الثلاثاء، 30 يوليو 2019

أغاريس




"أغاريس" (أيضا "أغارات"، و "أغاروس") هو شيطان تم وصفه في الغريموارات الديمونولوجية. 

ويوصف "أغاريس" في الغريموارات مثل كتاب الأرواح (بأغارات) وفي كتب مملكة الشياطين الزائفة والمفتاح الأصغر لسليمان والمعجم الجهنمي بأنه دوق "تحت سلطات الشرق" "رجل عجوز يمتطي تمساحا يحمل صقرا في قبضة يده" "الذي يعلم اللغات ويوقف ويسترجع الأشخاص الهاربين" ويسبب الزلازل ويمنح الألقاب النبيلة. 

ويصنف كل من "المفتاح الأصغر لسليمان" و"مملكة الشياطين الزائفة" "أغاريس"  كروح ثانية، ويذكران أنه يحكم 31 فيلقا من الشياطين، بينما كتاب الأرواح (الذي يصفه ببساطة بأنه رجل عجوز) يعطيه 36 فيلقا. 

وكتاب مكتب الأرواح يجعله (باسم "أغاروس") الثاني تحت أوريانس ويصفه بأنه رجل عجوز يركب الأصلة بدون صقر، وغريموار البابا هنوريوس (التي تشير إليه باسم "أغاروس") فإنه يبدو أكثر اختصارا، ويحذف التمساح والصقر، ويحذف مهامه المتعلقة باللغات والألقاب، أما الغريموار العظيم فيشير إليه بأنه مرؤوس "لوسيفوج روفوكال"، ووفقا "لتوماس رود"، وكان "أغاريس" عدوا للملاك ذي الإسم الصريح "جليال"، أما "أرواح الكنز" فتشير إلى "أغاريس" من خلال استدعاء الأرواح التي تحرس الكنز.
ختم "أغاريس".

المرجع:

السبت، 27 يوليو 2019

فستولوس

"رومولوس وريموس" يحصلان على مأوى من قبل "فستولوس" لوحة زيتية للفنان الإيطالي الباروكي "بييترو دا كرتونا" (1596-1669).

كان "فستولوس" في المثيولوجيا الرومانية الراعي الذي وجد الرضيعين "رومولوس وريموس" اللذين كانت ترضعهما ذئبة معروفة باسم "لوبا" في هضبة "بالاتين" وقد قام هو وزوجته "أكا لارنتيا" بتربية الطفلين، وحسب إصدارات أخرى للأسطورة، كانت "لوبا" مومسا (تعني "لوبا" في اللاتينية أنثى الذئب)، وقد أعلن "فستولوس" إسما لعائلة رومانية فيما بعد حيث قام أحد أفرادها بسك قطعة نقدية تظهر "فستولوس" مع التوأم والذئب باسم الدينار الفضي "لسكستوس بومبيوس فستلوس وقد صدرت حوالي 140 ق.م.
"فستولوس" (على يمين الصورة) يكتشف "رومولوس وريموس" مع الذئبة ونقار الخشب، لوحة للفنان الفلاندري "لبيتر بول روبنس" (1577-1640).

المرجع:

الاثنين، 22 يوليو 2019

عامون



أيضا آمون و ناحوم في الديمونولوجيا هو ماركيز الجحيم الذي يحكم أربعين فيلقا جهنميا، عامون شيطان وماركيز كبير في الجحيم وسابع روح في الـ Goetia. 

وإسم عامون و آمون مستمدان من الإله آمون أو الإله القرطاجي بعلحمون، أما ناحوم فتعني الذي يحث على اللهفة. 

ووفقا "للمعجم الجهنمي" لمؤلفه كولين دو بلانصي، فإن عامون يأتمر على أربعين فيلقا من الشياطين ويحمل لقب أمير، وهو كيان يظهر كثيرا للمصالحة بين الأصدقاء والأعداء ويجلب الحب لمن يسعى إليه، وقد نظر المصريون إلى آمون بأنه إلههم الأعلى، وقدموه ببشرة زرقاء في شكل بشري نوعا ما. 

وقد كتب تقريبا من قبل جوهان واير سنة 1583 في "مملكة الشياطين الزائفة": 

"آمون أو عامون، هو ماركيز عظيم وجبار، ويخرج في هيأة ذئب، لديه ذيل ثعبان، يتقيأ شعلات من النار، وعندما يظهر على شكل رجل فإنه يظهر أسنان كلب، ورأس عظيمة كبومة جبارة، وهو الأمير الأقوى بين الآخرين، ويفهم جميع الأشياء التي مضت والتي ستأتي، يقدم الرعاية، ويصالح بين الأصدقاء والأعداء، ويحكم أربعين فيلقا من الشياطين". 

وبعد ذلك بكثير سامويل ليدل ماكغريغور ماثرز في الـ Goetia: 

"الروح السابعة هي عامون، إنه ماركيز عظيم السلطة والأكثر شدة، ويظهر في صورة ذئب بذيل ثعبان، ويخرج من فمه مقاذف من نار، لكن بأوامر من الساحر يتحول إلى شكل رجل بأنياب كلب محاط برأس كرأس الغراب الأسود، وكذلك كرجل برأس غراب (ببساطة)، ويخبر عن جميع الأشياء التي مضت والتي ستأتي، يدير العداوات ويصلح الخلافات بين الأصدقاء، ويحكم أربعين فيلقا من الأرواح، ختمه هو هذا الذي يجب ارتداؤه كما سبق ذكره.... إلخ".
خاتم عامون.

المرجع:

سيدتنا من تجمع إندور


أو "طائفة الأوفيتيين الشيطانيين" (Ophite Cultus Sathanas)، كانت طائفة شيطانية يزعم أنها أسست سنة 1948 على يد "هربرت آرثر سلوين" (ولد في 3 شتنبر 1905 وتوفي في 16 يونيو 1975) في "كليفلاند"، "أوهايو"، على الرغم من أن البعض يجادل بأن الطائفة لم يتم تصورها قبل عام 1968 بعد اتصال "سلوين" بكنيسة الشيطان، وقد تأثرت هذه الطائفة بالغنوصية بشدة (خاصة تلك التي أسست في كتات "هانز جوناس" المعاصر "الدين الغنوصي")، وقد عبد أعضاء هذه الطائفة "ساتاناس"، التسمية التي أطلقوها على الشيطان، ("كولتوس ساتاناس" هي نسخة لاتينية لعبادة الشيطان)، وقد عرف "ساتاناس" (أو الشيطان) في المصطلحات الغنوصية بأنه ثعبان في جنة عدن الذي كشف معرفة الإله الحق لحواء، وتسمية "أوفيت" التي أطلقت عليه إنما هي إشارة إلى الطائفة الغنوصية القديمة للأوفيتيين الذين قيل أنهم عبدوا الأفعى، و"سيدة إندور" هي إشارة إلى ساحرة "إندور"، وتم توثيق تجمع "سلوين" علنا لأول مرة في أواسط 1968 عندما قال الكاتب الغموضي البريطاني "ريتشارد كافينديش" أنه قد تلقى رسالة من محفل شيطاني في "توليدو، أوهايو"، إضافة إلى مقابلة جرت سنة 1967 بين "سلوين" وصحفي من "توليدو" حول طائفته عن مسائل السحر الخاصة به وعما يحكى عن ثرائه، وبينما يشير علماء الشيطانية الحاليون إلى أنه ليس هناك أي دليل ملموس على وجود تجمع "سيدتنا من إندور" قبل 1966، يشير البعض الآخر إلى أنه من المحتمل أن يكون لمجموعة "سلوين" جذور قبل ذلك الوقت. 

ويشير "سلوين" في رسالته في يونيو 1968 إلى مجموعته باسم "تجمع سيدتنا من إندور، الطائفة الشيطانية الأوفيتية" ويوضح أن الشيطان كان في شكل ثعبان وجلب معرفة الإله الحقيقي (الغنوصيس) لحواء عندما أوعز إليها بالأكل من شجرة المعرفة، هذا الإله الحقيقي أعلى من الإله البارئ لهذا العالم، وكتب أن "قايين" كان أول قسيس شيطاني ومارس أول قداس شيطاني (مما يفسر أن "قايين" عوقب من قبل الإله البارئ)، ووفقا "لسلوين"، فإن الشيطانيين الحقيقيين يتبعون طريق الثعبان و"قايين"، كما كان الغنوصيون الأوفيتيون الأوائل، ولخصت هذه المصطلحات في كتاب "هانز جوناس" ضمن صفحات قليلة بعنوان "حواء والأفعى"، و "قايين والبارئ": 

"... إنه الثعبان الذي حث آدم وحواء بتذوق ثمر المعرفة وبالتالي عصيان خالقهما، وفي الواقع، فإن أكثر من طائفة غنوصية استمدت إسمها من عبادة الثعبان ("الأوفيتيون" من الإغريقية، "أوفيس"، "النحسيون" من العبرية، "ناحاس")". 

ـ هانز جوناس "الدين الغنوصي". 1958، ص 93. 

وكان "سلوين" يؤمن بإله مقرن قيل أنه كشف له في الغابة عندما كان طفلا، هذا الإله المقرن، حسب قوله، كان الإله الأصلي والأقدم على الإطلاق الذي يعبده البشر (ويوضح أن الأنثروبولوجيا قد أثبتت ذلك) وبعد رؤيته لكتاب "مارغريت موراي" "إله الساحرات"، قال أنه أدرك بأن الإله المقرن كان شيطانا (ساتاناس)، وأصبح "سلوين نشطا جدا في حركة الكنيسة الروحانية، وأصبح وزيرا في كنيسة روحانية منذ سنة 1930، وسافر إلى عدة مواقع في "أوهايو" لتأدية الخدمات. وصف "سلوين" تجمعه الشيطاني قد تطور من منصبه الروحاني، كما التقى "سلوين" مع معاصره "جيرالد غاردنر" (مؤسس حركة "الويكا" الذي توفي سنة 1964) بشان اهتمامات "سلوين" حول تصوير الساحرات الحقيقيات بأنهن عابدات للشيطان أو "ساتاناس"، هذا الرأي الذي حاربه "غاردنر" بنفسه في كتاباته، ومع ذلك، اعتقد "سلوين" أنه في حين يشير "الغنوصيس" إلى المعرفة، فإن كلمة "الويكا" تشير إلى الحكمة، وأن السحرة المعاصرون ابتعدوا كثيرا عن المعرفة، وبدلا من ذلك بدؤوا في عبادة إله الخصوبة، وهو انعكاس للإله البارئ، وقد كتب أن "أكبر تجمع حقيقي للسحرة موجود حاليا والذين يعتبرون شيطانيين حقيقيين هم الإيزيديون". وعندما ظهرت كنيسة الشيطان في الستينات، بدأ "سلوين" مقابلة "أنطون ليفي" مع اهتمام هذا الأخير بالعثور على المزيد من الشيطانيين للمشاركة في منظمته الخاصة، وأوصى "سلوين" بشدة بكتاب "الدين الغنوصي" وكانت تقرأ منه بعض التحديدات أحيانا في الاحتفالات.
المرجع:

نبذة عن واقع اليهود في القرون الوسطى


الفصل الثالث:
يهودية الأحبار، التلمود وعالم القرون الوسطى
من يهودية التوراة إلى يهودية الأحبار:
لقد دمر الرومان هيكل القدس، لكنهم لم يدمروا الديانة اليهودية ولا اليهود. والحقيقة أنه بالرغم من أن ضياع الهيكل الثاني سبّب ألما شديدا، مثل ما حدث في أثناء ضياع الهيكل الأول، فإن النتيجة النهائية من جراء الحرقتين كانت تقوية الشعب اليهودي وتقوية دينه مع دخول اليهود فترات النفي التي تستمر آلاف السنين. ومع التدمير الثاني (للهيكل) لم تعد الديانة مرتكزة على نظام تقديم القربان تحت إشراف كهانة وراثية، ولم تعد كذلك محصورة في مدينة مقدسة معينة ولا في الأرض المقدسة. ومن الآن فصاعدا فإن التوحيد الإلهي والنظام الأخلاقي الذي يتطلبه الإيمان بهذا التوحيد سيتم تحقيقهما في نظام ديني تقوم فيه الدراسة والعبادة الجماعية والفردية محل تقديم القرابين، وتقوم فيه الأعمال الصالحة بتعزيز الجماعة التي كان يعززها نظام سياسي في السابق. أخذ الحاخامات المتفقهون مكان الكهان الوراثيين كزعماء الجماعة وأخذ البيت والمعبد مكان الهيكل المقدس كمركز الشعائر والحياة الروحية. جاءت هذه التغييرات البنيوية المهمة بعد الانتقال التأريخي من اليهودية التوراتية إلى اليهودية الربانية (الحاخامية) لكن، بالرغم من هذه التغييرات، فإن صميم الديانة اليهودية ظل دائما كما هو. لقد حصر التوحيد الإلهي المطلق المعتقدات الدينية اليهودية، وبقيت الحياة اليهودية دائما خاضعة للتوراة – التعاليم والأوامر الإلهية ولكن، من الآن فصاعدا فإن الديانة اليهودية تكون دائما نظاما دينيا سهل الانتقال أكثر مما كانت عليه خلال الفترة التوراتية. وكانت الأشياء الوحيدة المقدسة فعلا في المنفى والشتات هي اللفائف وكتب التوراة. 


