الجمعة، 29 مايو 2020

الكوزمولوجيا الإسلامية

قدم علي القوشجي دليلا تجريبيا لحركة الأرض وطور فيزياء فلكية مستقلة عن الفيزياء الأرسطية والفلسفة الطبيعية.


علم الكونيات الإسلامي هو علم كونيات المجتمعات الإسلامية المستمد بشكل أساسي من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والسنة وباقي المصادر الإسلامية وغيرها من مصادر ما قبل الإسلام، ويشير القرآن بنفسه في هذا الصدد إلى السماوات السبع. 
أ ـ المبادئ الميتافيزيقية: 
ـ المثنوية: 
وفي الفكر الإسلامي عموما، فإن الكون يشمل كلا من الكون غير المرئي أو عالم الغيب والكون المرئي أو عالم الشهادة، وكلاهما ينتمي إلى الكون المخلوق. ولا تتشكل المثنوية الإسلامية من الروح والمادة، بل من الخالق (الله) والخليقة، والخليقة تتشكل بدورها من خليقة مرئية وأخرى غير مرئية. 
ب ـ الكوزمولوجيا الصوفية: 
وعلم الكونيات الصوفي أو الكوزمولوجيا الصوفية مصطلح عام للمذاهب الكونية المرتبطة بغموضية الصوفية الإسلامية، وقد تختلف من مكان إلى آخر؛ ومن نظام إلى آخر؛ ومن زمان إلى آخر؛ ولكن تظهر تأثير العديد من الكونيات المختلفة بشكل عام: 
- عهد القرآن بخصوص الله والكائنات غير المرئية والنفس والآخرة وبداية الأشياء ونهايتها والسماوات السبع وما إلى ذلك. 
- آراء الأفلاطونيين المحدثين التي هي موضع اعتبار من طرف الفلاسفة الإسلاميين مثل ابن سينا وابن عربي. 
- العالم الكروي المركزي في الهرمسية والبطلمية. 
- البصيرة الكونية الإشراقية كما شرحها السهروردي المقتول. 
ج ـ التفسيرات القرآنية: 
ومن جهة التفسيرات القرآنية فهناك العديد من الآيات (610-632) التي فسرها بعض كتاب القرون الوسطى والحديثة على أنها تنبئ بالنظريات الكونية الحديثة، ويمكن رؤية مثال مبكر على ذلك في عمل اللاهوتي الإسلامي فخر الدين الرازي (1149-1209) من خلال مفهومه للفيزياء والعالم المادي في كتابه "المطالب"، وقد ناقش علم الكون الإسلامي وانتقد فكرة مركزية الأرض في الكون، وابتكر مفهوم "وجود الكون المتعدد" في سياق تعليقه على الآية القرآنية { الحمد لله رب العالمين }، وطرح سؤالا حول ما إذا كان مصطلح "العالمين" في هذه الآية يشير إلى "عوالم متعددة داخل هذا الكون أو الكون الواحد أو إلى العديد من الأكوان الأخرى أو الأكوان المتعددة تقع وراء هذا الكون المعروف"، ورفض وجهة النظر الأرسطية لعالم أو كون واحد لصالح فكرة وجود عوالم متعددة، وهي وجهة النظر التي اعتقد أنها مدعومة بالقرآن ونظرية الأشاعرة حول المذهب الذري. 
د ـ الكوزمولوجيا في العالم الإسلامي القروسطي: 
وتمت دراسة علم الكونيات على نطاق واسع في العالم الإسلامي أثناء ما يعرف بالعصر الذهبي للإسلام من القرن السابع إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وهناك سبع آيات بالضبط في القرآن تحدد أن هناك سبع سماوات، ويستفاد من إحدى هذه الآيات أن لكل سماء ترتيبها الخاص، وربما يعني ذلك قوانين الطبيعة، وتنص آية أخرى على وجود أرضين سبع كذلك إضافة إلى السماوات السبع. 
وفي سنة 850 ألف أبو العباس الفرغاني "كتاب في جوامع علم النجوم" الذي قدم في المقام الأول ملخصا عن علم الكون البطلمي، ومع ذلك قام بتصحيح كتاب المجسطي لبطليموس بناء على نتائج علماء الفلك الفرس السابقين، وأعطى الفرغاني قيما منقحة لانحراف مسير الشمس والحركة السابقة لأوج الشمس والقمر ومحيط الأرض، وتم تداول الكتاب على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم الإسلامي بل وترجم إلى اللاتينية أيضا. 
