الثلاثاء، 21 أبريل 2020

الحضارة المينوسية ـ الجزء الأول



كانت الحضارة المينوسية حضارة إيجية من العصر البرونزي على جزيرة كريت وباقي الجزر الإيجية، ازدهرت بين 2700 ق.م تقريبا و 1450 ق.م وانتهت أخيرا حوالي 1100 ق.م. وتمثل الحضارة المينوسية أول حضارة متقدمة في أوروبا، وخلفت وراءها مجمعات بناء ضخمة وأعمالا فنية مذهلة وأنظمة كتابة إضافة إلى شبكة تجارية كبيرة. وقد أعيد اكتشاف هذه الحضارة في بداية القرن العشرين من خلال أعمال عالم الآثار البريطاني السير "آرثر إيفانز". وقد اشتق لفظ "مينوسية" من إسم الملك الأسطوري "مينوس"، وصاغه "إيفانز" الذي حدد الموقع في "كنوسوس" عبر قصر التيه والمينوتور. ووصفت الحضارة المينوسية بأنها الأقدم من نوعها في أوروبا، ووصف المؤرخ "ويل دورانت" المينوسيين بأنهم "الحلقة الأولى في السلسلة الأوروبية". 

واشتهرت الحضارة المينوسية بشكل خاص بقصورها الكبيرة والمفصلة التي وصل ارتفاعها إلى أربعة طوابق، والتي تميزت بأنظمة سباكة متقنة وزينات من اللوحات الجدارية. ويعتبر أبرز قصر مينوسي هو قصر "كنوسوس"، ويليه قصر "فايستوس". وشهدت الحقبة المينوسية تجارة واسعة النطاق بين مستوطنات كريت وبحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى خصوصا، ومن خلال التجار والفنانين، وصل التأثير الثقافي للمينوسيين إلى ما وراء جزيرة كريت في "سكيلادس" والمملكة القديمة في مصر وقبرص وكنعان والمشرق وساحل الأناضول. وتم حفظ بعض أفضل الفنون المينوسية في مدينة "أكروتيري" على جزيرة "سانتوريني" التي دمرها ثوران "مينون" البركاني. 

كتب المينوسيون في المقام الأول بالنظام الخطي أ غير المفكك وأيضا بالهيروغليفية الكريتية غير المفككة، وتم ترميز اللغة المينوسية افتراضيا، وتبقى أسباب التراجع البطيء للحضارة المينوسية منذ حوالي 1550 ق.م غير واضحة، ومن بين النظريات الموضوعة في هذا الشأن الغزوات الموكيانية من البر الرئيسي لليونان علاوة على الثوران البركاني في "سانتوريني". 

وهكذا، وعلى المستوى الإيتيمولوجي، يشير مصطلح "مينوسي" إلى "مينوس" الملك الأسطوري "لكنوسوس"، وعادة ما تنسب هذه التسمية إلى عالم الآثار "آرثر إيفانز" (1851-1941). وارتبط "مينوس" في الميثولوجيا الإغريقية بالمتاهة أو قصر المتاهة. 
تصوير جصي لثور يقفز عثر عليه في "كنوسوس".

ومع ذلك، كان "كارل هويك" قد استخدم بالفعل العنوان "Das Minoische Kreta" (كريت المينوسية) في عام 1825 للمجلد الثاني من كتابه "كريت"، ويبدو أن هذا هو أول استخدام معروف لكلمة "مينوسي" لتعني "كريت القديمة". 

وربما قرأ "إيفانز" كتاب "هويك" واستمر في استخدام المصطلح في كتاباته واستنتاجاته، وقال "إيفانز" في هذا الصدد: "لقد اقترحت لهذه الحضارة المبكرة لكريت ـ ككل ـ تطبيق إسم "مينوسي"، وقد تم تبني هذا الاقتراح بشكل عام من قبل علماء الآثار في هذا البلد وباقي البلدان". ومن هنا يتبين أن "إيفانز" قام بتطبيق الإسم وليس ابتكاره. 

وكان "هويك"، مع انعدام الفكرة عن وجود جزيرة "كريت" الأثرية، قد أخذ في اعتباره وجود "كريت" أسطورية، وعلى الرغم من ادعاء "إيفانز" سنة 1931 أن المصطلح "لم يذكر" قبل استخدامه له، فقد أطلق على هذا الزعم "اقتراحا وقحا" من قبل "كاراديماس" و "موميجليانو". 

ومن جانب الكرونولوجيا والتأريخ، وبدلا من تأريخ الحقبة المينوسية، يستخدم علماء الآثار نظامين للتسلسل الزمني النسبي، وأنشئ أولهما من قبل "إيفانز" وتم تعديله من قبل علماء الآثار اللاحقين، واعتمد على أنماط الفخار والقطع الأثرية المصرية المستوردة (والتي أمكن ربطها بالكرونولوجيا المصرية)، وهكذا قسم نظام "إيفانز" الحقبة المينوسية إلى ثلاثة عصور رئيسية: العصر المبكر؛ العصر الوسيط؛ والعصر المتأخر. وتم تقسيم هذه العصور الفرعية كذلك، فعلى سبيل المثال تم تقسيم العصر المينوسي المبكر إلى الأول والثاني والثالث. 

أما النظام الكرونولوجي الثاني فقد اقترحه عالم الآثار اليوناني "نيقولاوس بلاتون"، ويقوم على تطور المجمعات المعمارية المعروفة باسم "القصور" في "كنوسوس" و "فيستوس" و "ماليا" و "زاكروس"، وهكذا يقسم "بلاتون" الحقبة المينوسية إلى حقبة ماقبل قصرية وقصرية قديمة وقصرية حديثة وما بعد قصرية، وتتضمن العلاقة بين الأنظمة في جدول "بلاتون" تواريخ تقريبية من قبل "وارن" و "هانكي" (1989): 

ـ الحقبة ما قبل القصرية: 

· الأولى: 3500-2900 ق.م تقريبا. 

· الثانية: 2900-2300 ق.م تقريبا. 

· الثالثة: 2300-2100 ق.م تقريبا. 

· الرابعة: 2100-1900 ق.م تقريبا. 

ـ الحقبة القصرية القديمة: 

· الأولى: 1900-1800 ق.م تقريبا. 

· الثانية: 1800-1750 ق.م تقريبا. 

ـ الحقبة القصرية الحديثة: 

· الأولى: 1750-1700 ق.م تقريبا. 

· الثانية: 1700-1650 ق.م تقريبا. 

· الثالثة: 1650-1600 ق.م تقريبا. 

· الرابعة: 1600-1500 ق.م تقريبا. 

ـ الحقبة ما بعد القصرية (نهاية الحقبة القصرية): 

· الأولى: 1500-1450 ق.م تقريبا. 

· الثانية: 1450-1400 ق.م تقريبا. 

· الثالثة: 1400-1350 ق.م تقريبا. 

· الرابعة: 1350-1100 ق.م تقريبا. 

وحدث ثوران مينون البركاني في "ثيرا" خلال مرحلة ناضجة (المرحلة الرابعة من الحقبة القصرية الحديثة) من التاريخ المينوسي، وكانت الجهود المبذولة لتحديد تاريخ ثوران البركان مثيرة للجدل، ويشير التأريخ بواسطة الكربون المشع إلى فترة ما في أواخر القرن السابع عشر قبل الميلاد، ويتعارض هذا مع تقديرات علماء الآثار الذين يزامنون الثوران مع التسلسل الزمني المصري في فترة ما بين 1500 و 1525 ق.م. 
قصر "كنوسوس"، أكبر قصر مينوسي.

وعلى الرغم من أن أدلة الأدوات الحجرية تشير إلى أن أشباها للبشر قد وصلوا إلى "كريت" منذ 130.000 سنة مضت، إلا أن الدلائل التشريحية الأولى على وجود بشري حديث تعود إلى نحو 12.000-10.000 سنة مضت، وأقدم دليل على سكنى الإنسان الحديث في "كريت" هو بقايا مجتمع العصر الحجري الحديث ما قبل السيراميك الذي يعود تاريخه إلى حوالي 7000 ق.م، وأظهرت دراسة مقارنة لمجموعة فردانية من الحمض النووي للرجال الكريتيين المعاصرين أن الذكر مؤسس المجموعة ينحدر من الأناضول أو المشرق مختلط بالإغريق. وعاش سكان العصر الحجري الحديث في قرى مفتوحة، وتم العثور على أكواخ للصيادين في الشواطئ، كما تم استخدام سهل "ميسارا" الخصيب للزراعة. 
أمير "ليلييس"، تصوير جصي من "كنوسوس".

تم وصف العصر البرونزي المبكر (3500 إلى 2100 ق.م) بأنه يشير إلى "وعد العَظَمة" في ضوء التطورات اللاحقة للجزيرة، وبدأ العصر البرونزي في جزيرة "كريت" في حوالي 3200 ق.م، وفي أواخر الألف الثالثة قبل الميلاد تطورت عدة مواقع في الجزيرة إلى مراكز للتجارة والأعمال اليدوية، مما مكن الطبقات العليا من ممارسة القيادة وتوسيع نفوذها، من المرجح أن التسلسل الهرمي الأصلي للنخب المحلية تم استبداله بالمَلَكيات. 

وفي نهاية الفترة الأولى من حقبة القصور الحديثة (1700 ق.م) كان هناك اضطراب كبير في جزيرة "كريت"؛ ربما زلزال؛ أو غزو قادم من الأناضول، وهكذا تم تدمير القصور "كنوسوس" و "فايستوس" و "ماليا" و "كاتو" و "زاكروس". 

وفي بداية الفترة الحديثة، ازداد عدد السكان مرة أخرى، وأعيد بناء القصور على نطاق أوسع، وتم بناء مستوطنات جديدة عبر الجزيرة، وشكلت هذه الفترة (القرن 17 و 16 ق.م: الفترات الثلاث الأولى من حقبة القصور الحديثة) أوج الحضارة المينوسية، وبعد حوالي 1700 ق.م، ارتقت الثقافة المادية في البر الرئيسي اليوناني بسبب التأثير المينوسي. 

إلا أن كارثة طبيعية أخرى وقعت حوالي سنة 1600 ق.م، وربما كانت هذه الكارثة ثوران بركان "ثيرا"، فأعاد المينوسيون بناء القصور مع العديد من الاختلافات الرئيسية في الوظائف. 

وحوالي سنة 1450 ق.م، وصلت الحضارة المينوسية إلى نقطة تحول بسبب كارثة طبيعية (ربما زلزال)، ورغم أن ثورانا آخر لبركان "ثيرا" ارتبط بهذه الواقعة، إلا أن تاريخه وآثاره تبقى محل جدال، وبهذا تعرضت العديد من القصور الهامة للدمار في مواقع مثل "ماليا" و "تايلسوس" و "بايستوس" و "آيا تريادا"، والأحياء المعيشية في "كنوسوس"، ويبدو أن قصر "كنوسوس" ظل سليما إلى حد كبير، مما أدى إلى قدرة السلالة المرتبطة به على نشر نفوذها على أجزاء كبيرة من جزيرة "كريت" إلى أن تم تجاوزها من قبل الإغريق الموكيانيين. 

وبعد حوالي قرن من التعافي الجزئي، انحدرت معظم المدن والقصور الكريتية خلال القرن 13 ق.م، وتعود آخر محفوظات النظام الخطي أ إلى الفترتين الأخيرتين من الحقبة ما بعد القصرية، وظلت "كنوسوس" مركزا إداريا إلى حدود 1200 ق.م، وكان آخر موقع مينوسي هو الموقع الجبلي الدفاعي "لكارفي"، وهو ملجأ به آثار من الحضارة المينوسية في العصر الحديدي تقريبا. 

ويظهر تأثير الحضارة المينوسية بخصوص الحرف اليدوية المينوسية على البر الرئيسي لليونان، واحتوت مقابر "ميكيناي" مثلا على العديد من الواردات الكريتية (من قبيل ريتونات ـ قرون الشراب ـ رؤوس الثيران) وهو ما يشير إلى دور بارز للرمزية المينوسية، كما أن العلاقات بين مصر و "كريت" كانت بارزة، حيث تم العثور على السيراميك المينوسي في المدن المصرية، واستُوردت بعض العناصر المينوسية (كورق البردي) والأفكار المعمارية والفنية من مصر، وربما كانت الكتابة الهيروغليفية المصرية نموذجا للغة الهيروغليفية الكريتية التي تطور منها النظام الخطي أ والخطي ب، كما وجد عالم الآثار "هيرمان بينغتسون" تأثيرا مينوسيا في القطع الأثرية الكنعانية. 

وتم احتلال مواقع القصور المينوسية من قبل الموكيانيين ما بين 1420 و 1375 ق.م، واليونان الموكيانية هي شكل من أشكال اليونان القديمة استعملت النظام الخطي ب الذي تطور عن النظام الخطي أ، ومال الموكيانيون للتأقلم ـ بدل محو ـ مع الثقافة والدين والفن المينوسي، وواصلوا النظام الاقتصادي والبيروقراطية المينوسيتين. 

وجزيرة "كريت" جزيرة جبلية ذات موانئ طبيعية، وهناك علامات على الأضرار التي خلفتها الزلازل في المواقع المينوسية، وعلامات واضحة على ارتفاع الأراضي وانغمار المواقع الساحلية بسبب العمليات التكتونية. 

ووفقا "لهوميروس"، كان في "كريت" تسعون مدينة، واستنادا إلى مواقع القصور، ربما تم تقسيم الجزيرة إلى ثماني وحدات سياسية على الأقل في ذروة الحقبة المينوسية، وتم العثور على الغالبية العظمى من المواقع المينوسية في وسط وشرق الجزيرة مع عدد قليل من المواقع في الجزء الغربي من الجزيرة، ويبدو أن هناك أربعة قصور رئيسية في الجزيرة: "كنوسوس"؛ "فايستوس"؛ "ماليا"؛ و "كاتو زاكروس"، ويعتقد أن الشمال كان خاضعا "لكنوسوس" والجنوب "لفايستوس" والمنطقة الوسطى الشرقية "لماليا" والطرف الشرقي "لكاتو زاكروس"، وتم العثور على قصور أصغر في مكان آخر من الجزيرة. 
خريطة لأكبر المواقع المينوسية.

وفيما يلي أهم المستوطنات الرئيسية المينوسية: 

· كنوسوس: وهو أكبر موقع أثري من العصر البرونزي في جزيرة "كريت"، وقدر عدد سكان "كنوسوس" بين 1300 و 2000 نسمة سنة 2500 ق.م تقريبا و 18.000 نسمة في 2000 ق.م و 20.000 إلى 100.000 نسمة في 1600 ق.م و 30.000 نسمة في 1360 ق.م. 

· فايستوس: ثاني أكبر مبنى فخم في الجزيرة، وتم حفره من قبل المدرسة الإيطالية بعد فترة وجيزة من "كنوسوس". 

· ماليا: كان موضوع حفريات فرنسية، وهو مركز فخم يعطي فكرة عن الفترة الأولية الفخمة. 

· كاتو زاركوس: موقع فخم على جانب البحر تم التنقيب عنه من قبل علماء آثار يونانيين في أقصى شرق الجزيرة وعرف أيضا باسم "زاكرو" في الأدب الأثري. 

· جالاتاس: تم تأكيده كموقع فخم خلال فترة التسعينيات. 

· آيا تريادا: كان مركزا إداريا بالقرب من "فايستوس" وكان مصدرا لأكبر عدد من ألواح النظام الخطي أ. 

· جورنيا: موقع بلدة تم التنقيب عنه في الربع الأول من القرن العشرين. 

· بيرجوس: موقع مينوسي مبكر في جنوب "كريت". 

· فاسيليكي: موقع مينوسي شرقي مبكر اشتق اسمه من الأواني الخزفية المميزة. 

· فورنو كورفي: موقع جنوبي. 

· بسييرا: بلدة جزرية مع مواقع طقوسية. 

· جبل جوكتاس: أكبر ملجأ قممي مينوسي ارتبط بقصر "كنوسوس". 

· أركالوخوري: موقع فأس أركالوخوري. 

· كارفي: ملجأ، وهو أحد آخر المواقع المينوسية. 

· أكروتيري: مستوطنة في جزيرة "سانتوريني" (ثيرا) بالقرب من موقع الثوران البركاني. 

· زومينثوس: مدينة جبلية في السفوح الشمالية لجبل "إيدا".
المراجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...