المشناة والتلمود
إن الديانة اليهودية الربانية كانت تتطور على مهل في أرض إسرائيل عدة قرون في الفترة التي كان فيها الهيكل قائما، وكان تطورها موازيا للعبادة القديمة التي كانت تقام في المعبد. فبالإضافة إلى الكتابات المقدسة – التوراة وكتب الأنبياء ومختلف الكتب الأخرى مثل المزامير، والأمثال، والأخبار، ولفائف أخرى – قد تطور رصيد من الحكمة الشفاهية في المجتمع، وانتقل هذا الرصيد من حكيم إلى تابعه، وذلك عبر أجيال كثيرة. وبقي هذا الجمع الهائل من الحكمة شفهيا مئات السنين؛ إلا أن كثيرا منه قد جمع ودون في أثناء آثار محرقة انتفاضة باركوخبا الفاشلة. تسمى هذه المجموعة من التقاليد المشناة وتشتمل في معظمها على أقوال وأفعال كبراء حكماء اليهود عدة قرون، وتعني اللفظة العبرية ״مجموعة الدراسة״. جمع المشناة ودون كتابها حوالي عام 200 ميلادي وهي مصنفة في ستة من كتب التقليد التي تحوي آراء الحكماء فيما يتعلق بكيفية تطبيق التوراة على الأفعال الإنسانية في الحياة اليومية. كتبت المشناة باللغة العبرية وكل كتاب أو صنف منها يتناول ظاهرة مختلفة من الحياة. ״زراعيم״ (بذور) تتحدث عن القضايا الفلاحية والعبادة اليومية ويتناول ״موعديم״ (الأعياد) الطقوس المطلوبة في السبت والمهرجانات اليهودية والصيام. يتناول كتاب نشيم (النساء) قانون الزواج وحقوق النساء ومسؤوليتهن وقوانين الطلاق والعهود. يتناول كتاب ״نزكيم״ (الأضرار) أنواعا مختلفة من القانون المدني والجنائي مع إرشادات أخلاقية شعبية. يسجل كتاب ״قداشيم״ (المقدسات) كثيرا من الطقوس الرسمية لهيكل القدس، ويتناول كتاب ״طهروت״ (الطهارة) مختلف أوجه الطهارة المتعلقة بالجسد والطقوس والطعام. جمعت كتب المشناة في فلسطين واستنسخت فيها ثم أرسلت إلى كل أنحاء العالم اليهودي. وأصبحت الأداة الشائعة لتطبيق القانون الإلهي الوارد في التوراة على الحياة اليومية لليهود أينما تواجدوا.
أصبحت المشناة النص الأساسي الذي يدرسه اليهود بإخلاص جنبا إلى جنب مع التوراة. ويعتبر أعلى شرف أن يكون الواحد طالبا عند أحد الحكماء، حيث يرتكز منهج الدراسة على معرفة التوراة ومناقشة المشناة. إن العديد من أجيال مناقشات المشناة، وبالخصوص في كل فلسطين وفي الجاليات اليهودية القديمة في بابل (التي تحكمها الآن أسرة فارسية مختلفة)، قد وسعت كثيرا موضوعات المناقشة. وبالفعل، قد بدأ مركز العالم اليهودي يتحول ثانية تجاه بابل (العراق الحالي) بعد تدمير الرومان ليهودا كما كان التحول إليها بعد تدمير الهيكل الأول قرونا سابقة. وما زال أعضاء الجالية اليهودية القديمة في العراق يعتبرون أنفسهم بابليين إلى يومنا هذا بالرغم من أن البابليين أنفسهم انهزموا وطردوا من السلطة قبل ما يزيد عن 2500 سنة.
مع زمن جمع المشناة سنة 200 ميلادي تغيرت لغة اليهود من العبرية إلى الآرامية القريبة منها، والتي هي اللغة المشتركة لمجمل الشرق الأوسط في ذلك الوقت. استمر معظم اليهود في معرفة العبرية والصلاة باللغة المقدسة لكن اللغة اليومية لمعظم يهود الشرق الأوسط هي اللغة الأرامية. أصبحت إذن الآرامية لغة التعليم اليهودي. استمر الحكماء اليهود وأتباعهم مدة قرنين أو ثلاثة في المناقشة وتطبيق قواعد المشناة وقوانين التوراة وازداد حجم هذه المناقشات حتى وصل مجلدا ضخما من التقليد الشفهي الذي يحفظه الإنسان بصعوبة شديدة في ذاكرته. وعندما أصبحت هذه الثروة الثقافية الشفهية واسعة جدا ومنيعة الحفظ حتى على الموهوبين دونت منها نسختان في النهاية. دونت نسخة في فلسطين حوالي بداية القرن الخامس ودونت الأخرى في بابل بعدها بمئة سنة علي وجه التقريب. نظمت النسختان بحسب المشناة وتحتويان علي كثير من المادة المشتركة، لكن التدوين البابلي أكثر شمولية وكمالا. وتسمى هاتان المدونتان، المكتوبتان بالأرامية ״الغماراه״ أو ״الختام״ لأنها تشكل تعليقات وتفسيرات إضافية على المشناة. وتشكل المشناة والغماراه معا التلمود أو ״كتاب التعليم״ المميز لليهودية الربانية. يعتبر التلمود بحرا واسعا للتقليد اليهودي الذي يطبق قوانين التوراة بتفصيل معقد على أوجه الحياة اليومية لليهودي من طقوس وشعائر والحياة المدنية والاجتماعية والشخصية والأخلاقية. 
لقد قارن بعض العلماء التلمود اليهودي بالحديث الشريف في الإسلام. وبالفعل يوجد عدد من أوجه الشبه بينهما بالرغم من وجود فوارق مهمة بينهما أيضا. لقد ظل كلاهما شفهيا عدة أجيال قبل تدوينهما. وحفظ كلاهما عددا كبيرا من المعلومات حول طريقة الحياة بحسب الإرادة الإلهية التي لم تكن بينة بشكل مباشر في نصوص التوراة أو في القرآن. كلاهما يعتبر ملزما بالرغم من أنهما ليسا مثل نص الكتاب المقدس. كلاهما يوفر أسماء الأشخاص الذين نقلوا أو شاهدوا التقليد. يشكل مصدر التقليد أحد أهم الفروقات بينهما. فبالنسبة للحديث فإن مصدر كل التقليد الملزم هو النبي. أما بالنسبة للتلمود فإن كبراء حكماء اليهودية هم مصادر التقليد الذي يقال عنه بأنه يعود في النهاية إلى جبل سيناء. تعتبر أقوال النبي محمد من الوحي الإلهي في الديانة الإسلامية وكذلك الحال بالنسبة للتلمود في الديانة اليهودية وبالتالي فهي ملزمة، لكن النظام الديني لكل منهما لا يقبل سلطة التقليد للآخر. ولا يجب أن يكون هذا غريبا نظرا لأن كل نظام ديني نشأ مستقلا عن الآخر.
لكن بالرغم من الفوارق، فإن العديد من أوجه الشبه بين التلمود والحديث أنتجت بالطبع أنظمة دينية متشابهة في عدد من التركيبات والظواهر. فالديانة اليهودية والديانة الإسلامية، مثلا، محكومتان في الغالب من قبل نظام يستهدف تنظيم السلوك البشري. يسمى ذلك النظام في الديانة اليهودية ״هالاخاة״ بينما يسمى في الديانة الإسلامية ״الشريعة״. بالرغم من أن الكلمتين ليستا مرتبطتين لغويا، فإنهما تعطيان المعنى نفسه: فالشريعة تعني ״الطريق إلى مكان الماء״ أو ״الطريق إلى المنبع״، بينما تعني هالاخاة ״طريق السير״ أو ״شيء للسير عليه״: كلاهما نظام حكم للسلوك البشري مستمد من الله عن طريق النصوص المقدسة والتقليد، ولا يعلّمان تماما السلوك نفسه لكنهما يطلبان أن نتخذ الاحتياط لنعيش حياتنا بحسب الإرادة الإلهية. يمتد هذا من الطعام الذي نضعه في أفواهنا، وإلى الكلمات التي نسمح لها بالخروج منها، وكيف نعامل أهلنا وأصدقاءنا والغرباء، وكيف نمارس الأعمال بطريقة عادلة، وكيف نصلي... وهلم جرا. لا يجب أن نستغرب من مدي التشابه والفروقات. لقد كرّس كل من اليهود والمسلمين أنفسهم قروناً عديدة، وسخروا مجهودات جبارة ومضنية للبحث عن الإرادة الإلهية في الحياة اليومية البسيطة لبني البشر. ولا بد أن تختلف خصوصيات كل نظام، لكن الرغبة والمقصود يظلان واحدا.


الديانة اليهودية في الجزيرة العربية وظهور الإسلام
دخل اليهود إلى الجزيرة العربية، بحسب المصادر الإسلامية، واستقروا هناك منذ زمن موسى. لقد ورد في كتاب الأغاني المشهور لأبي الفرج الأصفهاني عدد من الأساطير التي تفترض الأصول التأريخية ليهود الجزيرة العربية. تقترح إحدى هذه الأساطير أصول القبيلتين اليهوديتين الكبيرتين التي عرفهما محمد في المدينة. ״يسمى بنو قريظة وبنو النضير الكاهنين لأنهما منحدران من الكاهن بن هارون بن عمران (في العبرية:عمرام) أخي موسى بن عمران، صلوات الله على محمد وآله وعليهما جميعا. وقد استوطنت القبيلتان بالقرب من يثرب (اسم المدينة قبل الإسلام) بعد موت موسى عليه السلام״20. ويقترح حديث آخر أن موجة ثانية من اليهود هاجرت إلي الجزيرة العربية بعد غزو الرومان يهودا.
״واستولى الروم على كل بني إسرائيل في سورية وداسوا عليهم بأقدامهم وقتلوهم وتزوجوا نساءهم. فلما غزتهم الروم فـي سـورية، فر بنو النضير وبنو قريظـة وبـنو بهدال إلى بني إسرائيل المقيمين في الحجاز. ولما غادروا بيوتهم أرسل ملك الروم وراءهم لإعادتهم لكن ذلك كان مستـحيلا عليه بسـبب الصحراء بين سورية والحجاز ولما وصل المطاردون الرومان التمر ماتوا من العطش فلـذلك سمي ذلك المكان بتمـر الروم الذي هو اسمه إلي يومنا هذا״.
وليهود اليمن في جنوب الجزيرة العربية بعدُ تقاليد أخرى عن الأصول اليهودية. يرد أحد هذه التقاليد أصول يهود اليمن إلى اتحاد الملك سليمان مع ملكة سبأ المعروفة في المصادر الإسلامية باسم بلقيس. أنجب سليمان وبلقيس ولدا، بحسب الأسطورة، ورغب سليمان أن يتربى الطفل على الطريقة اليهودية الصحيحة، فلذلك بعث اليهود من القدس إلى أرض بلقيس حيث استقروا هناك وبنوا قلعة قرب صنعاء .
مهما تكن أصولهم، فمن الواضح أن جالية يهودية مستقرة جيدا كانت تعيش في الجزيرة العربية مع ولادة محمد، تماما كما كان المسيحيون يعيشون في شبه الجزيرة. لكن ليس واضحا تماما نوع اليهود الذين كانوا يعيشون في الجزيرة العربية. تشير الأدلة أنهم كانوا يمارسون شكلا من الديانة اليهودية التي لا تمثل دائما مقاييس ومعايير الديانة اليهودية الربانية كما نعرفها. إن الآية القرآنية الواردة سابقاً التي تشهد أن بعض يهود المدينة، على الأقل، يعتبرون عزيراً ابن الله، هي مثال على الأفكار غير التقليدية التي تسربت إلى معتقدات يهود الجزيرة العربية. وبعض الإشارات القرآنية الأخرى إلى معتقدات غريبة تعطي دليلا إضافيا علي الممارسة والمعتقد غير التقليدي. ورد في سورة المائدة، على سبيل المثال (5: 64): ״وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا״. يبدو أن القرآن في هذه الآية يرد على تفسيرات اليهود حول نص التوراة الذي يندب تدمير الهيكل الأول. ولقد ورد في مقطع من سفر المراثي (مراثي إرميا) (3 :2) في التوراة أن الله ״رد يمينه في حضور العدو״. هذا المقطع تعبير شعري يدعي أن إرادة الله هي التي أمرت بتدمير القدس على يد البابليين برفضها الدفاع عن المدينة لصد الغزاة. إن الله قد عاقب إسرائيل برد يمينه 22 من الدفاع عن القدس. لا يوحي هذا المقطع بأي حال من الأحوال أن الله عاجز أو ضعيف، لكن بالأحرى إن الله اختار بكل بساطة منع الحماية الإلهية.

