأقل منذ سنة 1908) وأحد هذه المواقع الأولى لتطور "البلوز" كان على طول "شارع بيل" في "ممفيس، بولاية تينيسي"، ومع ذلك أشارت المؤلفة "إيلين ساوثرن" إلى العديد من التصريحات المتناقضة للموسيقيين القدامى، واستشهدت "بأوبي بلاك" عندما قال "البلوز في "بالتيمور"؟ لماذا؟ "بالتيمور" هي "البلوز" !"، وادعاء "بانك جونسون" بإن "البلوز" كان موجودا في طفولته حوالي 1880. 

ومن بين مطربي "البلوز" المحترفين الأوائل كانت "جيرترود ما-ريني" التي زعمت أنها هي من صاغ مصطلح "البلوز". وكانت مغنيات "البلوز" الحضريات الكلاسيكيات أو "الفودفيل" يحظين بشعبية في العشرينيات من القرن الماضي، ومن بينهن "مامي سميث" و ما ريني" و "بيسي سميث" و "فيكتوريا سبيفي"، وكانت أولاهن "مامي سميث" مؤدية للفودفيل" أكثر منها فنانة "بلوز"، وكانت أول أمريكية إفريقية تسجل "البلوز" سنة 1920، وبيع من عملها "كرايزي بلوز" أكثر من 75.000 نسخة في الشهر الأول لصدوره. 

ونشأت الأشكال الموسيقية والأساليب التي تعتبر الآن "بلوز" وكذلك موسيقى "الكانتري" المعاصرة في نفس المناطق خلال القرن التاسع عشر في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن العثور على تسجيلات "للبلوز" و "الكانتري" تعود لعشرينيات القرن الماضي، عندما تطورت صناعة التسجيلات الشعبية وأنشأت فئات تسويقية سميت "موسيقى السباق" وموسيقى "هيلي بيلي" لبيع موسيقى السود للسود وموسيقى البيض للبيض على التوالي. ولم يكن في ذلك الوقت تقسيم واضح بين "البلوز" و "الكانتري" باستثناء عرق المؤدي، وحتى في بعض الأحيان تم توثيقه بشكل غير صحيح من قبل شركات التسجيلات.
المرجع:


ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...