ـ الكوزموغرافيا: 
ويذكر المستشرق البريطاني "مايكل كوك" أن "البنية الأساسية" للكون الإسلامي وفقا لتفسير العلماء لآيات القرآن والتقاليد الإسلامية تمثلت بدرجة أولى في سبع سموات فوق سبع أرضين. 
{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } (الطلاق، الآية: 12). 
وشكلت الأرضين السبع طبقات متوازية حيث سكن البشر الطبقة العليا منها بينما سكنت الشياطين في الطبقات الأسفل، كما شكلت السموات السبع طبقات متوازية أدناها هي السماء التي نراها من الأرض وأعلاها الجنة، وتصف تقاليد أخرى السموات السبع حيث أن لكل منها نبيا بارزا يقيم فيها وقد لقيهم الرسول صلى الله عليه وسلم جميعا أثناء معراجه حيث يقيم موسى في السماء السادسة وإبراهيم في السماء السابعة وما إلى ذلك. ومثل مؤلف "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" عملا مهما في علم الكونيات كتبه أبو يحيى زكرياء بن محمد القزويني المولود في "قزوين" سنة 1203. 
ـ التناهي الزمني: 
وبخصوص مذهب التناهي الزمني وعلى النقيض من الفلاسفة اليونانيين القدماء الذين اعتقدوا أن للكون ماض لا نهائي بلا بداية، فقد طور الفلاسفة واللاهوتيون الإسلاميون في العصور الوسطى مفهوم الكون الذي له ماض محدود مع بداية (ينظر التناهي الزمني)، وقدم الفيلسوف المسيحي "يوحنا النحوي" أول حجة من هذا القبيل ضد الفكرة اليونانية القديمة عن الماضي اللانهائي، وقد تبنى حججه الكثير من علماء المسلمين واليهود من أبرزهم الفيلسوف المبكر الكندي والفيلسوف اليهودي سعيد بن يوسف الفيومي واللاهوتي المسلم الغزالي واستخدموا جميعا حجتين منطقيتين ضد فكرة الماضي اللانهائي الأولى هي "الحجة على استحالة وجود لانهائي فعلي" التي تنص على أن: 
"اللانهاية الفعلية لا يمكن أن توجد". 
"إن الانحدار الزمني اللامتناهي للأحداث هو لا نهاية فعلية". 
"الانحدار الزمني اللامتناهي للأحداث لا يمكن أن يوجد". 
والحجة الثانية هي "الحجة من استحالة إكمال اللانهاية الفعلية عن طريق الإضافة المتعاقبة" والتي تنص على ما يلي: 
"لا يمكن إكمال اللانهاية الفعلية عن طريق الإضافة المتعاقبة". 
"تم الانتهاء من السلسلة الزمنية للأحداث الماضية بإضافة متعاقبة". 
"السلسلة الزمنية للأحداث الماضية لا يمكن أن تكون لانهاية فعلية". 
وتم تبني الحجتين معا من قبل فلاسفة ولاهوتيين مسيحيين في وقت لاحق، وأصبحت الحجة الثانية على وجه الخصوص أكثر شهرة بعد أن تبناها "إيمانويل كانط" في أطروحته عن التضاد الأول بخصوص الزمن. 
ـ مقدار الزمن: 
ويذكر القرآن أن الكون خُلق في ستة أيام في عدة آيات (منها الآية 38 من سورة قاف)، ومع ذلك فمن المهم ملاحظة أن "الأيام" المذكورة في القرآن لا تساوي فترة 24 ساعة؛ فحسب الآية 4 من سورة المعارج فإن يوما واحدا يساوي خمسين ألف سنة على الأرض، لذلك يفسر المسلمون وصف خلق "الستة أيام" على أنه ستة فترات أو دهور مميزة، ولم يتم تحديد طول هذه الفترات بدقة، كما لم يتم تحديد التطورات المحددة التي حدثت خلال كل فترة على حدة. 