إن تفسـير هذا المقطـع في الكتاب اليهـودي من المدراش المسمى مراثي رباه (آخِر 
2: 6) يقول: ״غلت يمين الله . لقد حددت نهاية لغل يميني. عندما أنقذ أولادي (بني إسرائيل) سأخلص يميني كما قال داود (في الزبور 60: 7) لكي يكون ممكنا إنقاذ أولئك الذين تحبهم أطلق يمينك وأجب دعوتي״. يقترح هذا التفسير مجازا لا حرفيا أن الله غل يمينه عن قصد، لكي يسبب في تدمير القدس كعقاب على ذنوب إسرائيل. ليس في هذا التفسير أي شيء غير مقبول لدى الديانة اليهودية أو لدى الديانة الإسلامية. لكن تفسيرا آخر في مجموعة من النصوص المرفوضة من قبل الديانة اليهودية تورد التصريح التالي: ״قال لي الحاخام إسماعيل: تعال معي وسأريك يُمنى الموجود المطلق (أحد الأسماء اليهودية لله) التي غلت وراءه وذلك بسبب تدمير الهيكل״ . إن التفسير الأول يفهم غل اليد الإلهية كمجاز للرفض الإلهي لحماية القدس بسبب ذنوبها. والتفسير الثاني يتجاهل الاستعارة ويدعي بكل صراحة أن يد الله عاجزة أو لا فائدة فيها بسبب خراب هيكل القدس. فالتفسيرالأول مقبول لدى الديانة اليهودية بينما الثاني ليس مقبولا. الحقيقة أن التفسير الثاني موجود في كتاب (حانوخ) كان قد رفض من قبل التقليد اليهودي. ويذم القرآن ما كان يبدو أنه التفسير الأخير، ولا بد أنه كان ينعم بعدد من الأتباع من ضمن يهود المدينة في زمن النبي. 
لماذا يحتمل أن اليهود الذين عاشوا في التيه أن يبالغوا فوق الحـدود المقبولة في الإيمان اليهودي في المدينة؟ الجواب هو أن عزلة الجزيرة العربية توفر بشكل منتظم ملاذا للذين يبحثون عن الحرية من الاضطهاد. لدينا معلومات، مثلا، أن الجماعات المسيحية الأولى وجدت ملجأ من المضايقات الرومانية في مختلف مناطق صحراء الجزيرة العربية، وقد نجت جماعات لاحقة من الإجبار العقائدي للإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية في مأمن شبه الجزيرة العربية. كان هؤلاء من المسيحيين غير الأرثوذكسيين الذين بحثوا عن الأمان في الجزيرة العربية من أجل أن يعيشوا بحسب معتقداتهم دون إزعاج. وبالرغم من أننا نملك عن يهود هذه الفترة وثائق أقل من تلك التي نملكها عن المسيحيين، يحتمل جدا أن الجماعات اليهودية الهامشية قد قامت بمثل ما قامت به الجماعات المسيحية من أجل الإفلات من النظام اليهودي القائم، وأن جماعة أو أكثر قد استقرت في المدينة.
ألقى القرآن والسيرة النبوية بعض الضوء المهم على يهود المدينة والديانة التي كانوا يمارسونها. قد يبدو غريبا عند بعضهم معرفة أن يهود المدينة قد شجعوا في الواقع بعض وثنيي العرب وربما كثيرا منهم علي اتباع محمد والدخول في الإسلام. لقد أورد كاتب السيرة النبوية الكبير محمد بن إسحاق هذا الحديث:

״حدثنا عاصـم بن عمر بن قتادة عن رجال من قومه قالوا: 
قال رسول الله عندما لقيهم: ״من أنتم؟״ قالوا: ״من الخزرج״ (قبيلة مـن المدينة). ״هل أنتم في حلف مـع اليهــود؟״ قالوا: نعم. قال: ״هلا جلستم لأحدثكم؟״ قالوا: ״أجل״ فجلسوا إليه ودعاهم إلى الله وشرح لهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن. قالوا: ״إن مما دعانا إلى الإسلام، مع رحمة الله تعالى وهداه ما كنا نسمع من رجال يهود. كنا أهل شرك وأصـحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننـا وبينهم شرور. فإذا نلنا منهم بعـض ما يكرهون قالوا لنا: إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتـل عاد وإرم. فكثيرا ما نسمـع ذلك منهم״. فلما تحـدث رسول الله مع القوم قال بعضهم لبعض: ״والله إن هذا لهو النبي الذي كانوا يتوعدوننا به، فبادروا إليه قبلهم وأجابوه حين دعاهم، فآمنوا به ودخلوا في الإسلام״ .
يسجل هذا الحديث المهم انتظار اليهود لمشيح (المسيح المنتظر)، منقذ يشيرون اليه بالنبي. بالرغم من أن اليهود لم يقصدوا تشجيع جيرانهم العرب من الوثنيين ليصبحوا مسلمين، إلا أن تأثيرهم الديني في المدينة خلق بيئة جعلت عرب ما قبل الإسلام منفتحين على فكرة نبي عربي. وكون محمد أهلا بهذا الدور واضح من النجاح الباهر الذي لقيه في المدينة.
حفظ ابن إسحاق حديثا آخر يلقي ضوءا أكثر على نظرة اليهود لمحمد من حديث: سلمة بن سلامة بن وقش – وكان سلمة من أصحاب بدر – قال (كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل؛ قال فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل، قال سلمة وأنا يومئذ أحدث من فيه سنا، علَيَّ بردة لي، مضطجع فيها بفناء أهلي – فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار، قال فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثا كائن بعد المـوت، فقالوا له ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال نعم والذي يحلف به، ويود أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار، يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطيعونه عليه بأن ينجو من تلك النارغدا، فقالوا له ويحك يا فلان فما آية ذلك؟ قال نبي مبعوث من نحو هذه البلاد – وأشار بيده إلى مكة واليمن – فقالوا: ومتى تراه؟ قال فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا، فقال إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه. قال سلمة فوالله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله محمدا 
رسوله – صلى الله عليه وسلم – وهو حي بين أظهرنا، فآمنا به، وكَفَر به بغيا وحسدا. قال فقلنا له ويحك يافلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال بلى ولكن ليس به)26.

كان يهود المدينة يعلمون عددا من المعتقدات الدينية المشتركة بين اليهودية والإسلام. تشتمل هذه المعتقدات على يوم الحساب والجنة والنار في الآخرة؛ وكان بعضهم على الأقل، يتوقع قدوم شخصية نبوية تنذر بيوم الحساب. ومع هذا، لما قدم محمد إلى المدينة، رفض معظم اليهود الاعتراف بنبوته. كانت هناك بعض الاستثناءات البارزة مثل عبد الله بن سلام المشهور، لكن يهود المدينة كجالية امتنعوا بأغلبية ساحقة أن يصبحوا مسلمين والتخلي عن تقليدهم القديم. ونظرا لنجاح محمد الكبير والسلطة الرهيبة التي يتمتع بها، ومنها نزول القرآن، فكيف يمكن أن يحدث هذا؟ 
يبدو من المستحيل استعادة الأسباب الدقيقة لرفض اليهود كجالية اتباع محمد، ومن الصعوبة بمكان استخراج أسباب معينة من المصادر المتاحة لنا. ذكر القرآن والسيرة كيف رفض اليهود بعناد أن يؤمنوا بنبوته، ولم ترد أسباب معينة غير العناد. وبالتالي فإن التخمين هو الطريق الوحيد للتعرف إلى تلك الأسباب. ربما لم تنطبق أوصاف المنتظر لدى اليهود على محمد، كما يقترح الحديث المذكور أعلاه. ويتضح من القرآن كذلك أنه بالرغم من أن الوحي الذي كان محمد يتلوه في مجتمع المدينة يشبه وحي التوراة التي يملكها اليهود، إلا أنهما مختلفان في التفاصيل بما فيه الكفاية لجعل اليهود يشككون في أصالته. ومما لا شك فيه أن القرآن أنزل باللسان العربي في محيط ثقافة عربية، بينما أنزلت التوراة باللسان العبري في محيط ثقافي إسرائيلي؛ يحتمل أن يفسر هذا الفرق في الإسلوب كثيرا من الاختلاف. لكن هذا التضارب كان كافيا على ما يبدو بالنسبة لليهود الذين كانوا قد ملوا حتى الآن مما اعتبروه التشويهات المسيحية لمعنى (التوراة) في العهد الجديد والتفسيرات المسيحية.
وإذا كان اليهود يستحقون الثناء أم لا على إصرارهم بالالتزام بتقليدهم القديم لا بد أن يظل أمرا يعتمد على الرأي. يكفي القول منا إن محمدا ويهود المدينة لم يجدوا أرضية مشتركة في خاتمة المطاف. ولقد نزلت بعض الآيات القرآنية التي تندد يهود المدينة للرد على الاختلاف التأريخي الحقيقي وعلى الجدالات والعداء الذي نشب بينهما. قام بعض المفسرين والعلماء المسلمين الآوائل بتأليف مجموعة من الكتب عن أسباب النزول التي ربطت بين الآيات القرآنية والأحداث التأريخية في حياة النبي. لقد ذكر هؤلاء العلماء المسلمون عدد الآيات والسور التي تصف اليهود بشكل سلبي، والتي نزلت خصيصا في مناسبة نزاع محمد معهم. ووردت هذه الآيات والسور للرد على أحداث معينة إما للتنديد بسلوك بعض اليهود في المدينة، وإما للتخفيف من الأذى والغضب الذي شعر به محمد من جراء ذلك. فنجد علي سبيل المثال في سورة المائدة (5: 82) ״لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى...״ تبين هذه الآية حقيقة ألا وهي أن محمدا لم يعش بين المسيحيين وبالتالي فإنه لم يعانِ من رفضهم كما عانى من رفض مشركي مكة ويهود المدينة. ولم يدخل المسلمون في نزاع مفتوح مع المسيحيين في الجزيرة العربية ومع الإمبراطورية البيزنطية إلا بعد موت محمد. وتندد أيضا سورة المائدة (5: 49)، على سبيل المثال، باليهود لمحاولتهم ״أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله من القرآن״. وقد طبقت بعض هذه الآيات خطأً على اليهود كلهم في الأجيال اللاحقة مساهمة بالتالي في استمرار مقدار من التفكير المسبق ضد اليهود بين المسلمين بشكل عام.
لم يخلد ولم يعمم النزاع القصير بين النبي ويهود المدينة في القرآن فقط بل أيضا في الحديث وفي السيرة النبوية، وقد شكل الأرضية الأولى لتحديد معاملة اليهود في الإسلام. ولقد تلقى النبي سورة براءة (9: 29) في أواخر حياته التي جاء فيها: ״قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ״. فمن جهة قد أكدت أوجه التشابه بين الكتابات المقدسة الإسلامية واليهودية والممارسات الدينية بأن اليهود (والمسيحيين) يعتبرون أقليات دينية تضمن لها الدولة الإسلاميةحماية مطلقة لحقوقها الدينية والاقتصادية. ورفض اليهود (والمسيحيين) في النهاية اعتناق الإسلام قد أدى بمكانتهم الاجتماعية في المجتمع الإسلامي أن تبقى دائما في وضع موات. ذمتهم مشروطة بدفع الجزية، وقبول وضع ثانوي في المجتمع الإسلامي. ومع هذا، فإن وضع الأقليات الدينية المحمية (الذميين) كان بالتأكيد مرضيا إن لم يكن أفضل من وضع الأقليات الدينية في أي نظام ديني أو سياسي معاصر لذلك الزمن. وسنرى قريبا كيف ازدهرت الحياة اليهودية في كثير من مناطق العالم الإسلامي.


