الخميس، 24 أكتوبر 2019

سومر - الجزء الثاني

هاجر أوائل المزارعين من "سامراء" إلى "سومر" وبنوا الأضرحة والمستوطنات في "إريدو".

وتشير التقديرات إلى أن تعداد ساكنة "أوروك" ـ وهي واحدة من أكبر مدن سومر ـ قد تراوح بين 50.000 و 80.000 نسمة، وبالنظر إلى باقي المدن السومرية التي كانت ذات نشاط زراعي كبير يمكن القول أن العدد الإجمالي لسكان "سومر" تراوح ما بين 800.000 و 1.500.000 نسمة، بينما كان يقدر عدد سكان العالم في هذه الفترة بـ 27 مليون نسمة. 

وكما سبقت الإشارة، تحدث السومريون لغة معزولة، لكن عددا من اللغويين زعموا أنهم تمكنوا من اكتشاف الأساس اللغوي لترتيب مجهول دون السومرية لأن أسماء بعض المدن السومرية لم تكن سومرية، مما يكشف عن تأثيرات السكان السابقين، ومع ذلك، فإن السجل الأثري يدل على استمرارية ثقافية واضحة دون انقطاع منذ وقت مبكر من فترة العبيديين (5300-4700 ق.م)، وفي جنوب بلاد الرافدين قام السومريون الذين استقروا هناك بزراعة الأراضي التي صارت خصبة بسبب الطمي الذي كان يخلفه نهرا دجلة والفرات هناك. 

وقد تكهن بعض علماء الآثار أن المتحدثين الأصليين باللغة السومرية القديمة ربما كانوا من المزارعين الذين انتقلوا من شمال بلاد ما بين النهرين بعد إتقان زراعة الري هناك، وتم ربط فخار فترة العبيديين في جنوب بلاد ما بين النهرين عبر أدوات موقع "شوغا مامي" التي تؤرخ لمرحلة انتقالية نحو ثقافة فترة "سامراء" (حوالي 5700-4900 ق.م)، وشمالا بأولئك الذين كانوا أول من مارس شكلا بدائيا من زراعة الري على طول نهر دجلة الأوسط وروافده، ويظهر هذا الارتباط أكثر في "تل عويلي" بالقرب من "لارسا" الذي تم التنقيب فيه من قبل الفرنسيين في الثمانينات حيث أسفرت التنقيبات عن ثمان مستويات من فخار ما قبل فترة العبيديين يشبه الفخار السامرائي، ووفقا لهذه النظرية، انتشرت الشعوب الزراعية في جنوب بلاد ما بين النهرين لأنها طورت منظومة اجتماعية محورها المعبد لتعبئة اليد العاملة والتقنية اللازمة التي من شأنها التمكين من التحكم في المياه، وكذا تمكين هذه الشعوب من البقاء والازدهار في هكذا بيئة صعبة. 

واقترح آخرون أن السومريون انحدروا من الصيادين المحليين المرتبطين بالتجمعات القبلية الموجودة على الساحل العربي، ويعتقد أحد هؤلاء وهو "جوريس زراينش" أن السومريين ربما كانوا هم الأشخاص الذين عاشوا في منطقة الخليج الفارسي قبل أن يتدفق ماؤه في نهاية العصر الجليدي الأخير. 
إعادة تشكيل لأغطية الرأس والقلائد التي ترتديها النساء في المقبرة الملكية "لأور"، المتحف البريطاني.

وتشير الصور التوضيحية البدائية التي تعود للفترة السومرية المبكرة إلى أن الفخار كان وفيرا للغاية، وكانت أشكال المزهريات والأوعية والأطباق متنوعة، وكانت هناك جرار خاصة للعسل والزبدة والزيت والنبيذ الذي ربما كان مصنوعا من التمور، وكانت بعض المزهريات ذات قوائم مدببة ومتشابكة، والبعض الآخر كان مسطحا، ويوضع على إطارات مربعة أو مستطيلة من الخشب، وقد تم ختم الجرار الزيتية وربما غيرها أيضا بالطين كما حدث في مصر في وقت مبكر. 

وكان السومريون يرتدون ثيابا من الريش كما استخدموا الأسرة والمقاعد والكراسي، وكانت القوائم منحوتة على شكل قوائم الثور، وكانت هناك أماكن مخصصة للمواقد والمذابح. 

