الخميس، 20 يونيو 2019

آدم قدمون

رسم بياني "لآدم قدمون" يوضح "السفيروت" (المبادئ الإلهية) من مؤلف "كريستيان غينسبورغ" عن القابالا: عقائدها، تطورها، وأدبها.


آدم قدمون (אָדָם קַדְמוֹן) "الإنسان البدائي" ويدعى كذلك "آدم [إليون]" אָדָם עֶלִיוֹן أو "آدم إيلاه" אָדָם עִילָּאָה "الإنسان الأعلى". وهو في القابالا العالم الروحاني الأول الذي ظهر بعد انحصار نور الإله اللامتناهي. و "آدم قدمون" ليس هو "آدم ها-ريشون" المادي. 


ويوصف "آدم قدمون" في "القابالا اللوريانية" بأنه "آنثروبومورفي" (أو مجسم) بالرغم من أنه طاقة نقية ونور إلهي بلا وعاء يحتويه. ويتوافق "آدم قدمون" في النفس البشرية مع "الياشيدا" أو الجوهر الجماعي للروح. 

وبالنسبة للقابالا عموما، فإنه قبل بدء الخلق لم يكن هناك سوى نور الإله اللامتناهي، وبدأ أول أطوار الخلق عندما قلص الإله نوره ليخلق الفراغ، عندئذ دخل شعاع من النور الإلهي إلى الفراغ فكان الشخص الإلهي (بارتزوفيم) "آدم قدمون" مصورا داخله، وكان أول أطوار "آدم قدمون" في شكل دوائر متراكزة (إيغوليم) انبثقت عن الشعاع، عندئذ ألبس الشكل "الأنثروبومورفي" "لآدم قدمون" بشعاع النور هذا (يوشار) فصار مملكة النور الإلهي اللامتناهي بدون وعاء وقيدت بقدرتها على خلق مستقبل الوجود. ويشار إلى "آدم قدمون" أحيانا "آدم اللاه" (الإنسان الأعلى من الآرامية) أو "آدم إليون" (الرجل الأعلى من العبرية). 

وكانت روح "آدم قدمون" (الإنسان الأول) الجوهر الأسمى للبشرية، إذ احتوت بداخلها على كل الأرواح التالية، وفي "الميدراش"، يشار إلى "آدم قدمون" أحيانا بـ "آدم هاقادموني" (الإنسان القديم)، و "آدم تتاعا" (بالآرامية الإنسان الأدنى) و "آدم تاكتون" (الإنسان الأدنى في العبرية). 

ويرمز الإسم "الأنثروبومورفي" "لآدم قدمون" إلى أنه يتضمن الغاية المطلقة لخلق البشرية وكذلك تجسيد "السافيروت" (المبادئ الإلهية)، فـ "آدم قدمون" هو "آدم" ونقيضه البدء الإلهي (قدمون). 

وسبق "آدم قدمون" ظهور العوالم الأربعة: الانبثاق (آتزيلوت)، الخلق (بريئاه)، التكوين (يتزيراه)، والحركة (آسياه)، وبينما يتم تمثيل كل واحد من هذه العوالم بحرف واحد من الإسم الإلهي للرب المكون من أربعة أحرف، فإن "آدم قدمون" يمثل بالطليعة الفائقة للحرف الأول "يود" (الياء). 

ويرمز "آدم قدمون" في نظام "السافيروت" إلى "الكيتير" (التاج) أو الإرادة الإلهية التي حفزت الخلق. 

ويصف كلا إصداري الثيوصوفية القابالية ـ الزوهارية التقليدية القروسطية المنظمة من قبل "موسى بن يعقوب كوردوفيرو" واللوريانية الأكثر شمولا ـ "إنزال العوالم" بشكل مختلف، فبالنسبة "لكوردوفيرو"، فإن "السافيروت" "آدم قدمون" والعوالم الأربعة تطوروا بالتتابع من "عين سوف" (المالانهاية الإلهية)، وبالنسبة "لإسحاق لوريا" فالخلق عملية ديناميكية "لإلباس الإلهي لتقويم الإبعاد"، بينما سبق "آدم قدمون" "الزيمزوم" ("التقلص" الإلهي) وأتبع بـ "الشافيرا" (تحطم "السافيروت"). 

ويرتبط "آدم قدمون" في "الزوهار" ارتباطا وثيقا "بآدم السماوي" حسب العقيدة "الفيلونية" (نسبة إلى "فيلو السكندري"، وينطق هنا كذلك "آدم إيلايا" و "الإنسان المرتفع" و "آدم السماوي") الذي يمكن استنباط تصوره للإنسان الأصلي من المقاطع التالية: "إن شكل الإنسان هو صورة كل شيء في الأعلى [في السماء] وفي الأسفل [على الأرض]، لذلك اختارها الأزلي المقدس [الإله] لتكون شكله الخاص". 

وكما هو الحال مع "فيلو" فإن "اللوغوس" (أول القوى الصادرة عن الإله حسب "فيلو") هو الصورة الأصلية للإنسان أو الإنسان الأصلي، لذا فإن "الزوهار" ينص على أن الإنسان السماوي (أو آدم السماوي) هو تجسيد إلهي لمظاهر "السافيروت" العشر أو الصورة الأصلية للإنسان. ويخطو "آدم السماوي" خارج الظلام الأصلي الأعلى خالقا "آدم الأرضي"، وبتعبير آخر، فنشاط الجوهر الأصلي برهن نفسه بخلق الإنسان، الذي هو في نفس الوقت صورة الإنسان السماوي والكون، وكما هو الأمر عند "أفلاطون" و "فيلو" فصورة الإنسان كـ "ميكروكوزم" تحتضن صورة الكون أو "الماكروكوزم". 

وأصبح تصور "آدم قدمون" عاملا هاما في "القابالا اللاحقة" "لإسحاق لوريا"، فلم يعد "آدم قدمون" وفقا "للوريا" المظهر المركز "للسافيروت"، لكن وسيطا بين "عين سوف" (المالانهاية) و "السافيروت"، فمظهر "العين سوف" حسب "لوريا" غامض تماما في العقيدة القابالية القديمة لذا وجب هجره، وبالتالي درس "لوريا" بأنه فقط "آدم قدمون" الذي نشأ بطريقة تحديد النفس من قبل "عين سوف"، مما يمكن معه القول بأنه أظهر نفسه في "السافيروت"، وقد عولجت نظرية "لوريا" هذه من قبل "حاييم بن يوسف فيتال" في كتابه "دراسة عن الدوائر والخط المستقيم". 

ويعود أول استعمال "للإنسان الأصلي" أو "الإنسان السماوي" إلى "فيلو السكندري" الذي ولد ـ حسب وجهة نظره ـ في صورة الإله، دون أن يكون جوهره أرضيا أو قابلا للفساد، بينما خلق "الإنسان الأرضي" من مواد تالفة هي كتل من الطين، و "الإنسان السماوي" كصورة مثالية "للوغوس" ليس ذكرا أو أنثى، لكنه ذكاء معنوي محض، بينما "الإنسان الأرضي" الذي خلق من لدن الإله لاحقا مدرك للأحاسيس ويشارك في الصفات الأرضية، ويبدو أن "فيلو" يجمع بوضوح بين الفلسفة و "الميدراش" و "أفلاطون" و "الحاخامات" خارجا عن النظرة التوراتية المكررة لآدم الذي خلق في صورة الإله، (سفر التكوين 1:27) والإنسان الأول الذي جسده الإله من الأرض (سفر التكوين 2:7)، فهو يجمع بين المذهب الأفلاطوني للأفكار آخذا "آدم البدائي" كـ "فكرة"، والإنسان المخلوق من لحم ودم كـ "صورة"، وتستند نظرة "فيلو" الفلسفية على "الميدراش" لكن العكس ليس صحيحا، ويتضح من بيانه أن "آدم السماوي οὐράνιος ἄνθρωπος (الذي هو مجرد فكرة) ليس "ذكرا أو أنثى"، وهذا المذهب على أية حال أصبح واضحا تماما في ضوء "الميدراش" القديم. 

والتناقض الملحوظ بين المقطعين المذكورين أعلاه في "سفر التكوين" لا يفلت عن انتباه "الفريسيين" هؤلاء الذين كان "الكتاب المقدس" موضوعا لدراستهم الكثيفة، وفي شرح وجهات النظر المختلفة بشأن خلق "حواء"، درس "الفريسيون" بأن آدم خلق كـ ذكر-أنثى (خنثوي) شارحين هذه العبارة זָכָ֥ר וּנְקֵבָ֖ה (ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ) من سفر التكوين (1:27) بدل "رجل وامرأة" وهذه التفرقة في الأجناس نشأت من العملية اللاحقة التي شملت جسد آدم، وارتباطا بهذا النص المقدس يمكن تفسير بيان "فيلو" بأن الإنسان الأصلي لم يكن رجلا أو امرأة. 

وهذه العقيدة المتعلقة "باللوغوس" وكذلك تلك التي أقامها الإنسان عن "التشبيه" وبالرغم من أنها مشوبة بتلوين "فيلوني" حقيقي لكنها كذلك مؤسسة على لاهوت "الفريسيين"، ويلاحظ في "الميدراش" القديمة أن: 

"من خلف ومن قدام حاصرتني وجعلت علي يدك (المزمور 139:5)، وتشرح "قبل اليوم الأول وبعد اليوم الآخر من الخلق"، لذلك يقال أن "روح الرب تحركت فوق وجه المياه، ومعناها نفس "المشيح" (["نفس آدم" في مقطع مواز] وكلا القراءتين هما نفسهما أساسا) والذي قيل بشأنه: (سفر أشعياء 11:2) ويحل عليه روح الرب". 

ويتضمن هذا نواة المذهب الفلسفي لـ "فيلو" عن خلق الإنسان الذي يدعوه فكرة الإنسان الأرضي، بينما روح آدم عند الحاخامات (רוח أو الروح المقدسة) لم توجد فقط قبل خلق آدم الأرضي، بل وجدت قبل كامل الخلق، ومن هذا الوجود المسبق لآدم أو "المشيح" إلى "اللوغوس" هو مجرد خطوة. 

وهناك بيان ثيوصوفي أساسي "للحاخام عكيفا" في التلمود مرتبط بهذا الموضوع، فيقول في "فصول الآباء" III، 14: "كم هو الإنسان مفضل، يرى أنه خلق في صورة ! وكما قيل أَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ (سفر التكوين 9:6) و "على صورته" لا تعني "صورة الإله" ولا يحتاج الأمر دليلا، ففي أي لغة يمكن استبدال "صورة" بـ "صورة الإله"، والأصحاح المقتبس ليس هو الإصحاح 1:27 من سفر التكوين حيث أن خلق الإنسان على صورة الإله هو الحالة الأولى، فالإصحاح 9:6 يتناول خلق الإنسان على نحو ثانوي". وفي الواقع لا يتحدث "عكيفا" عن الصورة فقط (צֶ֣לֶם) التي خلق وفقها الإنسان لكن كذلك عن الشبه، و"عكيفا" الذي ينكر أي تشابه بين الإله والكائنات الأخرى يدرس أن الإنسان خلق على صورة هي نموذج أصلي أو مثال أعلى، ويفسر الإصحاح 9:6 من سفر التكوين "... لأن الله على صورته عمل الانسان" على نحو محتمل في الإصحاح 1:27 "فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا و أنثى خلقهم"، وحسب "عكيفا" خلق آدم على صورة نمط خلقه الإله. 

وبالعروج على صورة "آدم قدمون" في الفلسفة اليونانية نجد أنه في أواخر القرن الأول قبل الميلاد كتب "آريوس ديديموس" في كتابه "آراء أفلاطون": 

"الأفكار هي أنماط معينة مرتبة حسب صنف الأشياء التي هي بطبيعتها معقولة، وأن هذه هي مصادر العلوم والتعريفات المختلفة، لأنه إلى جانب كل الأشخاص المنفردين هناك مفهوم معين للإنسان... غير مخلوق وخالد. 

وبنفس الطريقة التي يتم بها صنع عدة طبعات بختم واحد، وعدة صور لإنسان واحد، لذا من كل فكرة واحدة للأشياء ذات معنى يتم تشكيل العديد من الطبائع الفردية، من فكرة الإنسان كل الناس، وبنفس الطريقة في حالة كل الأشياء الأخرى في الطبيعة. 

كما أن الفكرة هي جوهر خالد، وقضية، ومبدأ، مما يجعل كل شيء ليكون من شكل مثل ذاك الذي يخصه". 

أما بالنسبة للمسيحية، فإن "بولس الطرسوسي" بوصفه تلميذا "لجمالائيل"، يتعامل ببساطة مع مفاهيم مألوفة لدى اللاهوتيين الفلسطينيين، فـ "الماشيح" كما تصرح "الميدراش" هو من جهة، آدم الأول، الإنسان الأصلي الذي كان موجودا قبل الخلق، وروحه موجودة بالفعل، ومن ناحية أخرى، هو أيضا آدم الثاني في ظهوره الجسدي الذي تلا الخلق، وبقدر ما، تبعا للجسد، فـ "المشيح" هو من أجيال "آدم". 

فإذا كان الإنسان الأصلي وفقا "لفيلو" فكرة، فإنها تبعا "لبولس" "لوغوس" سابق للوجود، يتجسد في الإنسان "يسوع المسيح"، وإذا كان الإنسان الأول وفقا "لفيلو" هو الإنسان الأصلي، فإن "بولس" يحدد الإنسان الأصلي مع آدم الثاني، ويتضح هنا أن هذا الرسول المسيحي اعتمد على اللاهوت الفلسطيني في أيامه، ولكن لا يمكن أن ننكر أنه في الأزمنة القديمة كان هذا اللاهوت مدينا للسكندريين بكثير من أفكاره، وربما كان من بين هذه الأفكار فكرة ما قبل الوجود. وبالتالي فإن "الميدراش" يوفر الطفرة المناسبة في اتجاه النظريات الغنوصية عن الإنسان الأول. 

وقد قيل أن "الميدراش" يتحدث فعلا عن روح (πνεῦμα) آدم الأول أو "المسيا" دون تحديد مطلق "لآدم" و "المسيا" (الماشيح) على الإطلاق، وهذا التحديد لا يمكن أن يتم إلا من قبل الأشخاص الذين يعتبرون فقط روح النص المقدس وليس الحرف الملزم، وفي مثل هذه الأوساط انتظمت "المواعظ والاعترافات الكليمنتية"، حيث تعتبر عقيدة الإنسان الأصلي (الذي يسمى أيضا في كتابات "كليمنت" "النبي الحقيقي") ذات أهمية قصوى، ويبقى من الأكيد تماما أن هذه العقيدة ذات أصل يهودي-مسيحي، ويبدو أن هوية "آدم" و "يسوع" قد تم تلقينها في الشكل الأصلي للكتابات الكليمنتية، حيث تؤكد "المواعظ" بوضوح: 

"إذا كان أحد ما لا يسمح للإنسان الذي صاغته أيدي الرب أن يحصل على روح المسيح المقدسة، أفليس مدانا بأكبر قدر من المعصية بالسماح لشخص آخر، مولود من أصل غير نقي، أن يحصل على هذه الروح؟ لكنه كان ليتصرف بتقوى أكبر إذا سمح لنفسه بأن يقول أنه هو وحده الذي قد قام بتغيير شكله واسمه منذ بداية العالم، وهكذا ظهر مرارا وتكرارا حتى وصل إلى عصره... سوف يتمتع بالراحة إلى الأبد". 

وتكمن "الاعترافات" أيضا في التأكيد على هوية "آدم" و "يسوع"، لأنه في المقطع الذي يتم فيه التلميح بشكل غامض إلى أن "آدم" قد دهن بالزيت الأبدي، فإن المعنى يمكن أن يكون فقط أن آدم هو الممسوح (מָשִׁיחַ)، وإذا كانت هناك فقرات أخرى في "الاعترافات" تبدو متناقضة مع هذا التعريف، فإنها لا تؤدي إلا إلى إظهار مدى تذبذب العمل في الإشارة إلى عقيدة الإنسان الأصلي، ويتم التعبير عن هذا المفهوم بالصيغة "الفيلونية" و "الأفلاطونية" حيث يتم الإعلان أن "الأنواع الداخلية" (ἰδέα) كان لها وجود مسبق، فالإنسان الأصلي عند "الكليمنتيين" هو ببساطة نتاج ثلاثة عناصر، هي اللاهوت اليهودي والفلسفة الأفلاطونية-الفيلونية والثيوصوفيا الشرقية، وهذه الحقيقة تفسر غموض تعبيرهم حول الموضوع. 

وفي علاقة وثيقة بكتابات "كليمنت" يقف مترجم الكتاب المقدس "سيماخوس" والطائفة اليهودية-المسيحية التي ينتمي إليها، وتدرس الطائفة اليهودية-المسيحية "الكسائية" أيضا (حوالي 100 ميلادية) بأن المسيح ظهر على الأرض مغيرا شكل الإنسان، وأنه سوف يعود إلى الظهور، ومن خلال "تغيير شكل الإنسان" هذا تفهم تمظهرات آدم و "البطاركة" التي أشير إليها من قبل "إبيفانيوس السلاميسي"، حيث أن الطوائف اليهودية-المسيحية من "سامبسيين" و "أوسينيين" و "ناصريين" و "إبيونيين" اعتمدوا المذهب "الكسائي" الذي يقضي بأن "آدم" و "يسوع" متطابقان. 

وكان "الإنسان الأولي" عند "الكسائيين" أيضا ـ وفقا لمفهوم هؤلاء الغنوصيين اليهود حول الأبعاد الضخمة ـ يبلغ ستة وتسعين ميلا في الطول وأربعة وتسعين ميلا في العرض وكان في الأصل خنثويا ـ لا ذكر ولا أنثى ـ ثم انشق إلى اثنين: الجزء الذكوري الذي صار المسيح والجزء الأنثوي الذي صار الروح القدس. 

ويحتل الإنسان البدائي (بروتانثروبوس، آدم) مكانا بارزا في العديد من الأنظمة الغنوصية، ووفقا "لإرينيئوس" فإن "أيون أوتوجينيس" يبعث "آنثروبوس" الحقيقي والكامل، ويسمى أيضا "آداماس"، ويحصل هذا الأخير على مساعدة "المعرفة الكاملة"، ويتلقى قوة لا تقاوم، بحيث تستريح كل الأشياء فيه. ويقول آخرون أن هناك نور مبارك ولانهائي وغير قابل للفساد في سلطة "بيثوس"؛ هذا هو أب كل الأشياء التي استحضرها في صورة الإنسان الأول، الذي يبعث "ابن الإنسان" أو "أوتيرانثروبوس" مع "الإنويا" خاصته. 

ووفقا "لفالانتينوس" خلق آدم باسم "آنثروبوس" ويقضي على الشياطين من خلال الخوف من الإنسان السابق الوجود (tou proontos anthropou). وهكذا في الاقتران الفالنتيني وفي النظام المارقياني نحن نلتقي في المكان الرابع (الثالث في الأصل) "آنثروبوس" و "الإكليسيا" (الكنيسة). 

وفي مؤلف "البيستيس صوفيا" يطلق على "الأيون جو" الإنسان الأول (الرجل الأول)، إنه مراقب النور، ورسول الوصية الأولى، ويشكل قوى "هيمارمين"، وفي "أسفار جو" فـ "هذا الإنسان العظيم" هو ملك كنز النور، وهو يتربع على عرش كل الأشياء وهو هدف كل النفوس. 

وحسب "النحشيين"، فإن "بروتانثروبوس" هو العنصر الأول؛ الوجود الأساسي قبل تفرقه داخل الأفراد. و "ابن الإنسان" هو نفس الوجود بعد تفرعه في الأشياء الموجودة، وبالتالي فقد غرق داخل المادة. 

لذلك "فالأنثروبوس" الغنوصي، أو "آداماس"، كما يطلق عليه أحيانا، هو عنصر كوني، عقل نقي متميز عن المادة، عقل مصور أقنوميا كانبثاق من الإله ولم يعتم بعد بالاتصال مع المادة. ويعتبر هذا العقل سببا للإنسانية، أو الإنسانية نفسها، كفكرة مشخصة، فئة دون تجسيم، السبب الإنساني الذي يصور كروح للعالم، ونفس الفكرة معدلة نوعا ما تصاغ في الأدب الهرمسي وخاصة في فصل "بويماندريس" من "الكتابات الهرمسية". 

وقد تلقى "ماني" جزءا من هذه التعاليم الغنوصية أو ما احتفظ به من آباء الكنيسة عن طريق "تريبينثوس" أو "بوذا" خلال زمن الرسل، حيث قرن بين المثيولوجيا الفارسية والميثيولوجيا البابلية القديمة فكانت "لماني" عقيدته الخاصة حول الإنسان الأصلي، وقد احتفظ بالتسميات اليهودية الأصلية "إينسان كديم" אדם קדמון و "إيبليس كديم" נחש קדמון كما يمكن أن ينظر إليها في "الفهرست"، لكن وفقا "لماني"، فإن الإنسان الأصلي متميز بشكل أساسي عن الأب الأول للجنس البشري، هو تكوين لملك النور، وقد وهب بالتالي خمسة عناصر لمملكة النور، في حين أن آدم مدين حقا بوجوده لمملكة الظلام، وهو فقط يهرب من الانتماء إلى عدد من الشياطين عبر حقيقة شبهه بالإنسان الأصلي بخصوص عناصر النور المضمومة فيه. ويظهر المذهب الغنوصي لهوية "آدم" كإنسان أصلي مع "المشيح" في تعاليم "ماني" عن "المسيح المخلص" الذي له مسكن في الشمس والقمر، لكنه متطابق مع الإنسان الأصلي، هذا التأثير الغنوصي يظهر أيضا في النظرية المانوية التي تقول أن "آدم" كان الأول في سلسلة سبعة أضعاف من الأنبياء الحقيقيين تضم "آدم" و "شيث" و "نوح" و "إبراهيم" و "زرادشت" و "بوذا" و "يسوع". وكانت همزة الوصل بين الإنسان الأصلي الغنوصي والإنسان الأصلي المانوي هي المفهوم المندائي الأقدم الذي مارس تأثيرا كبيرا ربما على هذا المفهوم، ومع ذلك، بقي تعبير "جبرا كدمايا" (آدم قدمون) حاضرا في الكتابات المندائية اللاحقة. 

وبعيدا عن السياق "الإبراهيمي" فإن "الإنسان الكوني" أيضا هو شكل ذو نمط بدائي يظهر في أساطير الخلق داخل توليفة واسعة من الثقافات، ويوصف بوجه عام بأنه يمنح الحياة لكل الأشياء، وهو في كثير من الأحيان القاعدة المادية للعالم لدرجة أنه بعد الموت تصبح أجزاء من جسمه أجزاء مادية من الكون، إنه يمثل أيضا وحدانية الوجود البشري أو الكون. 

وعلى سبيل المثال، في "البوروشا سوكتا" من "الريجفدا" فإن "البوروشا" (بالسنسكريتية الإنسان أو الإنسان الكوني) يضحى به من قبل "الديفات" من مؤسسة العالم، فعقله هو القمر، وعيناه هما الشمس، وأنفاسه هي الرياح، ويوصف بأنه يحمل ألف رأس وألف قدم. 

وهناك تقليد وحيد في الثقافة الشعبية يربط "آدم قدمون" أو "آدم التوراتي" بشخصية "قدموس" في المثيولوجيا اليونانية وهو أن كلاهما يرتبطان بالتنانين أو الثعابين. 

كذلك فكومك "مارفل" بعنوان "الخلود" استعمل الإسم المستعار "آدم قدمون" وهو يجسد في هذا الكومكس كل الوجود طول الوقت لعالم "مارفل". 
المرجع:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...