السبت، 31 أغسطس 2019

الأمريكيون الليبيريون

مونروفيا خلال القرن التاسع عشر.

الأمريكيون الليبيريون أو "شعب الكونغو" باللغة الإنجليزية الليبيرية هم مجموعة عرقية ليبيرية تنحدر من أصول إمريكية ـ إفريقية وكاريبية ـ إفريقية وكذلك المحررين من أصول إفريقية. والمجموعة العرقية الشقيقة للأمريكيين الليبيرين هي الشعب الكريولي من سيراليون حيث تتشارك المجموعتان نفس الجذور والثقافة. وينسب الأمريكيون الليبيريون أصولهم إلى الأفارقة الأمريكيين سواء الذين ولدوا أحرارا أو الذين كانوا عبيدا وأعتقوا فيما بعد من الذين هاجروا في القرن التاسع عشر ليصبحوا المؤسسين لدولة ليبيريا، وهكذا يحددون أنفسهم بالأمريكيين الليبيريين. وبعض الأمريكيين الأفارقة ـ بالمعنى الأعم للمصطلح ـ شاركوا؛ بعد إعادة توطينهم في كندا بتأسيس سيراليون وساحل العاج كمواطنين مؤسسين كذلك. وعلى الرغم من أن مصطلحي "الأمريكيين الليبيريين" و "الكونغو" كانا متمايزان في القرن التاسع عشر فإنهما حاليا متعاوضان ويشيران إلى مجموعة عرقية تتألف من مختلف أحفاد الأمريكيين من الأصول الإفريقية الحرة الذين كانوا مستعبدين في وقت سابق "الريكابتيفز"، إضافة إلى الكاريبيين والكريول السيراليونيون الذين أقاموا في ليبيريا بدءا من سنة 1822. 

وقد أدمج هؤلاء الأمريكيون الإفريقيون في وقت لاحق نحو 5000 إفريقيا معتوقا يدعون "الكونغوس" (وهم العبيد السابقون من حوض الكونغو الذين أعتقوا على يد البريطانيين والأمريكيين من سفن الرقيق بعد حظر تجارة الرقيق الإفريقية) و كذلك 500 مهاجرا باربادوسي في "الهيمنة" (الهيمنة هنا تشير إلى نوع غير مباشر من الحكومة ذات السيادة الإمبراطورية حيث تمارس الدولة المسيطرة القيادة الجيوسياسية على الدول المسيطر عليها باستخدام القوة بدل السيطرة العسكرية المباشرة). وللإشارة فإنه نادرا ما كان يتزاوج الأمريكيون الليبيريون مع سكان غرب إفريقيا الأصليين. 

وعلى الرغم من أن الخطاب والأدب الغربي عموما وبالأخص في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يستخدمان مصطلح "الأمريكيين الليبيريين"، إلا أن هذا المصطلح يعد الآن عتيقا ومتجاوزا وفي التعبير الشائع لدى أغلب الليبيريين (بمن فيهم الأمريكيون الليبيريون أنفسهم) وجيرانهم في غرب إفريقيا مثل السيراليونيين فإنه يشار إلى الأمريكيين الليبيريين باسم "الكونغو" أو "الكونغاو". 

وقد قاد هؤلاء المستعمرون الأفارقة وأحفادهم القطاعات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلاد وتمكنوا من حكم الأمة الجديدة بدءا من القرن التاسع عشر إلى حدود 1980 كأقلية مهيمنة. ومن سنة 1878 إلى 1980 كانت جمهورية ليبيريا دولة بحزب واحد بحكم الأمر الواقع يديرها حزب "ترو ويغ" الذي هيمن عليه كل من السكان ذوي الأصول الأمريكية الليبيرية والمحفل الماسوني الليبيري. 

كان "حب الحرية الذي جلبنا إلى هنا" شعارا لنحو 13.000 شخص عبروا المحيط الأطلسي لإنشاء مستوطنات جديدة على ساحل الحبوب في غرب إفريقيا بين عامي 1817 و 1867، وانضم الأمريكيون الليبيريون هؤلاء إلى القوات المسلحة الملكية في "مملكة كويا" (التي كانت توجد على أراضي سيراليون الحالية) بمساعدة جمعية الاستعمار الأمريكية، ومارس المستوطنون الأوائل عقيدتهم المسيحية بالاشتراك أحيانا مع المعتقدات الدينية الأفريقية التقليدية، وتحدثوا اللغة الإنجليزية العامية الإمريكية الإفريقية (أو الإيبونيكسية)، وقلة منهم غامروا في الداخل أو اختلطوا مع الشعوب الأفريقية المحلية. وقد هربت معظم العائلات الأمريكية الليبيرية القديمة القوية سنة 1980 إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد اغتيال الرئيس "ويليام تولبرت" في انقلاب عسكري. 

وهكذا كان الأمريكيون الليبيريون قد أنشؤوا عدة مستوطنات على طول نهر "سانت بول" مثل "مونروفيا" و "كروزرفيل" و "كاريسبيرغ" و "كلاي آشلاند" و "بوكانان" و "ميريلاند" و "ميسيسيبينافريكا" و "غرينفيل"، واستقر العديد من الأمريكيين الليبيريين أيضا في "كيب ماونت"، أما السكان البارباديون الذين تم دمجهم في العرق الأمريكي ـ الليبيري أو "الكونغو" فقد استقروا تحديدا في "كروزييرفيل" وشكلوا عائلات بارزة مثل "آل باركليز" و "آل مورغانز" و "آل بيستس" و "آل ثوربز" و "آل ويكس" و "آل بورتمان"، وتم توطين شعب "الكونغو" الأصلي أو العتقاء الأفارقة أو "الريكابتيفز" في "نيوجورجيا" وأدمجوا في المجموعة "الأمريكية الأفريقية". إضافة إلى ذلك استقر المهاجرون من سيراليون و ساحل الذهب في "مونروفيا" ومستوطنات أمريكية ليبيرية أخرى وأدمجوا بدورهم في المجتمع الأمريكي الليبيري. وقد كان هناك تمييز بين الريفيين الأمريكيين الليبيريين "الأبريفيرز" وبين الأمريكيين الليبيريين السياسيين والتجار المتواجدين في "مونروفيا". 

وباعتبارهم مؤسسين للأمة واستحواذهم على نحو 5 % من من سكان ليبيريا، كان للأمريكيين الليبيريين دور قيادي في السياسة الوطنية منذ تأسيس المستعمرة حتى انقلاب "صمويل دو" عام 1980. وقد كان هناك نقاش حول تمسك الأمريكيين الليبيريين بالسلطة لفترة طويلة، ويعزو البعض ذلك إلى حقيقة أن الانقسامات كانت تستند إلى "الألوان"، خاصة وأن الرئيس الأول لليبيريا كان من عرق مختلط وكذلك العديد من المهاجرين، مما يعكس طبيعة المجتمع الأمريكي من أصل إفريقي في (الآبساوث) "الجنوب الأعلى" (القسم الشمالي من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية). ومع ذلك، لاحظ الباحثون أنه خلال عهد الأمريكيين الليبيريين، كان لدى الزعماء مجموعة من ألوان البشرة المختلفة انطلاقا من اللون الغامق إلى خليط البشرة الإفريقية الأوروبية، مما يعني أن هذه النظرية غير محتملة، ويبقى من المرجح أنهم بنوا سلطتهم بناء على معرفتهم بالثقافة والاقتصاد الأمريكيين، والأسلاف المشتركة، والقدرة على إنشاء شبكة من المصالح المشتركة، ويعتقد آخرون أن فترة حكم الأمريكيين الليبيريين الطويلة ترجع جزئيا إلى المحفل الماسوني الليبيري، أو المنظمة الماسونية الليبيرية، وهي منظمة أخوية بني معبدها الرخامي في عام 1867 باعتباره أحد مباني "مونروفيا" الأكثر إثارة للإعجاب ومعقلا للقوة الأمريكية الليبيرية، وكان هذا المعقل قويا بما فيه الكفاية للاستمرار طوال فترة الحرب الأهلية، وبعد سنوات من الإهمال بعد الحرب، قام النظام الماسوني بترميم المعبد. 

ويشار إلى أنه في سنة 1980 قاد "صمويل دو" (مشير عسكري) انقلابا عسكريا عنيفا، وشهدت فترة رئاسته للبلاد دوامة من الحروب الأهلية أدت إلى تدمير الاقتصاد الوطني، وفي بدايات الألفية الثالثة تحولت ليبيريا إلى واحدة من أكثر الدول فقرا في العالم حيث يعيش معظم السكان تحت خط الفقر الدولي. 

ومن الناحية الثقافية، فإن الثقافة الأمريكية الليبيرية هي عبارة عن مزيج من ثقافة الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية ومنطقة البحر الكاريبي التي جلبها إلى ليبيريا مختلف المستوطنين من الهنود الأمريكيين والعتقاء الأفارقة وسكان الغرب الهندي، وتبرز هذه الثقافة في الطبخ واللغة والأسلوب المعماري للأمريكيين الليبيريين حيث قدم الأمريكيون الليبيريون جوانب مختلفة من الثقافة الأمريكية الأفريقية في ليبيريا، ومن ضمن ذلك اللغة الإنجليزية للسكان الليبيريين إضافة إلى شكل فريد من "هندسة ما قبل الحرب" (وهو أسلوب هندسي انتشر في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية وخاصة في الجنوب العميق خلال فترة ما قبل الحرب الأهلية). وعلاوة على ذلك، ساهم الأمريكيون الليبيريون في إضافة تقنيات الخبز الأمريكية إلى المطبخ الليبيري. 