وكانت السكاكين والمثاقب والأوتاد والمناشير معروفة جميعا عند الشعب السومري بينما استخدمت الرماح والأقواس والسهام والخناجر ـ وليس السيوف ـ في الحروب. 

وتم استخدام الألواح لأغراض الكتابة وكان يتم تقلد الخناجر ذات الشفرات المعدنية والمقابض الخشبية ووضع النحاس في صفائحها بينما القلائد أو الأطواق فكانت مصنوعة من الذهب. 

وتم حساب الوقت بالأشهر القمرية. 

وهناك أدلة كثيرة على الموسيقى السومرية التي عزفت فيها آلات السمسميات والمزامير ومن بين أشهر الأمثلة على ذلك سمسميات "أور". 

وتحدد النقوش إصلاحات "أوروكاجينا" ملك "لجش" (حوالي 2300 ق.م) في إلغائه للعرف السابق المتعلق بتعدد الأزواج في بلده وأصدر قوانين تأمر برجم كل امرأة اقترنت بأزواج متعددين. 

لقد سيطر على الثقافة المسمرية في المجمل الذكور والتفكير الطبقي، وتوضح مدونة "أورنمو" والتي تعد أقدم مدونة تكتشف في هذا الشأن والتي يرجع تاريخها إلى فترة "أور الثالثة" لمحة عن البنية المجتمعية في سومر حيث أنه تحت الملك "لوغال" (الرجل العظيم في معنى آخر) كان ينقسم المجتمع إلى طبقتين أساسيتين: طبقة "لو" أو الأشخاص الأحرار والعبيد (كان يسمى الذكور منهم "أراد أو عراد" والإناث "جيمي")، وكان ابن "لو" يطلق عليه "دومو-نيتا" إلى أن يتزوج، وكانت المرأة (مونوس) تنتقل من طور الإبنة (دومو-مي) إلى الزوجة (دام) وعندما كان يموت عنها زوجها تسمى (نوماسو) بمعنى أرملة وكان في استطاعتها الزواج بعد ذلك من رجل آخر من نفس القبيلة. 
أميرة سومرية في زمن "جوديا" حوالي 2150 ق.م.

وعادة ما كان يتم ترتيب الزيجات من قبل والدي العريس والعروس، وكان يتم الانتهاء من تلك الترتيبات عبر الموافقة على العقود المسجلة على أقراص الطين، وكانت تعتبر هذه الزيجات قانونية بمجرد تقديم العريس هدية الزفاف إلى عروسه، وتصف إحدى الأمثال السومرية الزواج السعيد المثالي من خلال افتخار الزوج بأن زوجته أنجبت منه ثمانية أبناء ولاتزال متلهفة لممارسة الجنس. 

ويبدو أن السومريين عادة ما كانوا لا يشجعون الجنس قبل الزواج، ولكن كان من المحتمل أن يتم ذلك سرا، ولم يكن للسومريين والأكاديين لاحقا مفهوم للعذرية، وعند وصف الخبرة الجنسية لامرأة بدل نعتها بالعذراء تحدد النصوص السومرية أفعال الجنس التي لم تقم بها بعد، ولم يكن للسومريين أي معرفة بوجود غشاء البكارة، وما إذا كانت العروس المحتملة قد انخرطت في ممارسة جنسية من قبل أم لا، حيث لم يكن يعرف ذلك إلا من خلال إقرارها. 

ويتضح من التسجلات الأولى أنه كان لدى السومريين مواقف مريحة للغاية تجاه الجنس، حيث كان يتم تحديد عاداتهم الجنسية ليس انطلاقا من المعايير الأخلاقية بل انطلاقا من المعايير الطقوسية التي تحدد ما إذا كان الجنس الممارس سيجعل الشخص طاهرا أم لا، وكانوا يعتقدون على نطاق واسع أن ممارسة العادة السرية تساعد على الفعالية الجنسية سواء بالنسبة للرجال أو النساء حيث كثيرا ما كانوا يشاركون فيها سواء منفردين أو مع شركائهم، كما لم يعتبر السومريون الجنس الشرجي من المحرمات، حيث منعت كاهنات "إنتو" مثلا من الإنجاب فكن يمارسن الجنس الشرجي كثيرا كوسيلة من وسائل تحديد النسل، كما وجدت الدعارة في "سومر" غير أنه ليس من الواضح ما إذا كانت تعتبر مقدسة أم على النقيض.
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...