فأنت بأرض في وجودك أول *** وأنت بأرض في اصطناع وكلفة.
ولا تنس أرض الجن فيها معاشهم *** وللأوليا أرض إذا ما ترقت.
وأرض بدت بيضاء كانت لمحشر *** وبرزخ أموات بأرض قريبة.
وأرض خليل الله هبها لصبية *** رعاهم خليل الله فيها برأفة.
وهكذا هذه الأراضين حسب قول الجعفي هي: ١) أرض الوجود الأول. ٢) أرض الوجود الأدنى. ٣) أرض الجن. ٤) أرض الأولياء الصالحين. ٥) أرض المحشر. ٦) أرض البرزخ. ٧) أرض صبية المؤمنين الموتى. ولكل أرض علامات تدل عليها: فأرض الوجود الأول مثلا كثيرا ما ترى في المنام ومن علاماتها أن لا شمس فيها وفيزياؤها تختلف تماما عن الأرض الدنيا إلا أن ما يقع عليها ينعكس على الأرض الدنيا كانعكاس الوجه على صفحة المياه. أما أرض المحشر فهي بيضاء عفراء كقرصة نقي كما ورد في الحديث الشريف، بينما أرض سيدنا إبراهيم عبارة عن جبل في الجنة يكفل فيه إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين الموتى حتى يردون إلى آبائهم يوم القيامة كما جاء في الحديث. وهذه الأراضين كلها مجتمعة في أرض واحدة لكنها تقع في أبعاد مختلفة، ودليل ذلك قوله عز من قائل: "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات"، وقال: "وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والأرض". ويتحرك الجن بين أرضهم وأرض الإنس بسلاسة لخفة خلقهم بينما الإنس لا يستطيعون فعل ذلك بنفس الطريقة، كما يستطيع الجن رؤية الإنس دون حواجز بينما لا يقدر الإنس على ذلك في كل وقت، وتقدر شياطين الجن على الوسوسة للناس جميعا في وقت واحد، ويمكن للجن أن يذرعوا الأرض طولا وعرضا في لمح البصر. غير أن الإنسي يبقى أقوى من الجني بشيء واحد هو أن الله ميزه بالروح التي تسري في جسده إلا من حقر نفسه وخضع لسلطان الجن بملء إرادته، قال تعالى: "إن كيد الشيطان كان ضعيفا"، وقال: "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مومنين". ومعلوم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق متى هان وضعف، لكن الله تعالى قال: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله". وهذا هو السلاح الجبار الذي يطرد شياطين الجن بعيدا، وجدير بالذكر أن لا سبيل للجن على عباد الله المخلصين. وهؤلاء هم "عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
وهناك صنف من الجن يعيش بين ظهراني الناس وليس في أرضهم، وهم عمار المكان؛ إذ يعيشون بيننا كالقطط في بيوتنا، قال (ص) "إن لبيوتكم عمارا فحرجوا عليهن ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك منهن شيئا فاقتلوهن". وهؤلاء العمار يتطبعون بطبع الإنس ويتكلمون بلهجاتهم ويتبعون عاداتهم في كل شيء. وهناك طائفة من الجن هربوا من حكامهم إلى عالم الإنس وأغلبهم فاسق مؤذي لا سبيل للخلاص من شره إلا بتحكيم ملكه في رقبته. وهناك تداخل وتماس بين أرض الجن وأرض الإنس، وهذا التداخل قد يتسبب فيه الأشخاص بقصد أو بغير قصد أو عن طريق أحداث أو ظروف معينة؛ فقد تفتح الفجوات بين الأرضين فيصل الجن إلى الإنس بسهولة لعدة أسباب اهمها: شدة التفكير في الجن وذكره المصحوب بالخوف والوسوسة؛ فكأنك تجذبه إليك فيصير الحجاب الفاصل بينكما رفيعا ثم يتمزق فينفذ الجن إلى ذاتك ويستعمرها وقد يبطل بعض أعضائها، ثم طول الوحدة في البيت أو الإسراء في الليل وحيدا، لذا نهى الرسول (ص) أن يبيت الرجل في البيت وحده أو أن يسير وحده في الليل، ثم الاختلاء وترداد العزائم المصحوب بالتفكير والتركيز من الروحانيين والمشعوذين والعرافات، فلا تستحضرهم العزيمة بقدر ما يستحضرهم التفكير كما جاء في السبب الأول. هذا بالنسبة للأسباب التي ترجع للأشخاص، أما الأسباب الراجعة للظروف والحوادث فمنها المواضع التي تراق فيها الدماء كالمسالخ ومحلات الجزارة (القصابة) وسواها لأن الجن يحب الدم لذا كثيرا ما تفتح المنافذ إلى أرض الجن من هذه المواضع ليلا، وكذا مواضع النصب والمذابح التي تقدم فيها الذبائح والقرابين لغير الله من قبيل المغارات والأضرحة والمزارات، ثم المكان الذي يقتل فيه شخص ظلما دون أن يقتص من قاتله حيث تمكث نفسه هناك هائمة أما روحه فتعود إلى الله، وهناك يتكون منفذ إلى عالم الجن، إضافة إلى الأماكن التي يعمل فيها السحر بكل أنواعه فيحدث أن يتعرض ذلك المكان للرجم ليلا مثلا أو توقد فيه النيران تلقائيا وهذا دليل كاف على وجود منفذ إلى عالم الجن هناك.
المرجع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق