الاثنين، 17 يونيو 2019

سومر ـ الجزء الأول


المدن السومرية القديمة.


تعتبر "سومر" أول حضارة معروفة في الموقع التاريخي لجنوب بلاد الرافدين وفي وقتنا المعاصر جنوب العراق خلال العصرين النحاسي والبرونزي المبكر، وهي واحدة من أولى الحضارات في العالم إلى جانب حضارتي مصر القديمة ووادي السند. وقد عاش السومريون بين نهري دجلة والفرات، واستطاعوا كمزارعين إنتاج محاصيل وافرة من الحبوب وغيرها، وهذا الفائض مكنهم من الاستقرار في مكان واحد، وقد وثقت الكتابات الأولى لما قبل التاريخ حضارة "سومر" قبل سنة 3000 ق.م، وجاءت النصوص الأولى لـ 3300 ق.م من مدن "أوروك" و "جمدة نصر"، وظهرت أول كتابة مسمارية سومرية حوالي 3000 ق.م. 
نحت لرأس الحاكم السومري جوديا (حوالي 2150 ق.م).

ويعد مصطلح "سومر" الإسم الأكثر شيوعا الذي أعطي للسكان غير الناطقين بالسامية القاطنين في بلاد الرافدين من قبل الأكاديين الناطقين بالسامية الشرقية، وقد أشار السومريون إلى أنفسهم باسم "الشعب أسود الرأس" (أوغ ساغ غيغ غا، بالمسمارية: 𒌦 𒊕 𒈪 𒂵) وأشاروا إلى أرضهم باسم (كي-أون-غي(-ر)) (بالمسمارية: 𒆠𒂗𒄀) الذي يعني "مكان الأسياد النبلاء"، وقد نادى الأكديون السومريين كذلك باسم "الشعب أسود الرأس" أو (تسالمات-كاكادي) باللغة الأكدية السامية الشرقية. 

وقد تمثل الكلمة الأكدية "شومر" الإسم الجغرافي للمنطقة في اللهجة، ويقابل "سومر" في العبرية "شنعار" وفي المصرية القديمة "سنجر" وفي الحيثية "شانهارا"، وكلها تسميات تشير إلى جنوب بلاد ما بين النهرين، وقد تكون جميعها تهجئات غربية مختلفة لـ "شومر". 

ويقترح معظم المؤرخين أن "سومر" عمرت بشكل دائم بين 5500 و 4000 ق.م من قبل شعب غرب آسيوي يتحدث اللغة السومرية (مشيرين إلى أسماء المدن والأنهار والمهن الأساسية وما إلى ذلك كدليل)، وهذه اللغة ليست بالسامية ولا لغة هندوأوروبية إلصاقية بل هي لغة معزولة، وهي خلاف جارتها السامية لم تكن تصريفية. 

ويقترح مؤرخون آخرون أن السومريين كانوا شعبا شمال إفريقي هاجر من الصحراء الإفريقية الخضراء وقتها إلى الشرق الأوسط وكانوا مسؤولين عن نقل الزراعة إلى هذه المنطقة، وهناك من اقترح الأصل الشمال الإفريقي لمختلف الثقافات ما قبل السامية في الشرق الأوسط بعد اختبار جينوم حاملي الثقافة النطوفية وثقافة العصر الحجري ما قبل الفخارية، وقد أطلق على هذا الشعب تسمية "الفراتيين الأوائل" أو "العبيديين" الذين تم التنظير إلى تطورهم من "ثقافة سامراء" في شمال بلاد الرافدين، ورغم أنه لم تتم الإشارة إلى "العبيديين" على الإطلاق من قبل السومريين أنفسهم، إلا أنه تم ذكرهم من قبل العلماء المعاصرين باعتبارهم أول قوة حضارية في "سومر"، حيث جففوا الأهوار لأغراض الزراعة وطوروا التجارة وأسسوا مختلف الصناعات بما في ذلك صناعة النسيج والجلود والأعمال المعدنية والبناء والفخار. 
تتويج الملك السومري "لأور" من قبل الحاضرين. لوحة الحرب والسلم السومرية (2600 ق.م).

وينازع بعض العلماء بفكرة اللغة الفراتية المبكرة ويعتقدون أن اللغة السومرية قد تكون في الأصل لغة الصيادين والقناصين الذين عاشوا في الأهوار ومنطقة الساحل العربي الشرقي وكانوا جزءا من الثقافة القبلية العربية. غير أن السجلات الموثقة لحضارة سومر لم تبدأ إلا بعد وقت طويل من هذه الحقبة، حيث لا يوجد أي شيء تم تأريخه في "سومر" قبل الملك الكيشي "إين مي باراكي سي" (القرن 26 ق.م)، ويعتقد عالم الآثار الأمريكي اللاتفي "جوريس زارينس" أن السومريين عاشوا على طول ساحل إقليم البحرين (أو الساحل العربي الشرقي) الذي يقع في الخليج الفارسي حاليا قبل أن يغمر في نهاية العصر الجليدي الأخير بالمياه. 

وعلى أية حال أخذت الحضارة السومرية من "حقبة أوروك" (الألف الرابعة ق.م) واستمرت في "جمدة نصر" وعصر فجر السلالات. وخلال الألفية الثالثة ق.م، برز تعايش ثقافي وثيق بين السومريين الذين كانوا يتحدثون لغة منعزلة والأكاديين، مما أدى إلى انتشار الثنائية اللغوية، وقد ظهر التأثير السومري على الأكادية (والعكس صحيح) في جميع المجالات، بدءا من الاقتراض المعجمي على نطاق واسع إلى التقارب النحوي والمورفولوجي والفونولوجي، وهذا دفع العلماء إلى الإشارة إلى السومرية والأكادية في الألف الثالثة ق.م باعتبارهما منطقتا تقارب لغوي، وقد تم احتلال "سومر" من قبل ملوك الإمبراطورية الأكادية الناطقين بالسامية في حوالي 2270 ق.م، لكن السومرية استمرت كلغة مقدسة، وظهر حكم السومريين الأصليين لنحو قرن في الأسرة الثالثة لأور في حوالي 2100-2000 ق.م، ولكن اللغة الأكادية ظلت أيضا قيد الاستخدام. 

واعتبرت مدينة "إريدو" السومرية على ساحل الخليج الفارسي واحدة من أقدم المدن حيث اندمجت ثلاث ثقافات منفصلة: ثقافة الفلاحين العبيديين الذين كانوا يعيشون في أكواخ من الطوب الطيني ويمارسون الري وحياة الرعاة الساميين من البدو الرحل الذين كانوا يعيشون في خيام سوداء ويتبعون قطعان الأغنام والماعز وأقوام الصيادين الذين كانوا يعيشون في أكواخ من القصب حول الأهوار والذين ربما كانوا أسلاف السومريين. 

وقسمت "سومر" في أواخر القرن الأربعين ق.م إلى العديد من دول المدن المستقلة والتي رسمت حدودها بواسطة القنوات والأحجار الحدودية، وتركز كل منها حول معبد للإله الراعي أو إلهة المدينة ويحكمها حاكم كهنوتي (إنسي) أو ملك (لوجال) الذي كان مرتبطا بشكل وثيق بالطقوس الدينية لمدينته. 

والمدن الخمس الأولى التي قيل أنه وجدت بها ملكية ما قبل سلالية (قبل الطوفان) هي: "إريدو"، و "باد تيبيرا"، و "لارسا"، و "سيبار"، و "شوروباك". وكانت المدن الرئيسية الأخرى: 

ـ أوروك. 

ـ كيش. 

ـ أور. 

ـ نيبور. 

ـ لجش. 

ـ جيرسو. 

ـ أوما. 

ـ خمازي. 

ـ أداب. 

ـ ماري. 

ـ أكشاك. 

ـ أكاد. 

ـ إيسن. 

أما المدن الصغرى فكانت: 

ـ كوارا. 

ـ زابالا. 

ـ كيشورا. 

ـ ماراد. 

ـ دلبات. 

ـ بورسيبا. 

ـ كوثا. 

ـ دير. 

ـ إشنونة. 

ـ نجار. 