ووفقا "لمايكل كوك" فإن العلماء المسلمين الأوائل اعتقدوا أن مقدار الوقت المحدد الذي تم تخصيصه كان حوالي "ستة أو سبعة آلاف سنة" وربما كان ذلك باستثناء 500 سنة أو نحو ذلك قد مرت بالفعل واستشهدوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ـ في إشارة إلى المدة المتوقعة ـ لجماعة من صحابته بأن وقتهم المحدد مقارنة بالذين كانوا من قبلهم هو من صلاة العصر إلى غروب الشمس". وقدر أحد هؤلاء وهو ابن إسحاق أن النبي نوحا عاش 1200 عام بعد إخراج آدم من الجنة وأن النبي إبراهيم عاش 2342 سنة بعد ذلك وأن النبي موسى عاش 2907 سنة بعد ذلك وأن النبي عيسى عاش 4832 سنة بعد ذلك وأن النبي محمد عاش 5432 سنة بعد ذلك. 
ـ المراقبة الكونية: 
وقام الفلكي العربي ابن الهيثم (965-1037) بأول محاولة لرصد وقياس اختلاف درب التبانة، وبالتالي قرر أنه "بسبب عدم وجود اختلاف في درب التبانة فإنه بعيد جدا عن الأرض ولا ينتمي إلى جوها". واقترح الفلكي الفارسي أبو الريحان البيروني (973-1048) أن مجرة درب التبانة "هي مجموعة من أجزاء لا تعد ولا تحصى من طبيعة النجوم الغامضة". واقترح عالم الفلك الأندلسي ابن باجة (المتوفى سنة 1138) أن مجرة درب التبانة تتكون من العديد من النجوم التي تكاد تلامس بعضها البعض ويبدو أنها صورة متواصلة بسبب تأثير انكسار مادة تحتقمرية مشيرا إلى ملاحظته عن ارتباط كوكب المشتري والمريخ بين 1106 و 1107 كدليل. 
واقترح ابن قيم الجوزية (1292-1350) أن مجرة درب التبانة عبارة عن عدد لا يحصى من النجوم الصغيرة المتجمعة معا في مجال النجوم الثابتة. 
وفي القرن العاشر قام الفلكي الفارسي عبد الرحمن بن عمر الصوفي (المعروف في الغرب باسم "أزوفي") بأول ملاحظة مسجلة لمجرة الأندروميدا، ووصفها بأنها "سحابة صغيرة"، كما حدد سحابة "ماجلان" الكبيرة التي تمكن من رؤيتها في اليمن وليس في أصفهان والتي لم تشاهد من قبل الأوروبيين حتى رحلة "ماجلان" في القرن السادس عشر، وكانت هذه المجرات الأولى بخلاف درب التبانة التي أمكن رؤيتها من الأرض، ونشر الصوفي نتائجه في كتاب النجوم الثابتة عام 964. 
ـ العوالم المحتملة: 
ودافع الغزالي في "تهافت الفلاسفة" عن العقيدة الأشعرية بخصوص كون مخلوق ومحدود زمانيا ضد العقيدة الأرسطية عن الكون الأبدي، ومن خلال ذلك اقترح النظرية الشكلية للعوالم المحتملة مستدلا بأن عالمنا الفعلي هو الأفضل من بين جميع العوالم الممكنة ومن بين جميع الجداول الزمنية البديلة وتواريخ العالم التي كان من الممكن أن يخلقها الله، وتتوازى نظريته تلك مع نظرية اللاهوتي الفرنسيسكاني الأسكتلندي "دانز سكوطس" في القرن الرابع عشر، في حين من غير المؤكد ما إذا كان للغزالي أي تأثير على "سكوطس" هذا مادام قد يكونا استخلصا هذه النظرية من قراءتهما لميتافيزيقا ابن سينا. 
ـ تفنيد التنجيم: 
وتم دحض دراسة علم التنجيم من قبل العديد من الكتاب المسلمين في ذلك الوقت بمن فيهم الفارابي وابن الهيثم وابن سينا والبيروني وابن رشد معتبرين أن الأساليب التي يستخدمها المنجمون تخمينية وليست تجريبية إضافة إلى تعارض هذه الأساليب مع التعاليم الإسلامية الأرثوذكسية. 
واستخدم ابن قيم الجوزية في كتابه "دار السعادة" الحجج التجريبية في علم الفلك لدحض ممارسات التنجيم والعرافة، فقد أدرك أن النجوم أكبر بكثير من الكواكب. 
كما اعتبر ابن القيم مجرة درب التبانة على أنها عدد لا يحصى من النجوم الصغيرة المتجمعة معا في مجال النجوم الثابتة، وبالتالي جادل بأنه من المستحيل بالتأكيد معرفة تأثيراتها. 
ـ نماذج المركزية الشمسية المبكرة: 
من أعمال البيرجندي "شرح التذكرة"، نسخة مخطوطة تعود لبداية القرن السابع عشر.

وكان عالم الفلك اليوناني الهلنستي سلوقس السلوقي ـ والذي دافع عن نموذج مركزية الشمس في القرن الثاني قبل الميلاد ـ قد ألف عملا تمت ترجمته لاحقا إلى العربية ونجا جزء من عمله فقط من خلال هذه الترجمة والتي ذكرها الفيلسوف الفارسي محمد بن زكرياء الرازي (865-925). 
وفي أواخر القرن التاسع طور أبو معشر البلخي نموذجا كوكبيا فسره البعض على أنه نموذج على مركزية الشمس، ويرجع هذا إلى ثوراته المدارية للكوكب التي جعلت كثورات مركزية بدلا من ثورات مركزية الأرض، والنظرية الكوكبية الوحيدة المعروفة التي يحدث فيها هذا هي في نظرية مركزية الشمس، ولم ينجو عمل البلخي في نظرية الكواكب ولكن تم تدوين بياناته الفلكية لاحقا من قبل الهاشمي وأبي الريحان البيروني والسجزي. 
والتقى البيروني في أوائل القرن الحادي عشر بعدد من العلماء الهنود الذين آمنوا بنظام مركزية الشمس، وفي كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة معقولة في العقل أو مرذولة" يناقش تلك النظريات حول دوران الأرض "لبراهماغوبتا" وعلماء الفلك الهنود الآخرين، بينما كتب في كتابه "القانون المسعودي" أن أتباع "أريابهاتا" قاموا بتعيين أول حركة من الشرق إلى الغرب إلى الأرض وحركة ثانية من الغرب إلى الشرق إلى النجوم الثابتة، وكتب البيروني أيضا أن السجزي اعتقد كذلك أن الأرض تتحرك واخترع نوعا من الإسطرلاب يسمى "الزورقي" بناء على هذه الفكرة. 
وفي كتابه "تحقيق ما للهند من مقولة معقولة" أشار البيروني باختصار إلى عمله في دحض مركزية الشمس "مفتاح علم الفلك" الذي فقد الآن. 
ـ برنامج "الحياة" المبكر: 
تظهر مخطوطات "تمبوكتو" كلا من الرياضيات وعلم الفلك.


وخلال هذه الفترة، ازدهر نظام إسلامي مميز لعلم الفلك، وكان من التقاليد اليونانية فصل علم الفلك الرياضي (كما هو موضح من قبل "بطليموس") عن علم الكونيات الفلسفي (كما هو محدد من قبل "أرسطو")، وطور العلماء المسلمون برنامجا للبحث عن التكوين الحقيقي المادي (حياة) للكون والذي سيكون متسقا مع كل من المبادئ الرياضية والفيزيائية، وفي سياق هذا التقليد بدأ علماء الفلك المسلمون يشككون في التفاصيل التقنية للنظام البطلمي لعلم الفلك. 
ومع ذلك ناقش بعض علماء الفلك المسلمين ـ وأبرزهم أبو الريحان البيروني ونصير الدين الطوسي ـ ما إذا كانت الأرض قد تحركت وفكروا كيف يمكن أن يكون ذلك متسقا مع الحسابات الفلكية والأنظمة الفيزيائية، وقام العديد من علماء الفلك المسلمين الآخرين؛ ولاسيما أولئك الذين يتبعون مدرسة المراغة لعلم الفلك بتطوير نماذج كوكبية غير بطلمية في سياق مركزية الأرض وتم تكييفها لاحقا بواسطة نموذج "كوبرنيكوس" في سياق مركزية الشمس. 
وبدأ ابن الهيثم بين عامي 1025 و 1028 تقليد "الحياة" لعلم الفلك الإسلامي في كتابه "الشكوك على بطليموس" مع احتفاظه بفكرة الواقع المادي لنموذج مركزية الأرض، وكان أول من انتقد نظام "بطليموس" الفلكي وذلك على أسس تجريبية، وطور ابن الهيثم بنية مادية للنظام البطلمي في أطروحته حول تكوين العالم والتي أصبحت عملا مؤثرا في تقليد "الحياة". وفي مثاله لعلم الفلك، أصر على أن الأجسام السماوية "كانت محسوبة على قوانين الفيزياء". 
وفي عام 1038، وصف ابن الهيثم التكوين غير البطلمي الأول في نموذج الحركات، ولم يكن إصلاحه هذا معنيا بعلم الكونيات، حيث طور دراسة منهجية للكينماتيكا (علم الحركة المجردة) السماوية التي كانت هندسية تماما، وأدى هذا بدوره إلى تطورات مبتكرة في الهندسة متناهية الصغر، وكان نموذجه الذي تم إصلاحه هو أول نموذج رفض مفهوم "معدل المسار" "والانحراف المداري" وفصل الفلسفة الطبيعية عن علم الفلك والكينماتيكا السماوية الحرة عن علم الكونيات وتقليص الكيانات المادية إلى كيانات هندسية، وطرح نموذجه أيضا دوران الأرض حول محورها، وكانت مراكز الحركة نقاطا هندسية دون أي أهمية فيزيائية مثل نموذج "يوهانز كبلر" بعد قرون من ذلك، ويصف ابن الهيثم أيضا نسخة مبكرة من نصل أوكام (مبدأ منطقي منسوب "لوليم الأوكامي") حيث لم يستخدم سوى الحد الأدنى من الفرضيات المتعلقة بالخصائص التي تميز الحركات الفلكية كما حاول أن يلغي من نموذجه الكوكبي الفرضيات الكونية التي لا يمكن ملاحظتها على الأرض. 
وفي عام 1030، ناقش أبو الريحان البيروني نظريات الكواكب الهندية "لآريابهاتا" و "براهماغوبتا" و "فاراهاميهيرا" في كتابه "تاريخ الهند" كما تقدم، وذكر أن "براهماغوبتا" وآخرين اعتبروا أن الأرض تدور حول محورها، ولاحظ البيروني أن هذه النظرية لا تخلق أي مشاكل رياضية، واقترح أبو سعيد السجزي ـ الذي كان معاصرا للبيروني ـ الحركة المركزية للأرض المحتملة حول الشمس، وهو ما لم يرفضه البيروني، وبينما كان محايدا في البداية بشأن نماذج مركزية الأرض ومركزية الشمس، فإنه اعتبر مركزية الشمس مشكلة فلسفية وأشار إلى أنه إذا كانت الأرض تدور حول محورها وتحركت حول الشمس فستظل متسقة مع معالمه الفلكية. 
ـ ثورة المدرسة الأندلسية: 
رفض ابن رشد دفاعات الانحراف المركزي المقدمة من "بطليموس" ورفض النموذج البطلمي وبدلا من ذلك جادل بخصوص نموذج متراكز للكون.

وفي القرنين الحادي عشر والثاني عشر واجه علماء الفلك في الأندلس التحدي الذي طرحه ابن الهيثم سابقا وهو تطوير تكوين غير بطلمي بديل والذي من شأنه تلافي الأخطاء الموجودة في النظام البطلمي، ومثل نقد ابن الهيثم، تضمن العمل الأندلسي المجهول "الاستدراك على بطليموس" قائمة من الاعتراضات على علم الفلك البطلمي، وكان هذا بمثابة بداية ثورة المدرسة الأندلسية ضد علم الفلك البطلمي المعروف باسم "الثورة الأندلسية". 
وفي القرن الثاني عشر رفض ابن رشد الدفاعات الشاذة المقدمة من "بطليموس"، ورفض النموذج البطلمي وجادل قي شأن نموذج متحد المركز للكون. 
وكتب موسى بن ميمون المعاصر لابن رشد معلقا على النموذج الكوكبي الذي اقترحه ابن باجة: "لقد سمعت أن أبا بكر [ابن باجة] اكتشف نظاما لا توجد فيه أفلاك تدوير، لكن النطاقات الشاذة غير مستثناة منه، ولم أسمع من تلامذته، وحتى لو كان صحيحا أنه اكتشف مثل هذا النظام، فإنه لم يكتسب الكثير منه، لأن الانحراف يتعارض بالمثل مع المبادئ التي وضعها "أرسطو"... لقد شرحت لكم أن هذه الإشكاليات لا تهم الفلك، لأنه لا يخبرنا عن الخصائص الحالية للأجواء، بل يقترح ـ سواء بشكل صحيح أم لا ـ نظرية تكون فيها حركة النجوم والكواكب موحدة ودائرية في اتفاق مع الملاحظة". 
