صورة القرن التاسع عشر للماعز السبتي أنجزت من قبل إليفاس ليفي وتحمل الذراعان الكلمتين اللاتينيتين SOLVE (الذوبان) و COAGULA (التخثر) |
![]() |
ظهر أول خماسي ماعز في كتاب "مفتاح السحر الأسود" للكاتب الفرنسي ستانيسلاس دو غويتا سنة 1897. |
"بافوميت" (Baphomet)، (من اللاتينية القروسطية: "بافوميث"؛ "بافوميتي"، ومن الأوكسيتانية: "بافوميتز"). هو معبود اتهم فرسان الهيكل بعبادته، وأدرج بعد ذلك في مسائل السحر المختلفة والتقاليد الغامضة.
وظهر إسم "بافوميت" لأول مرة في نصوص محاكمة فرسان الهيكل التي بدأت إجراءاتها سنة 1307، وقد دخل الاسم إلى الاستعمال الإنجليزي الشعبي لأول مرة في القرن التاسع عشر خلال مناقشة وتخمين الأسباب الكامنة وراء المحاكمات التي لحقت فرسان الهيكل.
ومنذ سنة 1856، أصبح إسم "بافوميت" مرتبطا بصورة "الجدي السبتي" المرسومة من قبل "إليفاس ليفي" والتي تحتوي على العناصر الثنائية الممثلة "لمجموع الكون" (الذكر والأنثى؛ الخير والشر؛ الاشتعال والانطفاء؛... إلخ). وكان هدف "ليفي" ـ على ما يبدو ـ هو ترميز مفهوم "توازن الأضداد" الذي اعتبره جوهريا لنظريته حول الإسقاط النجمي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، "فبافوميت" بالنسبة له يعيد استعراض التقاليد التي ينبغي أن تقود إلى نظام اجتماعي مثالي.
وفي أصل التسمية يبدو أن "بافوميت" ظهر للمرة الأولى (ويعتقد أنه جاء نتيجة لعدم سماع نطق "الساراسينيين" بشكل جيد للفظة محمد) سنة 1098 في رسالة للصليبي "أنسيلم الريبمونتي" جاء فيها:
"وببزوغ اليوم التالي، نادوا عاليا على بافوميث، وقد صلينا في صمت بقلوبنا لله، ثم هاجمناهم وطردناهم خارج أسوار المدينة".
وقد سمى المؤرخ الإخباري للحملة الصليبية الأولى "رايموند الأغويليري" المساجد "بافوماريات"، وظهر الإسم "بافوميتز" لاحقا حوالي 1195 في القصائد الأوكسيتانية للشاعر الغنائي "غافودان"، وحوالي سنة 1250 رثت قصيدة هزيمة الحملة الصليبية السابعة من قبل "أوستورك الأورياكي" الذي أشار إلى "بافوميت"، ويعتبر "لبافوميث" أيضا عنوانا لواحدة من الفصول الأربعة الناجية من ترجمة أوكسيتانية لأولى أعمال "رامون لول" المعروفة التربوية.
وعندما تم قمع النظام القروسطي لفرسان الهيكل من قبل ملك فرنسا "فيليب الرابع"، قام هذا الأخير في 13 أكتوبر من عام 1307 باتهام العديد من الفرنسيين المنتمين لهذا النظام وتعذيبهم للاعتراف، حيث وجهت أكثر من 100 تهمة لفرسان الهيكل وأغلبها كان مشكوكا في دقته وهي نفس التهم التي كانت موجهة لطائفة "الكاثاريين" من قبل والعديد من أعداء الملك "فيليب" الآخرين، وكان الملك "فيليب" قبل تلك الوقائع قد اختطف البابا "بونيفاس الثامن" واتهمه بجرائم مماثلة من ضمنها البصق والبول على الصليب واللواط، ويلاحظ "مالكولم باربر" أن المؤرخين وجدوا من الصعوبة بمكان أن تكون مسألة بهذا القدر من التواتر والأهمية مرتكزة على افتراء محض، حيث إن "رق شينون" مثلا أشار إلى أن أن فرسان المعبد قد بصقوا بالفعل على الصليب، وفي المقابل يقول "شون مارتن" مفسرا، أن هذه الأفعال كانت تهدف إلى نوع من المحاكاة للإذلال والتعذيب الذي قد يتعرض له الصليبي إذا ما قبض عليه "الساراسينيون"، حيث تم تلقينهم كيفية ارتكاب الردة بالذهن فقط وليس بالقلب. بينما أشار "ميكايل هاغ" إلى أن عبادة المحاكاة هذه "لبافوميت" شكلت في الواقع جزءا من طقوس الانضمام إلى نظام فرسان الهيكل.
