هذه تجربة واقعية يقول صاحبها: أنا شاب أقطن بمدينة أصيلة المغربية، أنتمي إلى أسرة تتكون من أب وأم وأخوين أنا ثالثهم وأكبرهم بينما أصغرهم ولد بعد الأحداث التي سأحكيها لكم.
كنت طوال حياتي مأخوذا بعالم الجن والعفاريت وأبحث عن أي شيء يتعلق بهم، من منا ليس كذلك في الحقيقة؟ كلنا نبحث عن ذلك العالم الماورائي الذي يبدو لنا مثيرا للاهتمام رغم الرعب الذي يكتنفه، وأسبابنا في ذلك وإن اختلفت في تفاصيلها فإنها تتفق في سبب رئيس هو ضجرنا من عالمنا المادي أو كرهنا له أو محاولة الهروب منه، عقل الطفولة يتسم بالخصوبة والنشاط، وهذا ما كنتُ عليه في طفولتي، كنت أعتبر عالم الجن مجرد عالم مواز لعالمنا نحن البشر، لا تفصلنا عنه سوى حدود شفافة يسهل اختراقها، هي تماما كالحدود التي تفصل بلدنا المغرب عن الجزائر أو موريتانيا مثلا، كنت أعتقد أن للجن مشاكلهم الخاصة التي تؤرقهم ومعتقداتهم التي يقدسونها وهواياتهم التي يمارسونها في أوقات الفراغ، الفرق الجوهري الذي بيننا أنهم غير مرئيين لأن أجسادهم في الأصل ليست مادية رغم قدرتهم على التشكل، وأنهم يستطيعون بفضل هذه الخاصية أن يشاهدونا بينما نحن لا نستطيع ذلك { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } صدق الله العظيم، في حين نحن ماديون وأعيننا لا تلمح إلا ما هو مادي، هذه هي نقطة التفوق بالنسبة لهم، وربنا تبارك وتعالى فضلنا نحن البشر وجعل الرسالة والنبوة فينا ومكننا بكثير من وسائل التحصين في كتابه التي تحجبنا عنهم بدورنا وترجح الكفة لصالحنا وهذا موضوع آخر يطول.
هكذا كان حالي في الطفولة، كلما وجدتُ موضعا مظلما أو سمعت عن خربة يسكنها الجن كنتُ أطير إليها؛ رفقة أبناء الحي طبعا، إلى أن صار الموضوع هواية بالنسبة لي أمارسها بانتظام كلما سمح الوقت بذلك، كنت أنتظر رفقة أولاد الحي غروب الشمس ونتوجه إلى مدرسة مهجورة تتواجد في حينا؛ ولأننا أطفال، والأطفال يكونون سُذجا كنا نأخذ معنا الشموع والمصحف الشريف والملح كسلاح نلقيه على أي جني يخرج لنا، كنت أتمنى في أعماقي أن أسمع أشياء تسقط من تلقاء نفسها أو أرى جنيا يطير أمامي في تلك المدرسة لكن الحظ لم يكن حليفنا في كل المحاولات، لم نكن نجد سوى رسومات رديئة وكتابات عشوائية على الجدران فنعود أدراجنا نجر أذيال الخيبة وبعد ذلك نأكل فلقة عصا من آبائنا بسبب ذهابنا إلى هناك، لكن رؤوسنا كانت أيبس من الصخر وكنا نكرر مغامراتنا الشيقة تلك في كل مرة.
وفي يوم من الأيام إستبد بنا اليأس من العثور على شيء فبدأنا نسبُّ الجن ونعايرهم حتى نستفزهم للخروج وفجأة سمعنا صوت حصاة تصطدم بحائط قريب، تجمدت الدماء في عروقنا وظننا أن الوضع جاد هذه المرة؛ فررنا مفزوعين لا نلوي على شيء لكنني كنت في قرارة نفسي سعيدا بهذا الإنجاز العظيم لأن أمنيتي تحققت ولو جزئيا ولم أضع في حسباني وقتها أن الأمر قد يكون مجرد صدفة عشوائية أو أن الحصاة ألقاها أحد علينا من بعيد دون أن نراه.
وفي إحدى الأيام كنت عائدا إلى منزلنا، وعندما فتحتْ أمي الباب سمعتُ رجلا يتلو القرآن بصوت مرتفع، كانت المرة الأولى التي أسمع فيها ذلك الصوت، لم يكن صوت رجل من العائلة ولا صوتا قادما من التلفاز… صعدت في الدرج وأنا أتساءل هل هو فقيه جلبوه لي أم أن أحدا مات في المنزل؟ وبمجرد دخولي إلى الصالة وجدتُ عمي وثلاثا من عماتي وأمي ورجلا يبدو من مظهره أنه شيخ يمسك بناصية أصغر عماتي ويقرأ عليها؛ رمقتها فلم أجد في عينيها سوى البياض وكان وجهها ممتقعا وأطرافها معوجّة، إستغربت وصدمتُ من هذا المشهد لأنني كنت أحب عمتي تلك كثيرا، كانت صغيرة وعاشت معنا في المنزل مدة طويلة من قبل؛ لقد كانت بمثابة أختي الكبرى، دعوت الله ألا يكون قد أصابها مكروه؛ أردت التكلم لكن أمي أشارت إلي من بعيد أن أخرس؛ كانت العصبية بادية على وجهها؛ دخلت إلى غرفتي فوجدت أخي الأصغر يخفي رأسه بالغطاء؛ لقد كان مرعوبا مما يحدث في الصالة؛ بعد قليل دخلت عمتي الكبرى؛ سألتها: ماذا هناك؟ قالت: إلحق بي حتى لا يفزع أخوك، تبعتها إلى المطبخ ثم قالت: لقد تلبس جني عمتك.
لم أعرف معنى التلبس وقتها لكنني تمنيت شيئا واحدا أن أكون أنا مكان عمتي المسكينة، خطر في بالي أن جن المدرسة انتقموا مني عبر عمتي؛ واصلت عمتي كلامها: كانت عمتك في منزل الجدة وكانت الساعة تشير إلى الرابعة مساء وكانت تشطف الأرضية بمياه ساخنة بينما كنا نحن مجتمعين في الصالة ثم فجأة سمعنا صوت صفعة قوية تبعه صوت ارتطام بالأرض؛ هرولنا نحو عمتك فوجدناها مغمى عليها وأطرافها ترتعد؛ لم نفهم شيئا وخفنا كثيرا وتعددت الآراء بين من يقول أن تيارا كهربائيا أصابها ومن يقول أن جنيا ضربها؛ قررنا في البداية أن نأخذها إلى المستشفى لكن عندما سمعتها أمك تتحدث بكلام غريب طلبت أن نحضرها إلى منزلكم ونجلب شيخا.
أمضى الشيخ سائر اليوم يقرأ على عمتي ويرش عليها ماء من قارورة زجاجية لكن لم يحدث أي تغيير في عمتي وأحسسنا أن الشيخ تعب في النهاية وأخبر الأسرة أن حالتها غريبة… لكن كلما تذكرت ذلك اليوم فكرت أن حالة عمتي لم تكن غريبة في الواقع وإنما هو الذي لم يكن متمكنا؛ دلنا على شيخ في قرية “إثنين سيدي اليمني” وأخبرنا أن ذلك الشيخ ضليع في هذه الأمور وهو الذي يقدر على معالجتها ثم انصرف إلى حال سبيله.
أفاقت عمتي بعد نحو ساعة وكأن مكروها لم يصبها؛ ثم سألت: أين أنا؟ طفق الجميع يهدئها وأخبروها أن لا شيء أصابها وأنها تعثرت أثناء الشطف ووقعتْ ثم غابت عن الوعي وفي تلك الأثناء كان صوت القرآن يصدح من التلفاز، حاولنا تكليمها لكنها طلبت أن نطفئ “ذلك الشيء” أولا قبل التكلم معها؛ إستغربنا من رد فعلها؛ دب الرعب في قلبي ثم خطر لي أن الشيء الذي كنت أبحث عنه دائما وجدته أخيرا لكنني لم أتصور أن يكون مخيفا بهذا القدر، نهضتْ عمتي من مكانها وأخبرتنا أنها تشعر بجوع شديد ثم توجهت إلى المطبخ وعادت بعد قليل وفي يدها رغيف خبز حاف إلتهمته بشراهة غريبة كأنها لم تذق الطعام منذ أيام؛ كان التخوف والاستغراب يخيمان على أجواء المنزل في تلك الأمسية، وكان الجميع يعامل عمتي بحذر ويحاول إيهامها أنه لا يوجد خطب.
دخل أبي إلى المنزل حوالي الساعة العاشرة مساء قافلا من عمله، وبمجرد دخوله حدجته عمتي بنظرات نارية تشع حقدا ثم كلمته قائلة: أنت لا أطيقك! بدأ أبي يضحك معتقدا أنها تمازحه فرد عليها مازحا: أخلدي إلى فراشك قبل أن أنومك بصفعة من يدي! لكنها ردت في حنق: جرب حظك وانظر كيف سأمزقك! إستغربنا من تصرفها ذاك إزاء أبي الذي ظل مشدوها من كلامها؛ جذبته أمي نحو المطبخ لتحكي له تفاصيل الواقعة… دقت الحادية عشر ليلا وأخبرتنا أمي أن علينا الخلود للنوم؛ لسوء الحظ إعتادت عمتي على المبيت معنا أنا وأخي في غرفتنا! قرر البقية المبيت في منزلنا تحسبا لأي طارئ وناموا في الصالة… بعد برهة من الزمان كان الجميع قد ناموا بمن فيهم عمتي الممسوسة إلا أنا فقد أرقني الخوف… كان سريري بجوار سريرها؛ حاولت جاهدا أن أنام لكن مضت ساعتان وأنا أتقلب في مكاني دون أن يغمض لي جفن؛ تمكنت أخيرا من الإغفاء قليلا؛ ومضى بعض الوقت قبل أن أفتح عيني… نظرت نحو النافذة فألفيتُ نور الصباح يخترق حجاب الليل ببطء، التفتُ ناحية عمتي فرأيتُ منظرا لم تره عيني من قبل: كان هناك نسختان من عمتي! إحداهما نائمة إلى جواري والأخرى واقفة أمامها تحدق فيَّ وابتسامة عريضة على شفتيها؛ أحسست لحظتها أن سكتة قلبية ستصيبني ولفح جسمي برد غريب… دفنت نفسي تحت الغطاء وبدأت أقرأ المعوذتين في سري وكل ما أحفظه من القرآن وأنا أعض على أناملي حتى لا تفلت مني صرخة… أزحت الغطاء قليلا عن عيني لأتحقق مما رأيتُ فوجدت النسخة الثانية من عمتي ماتزال متسمرة في مكانها ترمقني بنفس النظرات دون أن يرف لها جفن ونفس الابتسامة ماتزال مرتسمة على وجهها؛ لا أستطيع أن أصف شعوري بدقة حينها لكن الرعب داهم جسدي في شكل موجات ودفنت رأسي مجددا تحت الغطاء وانكمشت حول نفسي وأغمضت عيني ضاغطا بجفنيّ عليهما وجملة واحدة تتسلل بين أسناني المصرورة هي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم…
بعد لحظات سمعت صوت آذان الفجر يصدح من بعيد فباغتني شعور غريب بالارتياح والأمان… أطللتُ من تحت الغطاء مرة أخرى فلم أر شيئا سوى عمتي التي تغط في نومها… تنفست الصعداء وكان التعب والإرهاق قد بلغا مني مبلغهما، فوقعت على الوسادة ولم أستيقظ إلا على صوت أمي وهي تصرخ كي أنهض وألحق بالمدرسة…
عدت من المدرسة ذلك اليوم منهكا بسبب سهرة الأمس الاضطرارية؛ وجدتُ أمي وباقي عماتي يحدثن عمتي ويحاولن إقناعها للخروج معهن في جولة… لقد كان في نيتهن أن يأخذنها إلى ذلك الشيخ في “سيدي اليمني”، إقتنعتْ أخيرا وخرجتْ بصحبتهن… ألححتُ على أمي أن أذهب معهن لكن رفضها جاء حازما متذرعة بأخي الصغير الذي لا يمكن أن يمكث وحده في المنزل، عدن إلى المنزل بعد نحو أربع ساعات وسألتُ عمتي الكبرى عما حدث فقالت أن ذلك الشيخ غير موجود لأنه سافر منذ يومين وأنه لن يعود قبل نهاية الأسبوع، بقيت الأمور على حالها وعمتي الصغرى المسكونة لم تؤتي تصرفا غريبا لحدود تلك الساعة لكننا جميعا كنا نتعامل معها بحذر شديد، فكرت في أن أبوح لأمي بما رأيت ليلة أمس لكن تراجعت عن فكرتي تلك لأن أحدا لم يكن ليصدقني…
حل المساء وغادرت عماتي إلى منازلهن وبقينا أنا وأمي وأخي الصغير وعمتي الصغرى بينما أبي كان مايزال في العمل، شغلتْ أمي التلفاز على قناة القرآن الكريم التي كانت مفتوحة منذ الأمس فخاطبت عمتي أمي بلهجة آمرة: أطفئي التلفاز… لكن أمي ركبت رأسها هذه المرة وأخبرتها بحزم أنها لن تطفئه وأن تضرب رأسها مع أقرب حائط… حينها سدت عمتي أذنيها بأصابعها وصارت تصرخ: أطفئيه! أطفئيه! فتوجهت أمي إلى جهاز التحكم ورفعت الصوت… وقعت عمتي أرضا وبدأت تتشنج بعنف وتركل الفراغ بقدميها؛ ألقت أمي نفسها عليها وأمسكت رأسها بكلتا يديها وصارت تقرأ عليها آية الكرسي وترددها مرارا؛ كنت متجمدا في مكاني أراقب هذا المشهد المرعب… بقيت أمي تقرأ الآية وتعيدها حتى هدأت عمتي ونامت في موضعها، حملناها أنا وأمي إلى سريرها في غرفتي، وبعد نحو ساعة أفاقت من نومها وخرجت وقالت لأمي أنها تريد الماء ليشرب منه بعض الأشخاص… سألتها أمي: من هؤلاء الأشخاص؟ فقالت: أصدقائي؛ إنهم عطشى؛ سأنزل إلى كراج المنزل كي أعطيهم الماء ليشربوا…
أدخلتها أمي إلى الغرفة بقوة وأقفلت عليها بالمفتاح وتركتها تصرخ وتضرب الباب بقبضتيها… كانت الأجواء عصيبة علينا خاصة أنا وأخي الصغير الذي كان منزويا خلفي يبكي…
هدأت عمتي بعد ذلك وعندما فتحت أمي الباب وجدتها نائمة على الأرض، حملناها أنا وأمي مجددا ووضعناها على سريرها، دخل أبي في الحادية عشر ليلا وسألنا هل كل شيء على ما يرام؟ لم تشأ أمي أن تخبره بتلك التفاصيل وطمأنته أن كل شيء بخير وأن عمتي نائمة في سريرها، أمرتني أمي أنا وأخي أن نذهب إلى النوم لكننا أخرجنا أغطيتنا ووسادتينا من الغرفة وافترشنا الصالة هذه المرة لأننا لم نكن نريد أن نرى أشياء أخرى مرعبة في ليلتنا تلك تقض مضاجعنا خاصة وأننا سنستيقظ باكرا للمدرسة، نمنا هانئين ليلتنا…
في الغد أمضيت يوما عاديا في المدرسة وعندما عدت إلى المنزل حاولت فتح الباب بالمفتاح إلا أنه كان مقفلا من الداخل فتوجهت إلى باب الكراج وفتحته لألج إلى المنزل من خلاله وعندما دخلتُ راعني ما رأيت… كانت جدران الكراج البيضاء ملطخة برسومات غريبة ومرعبة… وجوه غاية في القبح مرسومة بالفحم لم أستطع إطالة النظر فيها… هرولت صاعدا إلى المنزل وفتحت الباب؛ كانت عمتي المسكونة وأمي واثنتين من عماتي يتناولن الإفطار في الصالة، سألتني عمتي المسكونة: مرحبا بعودتك؛ ما رأيك برسوماتي في الكراج هل هي جميلة؟
وكانت هوايتها هي الرسم؛ أخبرتها مرتبكا أن رسمها جميل، رمقتني أمي بنظرات مستغربة لأنها لم تكن قد رأت بعد الكارثة التي في جدران الكراج…