واقترح ابن باجة أيضا مجرة درب تبانة مكونة من العديد من النجوم ولكن يبدو أنها صورة متواصلة بسبب تأثير الانكسار في الغلاف الجوي للأرض، وفي وقت لاحق من القرن الثاني عشر، كان خليفتاه ابن طفيل وأبو إسحاق البطروجي أول من اقترح نماذج الكواكب دون أي معدل للمسار أو أفلاك تدوير أو اختلافات مركزية، ومع ذلك، تم رفض تكويناتها لأن التنبؤات العددية للأوضاع الكوكبية في نماذجها كانت أقل دقة من النموذج البطلمي، ولأنها اتبعت ـ ويشكل رئيسي ـ فكرة "أرسطو" عن الحركة الدائرية المنتظمة. 
ـ ثورة المدرسة المراغية: 
وفي سياق متصل، تشير ثورة المراغة إلى ثورة مدرسة المراغة ضد علم الفلك البطلمي، وكانت مدرسة المراغة تقليدا فلكيا بدأ في مرصد المراغة واستمر مع علماء الفلك من دمشق وسمرقند، وحاول علماء فلك المراغة ـ مثل أسلافهم الأندلسيين ـ حل مشكلة معدل المسار وإنتاج تكوينات بديلة للنموذج البطلمي، وكانوا أكثر نجاحا من أسلافهم الأندلسيين في إنتاج تكوينات غير بطلمية قضت على معدل المسار والاختلاف المركزي (أو الانحراف المداري) وكانت أكثر دقة من النموذج البطلمي في توقع المواضع الكوكبية عدديا، وكانت متوافقة بشكل أفضل مع الملاحظات التجريبية. وكان من أهم علماء الفلك المراغيين مؤيد الدين العرضي (المتوفى سنة 1266) ونصير الدين الطوسي (1201-1274) ونجم الدين الكاتبي القزويني (المتوفى سنة 1277) وقطب الدين الشيرازي (1236-1311) وصدر الشريعة البخاري (حوالي سنة 1347) وابن الشاطر (1304-1375) وعلي القوشجي (حوالي سنة 1474) والبيرجندي (المتوفى سنة 1525) وشمس الدين الخفري (المتوفى 1550). 
نموذج ابن الشاطر لمظاهر عطارد يبين تضاعف الأفلاك المستعملة من قبل الطوسيين، وبالتالي إلغاء الانحراف الدائري البطلمي ومعدل المسار.

ووصف البعض إنجاز هؤلاء العلماء في القرنين الثالث عشر والرابع عشر بأنها "ثورة المراغة" أو "ثورة مدرسة المراغة" أو "الثورة العلمية قبل عصر النهضة" وتضمن جانب مهم من هذه الثورة إدراك أن علم الفلك يجب أن يهدف إلى وصف سلوك الأجسام المادية في اللغة الرياضية، ويجب ألا يبقى فرضية رياضية، والتي ستنقذ الظواهر فقط، كما أدرك علماء الفلك المراغيين أن وجهة النظر الأرسطية للحركة ليست صحيحة، حيث أظهر الطوسيان أن الحركة الخطية يمكن أن تنتج أيضا عن طريق تطبيق حركات دائرية فقط. 
وعلى عكس علماء الفلك الإغريق والهلنستيين الذين لم يهتموا بالترابط بين المبادئ الرياضية والفيزيائية لنظرية الكواكب، فقد أصر علماء الفلك المسلمين على ضرورة مطابقة الرياضيات مع العالم الحقيقي المحيط بهم، وهكذا اتسمت ثورة المراغة بالتحول عن الأسس الفلسفية لعلم الكون الأرسطي والفلك البطلمي وبتركيز أكبر على الملاحظة التجريبية وحساب الرياضيات لعلم الفلك والطبيعة بشكل عام. 
وتشمل الإنجازات الأخرى لمدرسة المراغة أول دليل تجريبي للرصد على دوران الأرض حول محورها من قبل الطوسي والقوشجي وفصل الفلسفة الطبيعية عن علم الفلك من قبل ابن الشاطر والقوشجي، ورفض النموذج البطلمي على أسس تجريبية وليست فلسفية من طرف ابن الشاطر، وتطوير نموذج غير بطلمي من قبله كان متطابقا رياضيا مع نموذج مركزية الشمس. 
مخطوطة من القرون الوسطى ألفها قطب الدين الشيرازي تصور نموذجا كوكبيا تداويريا.

