الثلاثاء، 2 يوليو 2019

موريطانيا الطنجية

مقاطعة موريطانيا الطنجية داخل الإمبراطورية الرومانية حوالي 125 م.


كانت "موريطانيا الطنجية" مقاطعة رومانية في المغرب وجدت في الجزء الشمالي منه تقريبا، وامتدت المنطقة من مضيق جبل طارق شمالا إلى "سالا كولونيا" (شالة) و "وليلي" (فولوبوليس) جنوبا وشرقا إلى نهر "مالفا" أو "مولوشا "(ملوية)، وكانت عاصمة المقاطعة "طنجيس" التي أصبح إسمها في الوقت المعاصر "طنجة"، وشملت باقي المدن الكبرى للمقاطعة "يوليا فالنتيا باناسا" و "سبتم" و "روسادير" و "لكسوس" و "تمودا".

وكان الإمبراطور الروماني "كلوديوس" قد قسم مملكة موريطانيا الأمازيغية بعد وفاة آخر ملوكها "بطليموس الموريطاني" سنة 40 إلى مقاطعتين رومانيتين هما "موريطانيا الطنجية" و"موريطانيا القيصرية"، وأصبح نهر "مولوشا" (الذي يوجد 60 كلم تقريبا غرب وهران، الجزائر) الحد الفاصل بينهما.

ولم يتوسع الاحتلال الروماني كثيرا داخل البر الأصلي للمغرب حيث كان الحد الجنوبي الأقصى للحكم الروماني في اتجاه الغرب هو مدينة "وليلي" التي طوقت بمعسكرات مثل "توكولوسيدا" في اتجاه الجنوب الشرقي قليلا و "عين شكور" في اتجاه الشمال الغربي، وحصنت كذلك بخندق دفاعي، وعلى الساحل الأطلسي كانت "سالا كولونيا" محمية بخندق دفاعي آخر ومتراس وخط من أبراج المراقبة.

ولم تكن هذه التحصينات عبارة عن خط متواصل، حيث لا دليل على وجود جدار دفاعي مثل ذاك الذي كان يقوم بحماية الحدود المضطربة في بريطانيا في الطرف الآخر من الإمبراطورية، وبدلا من ذلك، كانت هناك شبكة من الحصون والخنادق التي يبدو أنها كانت تعمل كمصفاة. بينما كان الليمس يحمي المناطق التي كانت تقع تحت السيطرة الرومانية المباشرة عن طريق تحويل الاتصالات مع الداخل من خلال المستوطنات الكبرى وتنظيم الصلات بين البدو الرحل مع المدن والمزارع في المناطق المحتلة.

واعتبر المؤرخون الرومان ـ مثل "بطليموس" ـ كل شمال المغرب بما في ذلك جبال الأطلس جزءا من الإمبراطورية الرومانية، لأنه في عهد "أغسطس"، كانت موريطانيا مملكة تابعة وكان حكامها ـ من قبيل "جوبا الثاني" ـ يسيطرون على كل المناطق جنوب "وليلي". وعلى أية حال فإن السيطرة الفعالة للفيالق الرومانية بلغت "سالا كولونيا" (وتعتبر "الكاسترا" (أو المعسكر الروماني) ـ "إكسبلوراتيو أد مركوريوس" ـ جنوب "سالا كولونيا" هي آخر مستوطنة رومانية تم اكتشافها في اتجاه الجنوب حتى الآن) بينما يعتقد بعض المؤرخين مثل "ليون الإفريقي" أن حدود الإمبراطورية الرومانية بلغت منطقة الدار البيضاء التي أسست من قبل الرومان كميناء باسم "أنفا"، وفي الواقع توجد مدينة "أزمور" الحديثة في وسط المغرب على موقع "آزاما" القديم، وهو ميناء تجاري ذو أصول فينيقية رومانية، ولا يزال في الإمكان رؤية بقايا رواسب رومانية للحبوب فيما يسمى بالخزانات البرتغالية.

وقد وصف "بليني الأكبر" ببعض التفصيل المنطقة الواقعة جنوب جبال الأطلس عندما تولى القائد الروماني "سيوتونيوس بولينوس" حملة عسكرية هناك سنة 41:

"سيوتونيوس الذي رأيناه قنصلا في عصرنا، كان أول قائد روماني يتقدم مسافة بضعة أميال وراء جبل الأطلس، وقد أعطانا نفس المعلومات التي تلقيناها من المصادر الأخرى مع الإشارة إلى الارتفاع الاستثنائي لهذا الجبل، وفي نفس الوقت ذكر بأن كل الأجزاء المنخفضة حول سفحه مغطاة بغابات كثيفة وشامخة تتألف من أشجار غير معروفة النوع حتى الآن. إن ارتفاع هذه الأشجار ـ يقول ـ لافت للنظر وجذوعها بدون عقد وهي ذات سطح أملس ولامع، وأوراق هذه الأشجار تشبه السرو، وإلى جانب تميزها برائحة قوية فإن هذه الأشجار مغطاة بطبقة خيطية يمكن من خلالها ـ ببعض الفن ـ صنع قطعة قماش دقيقة بسهولة على غرار الأقمشة المصنوعة من دودة الحرير، وقد أبلغنا أن قمة هذا الجبل مغطاة بالثلوج حتى في الصيف، وقال أنه وصل إلى هناك بعد مسيرة عشرة أيام، ومضى بعض المسافة وراءه بقدر النهر الذي يحمل إسم جير (الرافد الشمالي لنهر النيجر؟)، ويخترق الطريق صحاري مغطاة برمال سوداء، ومنها الصخور التي تحمل مظهر التعرض للنيران، وتصور أنه في كل مكان هناك لم تعد المناطق صالحة للسكن بسبب شدة الحرارة كما اختبر هو نفسه، على الرغم من أنه زارها في فصل الشتاء".

وخلال فترة حكم الملك النوميدي "جوبا الثاني"، كان الإمبراطور "أغسطس" قد أسس بالفعل ثلاث مستوطنات (مأهولة بمواطنين رومان) في موريطانيا بالقرب من الساحل الأطلسي وهي: "يوليا قنسطانيا زليل"، و "يوليا فالنتيا بناسا"، و "يوليا كامبستريس بابا".

وأصبح الجزء الغربي من "موريطانيا" مقاطعة تسمى "موريطانيا الطنجية" بعد ذلك بوقت قصير. وبقيت هذه المنطقة جزءا من الإمبراطورية الرومانية إلى حدود سنة 429 عندما اجتاح الوندال المنطقة فكان الوجود الإداري الروماني قد وصل إلى نهايته.

وكانت أهم مدينة في "موريطانيا الطنجية" هي "وليلي" والتي مثلت مركزا إداريا واقتصاديا للمقاطعة المتواجدة غرب إفريقيا الرومانية، وقد زودت الأراضي الخصبة للمقاطعة الإمبراطورية بعدة منتجات مثل الحبوب وزيت الزيتون التي كانت تصدر إلى "روما" وساهمت في ثراء هذه المقاطعة وازدهارها، كما وثق علم الآثار وجود الجالية اليهودية في تلك الفترة.

وكانت الصادرات الرئيسية من "موريطانيا الطنجية" الأصباغ الأرجوانية والأخشاب القيمة، وزودت "موريطانيا" "روما" بالمنتجات الزراعية والحيوانية كذلك، وكان الموريون الأصليون يحظون بتقدير كبير وتجنيد من قبل الرومان، لاسيما في سلاح الفرسان الخفيف، وتم تسجيل "كليمنتيوس فالريوس مارسيلينوس" كحاكم للمقاطعة بين 24 أكتوبر 277 و 13 أبريل 280.

وحسب التقليد، فإن استشهاد "القديس ماريسلوس" وثق في 23 يوليوز 298 في طنجيس خلال فترة الحكم الرباعي (إصلاح الإمبراطور الروماني "دقلديانوس" للهياكل الحكومية سنة 297)، وأصبحت "موريطانيا الطنجية" جزءا من "أبرشية هسبانيا"؛ وخلال التوسع جزءا من "ولاية الغال الإمبراطورية"، بينما خضعت "موريطانيا القيصرية" "لأبرشية إفريقيا"، وسجل "لوسيليوس قسطنطينوس" حاكما للمنطقة في أواخر القرن الرابع الميلادي.

كما تظهر قائمة المناصب الرومانية (نوتيتا ديجنيتاتوم) في تنظيمها العسكري "كوميس" طانجي مع جيش ميداني يتألف من فيلقين وثلاث "فكسيلاتيونات" وإثنان من "الأوكسيليا بالاتينا"، وقد تقلد "فلافيوس ميموريوس" هذا المنصب في فترة ما من أواسط القرن الرابع. وعلى أية حال، كانت هناك قيادة عسكرية واحدة لكلا المقاطعتين الرومانيتين، مع وجود "دوكس موريطاني" (رتبة أقل) يسيطر على سبعة كتائب وجناح واحد.

وقد انتظم الوندال الجرمانيون في مقاطعة "بايتيكا الإسبانية" سنة 422 تحت زعامة الملك "جنديريك" ومن هناك نفذوا غارات على "موريطانيا الطنجية"، وفي سنة 427، رفض "الكوميس" الإفريقي "بونيفاسيوس" أمر استدعاء الإمبراطور "فالنتنيان الثالث" وهزم جيشا أرسله هذا الأخير ضده، لكنه كان أقل حظا عندما تم إرسال قوة ثانية سنة 428، وفي هذه الأثناء كان "جنسريك" قد خلف أباه "جنديريك" على رأس الوندال ودعاه "بونيفاسيوس" إلى إفريقيا ووفر له أسطولا لتمكين الوندال من العبور إلى "طنجيس" و"سبتيم" (سبتة)، وكان "بونيفاسيوس" يعتزم حصر الوندال في موريطانيا، لكن بمجرد عبورهم المضيق رفضوا أي سيطرة وساروا إلى قرطاج.

وفي سنة 533، استعاد القائد البيزنطي "بليساريوس" "أبرشية إفريقيا" من أيدي الوندال باسم الإمبراطور "جستنيان الأول"، وكان الوندال قد فقدوا كامل المنطقة الواقعة غرب قيصرية لصالح البرابرة المور، لكن "بليساريوس" أعاد تأسيس منصب "الدوكس" الموريطاني الذي حفظ الوحدة العسكرية عند "سبتيم" (سبتة). وكانت هذه آخر قاعدة بيزنطية في موريطانيا الطنجية أما باقي المناطق التي كانت تشكل المقاطعة الرومانية فقد اتحدت مع الجزء البيزنطي "أندلوسيا" باسم "ولاية إفريقيا الإمبراطورية" مع جعل "سبتيم" العاصمة الإدارية لها.

وعندما فتح الخلفاء الأمويون كامل شمال إفريقيا جلبوا الإسلام إلى الأتباع المحليين للديانات البربرية التقليدية والمسيحيين، ووحدوا مقاطعتي "موريطانيا" باسم المغرب، هذه المقاطعة الأكبر ضمت أكثر من نصف الجزائر الحديثة.

وماتزال بقايا الحجارة التي تنتمي إلى العصر الروماني موجودة في عدة مواقع أثرية، وتشمل "الكابيتول" في "وليلي" و"قصر جورديوس" و"سالا كولونيا" و"طنجيس" و"يوليا قسطنطينا زيليل".
المرجع:
https://en.wikipedia.org/wiki/Mauretania_Tingitana

هناك 3 تعليقات:

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...