السبت، 20 فبراير 2021

الحضارة المينوسية ـ الجزء الثالث

لوحة الدولفين الجصية من "كنوسوس".

كان المينوسيون في المقام الأول شعبا تجاريا نشطوا في التجارة الخارجية، وتشير ثقافتهم لما بعد 1700 ق.م إلى درجة عالية من التنظيم، كما تدل السلع المصنعة في بلادهم إلى شبكة من التجارة مع اليونان القارية ولاسيما "ميسينا" وكذا قبرص وسورية والأناضول ومصر وبلاد الرافدين وغربا حتى شبه الجزيرة الإيبيرية، ويبدو أن الديانة المينوسية ركزت على الآلهة الأنثوية ومسؤولين من النساء، وفي حين كان المؤرخون وعلماء الآثار يشككون منذ فترة طويلة في وجود نظام مينوسي أمومي صريح إلا أن هيمنة الشخصيات النسائية في المناصب الرسمية على الأدوار الذكورية يدل على أن المجتمع المينوسي كان أموميا.

"جامعة الزعفران" من موقع مينوسي في "أكروتيري"، "سانتوريني".

ونظرا لأنه لم يتم فك شيفرة اللغة المينوسية بعد، يبقى من غير المعروف أي نوع من الحكومات مارسه المينوسيون، رغم أن القصور وغرف العرش تشير إلى شكل من أشكال التسلسل الهرمي.

وقد عرف المينوسيون أكثر بتجارة الزعفران ولا أدل على ذلك من اللوحة الجدارية لجامعي الزعفران في "سانتوريني"، ووفقا لبعض العلماء فقد تم استخدام الزعفران في الصباغة، وأكد علماء آخرون على عناصر تجارية أخرى دائمة استعان بها المينوسيون كالسيراميك والنحاس والقصدير والذهب والفضة، وقد يكون للزعفران أهمية دينية عندهم.

وارتدى الرجال المينوسيون المآزر والقمصان وكانت النساء ترتدين الجلابيب ذات الأكمام القصيرة والتنانير المنتفخة ذات الطبقات وكانت العباءات مفتوحة أمام السرة وتكشف أثداءهن، وأمكن للنساء أيضا ارتداء حمالات وصدارات وكان لأنماط الملابس تصاميم هندسية متماثلة.

وتم اكتشاف العديد من أنظمة الكتابة التي يعود تاريخها إلى الفترة المينوسية في جزيرة "كريت"، ومعظمها غير مفكك حاليا.

والنظام الخطي الأكثر شهرة هو النظام أ يعود تاريخه إلى ما بين 2500 و 1450 ق.م، ويعتبر أصل النظام الخطي ب الذي يرمز إلى أقدم نظام خطي يوناني معروف، وتم إجراء العديد من المحاولات لترجمة النظام الخطي أ لكن لا يوجد توافق في الآراء ويعتبر النظام الخطي أ غير مفكك حاليا. ويطلق على اللغة التي تم ترميزها بواسطة النظام الخطي أ مبدئيا اللغة المينوسية، وعندما يتم استخدام تقديرات لرموز النظامين أ و ب فإنهما ينتجان كلمات غير مفهومة، مما يجعل اللغة المينوسية غير مرتبطة بأي لغة أخرى معروفة. وهناك اعتقاد بأن المينوسيين استخدموا لغتهم المكتوبة في المقام الأول كأداة للحساب وأنه حتى لو تم فك تشفيرها فلن تقدم سوى القليل من التبصر بخلاف الأوصاف المفصلة للكميات.

وتسبق الكتابة الهيروغليفية الكريتية النظام الخطي أ بحوالي قرن ومن غير المعروف ما إذا كانت هذه الكتابة ذات علاقة باللغة المينوسية ويبقى أصلها محل جدل. وعلى الرغم من أن الهيروغليفية غالبا ما ترتبط بالمصريين، إلا أنها تشير إلى وجود علاقة بكتابات بلاد ما بين النهرين، وبدأ استخدامها قبل النظام الخطي أ بحوالي قرن من الزمن، وتم استخدامها في نفس الوقت مع النظام الخطي أ خلال القرن 18 ق.م واختفت الهيروغليفية المينوسية في القرن 17 ق.م.

أحد وجهي قرص "فيستوس".

ويتميز قرص "فيستوس" ببرنامج نصي فريد على الرغم من أن أصله محل جدل، إلا أنه يعتقد الآن على نطاق واسع أنه من أصل كريتي ولكونه الاكتشاف الوحيد من نوعه فإنه يظل غير مفكك.

بالإضافة إلى ما سبق، تم العثور على خمسة نقوش مؤرخة في القرنين السابع والسادس عشر ما قبل الميلاد في جزيرة كريت الشرقية (وربما في أواخر القرن الثالث عشر قبل الميلاد) مكتوبة بأبجدية يونانية قديمة ترمز بوضوح إلى لغة غير يونانية ويطلق عليها إسم الإتيوكريتية وبالنظر إلى العدد القليل من النقوش لاتزال اللغة غير معروفة، وبالتالي فمن غير المعروف ما إذا كانت الإتيوكريتية سليلة للغة المينوسية.

أصغر نحتين "للإلهة الأفعوانية" المينوسية.

ويبدو أن المينوسيين كانوا يعبدون بشكل بارز إلهة عظيمة مما أدى في السابق إلى الاعتقاد بأن مجتمعهم كان أموميا، ولكن من المعروف الآن أن الأمر لم يكن كذلك، وأظهر البانثيون المينوسي عدة آلهة، من بينها إله شاب صغير يحمل الرمح، ويرى بعض العلماء في الإلهة المينوسية معبودا أنثويا يمثل الشمس، وهناك بعض صور النساء قد تكون تمثيلات للمتعبدات والكاهنات اللواتي يسيرن الاحتفالات الدينية، ويبدو أن الربات شملن ربات الخصوبة وربات الحيوانات وحاميات المدن والأسرة والحصاد والعالم السفلي. وغالبا ما تمثل بالثعابين أو الطيور أو الخشخاش أو حيوان على الرأس.

ووفقا "لنانو ماريناتوس" فإنه "من الصعب فك التسلسل الهرمي وعلاقة الآلهة داخل البانثيون من الصور وحدها"، ولا يوافق "ماريناتوس" على الأوصاف السابقة للدين المينوسي باعتبارها بدائية قائلا بأنه "كان دين ثقافة فخمة ومتطورة وحضرية ذات تسلسل هرمي اجتماعي معقد، ولم تهيمن عليه ثيمة الخصوبة أكثر من أي دين آخر في الماضي أو الحاضر وتناول موضوعات الهوية الجنسية وطقوس المرور والموت. ومن المعتقد أن المنظومة الدينية والطقوس وحتى الأساطير تشبه ديانات الحضارات الفخمة في الشرق الأدنى". ويبدو أن البانثيون الإغريقي المتأخر جمع بين المعبودات الأنثوية المينوسية والآلهة الحيثية من الشرق الأدنى.

ومثلت مذابح المينوسيين التي تعلوها قرون والتي أطلق عليها "آرثر إيفانز" قرون التكريس في طبعات الأختام وتم العثور عليها في أماكن بعيدة مثل "قبرص"، وتضمنت الرموز المقدسة المينوسية الثور (وقرون تكريسه) واللابري (الفأس مزدوج الرأس) والعمود والثعبان وقرص الشمس والشجرة وحتى مفتاح الحياة أو العنخ.

وعلى غرار الاكتشافات الأثرية الأخرى في العصر البرونزي، شكلت بقايا المدافن الكثير من الأدلة المادية والأثرية لتلك الفترة، وبحلول نهاية الفترة القصرية الثانية، هيمن على مراسيم الدفن في "مينوس" أسلوبان: المقابر الدائرية (ثولوي) في جنوب "كريت" والمقابر المنزلية في الشمال والشرق، ومع ذلك فإن الكثير من الممارسات الجنائزية لم تتوافق مع هذين الأسلوبين، وكان أشهر هذه الممارسات هو حرق الجثث، وكان الدفن الفردي هو القاعدة باستثناء مجمع "كروسولاكوس" في "ماليا"، حيث تشكل عدة مبان مجمعا في وسط منطقة الدفن في "ماليا" وربما تم تخصيص هذه الطقوس أو سراديب الدفن للعائلات البارزة، كما تم العثور على تضحية بشرية محتملة من قبل المينوسيين في ثلاثة مواقع: "أنيموسبيليا" وبناية من فترة 1800-1700 ق.م قرب جبل "جوكتاس" اعتبر معبدا، ومجمع يعود لفترة 2900-2300 ق.م في "فورنو كوريفي" جنوب ووسط "كريت" وفي بناية من فترة 1450-1500 ق.م عرفت باسم "المنزل الشمالي" في "كنوسوس".

نموذج تم ترميمه لمنزل مينوسي موجود في "أرشانيس".

وتم ربط المدن المينوسية بطرق ضيقة مرصوفة بكتل مقطوعة بمناشير برونزية، وكان يتم تجفيف الشوارع وكذا توفير مرافق المياه والصرف الصحي للطبقة العليا عبر أنابيب فخارية.

وكانت المباني تحتوي غالبا على أسقف من القرميد المسطح وأرضيات جبسية أو خشبية أو حجرية وبلغ ارتفاع هذه المباني من طابقين إلى ثلاثة طوابق وكانت الجدران السفلية مبنية من الأحجار والأنقاض بينما كانت الجدران العلوية مبنية من طوب اللبن وكانت الأسقف مشدودة بألواح خشبية.

وتنوعت مواد البناء للفلل والقصور المينوسية وشملت الحجر الرملي والجبس والحجري الجيري كما تباينت تقنيات البناء حيث استخدمت بعض القصور الأحجار وغيرها من الأطواب الجندلية. وفي شمال وسط جزيرة "كريت" تم استخدام اللون الأزرق المخضر في أرضيات الشوارع والساحات بين عامي 1600 و 1650 ق.م.
المرجع:

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...