لوحة جدارية مينوسية تظهر أسطولا ومستوطنة. |
كان المينوسيون تجارا، وبلغت اتصالاتهم الثقافية المملكة القديمة في مصر وقبرص الغنية بالنحاس وكنعان وسواحل الشام والأناضول. وفي أواخر عام 2009، تم اكتشاف لوحات جدارية على الطراز المينوسي وغيرها من القطع الأثرية خلال عمليات التنقيب في القصر الكنعاني في تل القهوة؛ إسرائيل، مما قاد علماء الآثار إلى نتيجة مفادها أن التأثير المينوسي كان أقوى على الدولة-المدينة الكنعانية، وتبقى هذه الاكتشافات هي الوحيدة من نوعها التي تم العثور عليها في إسرائيل.
صبة مينوسية نحاسية. |
وكان للتقنيات المينوسية وأساليب السيراميك درجات متفاوتة من التأثير على اليونان الهلادية. وإلى جانب "سانتوريني"، تم العثور على مستوطنات مينوسية في "كاستري" و "كيثيرا" وجزيرة أخرى بالقرب من البر الرئيسي لليونان تأثرت بالمينوسيين منذ أواسط الألف الثالثة قبل الميلاد إلى حين احتلالها من طرف الموكيانيين في القرن 13 ق.م.
وكانت "سيكادلس" في المدار الثقافي المينوسي، واحتوت جزر "كارباثوس" و "ساريا" و "كاسوس" أيضا على مستعمرات مينوسية تنتمي إلى حقبة العصر البرونزي الوسيط وتم التخلي عن معظمها بين نهاية الحقبة القصرية الحديثة وبداية الحقبة ما بعد القصرية، لكن تم استعادة "كارباثوس" مجددا واستمرت ثقافتها المينوسية حتى نهاية العصر البرونزي. إضافة إلى ذلك أوجدت مستعمرات مينوسية مفترضة أخرى، مثل تلك التي افترضها "أدولف فورتونجلر" في "آيجينا" وهي الفرضية التي دحضت من قبل العلماء لاحقا، ومع ذلك، كانت هناك مستعمرة مينوسية في "ياليسوس" في "رودس".
ويشير التأثير الثقافي المينوسي إلى هالة تمتد عبر "سيكلادس" وصولا إلى مصر وقبرص، وتصور لوحات من القرن 15 ق.م في طيبة المصرية أفرادا مينوسيين وهم يحملون هدايا، وتشير نقوش "كيفتيو" (جزر في وسط البحر) إلى تجار أو مسؤولين كريتيين يقدمون الهدايا.
كما تشير بعض المواقع في "كريت" أيضا إلى أن المينوسيين كانوا مجتمعا "منفتحا ثقافيا". وتشير العديد من القطع والأعمال إلى ذلك في موقع "كاتو زاكروس" ذو القصر الجديد الذي يوجد على بعد 100 متر من الشاطئ الحديث في الخليج، بما في ذلك اللوحة الجدارية "فلوتيلا" في الغرفة الخامسة من "المنزل الأوسط" في "أكروتيري".
لوحة جدارية من "كنوسوس" أعيد ترميمها جزئيا تمثل التخييم. |
وقام المينوسيون بتربية الأغنام والماعز والخنازير، وزرعوا القمح والشعير والبيقية والحمص، كما قاموا بغرس العنب والتين والزيتون والخشخاش للبذور وربما الأفيون، وقاموا كذلك بتربية النحل.
ونمت الخضار من قبيل الخس والكرفس والهليون والجزر في برية "كريت"، كما كانت أشجار الكمثرى والسفرجل والزيتون أشجارا محلية، وتم استيراد أشجار النخيل والقطط ـ للصيد ـ من مصر، واستورد المينوسيون الرمان من الشرق الأدنى.
وربما مارس المينوسيون زراعة متعددة، ونتج عن نظامهم الغذائي المتنوع زيادة في عدد السكان، وتحافظ الزراعة المتعددة نظريا على خصوبة التربة وتحمي من الخسائر الناجمة عن فشل المحاصيل. وتشير أقراص النظام الخطي ب إلى أهمية البساتين (التي يغرس فيها التين والزيتون والعنب) في تجهيز المحاصيل من أجل "المنتجات الثانوية". ويمكن مقارنة زيت الزيتون في المطبخ الكريتي أو المتوسطي بالزبدة في المطبخ الأوروبي الشمالي، وربما كانت عملية تخمير النبيذ من العنب عاملا إضافيا في اقتصاديات "القصور المينوسية"؛ فقد كان النبيذ سلعة تجارية ومنتوجا للاستهلاك المحلي أيضا، واستخدم المزارعون المحاريث الخشبية التي كانت تربط عبر الجلد إلى مقابض خشبية وتسحبها أزواج من الحمير أو الثيران.
