الاثنين، 11 مايو 2020

فيون ماك كومهيل

"فيون ماك كومهيل" يلتقي خدم والده القدامى في غابات "كوناكت"، تصوير "ستيفن ريد".

فيون ماك كومهيل Fionn mac Cumhaill (الذي يدعى في الإنجليزية عادة "فين ماكول" Finn McCool أو Finn MacCool)، كان صيادا ومحاربا في الأساطير الإيرلندية وكذلك الأساطير الإسكتلندية وأساطير جزيرة "مان". وشكلت قصص "فيون" وأتباعه "الفيانا" (Fianna) "الدورة الفنيانية" التي روى الكثير من بطولاتها الشاعر "ويسن" إبن "فيون". 

وفي الإيرلندية القديمة تعني كلمة finn و find الأبيض؛ اللامع؛ البراق؛ المقبول؛ فاتح اللون؛ حسن المظهر؛ الوسيم؛ المشرق؛ وبمعنى أخلاقي: عادل؛ منصف؛ صادق؛ مبارك. وعرفت هذه الكلمة في الإيرلندية البدائية بـ vondo، وفي الويلزية gwyn، وفي الكورنية gwen، وفي كل من السلتية القارية والبريتونية uindo (وهو إسم شائع للأشخاص والأماكن) وهو مشتق من الصفة المذكر في السلتية البدائية windos (الذي يبدو أنه مشتق بدوره من الجذر الهندوأوروبي البدائي weyd بمعنى "المعرفة" أو "الرؤية"). 

وسردت ولادة "فيون" ومغامراته المبكرة في حكاية "أعمال صبا فيون" ومصادر أخرى. وكان "فين" ابنا "لكومهيل" قائد "الفيانا" من امرأة تسمى "مويرن"، وقد ولد بعد وفاة والده. 
سماع "فيون ماك كومهيل" لنغمات القيثار الخيالي الأولى. رسم توضيحي "لستيفن ريد".

وكان "فين" ووالده "كومهيل ماك ترينمور" (ابن "ترينمور") ينحدران من "لينستر" المتجذرة من قبيلة "أوثيرسيج" (أحفاد "تيرسيو"). وهناك إشارة "لأوثيرسيج" في كتاب "احتلال إيرلندا" كواحدة من ثلاث قبائل تنتمي "لفير بولج". 

كانت أم "فين" تدعى "مويرن موينكايم" Muirne Muincháem (ذات العنق الجميل أو ذات العنق المحبوب)، وهي ابنة "تاد ماك نودات" وحفيدة "نودات" الكاهن الذي خدم "كاثير مور" الملك الأكبر في ذلك الوقت بالرغم من وصفها بأنها كانت حفيدة "نودو" من "توثا دي دنان" حسب مصدر آخر (هو "حكايات قدماء إيرلندا" Acallam na Senórach). وخدم "كومهيل" "كون ذو المعارك المائة" الملك الكبير "لكيناندوس" Cenandos (كيلز المعاصرة). 

وكان "كومهيل" قد اختطف "مويرن" بعد أن رفض والده تزويجه منها، فاستغاث "تاد" بالملك الأعلى "كون" الذي عده خارجا عن القانون، ونشبت معركة "كونتشا" بين "كومهيل" و "كون" وقتل "كومهيل" على إثرها من قبل "جول ماك مورنا" الذي تولى قيادة "الفيانا" بعده. 

وكانت "الفيانا" عبارة عن فرقة من المحاربين بمثابة نظام عسكري تشكل أساسا من أفراد عشيرتين متنافستين هما "كلان باسكنا" (التي ينتمي إليها "فين" ووالده "كومهيل") و "كلان مورنا" (التي ينتمي إليها "جول ماك مورنا")، وكان من المفترض أن تكرس "الفيانا" لخدمة الملك الأعلى وصد الغزو الأجنبي، وبعد مقتل "كومهيل"، استبدل "بجول ماك مورنا" كزعيم "للفيانا" حيث شغل هذا المنصب عشر سنوات. 

وكانت "مويرن" في تلك الأثناء حاملا ورفضها والدها حيث أمر قومه بحرقها، إلا أن الملك "كون" لم يسمح بذلك وأمر بجعلها تحت حماية "فياكال ماك كونكهاين" الذي كان متزوجا من "بودمال" الكاهنة أخت "كومهيل"، وفي منزل "فياكال" أنجبت "مورين" ولدا سمته "ديمني" Diemne الذي يعني حرفيا "اليقين" أو "الحقيقة" ويعني أيضا "الغزال اليافع"، وتخبرنا عدة أساطير أن هذا الولد حصل على لقب "فيون" عندما شاب شعره قبل الأوان. 

وتم اختطاف "فيون" وأخيه "تولشا" من قبل "جول" وإخوانه (أبناء "مورنا")، ونتيجة لذلك أبعد "فيون" عن والدته "مويرن" ووضع في رعاية "بودمال" وامرأة تدعى "لياث لواتشرا" اللتان كانتا تخرجانه سرا إلى غابة "سلياب بلادما" وتعلمانه فنون الحرب والصيد، وبعد بلوغه سن السادسة، تعلم "فين" الصيد واعتزم الهرب من أبناء "مورنا". 

وبتقدمه في السن دخل "فين" في خدمة عدة ملوك محليين، لكن كلما كان يعترف بأنه ابن "كومهيل" فإنهم كانوا يطلبون منه المغادرة خوفا من عجزهم عن حمايته من أعدائه. 

واكتسب "فين" ما سماه المعلقون "إبهام المعرفة" بعد تناوله لسمكة سلمون كان يعتقد أنها "سلمون الحكمة" وذكر ذلك في "أعمال صبا فيون". 

والتقى "فيون" اليافع (الذي كان مايزال معروفا باسمه "ديمني") الشاعر "فين إيكيس" (فينيغاس) قرب نهر "بوين" وتعلم على يده، وكان "فينيغاس" قد قضى سبع سنوات محاولا القبض على سمكة السلمون التي عاشت في بركة "فيك" في"بوين" بسبب نبوءة أن الشاعر سيأكل هذه السمكة وبعدها "لن يبقى شيء مجهول لديه"، وعلى الرغم من أن هذه السمكة لم تسمى تحديدا "سلمون المعرفة" في النص فقد افتُرض أنها السلمون الذي يتغذى على بندق المعرفة في "سيجيس". وفي النهاية أمسك الشاعر بالسمكة وأمر الصبي "ديمني" بطبخها، وأثناء طهيها أحرق "ديمني" إبهامه ووضعه في فمه مما جعله يتشبع بحكمة سمكة السلمون، وعندما رأى "فينيغاس" أن الصبي قد اكتسب الحكمة أعطاه السمكة بكاملها ليأكلها وأعطاه إسمه الجديد "فيون". 

وبعد ذلك، كلما تلا "فيون" تعويذه teinm láida واضعا إبهامه في فمه، فإنه كانت تتكشف له المعرفة التي يرغب في اكتسابها. وفي الأحداث اللاحقة في حياته، تمكن "فين" من استحضار قدرة "إبهام المعرفة" فعرف كيفية أخذ ثأره من "جول". 

وكان أحد الإنجازات التي قام بها "فين" في العاشرة من عمره هو قتل "إيلن" (أو الرجل ذو الأنفاس النارية) من "توثا دي دنان" الذي كان يجيء لإحداث دمار في العاصمة الإيرلندية "تارا" كل عام في مهرجان "سامهاين" منذ 23 سنة مضت، حيث كان يجعل رجال المدينة ينامون بموسيقاه ثم يحرق المدينة وكنوزها. 
"فيون" يقاتل "إيلن"، تصوير "بياتريس إيليفري".

فعندما سأل ملك إيرلندا عن الرجال الذين سيحرسون "تارا" ضد غزو "إيلن" تطوع "فين" لذلك، وقد حصل على رمح خاص ("البيرغا") من "فياتشا ماك كونغا" (إبن "كونغا") وصد سحر موسيقى "إيلن" بكشفه للرمح وجعل شفرته الفولاذية تمس جبهته أو أي جزء آخر من جسمه، وكان "فياتشا" أحد رجال "كومال" لكنه في وقت "ديمني" كان يخدم الملك الأعلى. 

وبعد أن هزم "فين" "إيلن" وأنقذ "تارا" تم الاعتراف بتراثه وأعطي قيادة "الفيانا"، وتنحى "جول" ليصبح تابعا مخلصا "لفين" رغم اندلاع النزاع بين عشيرتيهما لاحقا حول خنزير "سلانجا". 

وقبل أن يكمل "فين" المبارزة في التلة الخرافية دفاعا عن "تارا" كان يوصف بأنه اللص ذي العشر السنوات الخارج عن القانون، ويذكر في موضع آخر أيضا أنه عندما نشأ "ليصبح قادرا على ارتكاب النهب في حق كل من كان عدوا" فقد ذهب إلى جده لأمه للمطالبة بالتعويض عن موت أبيه، ووافق "تاد" وتخلى له عن ملكية "ألمو" (تلة "ألين" الحالية) كما دفع له "جول ماك مورنا" دية عن ذلك. 

وكان اسم سيف "فين" "ماك أن لوين". 

والتقى "فين" زوجته الأكثر شهرة "سابا" عندما كان في رحلة صيد، وكانت قد تحولت إلى "غزال" على يد كاهن يدعى "فير ديوريك" بعدما رفضت الزواج به. وكان "لفين" كلبا صيد هما "بران" و "سكيولانج" المولودان من إنسان مسحور في شكل كلب، وقد تعرفا على حقيقة "سابا" البشرية فأعادها "فين" إلى ديارها لتتحول مرة أخرى إلى امرأة في اللحظة التي وطأت قدمها أرض "فيون" حيث كان ذاك هو المكان الوحيد الذي تستطيع فيه استعادة شكلها الحقيقي، وتزوجت "فين" وسرعان ما حبلت منه، وعندما كان "فين" بعيدا عن دياره للذود عنها، عاد الكاهن "فير ديوريك" (رجل الظلام بالمعنى الحرفي للإسم) وحولها إلى أيل ثم اختفت، وأمضى "فين" سنوات في البحث عنها لكن دون جدوى إلا أن كلبا الصيد "بران" و "سكيولانج" وجدا ابنهما "ويسن" مرة أخرى في شكل شادن فحوله والده إلى طفل مرة أخرى وأصبح أحد أعظم أعضاء "الفيانا" بعده. 

وفي حكاية "مطاردة ديارمويد و جريان" فإن الملك الأعلى "كورماك ماك إيرت" وعد بتزويج "فيون" الهرم من ابنته "جريان" لكن في وليمة الزفاف وقعت "جريان" في حب أحد أعضاء "الفيانا" يدعى "ديارمويد أودويباين" لجماله وأجبرته على الهرب معها فقام "فيون" بملاحقتهما، وحصل العاشقان على مساعدة "الفيانا" ووالد "ديارمويد" بالتبني الإله "آينجوس"، وفي النهاية عقد "فيون" سلاما مع الزوجين، وبعد سنوات من ذلك دعا "فيون" "ديارمويد" إلى صيد الخنازير، فتعرض "ديارمويد" للنطح وكان للماء الذي في حوزة "فيون" القدرة على معالجة "ديارمويد" إلا أنه في كل مرة كان "فيون" يجمع الماء يتركه يتسرب عبر أصابعه قبل أن يعود إلى "ديارمويد" فكشف حفيده "أوسكار" أمره وعندما عاد بالماء أخيرا كان الأوان قد فات ومات "ديارمويد". 

ووفقا للرواية الأكثر شيوعا حول وفاة "فيون"، فإنه لم يمت مطلقا، بل نام في كهف محاطا "بالفيانا"، وأنه سيستيقظ ذات يوم ليدافع عن إيرلندا في أحوج ساعاتها إليه، وفي إحدى الروايات، قيل أنه سينهض عندما يسمع "الدورد فيان" وهو بوق صيد "الفيانا" وذلك ثلاث مرات، وسوف يكون قويا هذه المرة أكثر من أي وقت مضى. 
"فيون" من قبل "بياتريس إيليفري".

وتنسب العديد من المعالم الجغرافية في إيرلندا إلى "فيون"، وتقول الأسطورة أنه بنا ممر العمالقة كنقطة انطلاق إلى إسكتلندا وذلك كي لا يبلل قدميه، كما قام ذات مرة بجمع جزء من إيرلندا ليقذف به منافسا له لكنه أخطأه ووقع ذلك الجزء في بحر إيرلندا لتشكل الكتلة جزيرة "مان" والحصى المتطاير صخرة "روكال" وصار الفراغ بينهما بحيرة "لوك ناي"، وهناك في إسكتلندا أسطورة شائعة مفادها أن "إيلسا كريغ" وهي صخرة بحرية صغيرة تقع قبالة ساحل مقاطعة "أيرشاير" كانت صخرة أخرى ألقاها "فيون" على "بيناندونار"، ويشار إلى الصخرة باسم صخرة "ميل باديس" في "أيرشاير"، وسمي كهف "فينغال" في إسكتلندا تيمنا "بفيون", 

وفي كل من الفلكلور الإيرلندي والمنكي يتم تصوير "فيون ماك كومهيل" في شكل ساحر عملاق طيب، وتروي القصة الأكثر شهرة في هذا الخصوص كيف أن "فيون" في يوم من الأيام وأثناء توجهه لإسكتلندا عبر ممر العمالقة فقيل له أن العملاق "بيناندونار" قادم لمحاربته (وفي الرواية المنكية هو "بوغاني") وكان "فيون" غير قادر على الصمود أمام "بيناندونار" الضخم فسأل زوجته "أوانا" أن تساعده فجعلت زوجها "فيون" يرتدي ملابس رضيع وخبأته في مهد ثم أعدت كعكا مشويا وأخفت شوايات الحديد في بعض القطع، وعندما وصل "بيناندونار" أخبرته أن "فيون" قد خرج وسيعود قريبا، وبينما كان "بيناندونار" ينتظر، حاولت "أوان" تخويفه من قوة "فيون" الهائلة وكيف أنه يستطيع تحطيم الصخر بأصبعه الصغير ثم قدمت له الكعك لكن "بيناندونار" بمجرد قضمه لقطعة من الكعك تكسرت أسنانه، فوبخته "أوان" ونعتته بالضعيف قائلة أن زوجها يأكل ذلك الكعك بسهولة، ثم أطعمت قطعة من الكعك غير المحشو بالحديد لطفلها المزعوم الذي تناولها دون عناء. 

وفي الرواية الإيرلندية، فإن "بيناندونار" يتعحب من قوة أسنان الطفل وحجمه لدرجة أنه وبتشجيع من "آوانا" يضع أصبعه الصغير في فم "الصبي" ليستشعر حدة أسنانه فيعضها "فيون" ويتوجس "بيناندونار" من مقابلة "فيون" الأب بالنظر إلى حجم الطفل ويركض "بيناندونار" إلى إسكتلندا عبر ممر العمالقة ويحطمه حتى لا يتمكن "فيون" من ملاحقته. 

وتحتوي الرواية المنكية الغايلية على قصة أخرى عن كيفية قتال "فيون" و "بوغاني" في "كيرك كريست روشن" إذ نحت "فيون" بقدمه القنال بين جزيرة "عجل مان" و "كيترلاند" وفتح بقدمه الأخرى "بورت إيرين"، وقام "البوغاني" بإصابة "فيون" بجروح ففر "فيون" فوق البحر (حيث لا يمكن أن يتبعه "البوغاني") ومع ذلك قلع "البوغاني" إحدى أسنانه وحاول أن يضرب "فيون" بها أثناء فراره فوقعت في البحر لتشكل صخرة "تشيكن"، فألقى "فيون" لعنته على السن مما جعل الصخرة تشكل خطرا على البحارة. 

وفي "نيوفاوندلاند" وبعض أجزاء "نوفا سكوتيا" يتم تداول حكاية عن "نهوض فينغال" في سياق محلي، واشتهرت هذه الحكاية التي تتحدث عن "فينغل" في الأغاني والحانات كما ينطق في الإنجليزية المحلية مقابل "فيون ماكول" في الإيرلندية المحلية، ويستخدم أحيانا كواجهة "لنيوفاوندلاند" وثقافتها. 

وفيما يخص الفرضيات التاريخية حول "فيون ماك كومهيل" فقد اعتبر "جيفري كيتنغ" جامع تاريخ القرن السابع عشر أن "فيون ماك كومهيل" كان شخصية تاريخية وآزره في ذلك مجموعة من العلماء الإيرلنديين البارزين في القرن التاسع عشر. 

وتم مطابقة الهوية الافتراضية "لفيون" مع "كيتيل فايند" (المتوفى سنة 856 م) وهو رجل شمالي أقام في "مونستر" واقترح هذه الهوية "هاينريش زيمر"، وكان لهذا الرجل لقب نوردي "كيتيل" واسم إيرلنديا "فايند" الذي يعني "العادل" أو "الأبيض"، مما يشير إلى علاقة "بفيون ماك كومهيل" إلا أن والد "كيتيل" كان ينبغي أن يحمل إسما نورديا كذلك وليس "كومهيل" مما جعل هذه الفرضية مستبعدة من قبل "جورج هندرسون". 
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...