وعند وصول الأمريكيين الليبيريين إلى المنطقة كانوا على درجات متفاوتة من التعليم الرسمي وغير الرسمي، وأنشؤوا المدارس وجامعة ليبيريا كذلك، آو "الكلية الليبيرية" سابقا، بالإضافة إلى مؤسسات التعليم العالي الأخرى مثل "مدرسة كوتينغتون"، وكان الأمريكيون الليبيريون من بين الأفارقة السود الأوائل الذين تأهلوا كأطباء ومحامين في الولايات المتحدة ومن بينهم رواد أمريكيون ليبيريون بارزون، مثل الدكتور "سليمان كارتر فولر" وهو طبيب نفساني ليبيري بارز تلقى تعليمه في "هارفارد". وعمل العديد من الأمريكيين الليبيريين كمدرسين وقاموا بتدريس كل من الأمريكيين الليبيريين والليبيريين من المجموعات العرقية الأخرى، وبذل الأمريكيون الليبيريون جهودا متضافرة لتثقيف الليبيريين من المجموعات العرقية الأخرى، وشملت هذه الجهود استخدام نظام الحي. 

وقد نشر الأمريكيون الليبيريون البروتستانتية على نطاق أوسع في منطقة ليبيريا الحديثة، وخدم العديد منهم كمبشرين في مجموعات عرقية أخرى في ليبيريا وكانوا من أوائل المبشرين المعمدانيين والمنهاجيين والأسقفيين من أصل أفريقي أسود في ليبيريا. وأدخل الأمريكيون الليبيريون تقنيات الخبز الأمريكية الإفريقية التقليدية كما تقدم إلى الدولة الحديثة في ليبيريا، وما تزال ليبيريا متميزة في تقليدها الفريد هذا المستمد من المهاجرين الأمريكيين من أصل إفريقي. ويرتدي الأمريكيون الليبيريون ـ على غرار باقي الليبيريين ـ ملابس كلاسيكية وغربية، واعتادت الجماعات العرقية في ليبيريا على ارتداء ملابس أوروبية قبل وصول الأمريكيين الليبيريين كنتيجة للتجارة الواسعة مع الأوروبيين التي تعود جذورها إلى القرنين الخامس والسادس عشر. ومع ذلك، فإن الأمريكيين الليبيريين أشاعوا الأزياء ذات النمط الغربي بما في ذلك القبعات العلوية والمعاطف المذيلة والفساتين، وفي الوقت الحاضر، يرتدي الليبيريون ـ بصرف النظر عن العرق ـ ملابس ذات طراز أفريقي وغربي على حد سواء. وقد قدم الأمريكيون الليبيريون شكلا من أشكال اللغة الإنجليزية العامية الأمريكية من أصل إفريقي التي أثرت على اللغة الإنجليزية غير المعيارية التي كانت موجودة في منطقة ليبيريا منذ عهد ما قبل الاستعمار. وكانت العمارة الأمريكية الليبرية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مزيجا فريدا من الهندسة المعمارية لما قبل الحرب الأهلية الأمريكية في جنوب الولايات المتحدة إضافة إلى البيئة الأفريقية في ليبيريا، فتم بناء المنازل الأمريكية الليبيرية بألواح الطقس والإطارات الحجرية مع شرفات ذات نمط يوناني روماني بالنسبة الأمريكيين الليبيريين الأثرياء. 

وفي الوقت الذي حملت فيه العولمة الثقافة الأمريكية الأفريقية حول العالم، استنسخ الأمريكيون الليبيريون ثقافتهم الأمريكية في ليبيريا، ويعني إسم "ليبيريا" "أرض الأحرار"، وتعتبر أكثر بلد إفريقي أمركة، ويشبه الدستور الليبيري وهيكل الحكومة والعلم نظير ما يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم بناء المساكن السابقة للعائلات الأمريكية الليبيرية على طراز منازل المزارع في جنوب الولايات المتحدة الأمريكية، واستمرت لغتهم في حمل عناصر من اللغة الإنجليزية الأمريكية السوداء ووفقا للعديد من الروايات، اندمج الليبيريون المهاجرون بسهولة في المجتمعات الأمريكية الأفريقية، ولدى هؤلاء أعلى معدلات قبول جواز السفر في الولايات المتحدة وأطول معدلات التمديد بالنسبة لمواطني دول إفريقيا. 

وعلى الرغم من أن العديد من أفراد الطبقة الأمريكية الليبيرية غادروا البلاد أو قتلوا خلال فترة الحرب الأهلية وانهارت منازلهم ومعالمهم، فإن الليبيريين العاديين يتطلعون إلى الولايات المتحدة دائما للحصول على المساعدات اللازمة، وفي عام 2007، دعا "روبرت جونسون" أحد مؤسسي تلفزيون الترفيه للسود؛ الأمريكيين الأفريقيين إلى دعم ليبيريا مثلما يدعم الأمريكيون اليهود إسرائيل.
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...