وجع خافت

يوم الجمعة ٢١ يونيو ٢٠١٩:

"إنه يتألم إنه يتقلب في ألمه، خصمه هو الحكم، وصمته يجعل من جوفه فرنا مشتعلا، لا جدوى من صراخه كذلك كأنما قذف بعيدا في الفضاء الخارجي وفقد صوته للابد،إنه يتقلب فوق جمر اختار هو احجاره بعناية، لا لم يكن غرضه أن يولم نفسه لكن ها هو ذا قد فعل".

صباح السبت المقيت ٢٢ يونيو ٢٠١٩:

"محطم، مكسور، مهيض الجناح، مقذوف في فراغ هادئ ومقيت،... هذا حاله بعد جحيم الأمس، وما يفاقم أزمته هو عجزه المزمن حيال الأشياء كأنما فقد القدرة على اتخاذ القرار للأبد. إنه جريح النفس، مفاقم الوجع، أنينه صامت ودموعه مجردة، إنه يتألم كأنما مايزال متقلبا على جمر الأمس، إنه يعجز عن التفكيك والتركيب كأنما خاض صراعا مضحكا محرقا مع نفسه في المرآة...  لا شيء سوى رجع الصدى وأظافر مكسورة نشبت في جلده وتحطمت... مكمن دائه في قلبه ومكمن دوائه في لقاء حتفه؛ هكذا أحس هنيهة... ليس أمر من الداء غير الدواء... إن احتضاره صامت وهو يراقب الأشياء كيف تنهار عليه دون أن يحرك ساكنا... يخاطب نفسه وفي جوفه تساؤلات تحترق: ما خطبك؟ هل هذه هي الحياة التي ناضلت من أجلها أعواما... التي دفعت لقاءها أفضل سنوات عمرك... هل كانت صفقتك خاسرة؟ حاول أن تفكك الأحداث وتركبها مجددا وبهدوء عسى أن يفارقك نسيانك اللعين هذا ولو لبرهة: لقد رفضت التجاهل وحين أردف التجاهل قمع ثرت وحين ثرت صرخت فقابلك قمع وصراخ أشد فصعدت ثورتك وخضت سباق صراخ وصراخ مضاد لم يكن متكافئا بالمرة بعد أن اشهرت في وجهك البطاقة الأخبث والأسوأ على الإطلاق: إنها بطاقة الفراق... لطالما أشهرتها دون أن يرف لها جفن، بل وشيطان حانق يخيم على ملامحها البريئة،... وكأن الفراق مجرد كلمة تقال... لا سكينا تجهز على عالم رصت لبناته فوق ندوبك... لعنتك الماحقة أن لديك ذاكرة لا تنسى الألم ولا من تسبب فيه، قد يجعلك الاعتذار تولد من جديد... كما قد يجعلك التجاهل تتذكر للأبد، فتحقد للأبد، ماذا كسبت من هذا التسويف؟ لعلك أجبن من أن تواجه العاصفة المحتملة، نظرات الأهل المسمومة وتساؤلاتهم المتناسلة وارتسامات اللوم الأشبه بالتشفي الواضحة على محياهم،... أنت ترفض أن تعطي فرصة لأحد مهما كان أن يخوض في فنائك الخلفي، وثمن هذا الرفض باهظ، فتحمله إذن، لكن هل تستطيع أن تستمر حاملا كل هذا الثقل فوق كاهلك؟ سنرى  ما قد تصنعه الأيام، لكنك أبدا لن تتخلى عن ماهيتك".