الفتوحات الإسلامية واليهود
لم يسيطر اليهود في أي مكان على جيوش أو دول في فترة الفتوحات الإسلامية بخلاف المسيحيين والزرادشتيين. كان اليهود يعيشون في الأماكن التي يقطنون فيها كأقليات دينية مع بعض المعوقات الاجتماعية والدينية، والاقتصادية المفروضة عليهم من قبل الدولة والدين الرسمي للدولة. وبالتالي لما تقدمت الجيوش الإسلامية ضد البيزنطيين والفرس فإنها لم تهاجم اليهود مباشرة، بالرغم من أن بعض اليهود اختاروا الالتحاق بمضيفيهم في الدفاع ضد الغزوات. لكن اليهود اختاروا في غالبية الأحوال إما عدم مقاومة المسلمين أو التعاون النشيط معهم. فقد ساعد اليهود في حمص على منع الجيش الروماني من الدخول للدفاع عن المدينة. وساعد اليهود المسلمين على اختراق دفاعات مدينتي الخليل وسيزاريا (قيساريا: جنوب حيفا). وقاموا بثورة مسلحة في أسبانيا ضد حكامهم المسيحيين، وعينوا من قبل المسلمين في محميات عسكرية لإبقاء المدن الأسبانية تحت السيطرة الإسلامية 27.
كان اليهود في حال أحسن عند المسلمين مما كانوا عليه عند المسيحيين الرومان ويبدو أن أحوالهم كانت أفضل مما كانت عليه عند الفرس الزاردشتيين. لكن عالم العصور الوسطى لم يكن يشارك في القيم الغربية الحديثة في التعددية والمساواة الدينية. كان اليهود أحرارا في ممارسة دينهم دون تدخل، لكن يطبق عليهم عدد من القيود التي قننت في ميثاق عمر (العهدة العمرية) 28. ففي بعض العصور الإسلامية، لم يسمح لهم القيام بأنشطة دينية عمومية، أو بناء معابد أو إصلاح الموجود منها إلا بإذن خاص من الحاكم ولا يسمح لهم أيضا برفع أصواتهم في أثناء الصلاة بطريقة تلفت انتباه المارة. إضافة إلى هذا فإن اليهود (والمسيحيين) يمنعون من حمل السلاح ومن ركوب الخيول المسرجة أو من بناء بيوت أكبر من بيوت المسلمين. وكانوا دائما مطالبين بإظهار الاحترام للمسلمين كالقيام من مكان جلوسهم إذا رغب المسلمون في الجلوس فيه، والنزول من على بغالهم وحميرهم عند المرور بأحد المشاة من المسلمين. ولقد منع اليهود أيضا من الوظيفة الحكومية ومن المراكز العمومية الحساسة أو من ضرب مسلم. 
هذا وقد خضع اليهود لكثير من هذه القيود خصوصا عندما كانت الحياة مستقرة على الصعيد الاجتماعي، والاقتصادي والسياسي. لكن إذا تقرر أن اليهود انتهكوا واجبهم في قبول وضع ثانوي في المجتمع الإسلامي (كبناء معبد جديد، مثلا، واتخاذ وظيفة عمومية، أو الفشل في إظهار احترام كافٍ للمسلمين) فقد كان بالإمكان سحب وضع الذمية (الحماية) منهم، ويبقى اليهود دون حماية في أمام العامة. وبالإمكان ملاحظة أمثال الطريقة التي عمل بها النظام في حالة اليهودي المشهور شموئيل بن يوسف هاليفي، المعروف أيضا في التأريخ اليهودي بشموئيل هنغيد (الأمير) وفي المصادر العربية بإسماعيل بن نغريلا. كان حاخاما وتولى الوزارة وحتى قيادة الجيش لحبوس وابنه باديس من ملوك غرناطة المسلمين. منح باديس إسماعيل سلطة أكثر فأكثر كلما تقدم الملك في السن، ومارس إسماعيل سلطته وتأثيره في المملكة بحذر وحكمة كبيرة. فلما مات إسماعيل سنة 1055 عين ابنه يوسف مكانه. وبالرغم من أنه كان موهوبا بشكل غير عادي مثل أبيه إلا أن يوسف كان متكبرا ومكروها. ولقد ساهم سلوكه الخارج عن الذمية إلى سقوطه واغتيل في النهاية سنة 1066 وذبحت الجالية اليهودية في غرناطة. فمن المنظور التقني، فإن كلا من يوسف وأبيه قد انتهكا الميثاق في قبولهما وظيفة سامية في الدولة وممارسة السلطة على المسلمين. لقد أهملت هذه الحقيقة في الوقت الذي كان إسماعيل يتصرف فيه بتواضع نادر عندما كانت المملكة على العموم سعيدة. لكن عندما ظهرت الضغوط ورفض يوسف أن يتواضع نقضت ذميته فقتل ودمرت جاليته.
يحتمل أن تكون الحياة بالنسبة لليهود أفضل في ظل الإسلام أكثر من أي نظام سياسي أو ديني آخر في فترة ما قبل العصر الحديث. ولكن، بالرغم من ذلك فإنها كانت غير مستقرة ومحفوفة بالمخاطر في بعض الأحيان، وكان اليهود والأقليات الدينية الأخرى يعرفون دائما أنهم مواطنون من الدرجة الثانية. وتعتبر مكانة المواطنة من الدرجة الثانية غير مقبولة قانونيا في الديمقراطيات الحقيقية الحديثة، كما يعتبر الشغب الدوري والمذابح ضد اليهود والمسيحيين في عصور وسطى العالم الإسلامي غير مقبولة.
ومن الواضح أن الوضعية الدنيئة الثانوية للأقليات الدينية في العالم الإسلامي كان لها تأثير على التحويل إلى الديانة الإسلامية لأن معظم المسيحيين والزاردشتيين واليهود الذين كانوا رعايا الإمبراطوريات الإسلامية اعتنقوا الإسلام خلال القرون القليلة الأولى بعد الفتح. ويمكن التغاضي بسهولة عن المكانة الجيدة نسبيا التي كان اليهود والأقليات الدينية الأخرى يتمتعون بها في ظل الإسلام خلال فترات زادت فيها فرص الحرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والاحترام لكن بشكل مختلف عن الحرية التي يحظى بها اليهود اليوم في ظل ديمقراطية حقيقية عصرية.


انتصار الربانية في ظل الخلافة العباسية
كانت الجاليات اليهودية في الجزيرة العربية أقلية صغيرة جدا في العالم اليهودي، ويبدو كما ذكر أعلاه أن ممارستها للديانة اليهودية كانت مختلفة عن الممارسة السائدة عند اليهود. وقد تحول مركز الديانة اليهودية المهم من فلسطين إلى بلاد ما بين الرافدين. وسبب هذا التحول هو أن الإمبراطورية الفارسية كانت أكثر ترحابا لليهود من الإمبراطورية المسيحية البيزنطية. وكان يمثل الجاليات اليهودية داخل الإمبراطورية الفارسية (في البلاط الفارسي) يهودي يحمل اللقب الرسمي ״رأس الجالوت״ أي رأس المنفى. وكان لليهود أيضا أكاديميات تعليم كبيرة خصوصا في مدينتي سورا وبومبديثا قريبا من الموقع الذي أصبح فيما بعد بغداد. يترأس كل أكاديمية أكبر علمائها الذي يحمل لقب غؤون. ولقد تولى الغؤونيم في النهاية زعامة العالم اليهودي بحكم علمهم وحكمتهم.
إن تكوين وتنظيم الجالية اليهودية في بابل لم يتغير تغيراً ذا دلالة مع الفتح الإسلامي، لكن القوة النسبية لهذه الجالية تزايدت بشكل خيالي عندما أسست الإمبراطورية العباسية عاصمتها في بغداد سنة 762. تقع بغداد، عاصمة إمبراطورية إسلامية ممتدة من نهر الهندوس إلى المحيط الأطلسي، بالضبط وفيها مركز أكبر جالية يهودية. ولهذا اتخذت أدوار رأس الجالوت والغؤونيم المحليين مركزا شاملا في كل العالم اليهودي. يجلس رأس الجالوت في بلاط الخليفة ويبعث الغؤونيم بتعليقاتهم الرسمية حول تفسير القانون اليهودي المعروفة بتشوفوت (Teshuvot) إلى الجاليات اليهودية في كل الإمبراطورية. وتعتبر هذه التشوفوت ״أجوبة״ (فتاوى) على الأسئلة التي ترد إلى الحكماء من قبل الحاخامات المثقفين الذين يلجؤون إلى ما يعادل ״محكمة عليا״ للقانون اليهودي في بابل/العراق. وأصبح الغؤونيم أعلى سلطة في القانون اليهودي (الشريعة) الذي يشتمل، كما هو الحال في الإسلام، على كل أوجه الحياة اليهودية. وتعتبر السلطة الدينية الغؤونية السلطة العليا لأنها مبنية على العلم بالقانون الإلهي وعلى تفسيراته. ولقد اعتمدت أحكامهم على التلمود وعلى التفسيرات التلمودية للتوراة. كانت هذه الفترة، فترة القوة العباسية الكبرى المصادفة للمركزية الكبري لسلطة الغؤونيم هي التي احتل فيها التلمود وتفسيراته للتوراة السلطة المركزية للحياة اليهودية.
يبدو أنه من المستحيل أن يحتل التلمود هذه المركزية في الديانة اليهودية لولم تكن مكانة الغؤونيم مرتبطة بالقوة العالمية وشرف العراق العباسي. أصبحت عاصمة الإمبراطورية تحتل مكانة في غاية الأهمية لدى اليهود إلى درجة أن أكاديمياتهم الكبرى في سورا وبومبديثا انتقلت في خاتمة المطاف إلى بغداد نفسها، بالرغم من أنها ما زالت تعرف بأسمائها الأصلية. لقد مكنت وحدة الإمبراطورية العباسية تسهيل نقل الأشخاص والبضائع ورأس المال والأفكار من المركز اليهودي في بغداد إلى معظم العالم اليهودي، وبالفعل فإن حوالي 90 في المئة من يهود العالم آنذاك كانوا يعيشون في العالم الإسلامي. وكان ذلك العالم، أي العالم اليهودي، حرا في إدارة شئونه الداخلية بتدخل قليل من السلطات الإسلامية ما دام اليهود يدفعون ضرائبهم ويعترفون بسيادة الإسلام من خلال بعض التصرفات بعضها مذل شيئا ما. لا يهتم أسيادهم المسلمون كثيرا بما يقوم به اليهود ما داموا يحفظون السلام ويدفعون ضرائبهم (الحسبة أو الجزية) وما داموا ملتزمين بأماكنهم. 