أسرعت إلى غرفتي وانزويت فيها؛ شغلتُ البلاي لألعب قليلا ثم دخلت عمتي إلى الغرفة وطلبت أن أشغل لعبة “الشر المقيم” لأنها كانت تراني ألعبها كثيرا من قبل؛ أخبرتها أنني أريد أن ألعب كرة القدم؛ أمرتني بلهجة غاضبة أن أنفذ ما تقول فنفذتُ دون مناقشة وبدأت ألعب لها تلك اللعبة وأنا أرتعش؛ كانت جالسة بجواري وهي تحملق في الشاشة باستمتاع كبير… أحسست أن شيئا ما غريبا في ملامحها؛ أحسست أنها لم تكن عمتي مطلقا…
مرت الأيام رتيبة بعدها دون حوادث وفي نهاية الأسبوع جاء عمي ومعه ذلك الشيخ؛ كان رجلا مسنا ومهيبا يخضب لحيته الكثة بالحناء وكانت عمتي وقتها تجلس معي في غرفتي وعندما رأت ذلك الشيخ داخلا بدأت تصيح: أخرجوه من المنزل! إلا هذا! إلا هذا! لم يعبآ بصراخها؛ طلب مني الشيخ أن أخرج من الغرفة ومكث هناك رفقة عمي وعمتي ثم أقفلوا النوافذ وأقفلوا عليهم الباب بالمفتاح؛ كنت أختلس النظر من خرم الباب فرأيت الشيخ يدنو من عمتي وهو يتلو آيات من القرآن وكانت عمتي تتقهقهر وتحشر نفسها في إحدى الزوايا وتسد أذنيها وتصيح بصوت مخيف والشيخ لا يتوقف عن التلاوة ثم أمسك حزاما وبدأ يضربها به وذلك الصوت الصادر منها يصيح: سوف أخرج! سوف أخرج! لا تضربني أرجوك!
صاح الشيخ: هيا أخرج الآن ماذا تنتظر!
فراوغه الصوت: إذا استمررت في ضربي هكذا لن أخرج أبدا!
واصل الشيخ ضرب عمتي والقراءة وصار يصارع ذلك الجني داخلها نحو ساعة… فصاح الصوت أخيرا: سأخرج الآن! سأخرج الآن! اهعا يرحم والديك توقف عن الضرب! فقط أخبرني من أين تريدني أن أخرج؟
فقال الشيخ: أخرج من أصابع قدميها!
فرد الصوت: سأخرج من عينيها حتى أعميها… لن أرحل خاوي الوفاض!
فعاد الشيخ إلى التلاوة والضرب وبعد لحظات صاح الصوت: توقف الآن سأخرج من قدميها أقسم لك!! أنا لم أفعل لها شيئا وكما أحرقت ولدي الصغير أريد أن آخذ حقي منها وأعميها!
فقال الشيخ: إنه ليس خطؤها… إنها لا تراكم!
فأجاب الصوت: أنا سأخرج لكنني سأدخل في أي شخص خائف في هذا المنزل الآن…
خرج عمي من الغرفة مسرعا وأمرني أن آخذ أخي الصغير ونغادر المنزل؛ فعلنا ذلك ثم عدنا بعد نحو نصف ساعة لأجد عمي يودع ذلك الشيخ عند الباب والفرحة تشع من وجهه، علمت حينها أن الأمر قد انتهى، التفت الشيخ نحوي وخاطبني قائلا: بني، أنصحك أن تواظب على الصلاة من الآن فصاعدا حتى لا يصيبك مكروه كما أصاب عمتك، وحالما سمعت كلامه ركضت صاعدا إلى المنزل وتوضأت وصليت الصبح والظهر والعصر، وجدتُ عمتي نائمة في سريرها وأمي تُحضر الغذاء، مر وقت قبل أن تستيقظ عمتي… وعندما خرجت من الغرفة ورأتني سألتني: هل أتيت من المدرسة؟ أجبتها: نعم جئت منذ ساعات طويلة، فقالت: مايزال الوقت مبكرا! لكن الشمس في الواقع كانت تشارف على الغروب…
بدا لي أنها نسيت كل شيء؛ دخلتْ عند أمي في المطبخ وشكت إليها من جوع غريب وسألتها عن موعد الغذاء، شعرتُ أن كل شيء عاد إلى سابق عهده وأن من تتحدث الآن هي عمتي حقا؛ حضرت باقي عماتي إلى المنزل وصرن يكلمنها وكأن شيئا لم يحدث ولم يحكِ لها أحد ما أصابها لأن ذكرياتها عن الجن ذهبت بذهابه… وإلى يومنا هذا لم يخبرها أحد بشيء.