وقد نشرت لائحة الاتهام الرسمية في محكمة "روما" التي نصت على أنه "... كانت لديهم أوثان في كل الأقاليم، وبحسب اعترافاتهم، كانت عبارة عن رؤوس، بعضها كان لديه ثلاثة وجوه، والآخر لديه وجه واحد فقط، وأحيانا أخرى كانت الرؤوس عبارة عن جمجمة بشرية،... وأنهم في تجمعاتهم، وخاصة في اجتماعاتهم الكبرى، كانوا يعبدون وثنا كأنه الرب، وكأنه منقذهم، مدعين أن هذا الوثن سيحميهم، وأنه أنعم على النظام الكوني بكل خيراته، وجعل الأشجار تزهر وحبوب الأرض تنبت...".
وللإشارة فقد جاء إسم "باهوميت" في مجموعة من هذه الاعترافات، ويقول "بيتر بارتنر" في هذا الشأن في كتابه الصادر سنة 1987 بعنوان "فرسان الهيكل وأسطورتهم": "في محاكمة فرسان الهيكل كانت واحدة من أبرز التهم التي وجهت إليهم هو عبادتهم لرأس معبود وثني يعرف بـ "بافوميت"، ("بافوميت" = "ماهوميت")"، واختلف وصف المعبود من اعتراف لآخر، فبعض الفرسان أنكروا أي معرفة به، وآخرين، وصفوه تحت وطأة التعذيب بأنه رأس مقطوع، أو هر، أو رأس بثلاثة وجوه، وامتلك الفرسان عدة رؤوس فضية مذهبة كآثار مقدسة، وآخرون قالوا أنه "القديس أوفيميا"، أو تمثيل لرأس "لهيوجز دي بانز" مؤسس جماعة فرسان الهيكل. وتبقى الادعاءات بمعبود يدعى "بافوميت" فريدة في محاكمة فرسان الهيكل، ويجادل "كارين روولز"، مؤلف كتاب "موسوعة فرسان الهيكل" أنه من المهم "ألا يوجد دليل موحد (عن "بافوميت") ظهر حتى أثناء حكم فرسان الهيكل أو في وثائق حقبة قروسطية أخرى عن الهيكل".
وقال "جوزراند المونتبيسانتي"، فارس من "بروفانس"، أن رئيسهم أراه ذات مرة معبودا مصنوعا على شكل "بافوميت"، وآخر يدعى "رايموند روبي"، وصفه بأنه رأس خشبي حيث رسم بملامح وشكل "بافوميت"، وأضاف: "أنه كان يعبده عبر تقبيل قدميه والصياح بـ "يالا"، التي كانت، يقول "كلمة منقولة من "الساراسينيين""، وصرح فارس من "فلورنسيا" بأنه في إحدى الاجتماعات السرية للمنظمة، قال أحد الإخوة لآخر مشير نحو المعبود "أحب هذه الرأس، هذه الرأس هي إلهك وهي "الماهوميت"خاصتك".
ويؤيد بعض العلماء المعاصرون أمثال "بيتر بارتنر" و "مالكولم باربر" على أن إسم "بافوميت" كان تصحيفا فرنسيا قديما لـ "محمد"، مع تأويل ما حدث لفرسان الهيكل أن بعضهم خلال احتلالهم العسكري الطويل لـ "البحر الآخر" بدؤوا يدمجون الأفكار الإسلامية في نظامهم العقائدي، وهذا كان ملحوظا وموثقا من قبل المحققين باعتباره هرطقة، في حين يرفض المؤرخ الفرنسي "آليان ديمورجي" فكرة أن فرسان الهيكل ربما قد تبنوا مذاهب أعدائهم، وذكرت "هيلين نيكولسون" بأن الاتهامات كان متلاعبا فيها بشكل أساسي، "ففرسان الهيكل كانوا متهمين بأنهم أصبحوا مسلمين وهذه مجرد حكاية خيالية"، واعتقد المسيحيون القروسطيون أن المسلمين كانوا وثنيين وأنهم عبدوا محمدا كإله، ومن "ماهوميت"مثلا تحول النطق إلى "ماميت mammet" في الإنجليزية التي تعني عبادة الإله الخاطئ، وعبادة هذا الإله نسبت للمسلمين في مختلف "القصائد الملحمية"، فعلى سبيل المثال، وجد في إحدى القصائد البروفنسية عن حياة "القديس هونوراتوس" لسنة 1300 حديث عن الآلهة "بافومي" و "ترماغانت"، وفي ملحمة "سيمون بويل" التي كتبت قبل سنة 1235 تناولت إلها "ساراسينيا" يدعى "بافوميتز".