من العصر الذهبي إلى الانحطاط
وصلت الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى فترتها الأكثر إنتاجا بين السنوات 900 و1200، وتبعتها الحضارة اليهودية في العالم الإسلامي على المنوال نفسه. تطورت في أثناء هذه الفترة بعض أكبر أعمال الفلسفة اليهودية، والنحو، والقانون وفقه اللغة، وصناعة المعاجم مماثلا للتقدم الكبير لهذه الحقول في العالم الإسلامي. ووجد الشعر اليهودي بالعبرية نهضته أيضا في هذه الفترة وتشبه أوزانه وأسلوبه ومحتواه مثيلاتها في نظيره الشعر الإسلامي العربي.
وفي هذه الفترة أيضا بدأ العراق يفقد السيطرة السياسية للإمبراطورية، وربما ليس غريبا بأن تفقد القيادة اليهودية في بغداد احتكارها أيضا على معظم يهود العالم. إن قيام الدولة الأموية في أسبانيا والدولة الفاطمية في إفريقية ومصر قد جلب معه قيام الجاليات اليهودية التي تعيش في هذه المناطق. وجذب نجاح هذه المناطق النائية الاقتصادي والسياسي العلماء والمثقفين إلى المراكز الجديدة الناشئة. 
لم يكن هذا أكثر وضوحا في أي مكان آخر مما هو في أسبانيا حيث ازدهرت الحضارة اليهودية جنبا إلى جنب مع ازدهار العلوم الإسلامية والدنيوية هناك. كان اليهودي حسدي ابن شبروت (ت 975) طبيب خلفاء بني أمية ومستشارهم مثل عبد الرحمن الثالث والحكم الثاني. لم يخدم فقط أسياده المسلمين بامتياز، لكنه أيضاً رعى الفنون والعلوم بين اليهود. فكما أن المسلمين الخلفاء والحكام والشخصيات البارزة لها بلاطاتها التي يدعمون فيها العلوم الإسلامية والدنيوية ويشجعونها، فكذلك تدعم الشخصيات اليهودية والمسيحية البارزة فنانيها ومثقفيها. وقد أدى هذا النشاط إلى انتشار ازدهار كبير للثقافة في كل أسبانيا المسلمة المعروفة بالأندلس في اللغة العربية. إن مجتمع الأندلس والمتفتح نسبيا قد أعيد إلى الوراء، وقضت عليه جيوش شمال إفريقية القادمة لمد يد العون للدفاع ضد ״غزوات״ المسيحيين الأسبان الذين يدفعون المسلمين باتجاه الجنوب انطلاقا من معاقلهم في الشمال. لقد عانى اليهود من قيود شديدة في ظل الأنظمة الأمازيغية الإسلامية (البربر) وبدأوا في النهاية في التحرك شمالا إلى المناطق التي تغلب عليها المسيحيون حديثا والتي وجدوا فيها، في ذلك الوقت معاملة أفضل. 
لقد انعكست أيضا انتكاسة حظ اليهود في أسبانيا على مناطق أخرى من العالم الإسلامي الذي بدأت فيه، مع القرن الثالث عشر، العقلية الإقطاعية القاسية والمسيطرة تأخد مكان القيم الإنسانية التي كان المجتمع الإسلامي يتميز بها. إنها كانت فترة كان فيها الإسلام في موقف الدفاع. فلقد هجم الصليبيون على الشرق سنة 1098 وظلوا فيه مدة قرنين. وبدأت جيوش استعادة الفتح تتغلب على المسلمين في أسبانيا واستولى النورمان على صقلية الإسلامية وعلى جنوب إيطاليا. وكان المسيحيون الأوروبيون يبحرون عبر الأبيض المتوسط للإغارة وسلب شاطئ شمال إفريقية. وجلبت حشود المغول الخراب للشرق الإسلامي وقضوا في النهاية على الخلافة العباسية سنة 1258.
بدأ الإسلام ينطوي على نفسه في أثناء هذه الفترة المتسمة بالانحطاط السياسي والاقتصادي وبدأ أيضا، من بين أمور أخرى، يقيد حريات وفرص الأقليات الدينية التي تعيش في وسطه. إن الوضع الحقيقي يختلف كثيرا من مكان إلى مكان، لكن الاتجاه العام كان نحو فرض القيود الواردة في ميثاق عمر وحتى الزيادة فيها. ضغط على اليهود (والمسيحيين) للخروج من الخدمة المدنية وأصبحوا منعزلين أكثر فأكثر، وأجبرت بعض الجاليات للعيش في الجيتوهات. وفي بعض الحالات ارتكبت المذابح ضد الجاليات اليهودية والمسيحية. وكما انحط العالم الإسلامي كذلك أيضا انحطت الجاليات اليهودية داخله، وبدأ الإبداع اليهودي في المجال الفكري والثقافي والديني يتحول في اتجاه الجاليات اليهودية في أوروبا. وكان العالم الإسلامي في هذا الوقت بعيدا عن الوحدة، وبالتالي فإن معاملة اليهود كانت مختلفة. وشهدت مناطق مختلفة انتكاسات مؤقتة وكانت الإمبراطورية العثمانية في القرنين الخامس والسادس عشر استثناء بارزا، لكن على العموم، استمرت مكانة اليهود في الانحطاط إلى العصر الحديث.


يهود أوروبا المسيحية
لم يعش في أوروبا في العصور الوسطى المبكرة أكثر من عشرة في المئة من مجموع يهود العالم. كانت أوروبا في ذلك الوقت غير متطورة في الغالب ويفضل اليهود أن يعيشوا في الأماكن المتحضرة جدا. ولكن الوضع الأوروبي تحسن كثيرا مع تقدم العصور المتوسطة وازداد سكانها اليهود تبعا لهذا التحسن. وكلما انحط العالم الإسلامي تحسن العالم الأوروبي المسيحي. لكن الوضع بالنسبة ليهود أوروبا المسيحية ظل غير مستقر. تعتبر الديانة المسيحية نفسها الوريث الطبيعي للديانة اليهودية، ويولع المسيحيون باعتبار أنفسهم ״إسرائيل الحقيقية مفترضين بذلك أن اليهود ليسوا أهلا للإسم. وبسبب اعتبار المسيحية نفسها ناسخة لليهودية فإن النظرة المسيحية الذاتية نفسها تتطلب أن يهان اليهود والديانة اليهودية ويصغروا علانية. وأصبح إذاً في غاية الأهمية لليهود الذين يعيشون بين المسيحيين أن يعيشوا في وضع منحط ومهين. هناك شبه واضح بين هذا الوضع ونظرة الإسلام للذمية لكن النظام المسيحي في مجمله أشد قساوة وأكثر اتساقا مع فرض المكانة الثانوية لليهود. 
ورغم كل ذلك، يزداد سكان أوروبا من اليهود بانخفاض عددهم في العالم الإسلامي وقد استفاد اليهود من تحسيس الأوضاع الاقتصادية والسياسية الأوروبية في العصور الوسطى المتأخرة. لكن على عكس العالم الإسلامي، فمع تقدم أوروبا المسيحية اقتصاديا، وفكريا، وعلميا فإن معاملتها لليهود لم تتحسن. وعلى عكس العالم الإسلامي أيضا حيث يوجد دائما مكان لليهود في المجتمع الواسع، فإن كثيرا من دول أوروبا المسيحية كانت تبحث عن التخلص من اليهود بالكامل. أشهر حالة هي حالة إسبانيا المسيحية التي طردت كل اليهود بالقوة أو أرغمتهم على تغيير دينهم سنة 1492 (وقامت بالعملية نفسها مع المسلمين بعد سنوات قليلة فيما بعد). لكن طرد اليهود كلهم أيضا من بريطانيا، وفرنسا، ومن عدد من الولايات الألمانيـة كذلك. ولحسن الحظ فإنهم إذا طردوا من مكان، فإنهم استطاعوا أن يجدوا ملجأ في مكان آخر في أوروبا ولكن النتيجة المحصلة كانت في الغالب الفقر والمأساة. 
إن وحدة العالم المسيحي هي أقل من وحدة العالم الإسلامي، وكان لدى اليهود مهارات ممتازة جعلتهم مرغوبين عند بعض الحكام والملوك المسيحيين، بالرغم من أن هذه المهارات نفسها جعلت منهم تهديدا للآخرين. وفي بعض الأحوال السيئة جدا تعرض اليهود للمـذابح في بعض المناطق، كما حـدث في أثنـاء الحرب الصلـيبية الأولى سنة 1096 أو في أثناء مذابح أرمليدير (Armleder) الألمانية في السنوات 1336 – 1339. وهكذا فلقد عاش اليهود في أوروبا لكن، وضعهم لم يتحسن في الغالب إلا بعد دخول العصر الحديث.
المرجع:
https://mfa.gov.il/MFAAR/InformationaboutIsrael/TheJewishReligion/ChildrenOfAbraham/Pages/Talmud%20and%20the%20world%20of%20the%20Middle%20Ages.aspx

الأحد، 21 يوليو 2019

أكا لارنتيا


"أكا لارنتيا" أو "أكا لارنتينا" كانت امرأة أسطورية ولاحقا إلهة في الميثولوجيا الرومانية التي تقيم احتفال "اللارنتاليا" على شرفها في 23 دجنبر من كل سنة.

ففي إحدى التقاليد الأسطورية وأشهرها كانت "لارنتيا" زوجة للراعي "فستولوس"، وبالتالي الأم بالتبني "لرومولوس و ريموس" اللذين قيل أنها أنقذتهما بعد أن ألقي بهما في نهر "التيبر" بأوامر من "أموليوس". وكان "للارنتيا" إثنا عشر إبنا، وبوفاة أحدهم أخذ "رومولوس" مكانه، وبمعية الأحد عشر الآخرين أسس "أخوية أرفال" لذلك عرفت بـ "الديا ديا" في تلك الأخوية، وقد أقام كهنة "كيرينالس" في حكم "رومولوس" طقوسا جنائزية لها باعتبارها أمه الحاضنة. 

ووفقا لتقليد آخر فإن "لارنتيا" كانت فتاة جميلة ذات سمعة سيئة وكانت تقريبا في نفس عمر "رومولوس وريموس"، وفي عهد الملك الروماني "أنكوس ماركيوس" في القرن السابع قبل الميلاد، منحت "لهرقل" كجائزة في لعبة النرد من قبل الوصي على معبده، فحبسها مع باقي غنائمه، وعندما لم يعد الإله بحاجة إليها نصحها أن تتزوج من الرجل الأول الذي تلتقي به عندما تخرج في ذلك الصباح، والذي تبين أنه إتروسكاني ثري إسمه "كاروتيوس" (أو "تاروتيوس" حسب "فلوطرخس")، وورثت "لارنتيا" لاحقا كل ممتلكاته ثم أورثتها للشعب الروماني. 

وسمح لها "أنكوس" امتنانا لصنيعها بأن تدفن في "فيلابروم" وأقام على شرفها مهرجانا سنويا سماه "اللارنتاليا" حيث كانت القرابين تقدم فيه باسم الإلهة "لار"، ونص "فلوطرخس" صراحة على أن "لارنتيا" هذه كانت شخصا آخر غير "لارنتيا" التي كانت متزوجة من "فستولوس" رغم أن كتابا آخرين مثل "ليكينيوس ماكر" يجعلونهما شخصا واحدا. 

كما أن هناك تقليد آخر يقول إن "لارنتيا" لم تكن زوجة "فستولوس" ولا محظية "لهرقل"، ولكن مومسا أطلق عليها الرعاة إسم "لوبا" (التي تعني حرفيا "أنثى الذئب" ولكن عاميا "مومس") والتي تركت ثروتها التي جمعتها من عملها للشعب الروماني. 

وبغض النظر عن هذه الروايات المتناقضة عن "أكا لارنتيا" يبدو من الواضح أنها كانت من أصل إتروسكاني، واتصلت بعبادة "لار"، والتي يمكن اشتقاق إسمها منها، كما أن هذه العلاقة تتضح من خلال عدد أبنائها الذي يتوافق مع بلد "لار" الثاني عشر، وكشف العالم الإنجليزي "تيموثي بيتر وايزمان" الروابط بين "أكا لارنتيا" و "لار" والحوراء "لاروندا" في كتابه "ريموس: أسطورة رومانية وأساطير روما". 

ومثل "سيرس" و "تيرا" و "فلورا" رمزت "أكا لارنتيا" أيضا إلى خصوبة الأرض، وبالخصوص أراضي المدينة ومحاصيلها، وتتم الإشارة إلى "أكا لارنتيا" أيضا بـ "لارنتينا" كما تقدم علاوة على ذلك باسم "مانا جنيتا" و "موتا". 

أما في الأدب المعاصر فإن "أكا" شخصية في قصة المؤلف "ديفيد دريك" بعنوان "لجلب النور" وقد تم تصويرها على أنها امرأة قروية عطوفة في مجتمع الرعاة الصغير على هضبة "بالاتين" حيث بدأت روما.
المرجع:

الجمعة، 19 يوليو 2019

الأوفيتيون

 الأفعى النحاسية (رسم توضيحي من بطاقة الكتاب المقدس التي نشرتها شركة بروفيدنس للطباعة الحجرية عام 1907).

سمي "الأوفيتيون" بذلك نسبة إلى "أوفيس" "Ophis"، أي الأفعى في اليونانية، وقد كانوا أعضاء طائفة مسيحية غنوصية ذكرهم بهذا الإسم أولا "هيبوليتوس الرومي" (170-235) في عمل مفقود بعنوان "سينتاغما" أو "التنظيم". ويعتقد أن الكُتاب اللاحقين الذين تحدثوا عن "الأوفيتيين" من قبيل "بسيدو-ترتليان" و "فيلاستريوس" و "إبيفانيوس السلاميسي" اعتمدوا جميعا على "سينتاغما هيبوليتوس" المفقودة، ومن المحتمل كذلك، أن سبب تسمية هذه الطائفة بهذا الإسم من قبل "هيبوليتوس" يرجع إلى هرطقاتها المستمدة من قصة الحية "جنيسيس" أو "حية موسى".

وبعيدا عن المصادر التي اعتمدت مباشرة على "هيبوليتوس"، فقد أشار كذلك كل من "أوريجانوس" و "إكليمندس" الإسكندريان إلى هذه الطائفة، كما تمت الإشارة إليها من قبل "إيرينيوس" في "أدفيرسوس هيريسيس" (ضد الهرطقات).

لقد كان بسيدو-ترتليان أول مصدر محفوظ أشار إلى "الأوفيتيين" بهذا الإسم، وأول مصدر كذلك يناقش علاقتهم الرمزية بالحيات، ويزعم أن "الأوفيتيين" كانوا يعتقدون أن "المسيح لم يتكون من لحم، وكانوا يمجدون الحية ويفضلونها على المسيح، معتبرين المسيح قلد "القوة المقدسة" لحيات موسى، معتمدين على القولة التالية: "وكما رفع موسى الحية في البرية فينبغي لابن الإنسان أن يُرفع"، إضافة إلى ذلك فحواء حسب هؤلاء "الأوفيتيين" آمنت بالحية كما لو كانت الإله الإبن". إلا أنه لم تتم الإشارة إلى إسم "يسوع" عند بسيدو-ترتليان، وقد توافق مقال "إبيفانيوس" مع أغلب ما ذهب إليه بسيدو-ترتليان غير أن "الأوفيتيين" ـ بحسبه ـ لم يفضلوا الحية على المسيح بل اعتقدوا أنهما متطابقان.

وفي مقالة "هيبوليتوس" الأولى التي فقدت وهي "السينتاغما"، يظهر ـ اعتمادا على المراجع اللاحقة التي ذكرتها ـ أنها تضمنت قسما عن "الأوفيتيين"، وقسما آخر عن "النيكوليتانيين" الذين ارتبطوا معهم، وقد قام الأسقف "فيلاستريوس" عن طريق الخطإ بنقل هذا واثنين من الأقسام الأخرى، بادئا رسالته عن البدع "بالأوفيتيين"، وجاعلا "الأوفيتيين" و "القايينيين" و "الشيثيين" "طوائف سبقت وجود المسيحية"، ويبدو أن القسم الخاص "بهيبوليتوس" عن "الأوفيتيين" تضمن تقديما موجزا للقصة الأسطورية المحكية من قبل "إيرينيئوس" (سيتم التطرق إليها أدناه)، وبتحديده لاسم "أوفيت" يبدو أن "هيبوليتوس" كان أكثر دقة بشأن هذه الطائفة من "إيرينيئوس" وأوضح مميزاتها التي تمثلت أساسا في إجلالها للحية التي فضلوها على المسيح، وكان منطلق تبجيلهم لها أنها علمت "آباءنا" معرفة الخير والشر، معتمدين في مراجعهم على قصة "حية النحاس" في العهدين القديم والجديد، وعرضهم للحية داخل احتفالاتهم الأفخارستية.

كما تناول "هيبوليتوس" هذه الطائفة في رسالة أخرى له بعنوان "فيلوسوفيمينا" واختلفت رسالته الأولى "السينتاغما" عن رسالته هذه لأنها كانت مجرد تصنيف للطوائف الغنوصية، وأطروحة "هيبوليتوس" حول البدع فيها كانت مستمدة أساسا من محاضرات "إيرينيئوس"، لكن أثناء كتابة الرسالة الثانية، كان "هيبوليتوس" قد اطلع بنفسه على مجموعة مختلفة من الكتابات البدعية التي كان لها الأثر البين فيها، وأشار "هيبوليتوس" في كتابه الثاني باحتقار إلى "الأوفيتيين" علاوة على "القايينيين" و "النيكوليتانيين" معتبرا إياهم زنادقة وأن عقائدهم لم تكن تستحق أي استعراض أو دحض جادين.

ويظهر أن "هيبوليتوس" ميز هؤلاء "الزنادقة" عن أولئك الذين ذكرهم في كتابه الخامس والذي تعامل فيه مع مختلف الطوائف التي بجلت الحية، وأعطى لأولى هذه الطوائف إسم "النحشيون"، وهو لقب استمد من الكلمة العبرية للحية "ناحاش נחש"، ومن المحتمل أن "هيبوليتوس" حصر إسم "الأوفيتيين" على طائفة كان قد وصفها "إيرينيئوس" والتي كان لديها قواسم مشتركة قليلة للغاية مع الطائفة التي دعاها "بالنحشيين"، هذا الكتاب اشتمل على مختلف أنظمة "الأوفيت" الأخرى من "البيراتيين" و "الشيثيين" و "الجوستينوسيين"

وباستقراء ما جاء في محاضرات "إيرينيئوس" (المتوفى سنة 202) عن البدع المسيحية نجده اعتمد ـ فيما يبدو ـ ترتيبا كرونولوجيا للبدع والهراطقة، بادئا "بسمعان المجوسي" ومنتهيا "بتاتيان السوري"، ومضيفا – كملحق – وصفا لتشكيلة الطوائف الغنوصية ـ من بينها "الأوفيتية" ـ ومستنبطا أصولها، على أن هذه الكرونولوجيا لا تعتبر دقيقة تاريخيا من قبل معظم المؤلفين المعاصرين.
"أنيولو برونزينو": الحية النحاسية، من كنيسة "إليانور الطليطلية"، فلورنسيا، قصر فيكيو.

وفصل "إيرينيوس" ما عُرف من قبل كتاب لاحقين "كوسموجونيا الأوفيت"، أو "تأصيل الكون حسب الاعتقاد الأوفيتي"، فالكون بدأ كسلسلة متعاقبة من الانبعاثات على النحو الآتي:

· الكنيسة الحقيقية المقدسة:

ـ بيثوس (العمق):

ـ أبو الجميع (الرجل الأول).

ـ إنوا، ابن الرجل (الرجل الثاني).

ـ الروح القدس، المرأة الأولى.

ـ الماء.

ـ الظلام.

ـ الهاوية.

ـ الشواش.

ومن جمال الروح القدس، تُيم الرجل الأول والثاني، فأنجبا منها ذكرا ثالثا، طاهرا، مضيئا، يدعى "كريست".

لكن فائض الضوء الذي كانت "روح القدس" مشربة به فاق ما يمكنها احتواؤه، وبينما كان "كريست" الوليد في ذراعها اليمنى محمولا إلى الأعلى معها، مشكلا مع الرجل الأول والثاني "الكنيسة الحقيقية المقدسة"، سقطت قطرة من الضوء على يدها اليسرى ومن ثم إلى الأسفل في عالم المادة، فدُعيت تلك القطرة "صوفيا" (الحكمة) أو "برونيكوس" وكانت كائنا خنثويا.

وبهذا الوصول إلى العالم السفلي ضُبطت حركة المياه الساكنة، وكل الأشياء أسرعت لاحتضان نقطة الضوء السائلة تلك، وطفقت "برونيكوس" تلعب بشكل عدواني مع المياه، واصطنعت بذلك لنفسها جسدا، وبدون الحماية التي كان عليها الضوء من قبل أصبحت "صوفيا" مهددة بخطر الامتصاص الكامل من المادة، وهكذا، عندما اضطهدت بفظاظة محيطها، سعت إلى الهروب من المياه والصعود إلى والدتها، فأثقلها الجسد، ولم يكن بمقدورها سوى أن تجرف نفسها فوق المياه، مشكلة السماء المرئية، ومع ذلك، من شدة الرغبة كانت قادرة على تحرير نفسها من عبء الجسد وتركه خلفها للصعود إلى المنطقة التي فوقها مباشرة، هذه المنطقة التي كانت تدعى في لغة طائفة غنوصية أخرى "المنطقة الوسطى".

وفي هذه الأثناء، وُلد لها إبن، "يالدابوث"، وأعطته بعض الأنفاس من الضوء الخالص بقيت لها من والدتها، وعن طريق ما قامت به، ولد "يالدابوث" من الماء ولدا من غير أم، حتى كان له سبعة "أرخونات" في كل شيء، يحكمون السماوات السبع، السماء الأدنى "هيبدوماد" التي أكملتها أمهاتها داخل "أجدود" (جارة العالم الأولى):

· يالدابوث (يالدا باوث = إبن الشواش) "الديميرج".

· ياو.

· سبعوث.

· أدونيوس.

· إليوس.

· أستفانوس.

· هوريوس (الضوء).

لكن جاء أن هؤلاء الأبناء سعوا إلى السيادة مع والدهم "يالدابوث"، فعانى هذا من آلام كبيرة، وألقى نظرته اليائسة على بقايا المادة أدناه، من خلالهم، أدمج رغبته وحصل على إبن هو "أوفيومورفوس"، وهو "النوص" الذي جاء في شكل حية، من حيث جاءت الروح والضمير، وكل شيء في هذا العالم السفلي، لكن كذلك من حيث جاء النسيان، والخبث، والغيرة، والحسد، والموت، ومد "يالدابوث" نفسه فوق سمائه العليا، كان قد خرج من كل شيء دون معرفة أن هناك أي شيء أعلى من نفسه، راضيا عن نفسه مفاخرا الأبناء الذين أنجب دون عون من أمه، وصرخ:

"أنا الأب والإله، وفوقي، لا يوجد أحد".

وسمعته أمه فصرخت:

"لا تكذب، "يالدابوث"، في الأعلى يوجد أب الجميع، الرجل الأول، وابن الرجل".

وعندما تعجبت القوى السماوية من هذا الصوت، وحتى يشوش "يالدابوث" انتباهها، هتف: "دعونا نخلق الإنسان على صورتنا"، ثم شكلت القوى الست رجلا عملاقا، وساعدت الأم "صوفيا" في تصميمه، لعلها تستعيد السائل الخفيف من "يالدابوث"، واستلقى الرجل الذي شكلته القوى الست، دون أن يستطيع رفع نفسه، يتلوى مثل دودة، إلى أن أحضروه إلى والده الذي تنفس فيه روح الحياة، فأفرغ نفسه من قوته، لكن الرجل حصل على الفكر والروح ("النوص" و "الإنثيميسيس") وقدم هذا المخلوق الشكر للرجل الأول، متجاهلا أولئك الذين صنعوه.

فشعر "يالدابوث" بالغيرة، وخطط لإسقاط "الرجل" عن طريق "امرأة"، فشكل "حواء" التي تيمت القوى الست بجمالها، وأنجبت أبناء منها وهم "الملائكة"، عندئذ ابتكرت "صوفيا" حيلة عن طريق "الحية" لإغواء حواء وآدم ودفعهما لانتهاك وصية "يالدابوث"، وقد قبلت حواء نصيحة من بدا ابن الإله، وأقنعت آدم أيضا ليأكل من الشجرة المحرمة، وعندما أكلا منها اكتسبا معرفة القوة التي تعلو الجميع، والتي أبطلت من الذين صنعتهم، عندها ألقى "يالدابوث" آدم وحواء خارج الجنة، لكن الأم أفرغتهما سرا من السوائل الخفيفة حتى لا يشتركا في اللعنة أو العار، فطرحا في هذا العالم، وكذلك الحية التي كُشف عملها ضد والدها، وأحضر الملائكة هنا تحت سلطته، وأنجب من نفسه ستة أبناء، نظير "الهيبدوماد" الذي كان والده عضوا فيها، وهذه الشياطين السبعة دائما تعارض وتحبط الجنس البشري وقد أنزلهم والدهم لأجل ذلك.

في البدء كان لآدم وحواء الضوء والوضوح، وكانا جسدان روحيان، وعند سقوطهما صارا باهتين وجافين، وكانت روحاهما متخاذلتان لأنهما فقدا كل شيء إلا أنفاس هذا العالم التي تنفسها خالقه فيهما، فشعرت "برونيكوس" بالشفقة عليهما وأعادت لهما الرائحة الحلوة من السوائل الخفيفة التي استيقظا من خلالها ليعرفا أنهما عاريان".
"ويليم بليك": الغواية وسقوط حواء، 1808 (رسم توضيحي من ملحمة جون ميلتون الشعرية بعنوان الفردوس المفقود).

إن ما سبق هو واضح من صيغة الخلق المعطى في الفصل الأول من سفر التكوين لكن مع فارق رئيسي يظهر فيه الإله الوحيد القدير للقصة التوراتية في شخص "يالدابوث" وهو واحد من من عدة كائنات إلهية، وليس الأكثر أهمية منها، مع ادعائه بالألوهة الحصرية الذي اعتبر غطرسة واغتصابا باطلا منه.

وتمضي القصة قدما لتعطي نسخة لقصة العهد القديم، حيث قُدم "يالدابوث" كمحدث لسلسلة من الجهود للحصول على العشق الحصري لنفسه، والثأر لنفسه من أولئك الذين رفضوا زعمه، في حين أنه تم التصدي له من قبل "برونيكوس" التي سعت إلى تنوير البشرية فيما يتعلق بوجود قوى أعلى تستحق هذا العشق، وعلى وجه الخصوص الأنبياء الذين كان كل واحد منهم عضوا في "الهيبدوماد"، وهدايتهم لتمجيد من كان عبارة عن الثيمة الرئيسية لهم، كما كانوا مُلهَمين من قبل "صوفيا" لخلق وحي متشظي عن الرجل الأول وعن "كريست" أعلاه، والذي تسببت في نزوله أيضا.

وبعدئذ نأتي إلى الإصدار المعطى لقصة العهد الجديد في نظام "الأوفيت"، إذ { لم تكن "صوفيا" مرتاحة في السماء ولا في الأرض، فناشدت مساعدة والدتها، المرأة الأولى، فتحركت بدافع الشفقة على حسرة ابنتها، وتوسلت للرجل الأول كي يُنزل "كريست" لمساعدتها، وعلمت "صوفيا" بالمساعدة القادمة، المعلن قدومها من قبل "يوحنا"، فأعدت معمودية التوبة، وعن طريق ابنها "يالدابوث" استعدت امرأة لتلقي البشارة من "كريست" حتى إذا أتى هناك صارت نقية ووعاء نظيفا لاستقباله، فكان "يسوع"، الذي ولد من عذراء على يد قوة إلهية، هذا الذي كان الأكثر حكمة، الأكثر نقاء، وأكثر صلاحا من أي إنسان آخر، ثم نزل "كريست" من خلال السماوات السبع مع أخذ شكل كل واحد من أبنائه عند نزوله، وحرمان كل واحد من حكامه من سلطته، ومن أجل "كريست" اندفع السائل الخفيف إليه، وعندما جاء إلى هذا العالم وحد نفسه لأول مرة مع شقيقته "صوفيا" وأراحا بعضهما البعض كعريس وعروس، واتحد الإثنان في "يسوع" (على الرغم من أنهما لم يقيما في جسده) هذان اللذان صارا "يسوع المسيح"، ثم بدأ في صنع المعجزات، والإعلان عن الأب المجهول، والإعلان عن نفسه بشكل واضح "كابن الرجل الأول"،وشعر "يالدابوث" وغيره من أمراء "الهيبدوماد" بالغضب، فسعوا إلى صلب "يسوع المسيح"، لكن "صوفيا" و "كريست" لم يشاركانهم رغبتهم هذه، فسحبا نفسيهما داخل "أيون" (حياة) غير قابل للفساد، إلا أن "كريست" لم ينسى "يسوع" بل أرسل قوة رفعت جسده، ليس في الحقيقة جسده الغريب، لأن "اللحم والدم لا يمكن أن يمسكا ملكوت الرب" لكن جسده الروحي والحيواني، فكان "المسيح" الذي لا يصنع المعجزات قبل معموديته عندما اتحد أولا مع "كريست" أو بعد قيامته، وعندما سحب "كريست" نفسه منه، مكث "المسيح" بعد قيامته ثمانية عشر شهرا، في البدء لم يكن هو نفسه يفهم كامل الحقيقة، لكنه أنير من قبل الوحي الذي جعله بعد ذلك يدرس قلة من تلامذته المختارين ثم أخذ بعد ذلك إلى السماء }.

من الواضح إذن أن النظام المعمول به في "الأوفيت" ينطوي على معرفة كبيرة بالعهد القديم، وتبدأ هذه المعرفة "بروح الإله تتحرك على صفحة المياه" وتلخص التاريخ اللاحق، بل تشير إلى الكتبة المقدسين بالأسماء، ومع ذلك فإن هذا العمل المتقارب من اليهودية لا يعني الإخلاص لإله اليهود الذي يمثل عندهم مزيجا من الغطرسة والجهل، ويشن حربا ضد عبادة الأصنام لمجرد حب التمجيد الذاتي، هذا الإله (الذي يناظره "يالدابوث") يتم إحباطه والتغلب عليه باستمرار بمهارة المعرفة المتفوقة حسب زعمهم، وتشير الصفات الأنثوية المنسوبة للروح القدس إلى أن اللغة اليونانية لم تكن اللغة الأصلية لصاحب هذا المذهب، وهذا الاستنتاج مؤكد بسبب غياب العناصر المشتقة من النظم الفلسفية اليونانية، فعلى سبيل المثال، إذا قارنا نظام "الأوفيت" مع نظام "فالنتينوس" سنكتشف الكثير من التوافق في السمات الأساسية، إلا أن النظام "الفالنتيني" يحتوي على العديد من الأشياء المستمدة من الفلسفة اليونانية، في حين أن نظام "الأوفيت" مستمد من مصادر شرقية بحتة، ويبدو أن مدون هذا النظام اطلع بشكل واضح على العهد الجديد كذلك، لإنه يتبنى عبارة من رسالة "بولس" الرسول إلى أهل "كورنثوس"، إنه يعلم أن يسوع تكلم عن نفسه عادة باسم ابن الإنسان، وفي إنكاره أن يسوع قام بمعجزات قبل معموديته، فإنه يتبنى بذلك التاريخ كما سُرد في الأناجيل الرسمية معارضا لما ورد في الأناجيل الأبوكريفية عن طفولته، كما أن المكانة التي تحتلها عقيدة الثالوث في هذا النظام تبقى كبيرة.

وعلى الرغم، من أن إسم "أوفيت" قد أطلق بعد "إيرينيوس" على النظام الذي وصفه، يلاحظ أن الجزء المتعلق بالحية يبقى جزءا ثانويا للغاية في هذا النظام، ففي المقطع التالي للفصل الذي قمنا بتحليله مباشرة، يذكر "إيرينيوس" معلومات عن الطوائف التي تنتمي إلى نظام "الأوفيت" حيث أن بعضها مجد "صوفيا" بذاتها كحية وبعضها مجد "قايين" وأعداء آخرين لإله العهد القديم.

وإذا أردنا تحديد ما نعتبره السمة الأكثر تميزا في هذا النظام فسيكون هو الضوء، هذه الميزة تبقى الأكثر بروزا في النظام المستمد من "البيستيس صوفيا" إذ يشير الضوء إلى "ظهور دائم"، وحيث أن منزلة كل كائن تقاس بإشراق ضوئه، وفي مقطع "أورينيئوس" يوجد كذلك ملخص لنظام تم تسميته "باربيليوت" من استخدامه لاسم "باربيلو" للدلالة على المبدإ النسائي الأسمى، وهو يحتوي على بعض السمات الأساسية لنظام "الأوفيت" والذي يبدو أنه قد تطور فيه.

ويشير "إكليمندس الإسكندري" (150 – 215) عرضا إلى "الأوفيتيين" و "القايينيين" في رسالته بعنوان "ستروماتا" لكنه لا يعطي أي تفسير لمبادئ الطائفتين، ولا يبرز في حديثه الموجز عن "الأوفيتيين" سوى استهجانه لنسائهم اللواتي يستعملن حلي الحيات.

أما "أوريجانوس الإسكندري" (185 – 215) فقد تناول "الأوفيتيين" في كتابه "كونترا سيلسوم" (ضد سيلسوس) في معرض رده على الفيلسوف الوثني "سيلسوس" الذي كان قد ألف كتابا ينتقد فيه المسيحية بعنوان "ألبسيس لوغوس" (الكلمة الحقة) واعتبر "أوريجانوس" أن "سيلسوس" قد خلط بين المسيحيين "والأوفيتيين"، وفي كتابه "التعليق على ماثيو" يصنف "أوريجانوس" الأوفيتيين بأنهم هراطقة من النوع الأكثر خطورة مع أتباع "مرقيون السينوبي" و "فالنتينوس" و "باسيليدس" و "أبيليس"، ويبدو أن "الأوفيتيين" حسب "أوريجانوس" هم فرع من طائفة لم يذكر إسمها كان قد وصفها قبله "إيرينيئوس".

وأعطى "أوريجانوس" كذلك وصفا "للرسم التوضيحي الأوفيتي" الذي وافق وصف "سيلسوس"، ويتألف من دائرة خارجية تسمى "لوياثان" دلالة على روح كل شيء، مع عشر دوائر داخلية ملونة بشكل مختلف، هذا الرسم يحتوي أيضا على ملامح وأسماء الشياطين السبعة. العديدون حاولوا إعادة صنع هذه الملامح من خلال وصف "أوريجانوس"، لكن في الحقيقة لم يعط "أوريجانوس" أية تفاصيل كافية حتى يصير الأمر ممكنا أو قابلا للمساعدة في فهم ما الذي كان مقصودا من خلال استعراضها، لقد سمى "أوريجانوس" "الفرات" كمقدم لعقيدة الطائفة التي يصفها، وربما كانت تلك الطائفة فرعا من "الأوفيتيين" يدعى "البيراتيين".

وفي كتابه المعنون بـ "باناريون" الذي يعتبر من الكتب المسيحية المبكرة التي تخصصت في البدع الغنوصية، يقول الأسقف "إبيفانيوس السلاميسي": "إن لديهم أفعى يحفظونها في صندوق ـ السيستا ميستيكا ـ وفي ساعة طقوسهم يخرجونها من مخبئها، إنهم يكدسون الأرغفة على الطاولة ويستدعون الأفعى، وعندما ينفتح المخبأ تخرج، إنها وحش ماكر وتعرف طرقهم السخيفة، تزحف على الطاولة وتلتف حول الأرغفة، فيقولون إنه قربان كامل، هنا وكما قيل لي، إنهم لا يكسرون الأرغفة التي التفت حولها الحية وصفّتها للحاضرين فحسب، لكن كل واحد منهم يقبلها في فمها، لأن الحية روضت بواسطة تعويذة، أو صارت لطيفة عن طريق أساليب شيطانية أخرى، فيخرون أمامها ويسمون هذا "سر التناول"، ومن خلال ذلك ـ كما يقولون ـ يرسلون ترنيمة إلى الأب الأعلى، وبذلك يختتمون أسرارهم".

ويبقى مرجحا أن تلقين نظام "الأوفيت" كان قد بدأ يختفي في أيام "هيبوليتوس"، وفي وقت "إبيفانيوس" كان قد اختفى هذا النظام تماما، لكن ما استعرضناه في كتابه أعلاه يوحي بأن هذا النظام لم يكن سوى عقيدة غريبة لقلة من الزنادقة الضالين هنا وهناك، وفي القرن الخامس الميلادي يخبرنا الأسقف "ثيودوريطس" في كتابه عن البدع أنه كانت توجد طائفة تمارس عبادة الحية في أبرشيته، وسمى أعضاء هذه الطائفة "بالمارقونيين" واعتقد أنهم يتبنون نظام "الأوفيت" فعلا.

وفي النصوص الغنوصية "لنجع حماد" التي تشير إلى الأفعى يبدو أنها ارتبطت بصيغة الكنيسة المبكرة "للأوفيتيين"، وهذه النصوص كانت ثلاثة هي: "أقانيم الأرخونات" و "في أصل العالم" و "أبوكريفا يوحنا"، وإذا تتبعنا أنماط المحاكاة المعاصرة لطائفة "الأوفيتيين" سيقودنا ذلك إلى الطائفة المسماة "سيدتنا من اجتماع إندور" التي أسست سنة 1948 على يد "هربرت آرثر سلون" والتي تأثرت بشدة بتعاليم "الأوفيتيين" القدماء.
المرجع:

آسموديوس

 آسموديوس كما تم تصويره في كتاب "كولين دوبلانصي" "المعجم الجهنمي".

آسموديوس (آسموديوس باليونانية) أو آشمداي (بالعبرية) هو ملك للشياطين، وفي الفلكلور اليهودي ـ الإسلامي هو ملك للأرواح الأرضية (شيديم Shedim) معروف أكثر في سفر طوبيا (أول الأسفار القانونية الثانية) حيث كان في البدء غريما، وقد أشير إلى هذا الشيطان كذلك في بعض الأساطير التلمودية، كما في قصة بناء هيكل سليمان. 

وقد اعتقد بعض المسيحيين من عصر النهضة أن آسموديوس هو ملك النيران التسع، ويشار إليه كذلك بأنه واحد من أمراء الجحيم السبعة، وفي تصنيف بيتر بينسفيلد للشياطين فإن كل واحد من هؤلاء الأمراء يمثل واحدا من الخطايا السبع المميتة (البذخ، النهم، الجشع، الملل، الغضب، الحسد، التفاخر). 
 
ويقال أن أن الأشخاص الذين يخضعون لطريق آسموديوس، أو الشيطان ذو العصوين، سيحكم عليهم بالأبدية في المستوى الثاني من الجحيم. 

ومن الناحية الإيتيمولوجية، يعتقد أن إسم "أسموداي" مشتق من اللغة الأفستية بهذا الشكل: "aēšma-daēva"، حيث تعني aēšma "الغيظ" وتشير daēva إلى "الشيطان" أو "الذات الإلهية" حسب السياق، بينما daēva Aēšma تعني في الزرادشتية شيطان الغيظ، وترفض الموسوعة اليهودية لسنة 1906 العلاقة الاشتقاقية بين آيسمادايفا aēšma-daēva الفارسية و أشماداي (Ashmodai) اليهودية، زاعمة أن حرف "دايفا" لا يمكن أن يصبح "داي" وأن آيسمادايفا كإسم مركب لم يظهر أبدا في النصوص الفارسية المقدسة، وماتزال هذه الموسوعة تقترح أن "آسموديوس" (Asmodeus) من الأبوكريفا وعهد سليمان لا ترتبط فقط بـ "إيشما Aeshma" (التسمية الأفستية الأحدث لشيطان الغيظ في الزرادشتية) لكن لديهما سلوكات وقواعد ومظاهر متشابهة، وفي مقال معنون بـ "تأثير المعتقدات الفارسية على اليهودية" من الموسوعة اليهودية لسنة 1906 يشير إلى أن المعتقدات الفارسية الزرادشتية قد يكون لها تأثير قوي على اللاهوت اليهودي مع الأخذ في الاعتبار أن هناك في بعض النصوص اختلافات مفاهيمية حاسمة بينما في نصوص أخرى يوجد قدر كبير من التشابه مقترحا في الآن نفسه نمطا من التأثير على المعتقدات الشعبية الذي من شأنه أن يمتد إلى الميثولوجيا بنفسها بشكل عام. 

ولا وجود للإسم الكامل "أشماداي" في الكتاب المقدس، لكن في سفر الملوك الثاني الإصحاح 17:30 يظهر "آشيما" معين كإله مزيف بقولها: "فعمل أهل بابل سكوث بنوث وأهل كوث عملوا نرجل وأهل حماة عملوا أشيما"، حيث جعل السوريون الحماويون "آشيما" معبودهم، هذا الإسم لا يتشابه فقط بشكل أفضل مع "الدايفا آيشيما" الفارسية، لكن إسم "آشيما" אֲשִׁימָא، يتشابه كذلك مع الإسم "آشماداي" אַשְמְדּאָי في العبرية. 

إلا أن آسموديوس يظهر في سفر طوبيا باعتباره عدوا لسارة أخت راكيل (الإصحاح 6:13) وأنه ذبح سبعة أزواج عقدوا عليها وقد وصف بأنه "أسوأ الشياطين" وعندما أوشك طوبيا اليافع على الزواج من سارة، أراد أسموديوس أن يذبحه كسابقيه، لكن طوبيا كان محصنا بفضل مشورات ملاكه المرافق رافائيل " 1 إِنَّ الَّذِينَ يَتَزَوَّجُونَ، فَيَنْفُونَ اللهَ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَيَتَفَرَّغُونَ لِشَهْوَتِهِمْ كَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ اللَّذَيْنِ لاَ فَهْمَ لَهُمَا؛ أُولئِكَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ. 18 فَأَنْتَ إِذَا تَزَوَّجْتَهَا وَدَخَلْتَ الْمُخْدَعَ، فَأَمْسِكْ عَنْهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلاَ تَتَفَرَّغْ مَعَهَا إِلاَّ لِلصَّلَوَاتِ. 19 وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، إِذَا أَحْرَقْتَ كَبِدَ الْحُوتِ، يَنْهَزِمُ الشَّيْطَانُ". وقد أحدث طوبيا بخارا دخانيا جعل الشيطان يهرب إلى مصر حيث شد وثاقه رافائيل (الإصحاحات 8 و 2 و 3 من طوبيا) وحسب بعض الترجمات خُنق أسموديوس. 

وربما عاقب أسموديوس أزواج سارة لرغباتهم الشهوانية الحيوانية ولذلك أخذ طوبيا يصلي ليكون محصنا من تلك الرغبة وحتى يبقى سالما، وقد وصف أسموديوس كذلك بأنه روح شريرة بصفة عامة، Ασμοδαίος τὸ πονηρὸν δαιμόνιον or τõ δαιμόνιον πονηρόν, and πνεῦμα ἀκάθαρτον " لأَنَّهُ كَانَ قَدْ عُقَدِ لَهَا عَلَى سَبْعَةِ رِجَالٍ، وَكَانَ شَيْطَانٌ اسْمُهُ أَزْمُودَاوُسُ يَقْتُلُهُمْ عَلَى أَثَرِ دُخُولِهِمْ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ" (الإصحاح 3/8)، " وَلَمْ أَكُنْ قَطُّ أُمَازِجُ أَرْبَابَ الْمَلاَهِي، وَلاَ أُعَاشِرُ السَّالِكِينَ بِالطَّيْشِ" (الإصحاح 3/17)، " حِينَئِذٍ قَبَضَ الْمَلاَكُ رَافَائِيلُ عَلَى الشَّيْطَانِ وَأَوْثَقَهُ فِي بَرِّيَّةِ مِصْرَ الْعُلْيَا." (الإصحاح 8/3). 

ووفقا للقابالا ومدرسة شلومو بن أدرت فإن آسموديوس هو "كامبيون" Cambion (في الميثولوجيا والأدب الأوروبي هو نسل الشيطانين من إنكوبوس وسوكويوس (السعلوة) مختلطا بنسل إنسان ـ نصف شيطان)، ولد كاتحاد لسعلوة تدعى أغرات بات محلات " אגרת בת מחלת" والملك داوود דָּוִד. 

أما شخصية آشماداي في التلمود فهي أقل إيذاء من أسموديوس في "طوبيا"، إذ يظهر مرارا وتكرارا ذا طبيعة ودودة وكزميل يمتلك روح دعابة، لكن إلى جانب ذلك، هناك خاصية واحدة يتوازى فيها مع أسموديوس، وهي رغباته الموجهة صوب نساء سليمان وكذلك ابنة إليعام المسماة بثشبع "בַּת שֶׁ֫בַע". 

وهناك أسطورة تلمودية أخرى تجعل الملك سليمان يخدع أسموداي للتعاون في بناء معبد القدس. 

وهناك أسطورة أخرى تصور أسموداي يرمي الملك سليمان أكثر من 400 فرسخ بعيدا عن العاصمة من خلال وضع جناح واحد على الأرض وجعل الآخر ممتد إلى السماء، ثم احتل مكان الملك سليمان لبضع سنوات، وعندما عاد هذا الأخير، هرب أسموداي من غضبه، وهناك أساطير مشابهة يمكن أن توجد في الفولكلور الإسلامي، حيث يسمى أسموديوس "صخر" لأنه في التقليد الإسلامي قد عاقبه النبي سليمان بأن حوله إلى صخرة. 

كما أن هناك مقطع آخر يصفه بأنه زوج ليليث التي أصبحت ملكته. 

وأشير إليه كذلك بأنه من نسل ناتج عن اتحاد آدم شيطانة الزنا ناعماه " נַעֲמָה‎"، حُبل به أثناء زواج آدم من ليليث. 

وفي عهد سليمان، (هو عبارة عن بسوديبجرافا ـ كتاب منحول ـ ألفت ما بين القرن الأول والثالث الميلادي) فإن الملك سليمان يستحضر أسموديوس للمساعدة في بناء الهيكل، ويظهر الشيطان ويتنبأ أن مملكة سليمان ستتجزأ يوما ما (عهد سليمان المقطع 21-25)، وحين يطلب سليمان من أسموديوس المزيد من الإفصاح يعلم الملك أن أسموديوس محبط من قبل الملاك رافائيل وكذلك من سمك يدعى "سمك الجري" الذي يوجد في أنهار آشور، واعترف كذلك بكرهه للماء والعصافير لأن كلاهما يذكرانه بالرب. 

كذلك في مطرقة الساحرات Malleus Maleficarum (1486)، يعتبر آسموديوس شيطان النشوة الجنسية، وقد قال المحقق الفرنسي سباستيان ميشاليز بأن خصم أسموديوس هو القديس يوحنا الإنجيلي، وبعض الديمونولوجيين من القرن 16 يخصصون شهرا لكل شيطان ويعتبرون شهر نونبر هو الشهر الذي تصبح فيه قوى أسموداي أشد، وديمونولوجيين آخرين يحددون برجه في الدلو لكن فقط بين تواريخ 30 يناير و 8 فبراير. 

ولديه 72 فيلقا من الشياطين تحت إمرته وهو أحد ملوك الجحيم بقيادة الإمبراطور لوسيفر، يحرض على القمار، وهو المشرف على كل دور القمار في محكمة الجحيم، وبعض اللاهوتيين الكاثوليك يقارنونه بملاك الجحيم "أبدون"، وهناك مؤلفين آخرين يعتبرون آسموديوس أمير الانتقام. 

وفي "المعجم الجهنمي" لمؤلفه كولين دوبلانصي يصور آسموديوس بصدر رجل وسيقان ديك وذيل ثعبان وثلاثة رؤوس (أحدها رأس رجل ينفث نارا والثانية رأس خروف والثالثة رأس ثور) يركب أسدا ولديه جناحي ورقبة تنين، وجميع هذه الحيوانات مرتبطة إما بالمجون أو الشهوة أو الانتقام. 

ويظهر أسموداي بلقب "الملك أسموداي" في الـ Ars Goetia من "المفتاح الأصغر لسليمان"، حيث يقال أن لديه ختم ذهبي وأنه مصنف في الرتبة الثانية والثلاثين. 

إنه قوي وجبار ويظهر بثلاثة رؤوس، الأول يشبه رأس ثور، والثاني رأس رجل، والثالث رأس كبش، لديه ذيل ثعبان، ومن فمه يلقي لهب النيران، كذلك، يمتطي تنينا جهنميا، ويحمل رمحا ينتهي براية، ومن بين فيالق أمايمون، يحكم أسموداي اثنان وسبعون فيلقا من الأرواح السفلى. 

وقد أشير إلى أسموديوس في الكتاب الثاني، الفصل الثامن من مؤلف "الماجوس" (The Magus) (الصادر سنة 1801) لصاحبه فرانسيس باريت. 

وقد كان أسموديوس يسمى ملاكا من ملائكة نظام العروش من قبل البابا غريغوري العظيم، كما تم الاستشهاد به من قبل راهبات لودون في المحاكمة سيئة السمعة المسماة "محاكمة ممتلكات لودون". 

وعرفت قصة أسموديوس وسليمان ظهورا جديدا في التقليد العربي والإسلامي كما سبقت الإشارة، غير أن الإسم الشائع لأسموديوس هنا هو "صخر" ربما إشارة إلى مصيره، لأنه وحسب الفولكلور الإسلامي فإن سليمان بعد أن هزم أسموديوس سجنه داخل صندوق حجري وقيده بالحديد وألقاه في البحر، وأشار الطبري إلى أسموديوس في سورة الصافات الآية 106، وذلك في كتابه "تاريخ الأمم والملوك"، وذكر بأن أسموديوس احتل مكان سليمان أربعين يوما. 

واستمرت سمعة أسموديوس كتجسيد للشهوة في الكتابات اللاحقة، كما عرف بأنه "أمير الفسق" في ملحمة "الأخ راش" في القرن 16، وساوى الراهب البنيديكتي الفرنسي أنطوان أغوستين كالمي بين إسمه والرداء الناعم، أما الديمونولوجي الألماني من القرن 16 جوهان واير فقد وصفه بأنه مصرفي طاولة البكاراه في جهنم، والمشرف على دور القمار الأرضية. 

وفي سنة 1641، نشر الكاتب المسرحي والروائي الإسباني لويس فيليس دي غيفارا الرواية الساخرة "El diablo cojuelo" (الشيطان الأقزل أو الأعرج) حيث يقدم أسموديوس كشيطان مؤذ وُهب عبقرية ساخرة ومرحة، الحبكة الروائية تتحدث عن تلميذ وغد يختبئ في علية منجم ويحرر شيطانا من قنينة، وكاعتراف بالجميل يريه الشيطان شقق مدريد وحيل وبؤس سكانها، أما الروائي الفرنسي آليان روني لوساج فقد جدد هذا المرجع الإسباني في روايته لسنة 1707 بعنوان "le Diable boiteux" حيث ربطه بـ "كيوبيد"، وفي الكتاب يذكر أن الشيطان يتم إنقاذه من قنينة زجاجية سحرية على يد تلميذ إسباني يدعى الدون كليوفاس ليوندرو زامبولو، وكتعبير عن الامتنان، فإنه ينضم إلى الشاب الصغير في سلسلة من المغامرات قبل أن يقبض عليه مجددا، وصور بورتريه أسموديوس في أضواء حساسة ككائن ذو طبيعة لطيفة، ومحاك ساخر وناقد للمجتمع الإنساني، وفي حادثة أخرى يأخذ أسموديوس الدون كليوفاس في رحلة طيران ليلية وينزع الأسقف عن البيوت من إحدى القرى لكي يريه أسرار ما يقع في الحياة الخاصة، واتباعا لعمل لوساج، صور أسموديوس في عدد من الروايات والمجلات، وبشكل رئيسي في فرنسا، وكذلك في لندن ونيويورك. 

وتم تصوير أسموديوس على نحو واسع بأن لديه ملامح وسيمة بأخلاق حسنة وطبيعة جذابة، إلا أنه كان يمشي بعرج حيث ساقه العرجاء إما كانت مخبأة أو عبارة عن ساق ديك، وفي عمل لوساج فإن أسموديوس يمشي بمساعدة عكازين، وهذا ما جعل العنوان الإنجليزي للرواية هو "الشيطان بعكازين The Devil on Two Sticks" (كما ترجمت لاحقا بعنوان "الشيطان الأعرج أو الكسيح The Limping Devil و The Lame Devil، ويعزو لوساج عرج أسموديوس في عمله إلى سقوط هذا الأخير من السماء أثناء قتاله مع شيطان آخر.
المرجع:

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...