وبصرف النظر عن "ماري" التي كانت تقع على بعد 330 كلم (205 ميل) إلى الشمال الغربي من "أغادي" (أكاد)، والتي يعزى إليها في قائمة الملوك ممارسة الملكية في فترة الأسرات المبكرة الثانية، إضافة إلى نجار التي كانت موقعا بعيدا، كانت جميع هذه المدن متواجدة في السهل الطمي للفرات ودجلة جنوب بغداد فيما يسمى الآن بمحافظات "بابل" و "ديالى" و"واسط" و"ذي قار" و"البصرة" و"المثنى" و"القادسية" في العراق. 
بورتري لسجين سومري على لوحة انتصار "سرجون الأكادي" حوالي 2300 ق.م، وتعتبر تصفيفة شعر السجناء سمة من سمات السومريين (الشعر المجعد في الأعلى والشعر القصير في الجانبين) كما شوهد أيضا في لوحة الحرب والسلم السومرية.

وصعدت دول المدن السومرية إلى السلطة خلال حقبتي "العبيد" و "أوروك" لما قبل التاريخ، ويعود التاريخ السومري المكتوب إلى القرن السابع والعشرين ق.م، لكن السجل التاريخي يظل غامضا حتى فترة الأسرة الثالثة المبكرة، وقد انتهت حقبة سومر الكلاسيكية مع ظهور الإمبراطورية الأكادية خلال القرن الثالث والعشرين ق.م وذلك عندما تم تطوير نظام الكتابة المقطعية الذي فكت شفرته الآن والذي سمح لعلماء الآثار بقراءة السجلات والنقوش لذلك العصر، وبعد الحقبة الجوتية، كانت هناك نهضة سومرية أخرى قصيرة في القرن الحادي والعشرين ق.م وانقطعت بغزو الأموريين، واستمر الأموريون من خلال "سلالة إيسن" إلى حدود 1700 ق.م، عندما تم توحيد بلاد الرافدين تحت الحكم البابلي، وذاب النسيج السومري في نهاية المطاف داخل الشعب الأكادي (البابلي-الآشوري): 

ـ فترة العبيد: 6500-4100 ق.م. (من العصر الحجري الحديث إلى العصر النحاسي). 

ـ فترة أوروك: 4100-2900 ق.م (العصر النحاسي الأخير إلى العصر البرونزي المبكر). 

ـ عصر فجر السلالات: 2900-2334 ق.م. 

ـ فترة الإمبراطورية الأكادية: 2334-2218 ق.م. 

ـ الفترة الجوتية: 2218-2047 ق.م. 

ـ فترة سلالة أور الثالثة: 2047-1940 ق.م. 
جرة فخارية من فترة "العبيد" المتأخرة.

وتميزت "فترة العبيد" بأسلوب مميز من الفخار المطلي عالي الجودة الذي انتشر في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين والخليج الفارسي، وخلال هذه الفترة تم تأسيس أول مستوطنة في جنوب بلاد ما بين النهرين في "إريدو" حوالي 6500 ق.م من قبل المزارعين الذين جلبوا معهم ثقافة قرية "حاجي محمد" التي كانت رائدة في زراعة الري لأول مرة، ويبدو أن هذه الثقافة استمدت من "ثقافة سامراء" شمال بلاد الرافدين، ولا يعرف إن كان هؤلاء هم السومريون الحقيقيون الذين تم تحديدهم "بثقافة أوروك" لاحقا أم لا، وقد ينعكس صعود مدينة "أوروك" في قصة انتقال هبات الحضارة "مي" إلى "إنانا"، إلهة "أوروك" وربة الحب والحرب بواسطة "إنكي" إله الحكمة وكبير آلهة "إريدو"، الانتقال من "إريدو" إلى "أوروك". 
ختم أسطواني من فترة "أوروك" نحو 3100 ق.م.

ويتميز الانتقال الأثري من "فترة العبيد" إلى "فترة أوروك" بتحول تدريجي من الفخار الطيني المطلي الذي كان يتم إنتاجه محليا على عجلة بطيئة إلى مجموعة كبيرة ومتنوعة من الفخار غير المصبوغ الذي أنتجه متخصصون على عجلات سريعة، وتعد "فترة أوروك" امتدادا ونموا "لفترة العبيد" وتبقى تقنية صناعة الفخار هي التغيير الرئيسي المرئي. 

وبحلول "عهد أوروك" (4100-2900 ق.م) ساهم حجم البضائع التجارية المنقولة على طول القنوات والأنهار في جنوب بلاد الرافدين في تسهيل ظهور العديد من المدن الكبيرة الطبقية والمتمحورة حول معابدها (التي كان يبلغ تعداد سكانها أزيد من 10.000 نسمة) حيث كانت تستخدم الإدارات المركزية عمالا متخصصين. ومن المؤكد إلى حد ما أنه خلال "فترة أوروك" بدأت المدن السومرية في الاستفادة من عمل العبيد المنحدرين من البوادي، وهناك أدلة كثيرة على أن العبيد الذين كان يتم أسرهم كانوا عمالا في النصوص القديمة، وقد تم إيجاد القطع الأثرية وحتى مستعمرات تابعة "لحضارة أوروك" على نطاق واسع في جبال طوروس في تركيا إلى حدود البحر الأبيض المتوسط غربا وإلى أقصى شرق وسط إيران. 

وكان "لحضارة أوروك" التي تم تصديرها من قبل التجار والمستعمرين السومريين تأثير (مثل المستعمرة الموجودة في تل براك) على الشعوب المحيطة التي طورت تدريجيا اقتصاداتها وثقافاتها المنافسة والمماثلة، إلا أن المدن السومرية لم تتمكن من الحفاظ على المستعمرات البعيدة بواسطة القوة العسكرية. 

وقد كانت المدن السومرية خلال "فترة أوروك" على الأرجح ذات نظام ثيوقراطي وكان من المرجح أن يرأسها ملك كاهن (إنسي) يساعده مجلس من كبار السن يتضمن الرجال والنساء على حد سواء، ومن الممكن تماما أن يكون البانثيون السومري اللاحق قد صيغ وفقا لهذا الهيكل السياسي، كما أن هناك القليل من الأدلة عن حروب منظمة أو جنود محترفين خلال "فترة أوروك"، وكانت المدن غير مسورة عموما وأصبحت "أوروك" خلال هذه الفترة المدينة الأكثر تحضرا في العالم حيث تجاوز تعداد ساكنتها لأول مرة 50.000 نسمة. 
خوذة ذهبية "لميسكالامدوك" المؤسس المحتمل "لسلالة أور" الأولى حوالي القرن 26 ق.م.

وتشمل قائمة الملوك السومريين القديمة السلالات المبكرة للعديد من المدن البارزة في هذه الفترة، والمجموعة الأولى من الأسماء في القائمة ترجع لملوك قيل أنهم حكموا قبل حدوث الفيضان الكبير، وقد تكون هذه الأسماء المبكرة خيالية أو مشتملة على بعض الشخصيات الأسطورية من قبيل "ألوليم" و "دموزي". 

وتزامنت نهاية "فترة أوروك" مع موجة بيورا، وهي فترة جفاف امتدت من 3200 إلى 2900 ق.م والتي كانت نهاية فترة مناخية أكثر رطوبة ودفء منذ حوالي 5000 إلى 9000 سنة مضت تدعى المناخ الهولوسيني الأمثل. 

وبدأت الفترة السلالية حوالي 2900 ق.م وكانت مرتبطة بالتحول من تأسيس المعبد الذي كان يرأسه مجلس شيوخ بقيادة الكهنوت "إن" (شخصية ذكورية إذا كان المعبد لإلهة أو شخصية أنثوية إذا كان المعبد لإله) نحو نظام سياسي أكثر علمانية "لوغال" (لو: رجل، غال: عظيم) واشتمل على شخصيات أسطورية أسرية من قبيل "إينمركر" و "لوغال باندا" و "جلجامش" الذين حكموا قبل فترة وجيزة من فتح السجل التاريخي سنة 2700 ق.م عندما بدأت الكتابة المقطعية ـ التي تم فك شفرتها الآن ـ في التطور من الرسوم التوضيحية المبكرة، وقد بقي مركز الثقافة السومرية في جنوب بلاد ما بين النهرين على الرغم من أن الحكام سرعان ما بدؤوا التوسع في المناطق المجاورة وبدأت الجماعات السامية المجاورة في اعتماد الكثير من مظاهر الثقافة السومرية داخل نسيجها الثقافي. 

وكان أقدم ملك سلالي في قائمة الملوك السومريين الذي لم يعرف إسمه في أي مصدر أسطوري آخر هو "إيتانا" الملك الثالث عشر من سلالة "كيش" الأولى، وأقدم ملك مصادق عليه من خلال الأدلة الأثرية هو "إين مي باراكي سي الكيشي" (القرن السادس والعشرون ق.م)، وقد ورد ذكر إسمه أيضا في ملحمة "جلجامش" مما أدى إلى اقتراح أن "جلجامش" نفسه ربما كان ملكا تاريخيا "لأوروك"، وكما تظهر ملحمة "جلجامش"، ارتبطت هذه الفترة بتزايد الحروب، وأصبحت المدن مسورة وزاد حجمها واختفت القرى غير المحمية في جنوب بلاد ما بين النهرين (حيث عاد الفضل إلى كل من "إينمركر" و "جلجامش" في بناء أسوار "أوروك"). 
قطعة من مسلة نسور "إياناتوم".