![]() |
إثنان من فرسان الهيكل يحرقان على وتد، من مخطوطة القرن الخامس عشر الفرنسية، المكتبة البريطانية، لندن. |
وبينما نص العلماء المعاصرون وقاموس "أكسفورد" الإنجليزي على أن أصول إسم "بافوميت" تعود إلى ترجمة فرنسية قديمة لـ "ماهوميت"، فإن الإيتيمولوجيا البديلة ظلت مطروحة أيضا:
فحسب "بيير كلوسوسكي" في كتابه "البافوميت" (طبعة 1965 مطبعة عطارد فرنسا، باريس، ترجمت إلى الإنجليزية من قبل صوفي هاوكس ونشرت باسم "البافوميت" سنة 1988 من قبل صحيفة "إريدانوس"): ""للبافوميت" إيتيمولوجيا متنوعة، الصوتيات الثلاث التي تشكل اللقب يقال أيضا في دلالتها بأنها طريقة مشفرة لـ "باسيليوس فيلوسوفوريم ميتالوريكوم" Basileus philosophorum metaloricum، أي صاحب سيادة الفلاسفة الفلزيين، وهذا مستوحى من المختبرات الخيميائية التي يفترض أنها أقيمت في مختلف تجمعات فرسان المعبد، والشكل الخنثوي لمعبودهم كما يبدو يعود إلى حكاية "آدم قدمون" أو الإنسان البدئي (آدم الأول) عند الكلدانيين" (ص 164-165).
![]() |
ختم فرسان الهيكل يعرض الشخصية الغنوصية أبراكساس. |
وفي القرن الثامن عشر، سعت بعض النظريات للربط بين فرسان الهيكل وأصول الماسونية، وكان المكتبي الماسوني المتنور، "كريستوف فريدريك نيكولاي" (1733-1811) أول من ادعى أن فرسان الهيكل كانوا غنوصيين، وأن تسمية معبودهم الـ "بافوميت" شُكلت أساسا من الكلمات الإغريقية "بافي ميتوس" baphe metous، التي تعني "معمودية الحكمة". وأشار "نيكولاي" إلى ارتباط فكرة صورة الإله الأعلى في حالة السكون بالمعتقدات القديمة للغنوصيين والمانويين. وحسب "فرانسوا جاستماري راينوارد" فإن "فرسان الهيكل كانت لديهم عقيدة سرية وطقوس من مختلف الدرجات التي أخذوها عن "الساراسينيين"،". وذهب أبعد من ذلك حين ربط بين الملامح البافوميتية والنجمة الخماسية "لفيثاغورس" قائلا:
"وما كان علامة "لبافوميت" أو بشكل صحيح "الملامح البافوميتية" التي صورت على صدر التمثال الذي يمثل الخالق لا يمكن تحديدها بدقة، وأعتقد أنها لن تكون سوى النجمة الخماسية الفيثاغورسية "المخمس" للصحة والازدهار،... ومن المعروف جدا كيف يتم النظر إلى هذا الرقم المقدس، وأن للغنوصيين الكثير من القواسم المشتركة مع الفيثاغورسيين، من الصلوات التي ينبغي للنفس تلاوتها وفقا للرسم البياني لعباد "الأوفيت" الذي حيل بينه وبين الإله في طريق عودته من قبل الأرخونات،... يظهر أن هؤلاء الأفعوانيين اعتقدوا أنه يجب أن ينتجوا رمزا عن نقائهم الأرضي، وهكذا كانت هذه العلامة أيضا هي المخمس المقدس، علامة طقوسهم".