"ريتون" ثور من "كنوسوس". |
وكانت المأكولات البحرية مهمة أيضا في المطبخ الكريتي المينوسي، ويشير انتشار الرخويات الصالحة للأكل في المواقع الأثرية والتمثيلات الفنية للأسماك والحيوانات البحرية (بما في ذلك جرة الركاب المميزة) إلى تقدير قيمة الأسماك واستخدامها من حين لآخر في الاقتصاد المينوسي. ومع ذلك، يعتقد العلماء أن هذه الموارد لم تكن ذات أهمية مثل الحبوب والزيتون والمنتجات الحيوانية. لقد كان الصيد أحد الأنشطة الرئيسية ولكن لا يوجد حتى الآن أي دليل على الطريقة التي نظم بها المينوسيون صيدهم، ويستدل على تكثيف النشاط الزراعي ببناء المدرجات والسدود في "بسييرا" في الفترة المينوسية المتأخرة.
وشمل المطبخ الكريتي في تلك الحقبة أيضا المأكولات الوحشية من قبيل الغزلان والخنازير البرية، وقد انقرضت هذه الحيوانات البرية من "كريت" في وقتنا الحاضر، وهناك مسألة مثيرة للجدل في هذا الخصوص وهي استخدام المينوسيين للحيوانات الكريتية الضخمة التي يعتقد أنها كانت قد انقرضت في وقت سابق من تلك الحقبة في 10.000 ق.م تقريبا، وهو نفس الجدل الذي رافق حضور الفيلة القزمة المنقرضة في الفن المصري لذلك الوقت.
ولم تكن جميع النباتات والأزهار ذات وظائف بحتة في المجتمع المينوسي، وتصور فنون ذلك العصر مشاهد جمع الزئبق في المساحات الخضراء، كما تصور اللوحة الجدارية المعروفة باسم "البستان المقدس في كنوسوس" نساء متجهات يسارا والأشجار تحيطهن، وقد اقترح بعض العلماء أن اللوحة تصور احتفالا أو احتفال حصاد لتكريم خصوبة التربة، وتظهر أيضا الرسوم الفنية لمشاهد الزراعة في الفترة القصرية الثانية حيث يصَور 27 رجلا يحملون معاول، وهذا يدل على أهمية الزراعة كحافز فني.
وفي القصر الثاني في "فايستوس" تم تحديد الغرف على الجانب الغربي من المبنى كمنطقة تخزين، مما يشير إلى الدور المحتمل للمجمع كمركز لإعادة توزيع المنتجات الزراعية، وهناك دليل على التخصص الحرفي ـ ورش العمل ـ ويشير قصر "كاتو زاكرو" إلى أن ورش العمل تم دمجها في هيكل القصر، وربما تطور نظام القصور المينوسية من خلال التكثيف الاقتصادي، حيث أمكن للفائض الزراعي دعم عدد من المدراء والحرفيين والممارسين الدينيين، ويشير عدد غرف النوم في القصور إلى أنه كان في وسعها دعم عدد أكبر من السكان.
وكانت الأدوات المصنوعة في الأصل من الخشب أو العظام مرتبطة بمقابض ذات أشرطة جلدية، وخلال العصر البرونزي كانت مصنوعة من البرونز مع مقابض خشبية، ونظرا لثقوبها المستديرة فإن رأس الأداة كانت تدور على المقبض، وطور المينوسيون ثقوبا بيضاوية الشكل في أدواتهم لتناسب المقابض بيضاوية الشكل، وشملت الأدوات اللدائن المزدوجة والفؤوس المزدوجة والشفرات والفؤوس والمناجل والأزاميل.
موكب للنساء المينوسيات وتوضح الصورة الملابس فئتين مختلفتين. |
وبما أن الكتابة المينوسية ـ النظام الخطي أ ـ لم يتم فك شيفرتها بعد، فإن جميع المعلومات المتاحة تقريبا عن النساء المينوسيات استمدت من الأشكال الفنية المختلفة، والأهم من ذلك، تم تصوير النساء في اللوحات الفنية الجدارية في جوانب مختلفة من المجتمع مثل تربية الأطفال والمشاركات الطقوسية والعبادات.
ومن الناحية الفنية، تم تصوير النساء بشكل مختلف تماما مقارنة بالرجال، فقد مثل الرجال ببشرة داكنة بينما مثلت النساء ببشرة فاتحة، وتصور اللوحات الجدارية أيضا ثلاثة مستويات من الطبقات النسوية: النخبة؛ ونساء الجماهير؛ والخدم، كما تم تضمين فئة رابعة أصغر من النساء في بعض اللوحات، وهي النساء المشاركات في مهام دينية مقدسة. ولا يأتي الدليل على هذه الفئات المختلفة من النساء من اللوحات الجدارية فحسب، بل من أقراص النظام الخطي ب أيضا. وتم تصوير نساء النخبة داخل اللوحات على أن لهن مكانة ماثلت ضعف مكانة النساء في الطبقات الدنيا، ومن الناحية الفنية كانت هذه طريقة للتأكيد على الاختلاف المهم بين نساء النخبة الثرية وبقية السكان الإناث داخل المجتمع.