ورغم إهمال "سلالة لجش" (2500- 2270 ق.م) من قائمة الملوك فقد وثقت عبر مختلف الأنصاب المهمة والعديد من الاكتشافات الأثرية. 

وعلى الرغم من قصر مدتها، إلا أن إمبراطورية "إياناتوم اللجشي" تبقى واحدة من أولى الإمبراطوريات التي عرفها التاريخ والتي ضمت كل "سومر" تقريبا، بما في ذلك "كيش" و "أوروك" و "أور" و "لارسا" وقد أضعفت "أوما" منافستها لدرجة دفع هذه الأخيرة الجزية لها، بالإضافة إلى ذلك، امتد حكم "إياناتوم" إلى أجزاء من "عيلام" وعلى طول الخليج الفارسي، ويبدو أن "إياناتوم" قد استخدم الإرهاب كسياسة وتصور "مسلة النسور" "لإياناتوم" نسورا تنقر الرؤوس المقطوعة والأجزاء الأخرى لأعدائه، وقد انهارت إمبراطوريته بعد فترة وجيزة من وفاته. 

وفي وقت لاحق، أطاح "لوغال زاغيسي" ملك "أوما" الكاهن برياسة سلالة لجش في المنطقة ثم غزا "أوروك" وجعلها عاصمته وأعلن نفسه إمبراطورا على منطقة امتدت من الخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط، وكان آخر ملك سومري العرق قبل "سرجون الأكادي". 
سجناء سومريون في مسلة نصر للملك الأكادي "سرجون"، حوالي 2300 ق.م.

ويعود تاريخ الإمبراطورية الأكادية إلى سنوات 2270-2083 ق.م، ووثقت اللغة الشرقية الأكادية السامية أولا في الأسماء الخاصة بملوك "كيش" لسنة 2800 ق.م والتي حفظت في قوائم الملوك الأخيرة، وهناك نصوص كتبت بالكامل بالأكادية القديمة من سنة 2500 ق.م، ووصل استعمال الأكادية القديمة إلى قمته خلال حكم "سرجون العظيم" (2270-2215 ق.م)، لكن حتى إلى ذلك الحين استمرت كتابة معظم الألواح الإدارية باللغة السومرية باعتبارها اللغة التي كان يستخدمها الكتبة، وقد وضع بعض العلماء المعاصرين ثلاثة مراحل للأكادية القديمة: العصر ما قبل سرجوني، وعصر الإمبراطورية الأكادية، وعصر نهضة السومرية الجديدة الذي أعقبه، وقد تعايشت الأكادية والسومرية كلغتين إقليميتين لنحو آلاف السنين، لكن حوالي سنة 1800 ق.م، أصبحت اللغة السومرية لغة أدبية مألوفة بشكل رئيسي فقط لدى العلماء والكتبة، ويجادل المؤرخ الدنماركي "ثوركيلد جاكوبسن" أنه كان هناك انقطاع بسيط في الاستمرارية التاريخية بين فترتي ما قبل وما بعد سرجون، وقد تم التركيز بشدة على تصور الصراع "السامي مقابل السومري"، ومع ذلك، فمن المؤكد أن الأكادية قد فرضت لفترة وجيزة أيضا على الأجزاء المجاورة من "عيلام" التي تم غزوها من قبل "سرجون الأكادي". 

وصعدت "السلالة الجوتية" إلى السلطة في بلاد الرافدين بين حوالي 2135-2055 ق.م بعد انهيار الإمبراطورية الأكادية، وحكمت هذه السلالة تقريبا نحو قرن من الزمن، وعلى أية حال فإن بعض النسخ من القائمة السومرية الملكية تختلف حول 4 إلى 25 سنة من هذه الفترة، وقد دون انتهاء السلالة الجوتية بارتقاء "أور نمو" مؤسس "سلالة أور الثالثة" للعرش الذي أرخ بين 2112 و 2055 ق.م. 

كما أنه وبعد سقوط الإمبراطورية الأكادية على أيدي الجوتيين صعد حاكم سومري محلي آخر هو "جوديا اللجشي"، واستمر في ممارسة ادعاء الملوك السرجونيين للألوهية، كما ساهم جوديا وأحفاده في عهد سلالة لجش الثانية (2093-2046 ق.م) في التطوير الفني وترك عددا كبيرا من القطع الأثرية. 
جوديا اللجشي.

وفي وقت لاحق، مثلت "سلالة أور الثالثة" في عهد "أور نمو" و "شولجي" التي امتد سلطانها حتى جنوب "آشور"، آخر مظاهر النهضة السومرية العظيمة، لكن المنطقة كانت قد أصبحت بالفعل ذات طابع سامي أكثر منه سومري، خاصة مع عودة الأكاديين الناطقين بالسامية في "آشور" ومناطق أخرى، وتدفق موجات الأموريين الساميين الذين أسسوا العديد المراكز المحلية المنافسة في الجنوب بما في ذلك "إيسن" و "لارسا" و "إشنونة" و "بابل" لبعض الوقت، وهكذا كان هؤلاء الأموريون قد جاؤوا في نهاية المطاف للسيطرة لفترة وجيزة على جنوب بلاد ما بين النهرين في ظل الإمبراطورية البابلية، تماما كما فعلت الإمبراطورية الآشورية القديمة بالفعل في الشمال منذ أواخر القرن الحادي والعشرين ق.م، واستمرت اللغة السومرية كلغة مقدسة تدرس في المدارس في "بابل" و "آشور"، وظلت السومرية قيد الاستخدام بقدر ما استمر استخدام اللاتينية في فترة العصور الوسطى طالما تم استخدام المسمارية. 
بورتري "لأور نينجيرسو" إبن "جوديا" حوالي 2100 ق.م، متحف اللوفر.

وتزامنت هذه الفترة بشكل عام مع تحول كبير في عدد السكان من جنوب بلاد الرافدين نحو الشمال، ومن الناحية البيئية، تعرض الإنتاج الزراعي في الأراضي السومرية للخطر بسبب ارتفاع درجة الملوحة، وقد تم التعرف على الملوحة كمشكلة كبيرة في هذه المنطقة منذ فترة طويلة، وأدت التربة المروية التي تم تصريفها بشكل سيء وكذا المناخ الجاف المصحوب بمستويات عالية من التبخر إلى تراكم الأملاح الذائبة في التربة، مما قلل في النهاية من المحاصيل الزراعية بشدة، وخلال فترة الإمبراطورية الأكادية وسلالة أور الثالثة كان هناك تحول من زراعة القمح إلى زراعة الشعير الأكثر تحملا للملوحة، لكن هذا لم يكن كافيا، وخلال الفترة الممتدة من 2100 إلى 1700 ق.م يقدر أن عدد سكان المنطقة قد انخفض بنحو ثلاثة أخماس، وأدى ذلك إلى تذبذب توازن القوى داخل المنطقة إلى حد كبير، وفي نهاية المطاف إلى إضعاف المناطق التي كانت تتحدث السومرية وتعزيز المناطق التي كانت الأكادية هي اللغة الرئيسية فيها، وفي هذه الفترة وما بعدها، ظلت اللغة السومرية مجرد لغة أدبية وطقوسية على غرار الموقع الذي احتلته اللاتينية في أوروبا خلال العصور الوسطى كما سبق بيانه. 
زقورة "أور" العظمى، قرب الناصرية، العراق.

وبعد الغزو العيلامي والنهب الذي لحق "أور" خلال حكم إبي سين (1940 ق.م) خضعت "سومر" للحكم العموري (واعتبر تأريخا لبداية العصر البرونزي الأوسط) واختزلت الدول العمورية المستقلة في قائمة الملوك السومريين بين القرنين 20 و 18 ق.م إلى "سلالة إيسن" التي انتهت بصعود "بابل" في عهد "حمورابي" حوالي 1700 ق.م. 

وفي وقت لاحق حمل الحكام الذين سيطروا على "آشور" و "بابل" في بعض الأحيان اللقب السرجوني القديم "ملك سومر وأكاد" مثل الملك "توكولتي نينورتا" الأول الآشوري بعد 1225 ق.م.
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...