الأربعاء، 22 أبريل 2020

سومر ـ الجزء الرابع

من المقابر الملكية في "أور" المصنوعة من اللازورد والصدف تظهر وقت السلم.

إعتمد السومريون أسلوب حياة زراعي ربما في وقت مبكر بين 5000 و 4500 ق.م، وأظهرت المنطقة عددا من التقنيات الزراعية الأساسية، بما في ذلك الري المنظم والزراعة المنظمة على نطاق واسع للأراضي، والزراعة الأحادية التي تنطوي على استخدام الزراعة المحراثية، واستخدام القوة العاملة الزراعية المتخصصة تحت السيطرة البيروقراطية. وأدت ضرورة إدارة حسابات المعبد مع هذه المنظومة إلى تطوير الكتابة حوالي 3500 ق.م. 

وتشير الرسوم التوضيحية البدائية من أوائل فترة "أوروك" السومرية إلى أن الأغنام والماعز والأبقار والخنازير قد تم تدجينها، واستخدم السومريون الثيران كوسائل أساسية للحمل والحمير أو الخيول كحيوانات رئيسية للنقل، كما استخدموا أصواف هذه الحيوانات وأوبارها لصناعة الملابس والبسط، وكان السومريون يجعلون على جانب منازلهم حدائق مغلقة مزروعة بالأشجار والنباتات الأخرى، وزرعوا القمح وربما الحبوب الأخرى في الحقول، واستخدموا الشادوف لأغراض الري وزرعوا النباتات في الأواني والمزهريات. 
حساب حصص الشعير الصادرة شهريا للبالغين والأطفال المكتوبة بالخط المسماري على لوح طيني مكتوب في العام الرابع للملك "أوركاجينا" حوالي 2350 ق.م.

وكان السومريون من أوائل المجتمعات البشرية التي عرف عنها شرب الجعة، وكانت الحبوب ـ التي اعتبرت العنصر الأساسي في الشراب المبكر ـ وفيرة، وقام السومريون بتخمير أنواع متعددة من الجعة تتكون من القمح والشعير والحبوب المختلطة، وكان تخمير الجعة مهما جدا للسومريين، وتمت الإشارة إلى هذه العملية في ملحمة "جلجامش" عندما تم تقديم طعام وجعة شعب "جلجامش" "لإنكيدو" وقيل له: "اشرب الجعة، كما هي عادة الأرض... وشرب جعة السبعة أباريق ! وأصبح ممتدا وغنى من الفرح !". 

ومارس السومريون تقنيات ري مماثلة لتلك المستخدمة في مصر، ويقول عالم الأنثربولوجيا الأمريكي "روبرت ماكورميك آدامز" إن تطوير الري كان مرتبطا بالتحضر وأن 89 % من السومريين عاشوا في المدن. 

وزرع السومريون الشعير والحمص والعدس والقمح والتمر والبصل والثوم والخس والكراث والخردل، وكانوا يصطادون الأسماك ويقنصون الطيور والغزلان. 

وتعتمد الزراعة السومرية بشكل كبير على الري، وكان يتم الري بواسطة الشادوف والقنوات والسدود والأغوار والخزانات، وأدت الفيضانات العنيفة المتكررة في نهر دجلة وأقل منها في نهر الفرات إلى الإصلاح المتكرر للقنوات وإزالة الطمي باستمرار واستبدال علامات المسح وحجارة الحدود باستمرار كذلك، وكانت الحكومات السومرية تطلب من الأفراد العمل على القنوات في مجموعات وقد كان الأغنياء قادرين على إعفاء أنفسهم من ذلك. 

وكما هو معروف من "التقويم السومري للمزارعين" كان المزارعون بعد موسم الفيضانات والاعتدال الربيعي و "الأكيتو" أو مهرجان السنة الجديدة يغمرون حقولهم بواسطة القنوات ثم يصرفون المياه، وبعد ذلك يجعلون الثيران تطأ الأرض وتقتل الأعشاب الضارة، ثم يجرفون الحقول بفؤوسهم، وبعد التجفيف يقومون بحرث الأرض وسحب تربتها وجرفها ثلاث مرات وشقها بالمعاول قبل زراعة البذور. ولسوء الحظ، أدى ارتفاع مستوى التبخر إلى زيادة تدريجية في ملوحة الحقول، وبحلول فترة "أور الثالثة" تحول المزارعون من القمح إلى الشعير الأكثر تحملا للملح وجعلوه محصولهم الرئيسي. 

وكان السومريون يحصدون خلال الربيع في فرق مكونة من ثلاثة أشخاص تتألف من حاصد وجامع ومعالج الحُزم، واستخدم المزارعون عربات الدرس مدفوعة بالثيران لفصل رؤوس الحبوب عن سيقانها ثم استخدموا زلاجات الدرس لفصل الحبوب ثم كانوا يقومون بغربلة خليط الحبوب والقشور. 
خنجر ذهبي من مقبرة ملكية في "أور".

لقد كان السومريون مبدعين عظماء، ولا شيء يثبت ذلك أكثر من فنهم، فالقطع الأثرية السومرية تظهر تفاصيلا وزخرفات رائعة مع أحجار شبه كريمة دقيقة مستوردة من أراضي أخرى؛ مثل اللازورد والرخام والديوريت والمعادن الثمينة كالذهب المطروق المدرج في التصاميم. وبما أن الحجر كان نادرا فقد تم استخدامه حصرا للنحت، وكانت المادة الأكثر انتشارا في "سومر" هي الطين، ونتيجة لذلك فإن العديد من المواد السومرية صنعت من الطين، وتم استخدام المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس والبرونز بالإضافة إلى الأصداف والأحجار الكريمة للحصول على أفضل المنحوتات والترصيعات، وتم استخدام الأحجار الصغيرة من جميع الأنواع، بما فيها الأحجار الكريمة كاللازورد والمرمر وصخور السربنتين في أختام الأسطوانات. 

وتعد قيثارات "أور" بعضا من روائع التحف الفنية والتي تعتبر أقدم الآلات الوترية في العالم، وتم اكتشافها من قبل "ليونارد وولي" عندما تم التنقيب عن المقبرة الملكية في "أور" بين عامي 1922 و 1934. 
ختم الأسطوانة والانطباع الذي يظهر فيه مشهد طقوسي أمام واجهة المعبد، 3100-3500 ق.م، متحف "الميتروبوليتان" للفنون، نيويورك.
كبش في دغل: 2400-2600 ق.م، الذهب والنحاس والصدف واللازورد والحجر الجيري، من المقبرة الملكية في "اور"، (محافظة ذي قار، العراق)، المتحف البريطاني، لندن.
لوحة الحرب والسلم السومرية: 2400-2600 ق.م، الحجر الجيري الأحمر واللازورد على الخشب، من المقبرة الملكية في "أور"، المتحف البريطاني، لندن.
زخرفة رأس الثور من قيثارة: 2350-2600 ق.م، برونز مطعم بالصدف واللازورد، متحف "المتروبوليتان" للفنون، نيويورك.

لقد افتقر سهل دجلة والفرات إلى المعادن والأشجار، وصنعت الهياكل السومرية من الطين المحدب المستوي غير المثبت بالملاط أو الإسمنت. وكانت مباني الطوب الطيني تتدهور في نهاية المطاف، لذلك كان يتم تدميرها وتسويتها بشكل دوري أو إعادة بنائها في نفس المكان، وأدى إعادة البناء المستمرة هذه إلى رفع مستوى المدن تدريجيا، مما أدى إلى ارتفاعها فوق السهل المحيط، وتم العثور على التلال الناشئة المعروفة بالتلال الأثرية في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم. 
زقورة "أور" الكبرى (محافظة ذي قار، العراق)، بنيت خلال فترة أسرة "أور" الثالثة (عصر النهضة السومرية)، وكرست الزقورة لإله القمر "نانا".

ووفقا "لآرتشيبالد سايس" تشير الصور التوضيحية البدائية للعصر السومري المبكر ـ أي "أوروك" ـ إلى أن "الحجر كان نادرا" ولكن تم تقطيعه فعلا إلى كتل وأختام، وكان الطوب مادة البناء العادية في المدن والحصون والمعابد والمنازل، وكان يتم تجهيز المدينة بأبراج تنتصب على منصات صناعية، كما كان للمنازل مظهر يشبه الأبراج، وتم تزويردها بأبواب تدور بمفاصل يمكن فتحها بنوع من المفاتيح، وكانت بوابة المدينة على مقاييس واسعة ومزدوجة، وقد تم وضع حجارة الأساس ـ أو الطوب بالأحرى ـ أسفلها. 

وأكثر المباني السومرية إثارة للإعجاب والشهرة هي الزقورات، وهي منصات كبيرة الطبقات تدعم المعابد، كما تصور أختام الأسطوانات السومرية منازل بنيت من القصب لا تختلف عن تلك التي بناها عرب الأهوار في جنوب العراق حتى عام 400 م، وطور السومريون الأقواس أيضا، مما مكنهم من تطوير نوع قوي من القباب، وقاموا ببنائها عن طريق إنشاء وربط العديد من الأقواس، واستخدمت المعابد والقصور السومرية مواد وتقنيات أكثر تقدما، مثل الدعامات والتجاويف وأنصاف الأعمدة ومسامير الطين. 

وقد طور السومريون نظاما معقدا للقياس حوالي 4000 ق.م، وأدت هذه المقاييس المتقدمة إلى إنشاء علوم الحساب والهندسة والجبر، ومنذ 2600 ق.م تقريبا فصاعدا، كتب السومريون جداول الضرب على ألواح الطين وتعاملوا مع التمارين الهندسية ومشكلات القسمة، وتعود أقدم آثار الأرقام البابلية أيضا إلى هذه الفترة، وشهدت الفترة بين 2700 و 2300 ق.م أول ظهور للمعداد وجداول من الأعمدة المتتالية التي حددت الترتيب المتعاقب لنظام الأعداد الستيني. لقد كان السومريون أول من استخدم نظاما رقميا، وهناك أيضا أدلة قصصية على أن السومريين ربما استخدموا نوعا من المساطر الحاسبة في الحسابات الفلكية، وكانوا أول من أوجد مساحة المثلث وحجم المكعب. 

فاتورة بيع عبد ومبنى في "شوروباك"، لوح سومري، حوالي 2600 ق.م.

وتشير اكتشافات السبج (حجر كريم) في مواقع بعيدة في الأناضول واللازورد من "بدخشان" شمال شرق أفغانستان والخرز من دلمون (البحرين الحديثة) والعديد من الأختام المنقوشة بخط وادي السند إلى شبكة واسعة النطاق من التجارة القديمة تتمحور حول الخليج الفارسي. وعلى سبيل المثال، جاءت الواردات إلى "أور" من أجزاء كثيرة من العالم، وعلى وجه الخصوص المعادن من جميع الأنواع. 

وتذكر "ملحمة جلجامش" التجارة مع الأراضي البعيدة من أجل السلع والأخشاب التي كانت شحيحة في بلاد ما بين النهرين، وعلى وجه الخصوص أرز لبنان، ويشير اكتشاف الراتنج في قبر الملكة "بوابي" في "أور" الذي تم تأمينه من أماكن بعيدة مثل "موزمبيق". 

واستخدم السومريون العبيد على الرغم من أنهم لم يكونوا جزءا رئيسيا من الاقتصاد، وعملت نساء العبيد كناسجات ومضغمات وطحانات وحمالات. 

وزين الخزافون السومريون الأوانى بدهانات زيت الأرز، واستخدموا مثاقيب القوس لإعداد النار اللازمة لتحميص الفخار، وعرف البناؤون والجوهريون السومريون المرمر واستخدموه إضافة إلى العاج والحديد والذهب والفضة والعقيق واللازورد.
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...