وتم تصوير النساء داخل اللوحات أيضا كمربيات للأطفال، ولكن القليل من اللوحات الجدارية صورت النساء الحوامل، ومعظم العروض الفنية للنساء الحوامل هي في شكل أواني منحوتة مع قاعدة مستديرة من الأواني التي تمثل البطن الحامل. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد أشكال فنية مينوسية تصور النساء أثناء الولادة أو الرضاعة، وأدى الافتقار إلى مثل هذه الأعمال بالمؤرخين إلى الاعتقاد بأن المجتمع المينوسي كان يعتبر هذه الأعمال مقدسة أو غير مناسبة، وبما أن القطع الفنية العامة مثل اللوحات الجدارية والأواني لا توضح هذه الأعمال، يمكن افتراض أن هذا الجزء من حياة المرأة قد تم الحفاظ عليه بشكل خاص داخل المجتمع ككل.
ولم تكن الولادة مجرد موضوع خاص داخل المجتمع المينوسي فحسب، بل كانت عملية خطيرة أيضا، فقد وجدت المصادر الأثرية العديد من عظام النساء الحوامل، وتم تحديد حملها عن طريق عظام الجنين داخل هيكلها العظمي في منطقة البطن، وهو دليل قوي على أن الوفاة أثناء الحمل والولادة كانت سمات مشتركة داخل المجتمع. وتوضح المزيد من الأدلة الأثرية إشارات قوية على وفاة النساء بسبب الإرضاع أيضا، ويعزى ذلك إلى الكم الهائل من التغذية والدهون التي كانت تفقدها النساء بسبب الرضاعة والتي لم يكن في مقدورهن استرجاعها مجددا.
وكما هو مذكور أعلاه، كانت رعاية الأطفال وظيفة مركزية للنساء داخل المجتمع المينوسي، ولا يمكن العثور على دليل ذلك في الأشكال الفنية فحسب، بل أيضا داخل النظام الخطي ب الموجود في المجتمعات الموكيانية، وتصف بعض هذه المصادر ممارسات رعاية الأطفال الشائعة داخل المجتمع المينوسي والتي تساعد المؤرخين على فهم المجتمع المينوسي بشكل أفضل ودور النساء في هذه المجتمعات.
وتم تحديد الأدوار الأخرى للنساء خارج الأسرة في واجبات المرأة في جمع الطعام وإعداده ورعاية الأسرة. بالإضافة إلى ذلك، أوجد تمثيل النساء في العالم الحرفي كنساء حرفيات في السيراميك والنسيج.
ومع تقدم النساء في السن، أمكن افتراض أن وظائفهن في الاعتناء بالأطفال كانت تنتهي وتنتقل إلى أولوية أكبر نحو إدارة الأسرة والتوجيه الوظيفي وتعليم النساء الأصغر سنا الوظائف التي ينبغي أن ينخرطن فيها.
امرأتان من النخبة المينوسية. |
ويسجل الفستان المينوسي بوضوح أيضا الفرق بين الرجال والنساء، فغالبا ما تم تصوير الرجال المينوسيين يرتدون ملابس قصيرة بينما تغطي أجساد النساء ملابس أطول، وتوضح الفنون الجدارية كيف تطورت ملابس النساء لتصبح أكثر تفصيلا طوال الحقبة المينوسية. وطوال فترة تطور ملابس النساء تم التركيز بقوة على الخصائص الجنسية للمرأة، وخاصة الثديين، وقد أكدت ملابس النساء طوال الفترة المينوسية على الثديين من خلال كشف انقسامهما أو حتى كشف الثديين بالكامل، وبالمثل، بالنسبة للبدلات الحديثة التي تواصل النساء ارتداءها اليوم، تم تصوير النساء المينوسيات بخصور نحيفة، مما يعني أنه كان يتم تضييق خصر المرأة بحزام طويل أو صدار الدانتيل، وكان الرجال بدورهم يرتدون مثل هذه الإكسسوارات.
وتم العثور على العديد من الوثائق المكتوبة بالنظام الخطي ب داخل المجتمع المينوسي وطوال الحقبة المينوسية الغاية منها توثيق العائلات المينوسية، ومن المثير للاهتمام أنه لم يكن الأزواج والأطفال يدرجون معا في قسم واحد، فقد كان يدرج الآباء مع أبنائهم بينما تدرج الأمهات مع بناتهن في قسم مختلف تماما بصرف النظر عن الرجال الذين يعيشون في نفس الأسرة، وهذا يدل على الفجوة الكبيرة التي كانت موجودة بين الجنسين في جميع جوانب المجتمع.
لقد كان المجتمع المينوسي مجتمعا منقسما للغاية بين الجنسين، فقد فصل الرجال عن النساء في الملابس والرسوم الفنية والواجبات المجتمعية، ومع ذلك، فإن الدراسات العلمية حول النساء المينوسيات ماتزال محدودة.
المرجع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق