السبت، 2 نوفمبر 2019

حيسيد



حيسيد חֶסֶד (ومرومنة بمصطلح Hesed) هي كلمة عبرية، في معناها الإيجابي، تستعمل الكلمة للتعبير عن العطف والحب بين الناس وعن تقواهم للإله وكذلك عن محبة الإله ورحمته للإنسانية، وفي كثير من الأحيان تستعمل في المزمور بمعنى آخر، حيث تترجم تقليديا إلى "العطف المحب" في الترجمة الإنجليزية للكتاب المقدس. 

وبطريقة مماثلة تستعمل كلمة "حيسيد" في الثيولوجيا اليهودية للدلالة على محبة الرب "لبني إسرائيل"، وفي فلسفة الأخلاق اليهودية تستعمل بمعنى الحب والإحسان بين الناس، وفي المعنى الأخير "للإحسان" تعتبر "حيسيد" مساهمة في "التيكون أولام" (إصلاح العالم) كما تعتبر أساسا لعدة وصايا دينية مورست من قبل اليهود التقليديين، خاصة الوصايا المرتبطة بالعلاقات الشخصية. 

"الحيسيد" كذلك واحدة من "السيفيروت" العشر في شجرة الحياة القابالية، وترتبط هنا بالعطف والمحبة، وهي أولى السمات الانفعالية في "السيفيروت". 

وبالتمحيص في الإيتيمولوجيا والترجمات التي أعطيت للكلمة، نجد الجذر "حيسيد" يحمل معنا أوليا "الرغبة الحريصة والمتحمسة" ويستعمل بمعنيين "طيبة، خير" و "عار، ازدراء". والإسم "حيسيد" يرث كلا المعنيين، فهو من ناحية "التحمس، الحب، الطيبة تجاه شخص ما" ومن الناحية الأخرى "التحمس، الحماسة ضد شخص ما، الحسد، التوبيخ"، وتستعمل إيجابيا للتعبير عن الخير المتبادل، الرحمة أو الشفقة بين الناس، وتقوى الناس تجاه الإله، وكذلك النعمة، وفضل الإله ورحمته للناس. 

وقد ذكرت الكلمة 248 مرة في التناخ، وفي معظم الحالات (وهي 149 مرة) تترجم الكلمة في "نسخة الملك جيمس" إلى "رحمة"، تليها "السبعونية" حيث ترجم إلى "إليوس" (تجسيد لمعاني الشفقة والرحمة والرأفة والتعاطف)، وترجماتها الأقل شيوعا هي "الطيبة" (40 مرة)، "العطف المحب" (30 مرة)، "الصلاح" (12 مرة)، "بعطف" (5 مرات)، "رحيم" (4 مرات)، "الفضل" (3 مرات)، و "الخير" و "اللطف" و "الشفقة" (مرة لكل كلمة)، ويوجد مثالين فقط للإسم بمعناه السلبي في النص، "التوبيخ" في "المزمور 57"، و "شيء شرير" في "سفر اللاويين الإصحاح 20". 

واستمدت ترجمة "louing kindnesse" في نسخة الملك جيمس من "إنجيل كوفيردال" لسنة 1535، وهذه الترجمة المحددة تستعمل خصيصا "لحيسيد" بمعنى موقف "يهوه" (الرب) الحميد أو "إلوهيم" (الإله) تجاه المختارين من لدنه، وقد ذكرت في المقام الأول في "المزمور" (23 مرة) وكذلك في "الرسل": 4 مرات في "سفر إرميا" ومرتان في "سفر أشعياء" ومرة واحدة في "سفر هوشع"، وبينما تعتبر "العطف المحب" مهجورة الآن نوعا ما، فإنها تبقى جزءا من الترجمة التقليدية للمزمور في الترجمات الإنجليزية للكتاب المقدس، وهناك ترجمات أحدث تستعمل "الحب الراسخ" بينما تستعمل نسخة الملك جيمس "العطف المحب". 

ولدى السبعونية "mega eleos" (رحمة عظيمة) ترجمت في اللاتينية إلى misericordia، وكمثال على استعمال "حيسيد" في المزمور ينظر إلى ظهورها البارز في مقدمة "المزمور 51" " חָנֵּנִי אֱלֹהִים כְּחַסְדֶּךָ "كن رحيما بي ـ إلوهيم ـ بـ [ حيسيد ] ـك" (الترجمة العربية الأكثر شيوعا: ارحمني يا الله حسب رحمتك) ويناظر هذه الجملة: 

ـ في السبعونية: ἐλέησόν με ὁ θεός κατὰ τὸ μέγα ἔλεός σου. 

ـ في الفولغاتا: Miserere mei, Deus, secundum misericordiam tuam. 

ـ في إنجيل ويكليف (1382-1395): God, haue thou merci on me; bi thi greet merci. 

ـ في إنجيل كوفيردال: Haue mercy vpon me (o God) after thy goodnes. 

ـ في نسخة الملك جيمس (1611): Haue mercie vpon mee, O God, according to thy louing kindnesse. 

ـ في نسخة الملك جيمس (1769) والنسخة المراجعة (1885) والنسخة الأمريكية القياسية (1901): Have mercy upon me, O God, according to thy lovingkindness. 

ـ في ترجمة "يونغ" الحرفية (1862): Favour me, O God, according to Thy kindness. 

ـ في النسخة القياسية المراجعة (1952): Have mercy on me, O God, according to thy steadfast love. 

ـ وفي النسخة القياسية المراجعة الجديدة (1989): Have mercy on me, O God, according to your steadfast love. 

ويستعمل "الحب" في اليهودية عادة كترجمة إنجليزية أقصر "لحيسيد"، وقد اقترح المنظر السياسي "دانيال ألعيزر" بأن "حيسيد" لا يمكن أن تترجم بسهولة إلى الإنجليزية، فهي تعني شيئا من هذا القبيل: "محب الالتزام بالعهد" وتشتمل الاقتراحات الأخرى على "النعمة" و "التعاطف". 

وبالعروج على الفلسفة الأخلاقية اليهودية، فإن "حيسيد" تعتبر في الأدب الموسوي التقليدي (الأدب الأخلاقي) إحدى الفضائل الأولية، فالحاخام التنائيمي "شمعون العادل" درّس بأن "العالم يتوقف على ثلاثة أشياء: التوراة، خدمة الرب، والعطف المانح" 'من كتاب: فصول الآباء) و "حيسيد" هنا هي الفضيلة الأخلاقية الأساسية. 

وبيان "الحاخام شملاي" في التلمود يعلن أن "التوراة تبتدئ ب 'الحيسيد' وتنتهي ب 'الحيسيد'". وقد يفهم من هذا أن "التوراة كلها توّصف بالشيسيد، فهي تحدد رؤية للحياة المثالية التي تتجلى أهدافها السلوكية في الرحمة والتعاطف". وبدلا من ذلك، قد تلمح إلى فكرة بأن منح التوراه في حد ذاته هو الفعل الجوهري "لحيسيد". 

وفي المقالة القابالية "لموشيه كوردوفيرو" بعنوان "نخلة دبورة" نجدها تعكس بعض تجليات "حيسيد" على النحو الآتي: 

ـ الحب المطلق للإله بحيث لا يتخلى امرؤ عن خدمته لأي سبب من الأسباب. 

ـ تزويد الأطفال بكل ضرورات إعالتهم ومحبتهم. 

ـ تختين طفل. 

ـ الإشفاق على المسكين. 

ـ تقديم الضيافة للغرباء. 

ـ حضور الجنازات. 

ـ إحضار العروس إلى "الخوباه" في حفل الزفاف. 

ـ السعي للسلام بين رجلين. 

والشخص الذي يجسد "حيسيد" يعرف ب "حاسيد" (hasid، חסיד) وهو المخلص للعهد والذي يمضي "ذهابا وإيابا فوق ما يطلب منه عادة"، وهناك عدد من المجموعات عبر التاريخ اليهودي ركزت على المضي "ذهابا وإيابا" أطلقت على نفسها إسم "الحاسيديم"، هذه المجموعات تضمنت "الحاسيديين" في "عصر الهيكل الثاني"، و "الحاسيديم الميمونيين" في مصر وفلسطين القروسطيتان، و "الحاسيديم الأشكناز" في أوروبا القروسطية، و "حركة الحاسيديم" التي ظهرت في القرن الثامن عشر في أوروبا الشرقية. 

وقد تأخذ חסד في العبرية الحديثة المعنى العام "للشفقة"، و "المؤسسة الحيسيدية" في اليهودية الحديثة قد تشير إلى أية منظمة خيرية تدار من قبل أفراد أو مجموعات يهودية متدينة، فالمنظمات الخيرية التي توصف "بالمؤسسات الحيسيدية" تشمل: 

ـ منظمات "البيكور خوليم" ביקור חולים; (عيادة المريض): والمخصصة لعيادة المرضى والاعتناء بهم وبأقاربهم. 

ـ "الجيماش" גמ"ח (أفعال الخير): وهي مؤسسة مخصصة "للجيميلوت حاساديم" (توفير العطف والإحسان) وذلك عادة من خلال توفير القروض المجانية أو التخلي عن أنواع معينة من المتعلقات الشخصية (اللعب، الملابس، المعدات الطبية، وما إلى ذلك). ومثل هذه المنظمات عادة ما يطلق عليها إسم مختصر ل "الجيميلاس حاساديم" من قبيل "جيماش" أو "جمش" وقد يكون للمجتمع العشرات من منظمات الجيماش الفريدة (وربما المتداخلة فيما بينها). 

ـ منظمات التوعية اليهودية الأرثذوكسية "الكيروف" קירוב , קֵרוּב (التقريب): وهي منظمات صممت من أجل زيادة الوعي اليهودي وسط اليهود غير المتدينين، والتي قد يعتبر نشاطها هذا نوعا من "العطف". 

ـ "هاتزولاه" הצלה (الغوث أو الإنقاذ): المنظمات بهذا الإسم توفر عادة خدمات مجانية في الإيفادات الطبية المستعجلة وسيارات الإسعاف (التقنيون الطبيون الاستعجاليون والباراميديك). 

ـ "شيفرا كاديشا" חֶבְרָה קַדִישָא (المجتمع المقدس): وهي المنظمات التي تقدم الرعاية الدينية للأموات، وغالبا ما تقدم المساعدة اللوجستية لعائلات الموتى فيما يتعلق بالتشريح، ونقل الجثامين، والأسفار العائلية المستعجلة، والجنازات، وإدارة بيت "الشيفا" שבעה (فترة الحداد التي تمتد لأسبوع في اليهودية للأقارب من الدرجة الأولى)، ورعاية المشيعين. 

ـ "الشافيريم" חברים‎ (الأصدقاء): من خلال إسمها فإن هذه المنظمات توفر العون الطرقي والمساعدات المستعجلة فيما يخص المشاكل الهيكلية أو الميكانيكية في المساكن. 

ـ "الشومريم" שמירה‎ (مجموعات مراقبة الأحياء السكنية): أو مجموعات الحراس أو مجموعات مراقبة المجتمع. 

وبالعودة إلى القابالا فسمات الفطنة تعتبر السمات الثلاث الأولى من "السيفيروت" العشر، وأولى هذه السمات هي "سيفيرا الحيسيد"، حيث تتموضع هذه السمة في شجرة الحياة القابالية أسفل "الحوخما" ومقابلة ل "الجفوراه" وفوق "نتزاح"، وتعطى لها في الغالب أربعة طرق: إلى الحوخما، الجفوراه، التيفيريت، والنتزاح (وبعض القاباليين يضعون طريقا من "حيسيد" إلى "بيناه" كذلك). 

وينص "البحير" على ما يلي: "ما هي الكلمة الرابعة؟ إنها صلاح الرب، رحمته وعطفه على كل العالم، إنها يد الرب اليمنى". فتبرهن "الحيسيد" على الإله المطلق غير محدود الخير والعطف. 

والنظام الملائكي لهذا النطاق ـ نطاق حيسيد ـ هو "الحاشماليم" يحكمه رئيس الملائكة "صدقائيل" وتتمثل "الكليفاه" المعادية لهذا النظام في النظام الشيطاني "جامشيكوث" الذي يحكمه رئيس الشياطين "عشتاروث".
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...