وأكد "إيميل ليتري" (1801-1881) في معجم اللغة الفرنسية أن الكلمة شكلت من القابالا عن طريق الكتابة المعكوسة التي هي اختصار لـ"أبو معبد السلام لكل الرجال" ومرجعه في ذلك كان "آبي كونستانت" الذي قيل أنه هو "ألفونس لويس كونستانت" الإسم الحقيقي "لإليفاس ليفي".
وقد جادل العالم الإنجيلي البريطاني "هوج جوزيف سكونفيلد" (1901-1988) (أحد العلماء الذين عملوا على مخطوطات البحر الميت)، في كتابه "أوديسة الآسينيين" بأن كلمة "بافوميت" أنشئت عن طريق "شفرة أتباش"، التي تحل الحرف الأول من الأبجدية العبرية محل الحرف الأخير، والثاني محل الثاني قبل الأخير وهكذا، مما يجعل "بافوميت" في العبرية تعني ظاهريا "في الحفرة" وتترجم باستعمال "شفرة أتباش" إلى "شوفي" أو "صوفيا" التي تعني الحكمة في الإغريقية، وهذه النظرية هي جزء هام من مؤامرة رواية "شفرة دافنشي".
![]() |
جوزيف فون هامر-برجشتال (1774-1856) ربط سلسلة من الأشكال المنحوتة أو المحفورة التي عثر عليها في عدد من القطع الأثرية التي تعود إلى القرن الثالث عشر (مثل الكؤوس والأوعية والخزائن) بالمعبود البافومي. |
وفي سنة 1818، ظهر إسم "بافوميت" في مقال كتبه المستشرق النمساوي "جوزيف فون هامر ـ برجشتال" بعنوان: "اكتشاف لغز بافوميت، الذي من خلاله أدين فرسان الهيكل، مثل الغنوصيين والأوفيتيين، بالهرطقة، وعبادة الأوثان، والفساد الأخلاقي، انطلاقا من المعالم التذكارية الخاصة بهم". حيث استعرض تاريخا بديلا مفصلا رتب لتلويث الماسونية الهيكلية وبصورة موسعة الماسونية بشكل عام، وسيرا على نهج "نيكولاي"، ناقش استخدام "البافوميتات" كدليل أثري من قبل العلماء المتقدمين ودليل أدبي مثل رومانسيات الكأس المقدسة، وناقش أيضا بأن فرسان الهيكل كانوا غنوصيين وأن "الرأس خاصتهم" كان معبودا غنوصيا يسمى "بافوميت".
وكان موضوع هامر الرئيسي هو الصور المسماة بافوميت... التي وجدت في مختلف المتاحف ومجموعات الآثار، كما هو الحال في "فايمار"... وفي الخزانة الإمبراطورية في "فيينا"، وكانت هذه الصور الصغيرة المصنوعة من الحجر والخنثوية جزئيا تحتوي ـ بصفة عامة ـ على رأسين أو وجهين بلحية، ولكن في أخرى تراعي الملامح الأنثوية وأغلبها محاط بحيات والشمس والقمر وشعارات غريبة أخرى وتحمل العديد من النقوش أكثرها باللغة العربية... النقوش التي اختصر أغلبها إلى Mete... ووفقا "لهامر"، ليس الـ Mete الإغريقية، ولكنه الـ Sophia، إنه الـ Achamot Prunikos الخاص "بالأوفيتيين"، الذي قدم على شكل نصف رجل ونصف امرأة، كرمز للحكمة والفوضوية غير الطبيعية ومبدأ الحسية... وقد أكد أن هذه الأشكال الصغيرة مثل الفرسان، حسب بيان شاهد، تحمل معهم في خزائنهم، وبافوميت تدل على "معمودية التهجين، معمودية النار"، أو المعمودية الغنوصية، تنوير للعقل، والتي كانت على أية حال، مترجمة من قبل "الأوفيتيين"، بمعنى فاحش، كاتحاد جسدي... والتأكيد الأساسي أن هذه المعبودات والأكواب أتت من فرسان الهيكل، واعتبرت لا أساس لها من الصحة، لاسيما أن الصور المعروفة التي كانت موجودة بين الفرسان تبدو وكأنها صور للقديسين.
غير أن مقال "هامر"هذا لم يمر دون جدال، وقد نشر "فرانسوا جاستماري راينوارد" دراسة حول لغز "بافوميت" في صحيفة "سافون" في السنة الموالية، وانتقد "تشارلز ويليام كينج" "هامر" قائلا أن هذا الأخير خُدع بواسطة "أدوات الدجالين الخيميائيين أو الروسيكرويين"، ووافق "بيتر بارتنر" على أن تلك الصور قد تكون زورت في ورشات التنجيم، "على أقل تقدير كان هناك القليل من الأدلة لربطها بفرسان الهيكل"، وقد اكتسبت بعض المتاحف الأوروبية في القرن التاسع عشر مثل هذه المصنوعات المصرية الزائفة، والتي صنفت على أنها "بافوميتات" واعتقد بغير دليل أنها معبودات فرسان الهيكل.
![]() |
زنمردة هاينريش خونراث (1560-1605) Amphitheatrum Sapientiae Aeternae. |
وفي أواخر القرن التاسع عشر، أصبح إسم "بافوميت" شعبيا إلى حد أبعد بفضل المنجم "إليفاس ليفي" الذي نشر بالفرنسية "دوغما وطقوس السحر الأعلى" في مجلدين، "الدوغما" سنة 1854، و "الطقوس" سنة 1856، هذا الكتاب اشتمل على صورة رسمها "إليفاس" بنفسه ووصفها بأنها "بافوميت" وكذلك بـ "الماعز السبتي"، مظهرا جديا بشريا مجنحا مع ثديين وشعلة على رأسه بين قرنيه، وهذه الصورة أصبحت التمثيل الأكثر شهرة "لبافوميت"، واعتبر "ليفي" بأن "بافوميت" تصوير للمطلق أو الكامل في شكل رمزي وشرح رمزيته بالتفصيل في الرسمة التي كانت بمثابة واجهة: فالجدي في الواجهة يحمل العلامة الخماسية في أعلى رأسه مع إشارة واحدة في القمة، رمز للضوء، ويداه تشكلان علامة السحر والتنجيم، واحدة تشير نحو الأعلى إلى القمر الأبيض "شيسيد" (Chesed)، والأخرى نحو الأسفل إلى القمر الأسود "جيفوراه" (Gevurah)، هذه العلامة تعبر عن التناغم الأمثل للرحمة والعدل، أحد ذراعيه أنثوية، والأخرى ذكورية، مثل زنمردة "خونراث"، ويقول "هذه السمات التي كان علينا توحيدها مع الجدي لأنه نفس الرمز الواحد، شعلة الذكاء ساطعة بين قرنيه إنها الضوء السحري للتوازن الكوني، صورة الروح مرتفعة فوق المادة، مثل الشعلة، بينما تكون مرتبطة بالمادة، ساطعة فوقها. ورأس البهيمة يعبر عن رعب الخاطئ الذي يعد المسؤول الوحيد عن خطيته والذي يتحمل جزأه من العقوبة حصرا، لأن الروح غير حساسة حسب طبيعتها ولا يمكن أن تعاني إلا عندما تتجسد. ويرمز القضيب القائم بدل الأعضاء التناسلية إلى الحياة الأبدية، والجسد مغطى بمستويات من الماء وشبه الدائرة فوقه هي الغلاف الجوي، والريش تابع فوق الريش المتطاير، ومثلت البشرية بالثديين والذراعين الزنمرديين لهذا السفينكس الخاص بعلوم التنجيم".
ويشبه تصوير "ليفي" "لبافوميت" الشيطان في بطاقات التاروت المبكرة، وقد عمل "ليفي" على مطابقات مختلفة من هذه الأخيرة المستعملة من قبل "سامويل ليدل ماكغريغور ماذرز"، وساوى بين مفتاح شيطان التاروت مع ميركوري، معطيا ملامحه "عصا هرمس" الخاصة بميركوري، مرتفعا كفالوس (قضيب) من الفخذ.
واعتقد "ليفي" أن عبادة الشيطان المزعوم لساحرات السبت القروسطيات كان استمرارا لطقوس الوثنية القديمة، وقد استشهد بجدي مع قنديل بين قرنيه يظهر في تسجيلات الشعوذة القروسطية، وأدوات المعرفة التقليدية الأخرى في "الدوغما والطقوس".
![]() |
الشيطان من بطائق تاروت مارسيليا في وقت مبكر من القرن الثامن عشر لجان دودال. |
يقول ليفي: "تحت هذه الشخصية نقرأ شكلا بسيطا وصريحا؛ إنه الشيطان، نواجه هنا شبح كل الأهوال، تنين كل "الثيوغونيات"، "أهريمان" المجوس، "تايفوس" المصريين، "بايتوس" الإغريق، الأفعى القديمة للعبرانيين، المسخ الهائل، الكابوس، البعبع، "الغرغول"، الوحش العظيم للقرون الوسطى، وأسوأ من كل ما سبق، "بافوميت" فرسان الهيكل، المعبود الملتحي الخاص بالخيميائي، الإله الفاحش في تل الربع "منديس"، ماعز السبت اليهودي، واجهة هذه الطقوس تعيد إنتاج الشخصية الدقيقة لإمبراطور الليل الرهيب بكل سماته وأوصافه... نعم، في قناعتنا العميقة، الأسياد الكبار لتنظيم فرسان الهيكل عبدوا "بافوميت"، وكانوا سببا في جعله معبودا بين أعضائهم المنضمين، نعم، لقد وُجد في الماضي، وربما يبقى موجودا في الحاضر، التجمعات المرؤوسة من قبل هذه الشخصية، تتربع فوق عرش وتحمل شعلة متقدة بين القرنين، لكن عباد هذه العلامة لا يعتبرونها ـ على غرارنا ـ تمثيلا للشيطان، على العكس، إنها بالنسبة لهم الإله "بان"، إله مدارسنا الحديثة للفلسفة، إله المدرسة السيميائية الإسكندرانية، وإله أفلاطونيينا المحدثين الصوفيين، إله "لامارتين" و "فكتور كوزان"، إله "سبينوزا" و "بلاتو"، إله المدارس الغنوصية البدائية... المسيح أيضا من الكهنوت المنشق، أسرار السبت اليهودي وصفت بشكل مختلف، لكنها أشارت دائما إلى "الغريموارات" وفي المحاكمات السحرية، يمكن تصنيف الاكتشافات التي تمت حول الموضوع تحت ثلاثة رؤوس: أولا) تشير إلى سبت خيالي ورائع، ثانيا) تلك التي تخون أسرار التجمعات الغامضة للمهرة الحقيقيين، ثالثا) الكشف عن التجمعات الحمقاء والإجرامية حاملين من أجل موضوعه عمليات السحر الأسود".
ولا يطابق "بافوميت" "ليفي"، من أجل كل شهرته الحديثة، الأوصاف التاريخية من محاكمات فرسان الهيكل، على الرغم من أنه قد يكون مصدر إلهام جزئي أيضا من منحوتات الفن الزخرفي على كنائس فرسان الهيكل في "لانليف بريطاني" و "سانت ميري" في باريس، التي تصور رجالا ملتحين مقرفصين بأجنحة وطاويط وأثداء نسوية وقرون وكذا عجيزة وحش أشعث، كذلك "غرغولات" "يوجين فيوليه لو دوك" الحية التي أضيفت إلى كاتدرائية "نوتردام دو باري" موازاة مع نفس الوقت تقريبا من تصوير "ليفي".
ويمكن أن تكون مراجع "ليفي" المتعلقة بمدرسة الإسكندرية وبفرسان الهيكل موضحة ضد خلفية المناقشات القائمة حول أصول ومميزات المسيحية الحقيقية، وقد أشير إلى أن هذه المناقشات تضمنت أشكالا معاصرة من الاشتراكية الرومانسية، أو الاشتراكية الطوباوية والتي كانت تعتبر وريثة للغنوصيين، وفرسان الهيكل، وباقي الفرق الباطنية الصوفية، وقد أصبح "ليفي" بنفسه نصيرا لهذه المدارس منذ 1840، ونظر إلى الاشتراكيين والرومانسيين (أمثال "لامارتين") على أنهم خلفاء لهذا التقليد المزعوم للدين الصحيح، في الواقع، إن مراياه السردية أرخت للاشتراكية، بما فيها "قصة سكان الجبل" (1847) من قبل صديقه المفضل والرفيق السياسي "هنري فرانسوا ألفونس إسكويروس"، بناء على ذلك، صور "بافوميت" من قبل "ليفي" كرمز لتقليد ثوري ابتداعي، الذي سيقود قريبا "تحرير الإنسانية" وتأسيس نظام اجتماعي مثالي.
