الأحد، 31 يناير 2021

الكوزمولوجيا الصوفية



هو نهج صوفي لعلم الكونيات يناقش خلق الإنسان والكون ويعتبر وفقا للمتصوفين الأساس الجوهري الذي يقوم عليه الكون الديني الإسلامي. ووفقا للكوزمولوجية الصوفية فإن علة خلق الله للكون والبشرية هي "التجلي" و "الاعتراف" بذاته كما ورد في الأثر "کنت کنزاً مخفیاً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لکي أعرف".

ويصف المتصوفون الإسلاميون "الأصل الرباني" وخلق الكون والبشرية عندما خرج نور الأحد من وحدته المنعزلة عن نفسه لعلة إظهار نفسه في التعددية، وتسمى مراحل هذا الخلق "بالتنزلات الست" وشرح العديد من القديسين هذه التنزلات في كتبهم وتحدث عنها أبو سعيد مبارك المخزومي في كتابه المسمى التحفة المرسلة كما ناقشها ابن عربي في تفسير فصوص الحكم، وهذه التنزلات هي:

ـ عالم الهاهوت (العالم المجهول الذي لا يقارن): ويتعلق هذا العالم بالجوهر الإلهي قبل التجلي والمرحلة الروحية المرتبطة بها تسمى الأحدية (أو العزلة)، وهذا هو عالم الوجود المسبق ومستوى عدم الخلق، وبحسب الصوفيين فإن حالة الأحدية هذه غير قابلة للتصور ولا التفسير وتتجاوز كل الحدود المنطقية، وفي هذه المرحلة تكون الذات الإلهية محتجبة في حجابها غير متمثلة بشيء فلا يوجد شيء؛ فلا كون ولا خلق وهنا لا تنكشف صفات الذات (الجوهر الرباني) ولا تتجلى.

ـ عالم الياهوت (عالم المظهر الأول): ويشار إلى المرحلة الروحية المتعلقة بالياهوت باسم "الوحدة"، والياهوت هو المقام الأول من مظاهر "الهو"، عندما شاء الجوهر الرباني أن يتجلى فتجلى في شكل نور محمد، وبما أن الياهوت هو عالم الوحدانية فإن نور محمد هو مظهر من مظاهر الجوهر الرباني وليس كيانا منفصلا وهي الخطوة الأولى نحو الأصل الرباني على أن الخلق لم يبدأ هنا بعد، وهنا يدعى "هو" الله "المعبود" لأن هناك كيان في صورة نور محمد يعبد الله، ويطلق على هذا المقام "الياهوت" لأن هناك كيانا يخاطب "الهو" بعبارة "يا هو".

ـ عالم اللاهوت (عالم الوحدة المطلقة): ويرتبط عالم اللاهوت بمقام "الوحدية"، وهنا تتجلى روح محمد من نور محمد، وبما أنه عالم الوحدة فإن نور الله ونور محمد في نفس المستوى في هذا المقام، لذا فروح محمد هي في الحقيقة روح الله التي تدعى "الروح القدسية"، وفي هذا المقام يحتجب الكون بأسره وخلقه في نور محمد وهو حريص على التجلي.

والمقامات الثلاثة المذكورة أعلاه هي مقامات الوحدة وعدم الخلق، ويشير وجود "الهو" في "الهاهوت" و "الياهوت" و "اللاهوت" إلى الوحدة المطلقة، بينما يتم الخلق في المقامات الأدنى من "الجبروت" و "الملكوت" و "الناسوت".

ـ عالم الجبروت (عالم القوة): والجبروت يعني "الجسر" أو أي شيء يربط شيئين، ويطلق عليه الجبروت لأنه يربط بين المقامات الثلاثة المذكورة أعلاه من عدم الخلق ومقامات الخلق القادمة، ويرتبط مقام الجبروت بمستوى خلق أرواح البشر، هنا برأ الله أرواح البشر من الروح القدسية، وتدعى روح البشر المخلوقة من الروح القدسية "الروح السلطانية"، والصفات الإلهية مثل المعرفة والحكمة وما إلى ذلك كانت موجودة في الروح القدسية في المقامات العليا لغير الخلق انتقلت إلى البشر، والروح السلطانية لها صفات الملائكة لأن الملائكة خلقت في نفس المقام، وهنا تحتجب الروح القدسية في الروح السلطانية.

ـ عالم الملكوت (عالم الفطنة): ويشير هذا المقام إلى عالم الهيآت الرمزية، وعند هذا المقام اتخذت الأرواح هيآت واضحة وغير مادية لأول مرة، وهنا تحتجب الروح السلطانية في غلاف الروح النورانية (روح النور السماوية)، وقد خلقت أرواح الحيوانات والنباتات وجميع الكائنات غير الحية في هذا المقام كذلك، ولعلة خلق الحيوانات في هذا المقام اكتسبت الروح البشرية صفات وحشية مثل الشهوة والجشع وما إلى ذلك.

ـ عالم الناسوت (عالم الأجسام المادية): ويشير مقام الناسوت إلى العالم المادي للأجسام الملموسة، وهي المرحلة التي يوضع فيها أساس عالم المادة الملموس، وهنا تحتجب الروح النورانية في غلاف الروح الحيوانية (الروح المرتبطة مباشرة بالجسد المادي) والتي استنشقت في الأجسام المادية من اللحم والعظام والأشياء غير الحية، وهنا اكتملت عملية الخلق البشري وتجلت الروح الربانية بشكل كامل في البشر من خلال الاحتجاب في أغلفة الروح القدسية والروح السلطانية والروح النورانية والروح الحيوانية.
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...