وكان من إحدى المواضع النشطة في مدرسة المراغة وفي مرصد سمرقند لاحقا وإسطنبول هي إمكانية دوران الأرض وكان من مؤيدي هذه النظرية نصير الدين الطوسي ونظام الدين النيسابوري (حوالي 1313) والسيد الشريف الجرجاني (1339-1413) وعلي القوشجي والبرجندي ، وكان الطوسي أول من قدم دليلا تجريبيا للرصد على دوران الأرض باستخدام مواقع المذنبات ذات الصلة بالأرض والتي شرحها القوشجي بمزيد من التفصيل والملاحظات التجريبية بينما رفض الفلسفة الطبيعية الأرسطية تماما، وكانت حججهما مماثلة لتلك التي استخدمها "نقولا كوبرنيكوس" في 1543 لشرح دوران الأرض. 
ـ الفيزياء الفلكية التجريبية والميكانيكا السماوية: 
وقدم الأخ الأكبر لبني موسى ـ أبو جعفر محمد بن موسى بن شاكر ـ في القرن التاسع مساهمات كبيرة في الفيزياء الفلكية الإسلامية والميكانيكا السماوية، وكان أول من افترض أن الأجرام والمجالات السماوية تخضع لنفس قوانين الفيزياء مثل الأرض على عكس القدماء الذين اعتقدوا أن الأجرام السماوية تتبع مجموعتها الخاصة من القوانين الفيزيائية المختلفة عن تلك الخاصة بالأرض، واقترح محمد بن موسى في مؤلفه "الحركة النجمية وقوة الجذب" أن هناك قوة جذب بين الأجسام السماوية كما تنبأ بقانون "نيوتن" للجاذبية الكونية. 
وفي أوائل القرن الحادي عشر كتب ابن الهيثم "المقالة في ضوء القمر" قبل 1021، وكانت هذه أول محاولة ناجحة لدمج علم الفلك الرياضي مع الفيزياء وأول محاولة في تطبيق الطريقة التجريبية لعلم الفلك والفيزياء الفلكية، وقد دحض الرأي السائد عالميا بأن القمر يعكس ضوء الشمس كالمرآة وخلص بشكل صحيح إلى أن الضوء "ينبعث من كل نقطة من سطح القمر المضاء" وقام ببناء "الجهاز التجريبي العبقري" وصاغ مفهوما واضحا للعلاقة بين النموذج الرياضي المثالي ومجموع الظواهر التي يمكن ملاحظتها، وكان أول من استخدم طريقة منهجية لتغيير الظروف التجريبية بشكل ثابت وموحد. 
وكان ابن الهيثم في كتابه "المناظر" أول من اكتشف أن الأجرام السماوية لا تتكون من مادة صلبة واكتشف أيضا أن السماوات أقل كثافة من الهواء وتم تكرار هذه الآراء في وقت لاحق من قبل الراهب "ويتلو" وكان لها تأثير كبير على أنظمة علم الفلك الكوبرنيكية والتيخوية (نسبة إلى "تيخو براهي"). 
وفي القرن الثاني عشر شارك فخر الدين الرازي في الجدل بين علماء المسلمين حول ما إذا كانت الأجرام السماوية أو المدارات (الأفلاك) "تعتبر أجساما مادية حقيقية وملموسة" أو "محض دوائر مجردة في السماوات تتبعها النجوم والكواكب المختلفة عاما بعد عام"، وأشار إلى أن العديد من علماء الفلك يفضلون اعتبار هذه الأجرام صلبة "تدور عليها النجوم" في حين رأى آخرون ـ مثل العالم الإسلامي الضحاك المجال السماوي على أنه "ليس جسدا بل مجرد مدار مجرد تتبعه النجوم"، بينما كان الرازي مترددا بشأن النماذج السماوية ـ سواء كانت مجردة أم ملموسة ـ والتي كانت متوافقة أكثر مع "الواقع الخارجي" ولاحظ أنه "لا توجد وسيلة للتحقق من خصائص السماوات" سواء من خلال أدلة "يمكن ملاحظتها" أو من خلال الخبر أو الوحي الإلهي أو التقاليد النبوية، وخلص إلى أن النماذج الفلكية ـ بغض النظر عن فائدتها أو افتقارها إلى نظام سماوي لم تستند إلى أدلة عقلانية سليمة، وبالتالي "لا يمكن تقديم أي تعهد فكري فيما يتعلق يوصف وشرح الحقائق السماوية". 
وأكد اللاهوتي عضد الدين الإيجي (1281-1355) ـ تحت تأثير العقيدة الأشعرية في مذهب العلية الموقعية ـ أن جميع الآثار المادية الناتجة مباشرة عن إرادة الله وليس لأسباب طبيعية، ورفض مبدأ "أرسطو" حول الحركة الدائرية للأجرام السماوية، وتم تحدي وجهات نظره من قبل الجرجاني (1339-1413) الذي جادل بأنه حتى لو لم تكن للمجالات السماوية "واقع خارجي" إلا أنها أشياء" يتم تخيلها بشكل صحيح وتتوافق مع [الموجود] في الواقع". 
ـ الفيزياء الفلكية وحركة الأرض:

وينظر إلى عمل علي القوشجي ـ الذي عمل في سمرقند ثم في إسطنبول ـ كمثال متأخر على الابتكار في علم الفلك النظري الإسلامي، ويعتقد أنه ربما كان له بعض التأثير على "نيكولاس كوبرنيكوس" بسبب الحجج المماثلة التي استعملها بخصوص دوران الأرض، وقبل القوشجي، كان الفلكي الوحيد الذي قدم أدلة تجريبية على دوران الأرض هو نصير الدين الطوسي الذي استخدم ظاهرة المذنبات لدحض ادعاء "بطليموس" بأنه يمكن تحديد الأرض الثابتة من خلال المراقبة، ومع ذلك قبل الطوسي في نهاية المطاف فكرة ثبات الأرض على أساس علم الكونيات الأرسطي والفلسفة الطبيعية. وبحلول القرن الخامس عشر، تراجع تأثير الفيزياء الأرسطية والفلسفة الطبيعية بسبب المعارضة الدينية من علماء الدين الإسلامي ـ مثل الغزالي ـ الذين عارضوا تدخل الأرسطية في علم الفلك، مما فتح إمكانيات لعلم فلك غير مقيد بالفلسفة، وتحت هذا التأثير رفض القوشجي في كتابه المتعلق بالاعتماد المفترض للفلك على الفلسفة، الفيزياء الأرسطية وفصل الفلسفة الطبيعية تماما عن علم الفلك، مما سمح لعلم الفلك بأن يتحول إلى علم تجريبي ورياضي بحت، الشيء الذي مكنه من استكشاف بدائل للفكرة الأرسطية عن الأرض الثابتة، فابتكر بذلك فكرة الأرض المتحركة، كما لاحظ المذنبات وتوسع في حجة الطوسي، كما خطا خطوة أخرى وخلص ـ على أساس الأدلة التجريبية بدلا من الفلسفة التأملية ـ إلى أن نظرية الأرض المتحركة من المحتمل أن تكون صحيحة مثل نظرية الأرض الثابتة وأنه من غير الممكن الخلوص إلى استنتاج تجريبي بشأن صحة أي من النظريتين، وكان عمل القوشجي هذا خطوة هامة بعيدا عن الفيزياء الأرسطية في اتجاه الفيزياء الفلكية المستقلة. 
وعلى الرغم من التشابه في المناقشات التي جرت بشأن حركة الأرض، إلا أن هناك عدم يقين حول ما إذا كان للقوشجي أي تأثير على "كوبرنيكوس"، ومع ذلك فمن المحتمل أن كلاهما قد توصل إلى استنتاجات مماثلة بسبب استخدام العمل السابق للطوسي كأساس نظرا للمصادفة الرائعة بين كتاب "الكتاب في دورات الكواكب السماوية" "لكوبرنيكوس" وكتاب "التذكرة النصيرية" للطوسي حيث يتبع "كوبرنيكوس" اعتراض الطوسي على "أدلة "بطليموس" على عدم ثبات الأرض"، ويمكن اعتبار هذا كدليل على أن "كوبرنيكوس" لم يتأثر فقط بالنماذج الرياضية لعلماء الفلك المسلمين ولكن ربما تأثر أيضا بالفيزياء الفلكية التي بدؤوا في تطويرها وآرائهم حول حركة الأرض. 
وفي القرن السادس عشر، استمر البيرجندي (المتوفى عام 1528) في النقاش حول حركة الأرض، وقام في ـ سياق تحليله لما قد يحدث إذا كانت الأرض تتحرك ـ بتطوير فرضية مشابهة لمفهوم "جاليلو جاليلي" عن "القصور الذاتي الدائري" الذي وصفه في معرض رده على إحدى حجج قطب الدين الشيرازي. 
المرجع:


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...