وفي كتابات "ليفي"، فإن "بافوميت" لا يعبر فقط عن تقليد تاريخي وسياسي، ولكن أيضا عن قوى طبيعية غامضة والتي وُضحت في نظريته السحرية عن الضوء النجمي، وقد طور ملاحظته في سياق ما كان يسمى "المغناطيسية الروحانية": النظريات التي ضغطت على التضمينات الدينية للمغناطيسية، غالبا، كانت ذات تمثلات اشتراكية والتي آمنت بالآثار الاجتماعية لـ "تخليق" الدين والعلم الذي كان يجب تحقيقه عن طريق المغناطيسية، المغناطيسيون الروحانيون مع خلفية اشتراكية بمن فيهم "بارون بوتي" و "هنري ديلاج" الذين خدموا كمصادر رئيسية "لليفي"، وفي نفس الوقت، سخر ليفي من الكتاب الكاثوليك المشهورين مثل "يوليوس أوديس دو ميرفي" و "روجر جوجينو ديموسو" الذين نظروا إلى المغناطيسية كأعمال شيطانية.
![]() |
بانبدجيديت. |
وسمى ليفي صورته "ماعز مندس" متبعا في ذلك ربما قصة "هيرودوت" بأن إله "مندس" ـ الإسم الإغريقي لـ "دجيديت"، مصر ـ كان يصور في شكل وجه وقوائم ماعز، وذكر"هيرودوت" كيف أنه كانت تربط جميع الجديان في قداس كبير من قبل المندسيين، وكيف كانت المرأة في وقته وبشكل علاني تضاجع جديا.
وكان الإله "بان" والماعز يعبدان في أماكن مختلفة في الدلتا، مصر، "هرموبوليس"، "لوكوبوليس"، و "مندس"، وينقل "سترابو" عن "بندار" قوله بأنه في هذه الأماكن كانت الجديان تضاجع النساء، ويصور "هيرودوت" يوما كان المندسيون يرفعون فيه التبجيل لكل الماعز، وللجديان بشكل خاص، ولاسيما لأحد الماعز، التي ماتت ولوحظ حداد عام في كل منطقة المندسيين عليها، وقد كانت تعبد كآلهة للذرية والخصوبة، وقارن "ديودوروس" بين عبادة ماعز "مندس" بتلك المتعلقة بالإله الروماني "بريابوس"، ومجموعة من الآلهة مع "بان" و "ساتير"، والماعز المشار إليها من قبل جميع هؤلاء الكتاب أشهرها كان كبش "مندس"، أو الكبش المندسي، هذه العبادة التي كانت ـ حسب "مانيتون" ـ مؤسسة من قبل "كاكاو" (أو "رع نب") حاكم من الأسرة المصرية الثانية.
وتاريخيا، فإن الإله الذي بجل في مندس المصرية، كان كبشا، "بانيبدجيديت"، (حرفيا "با" من رب دجيد، ويلقب "إله مندس") والذي كان يمثل روح "أوزيريس"، وقد دمج ليفي هذه الصور مع ورق تاروت "مارسيليا" "ورقة الشيطان" وأعاد تشخيص كبش "بانيبدجيديت" كجدي، إلى حد أبعد تخيله بأنه "المضاجع في نصوص الشرق الأدنى القديم المتعلقة بالعهد القديم والمخصب في منطقة مندس".
لقد كان "بافوميت" "ليفي" ليصبح شخصية مهمة في الكوزمولوجيا الخاصة بـ "الثيليما" النظام الروحاني الذي أسس من قبل "آليستر كرولي" في بدايات القرن العشرين، كما ظهر "بافوميت" في عقيدة الكنيسة الكاثوليكية الغنوصية ملقاة من قبل جماعة "القداس الغنوصي"، بجملة: "وأنا أؤمن بالثعبان والأسد، لغز الألغاز، باسمه "بافوميت"".
وفي "الماجيسك ـ الكتاب الرابع" أكد "كرولي" بأن بافوميت كان إلها زنمرديا و"هيروغليفية المثالية الغامضة" ينظر إلى ما يعكس ذلك "ما يحدث أعلاه يعكس أدناه، أو كما هو موضح أعلاه أدناه".
وبالنسبة "لكرولي"، "بافوميت" هو كذلك تمثيل للطبيعة الروحية للأمشاج، بينما يكون رمزيا "الطفل السحري" الذي أنتج عن طريق "الجنس السحري"، كما أن "بافوميت" يظهر وحدة التناقضات، خاصة في الأنسنة الباطنية في الفوضى والبابالون.
المرجع:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق