الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

الزنوج الأحرار في الولايات المتحدة الأمريكية

امرأة حرة ملونة مع إبنتها الربع إفريقية (Quadroon)، اللوحة تعود لأواخر القرن الثامن عشر، "نيو أورلينز".


كان مصطلح "زنجي حر" Free Negro أو "أسود حر" في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يشير إلى وضع قانوني في المنطقة الجغرافية للولايات المتحدة حاليا انسحب على السود الذين لم يكونوا عبيدا. 

وكان هذا المصطلح مستعملا قبل تحرر المستعمرات الثلاث عشرة ومناطق أخرى في أمريكا الشمالية البريطانية إلى أن تم إلغاء العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية بصفة نهائية في دجنبر من عام 1865 مما جعل المصطلح متجاوزا بعد ذلك. 

لقد كانت العبودية فيما مضى قانونية ومورست في كل المستعمرات الأوروبية في أوقات مختلفة، لكن لم يكن جميع الأفارقة الذين أتوا إلى أمريكا عبيدا، فقد جاء قلة منهم حتى في القرن السابع عشر كرجال أحرار وبحارة عملوا على متن السفن، وفي السنوات الاستعمارية المبكرة، جاء بعض الأفارقة كذلك كخدم عملوا بالسخرة وأفرج عنهم بعد فترة محددة، كما فعل الكثير من المهاجرين من الجزر البريطانية مثلا، فأصبح هؤلاء الخدم أحرارا عندما أكملوا فترة عملهم، كما أنهم كانوا مؤهلين للاستفادة من منح الإقامة في المستعمرة الجديدة في منطقة خليج "تشيزبيك" حيث تركز الخدم العاملون بالسخرة. 

وفي وقت مبكر من عام 1619، كانت هناك طبقة من السود الأحرار متواجدين في أمريكا الشمالية بالفعل، وزاد عدد الزنوج الأحرار بعدة طرق أهمها: 

ـ الأطفال المولودون لنساء ملونات حرائر. 

ـ أطفال "المولاتو" أو الخلاسيون المولودون لنساء بيض عاملات بالسخرة أو نساء حرائر. 

ـ أطفال من عرق مختلط ولدوا لنساء هنديات (وقد حظر استعباد الهنود منذ منتصف القرن الثامن عشر لكن هذا الشكل استمر في التواجد حتى عهد التحرر). 

ـ عبيد عتقاء. 

ـ عبيد آبقون (أطلق عليهم مسمى "شعب المارون"). 

وفي معظم الأماكن، كان العمال السود إما خدم منازل أو عمال مزارع، وكان للعمالة السوداء أهمية اقتصادية في مزارع التبغ الموجهة للتصدير في "فرجينيا" و "ميريلاند"، ومزارع الأرز والنيلة في "كارولاينا الجنوبية"، وقد تم استيراد حوالي 287.000 من العبيد إلى المستعمرات الثلاث عشرة الذين شكلوا نسبة 2 % تقريبا من العبيد الذين جلبوا من إفريقيا عموما، وقد ذهبت الغالبية العظمى إلى مستعمرات السكر في منطقة البحر الكاريبي والبرازيل، حيث كان العمر المتوقع قصيرا وكان يجب تجديد اليد العاملة باستمرار. 

وفيما يلي عدد العبيد المستوردين إلى أمريكا المستعمرة على مر السنوات قبل القضاء على الرق: 

· 1620-1700: 21.000. 

· 1701-1760: 189.000. 

· 1761-1770: 63.000. 

· 1771-1780: 15.000. 

وهكذا شكل المجموع 287.000 من العبيد. 

وقد كان العمر المتوقع للعبيد أعلى بكثير في الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ارتفاع معدل المواليد بشكل كبير، وارتفعت الأرقام بسرعة حيث تجاوز عدد المواليد عدد الوفيات ووصل إلى ما يقرب من 4 ملايين نسمة بحلول تعداد عام 1860، ومن عام 1770 حتى عام 1860 كان معدل النمو الطبيعي للعبيد في أمريكا الشمالية أكبر بكثير مقارنة بسكان أي دولة أوروبية، وكان يشكل تقريبا ضعف النمو الحاصل في إنجلترا، ويعزى ذلك في بعض الأحيان إلى ارتفاع معدلات المواليد، وفي هذا الصدد يقول "مايكل تادمان": "عبيد الولايات المتحدة إذن وصلوا إلى معدلات مماثلة في الزيادة الطبيعية للبيض ليس بسبب امتيازات من نوع ما ولكن من خلال عملية من المعاناة الشديدة والحرمان المادي". 

ووفقا "لبول هاينج"، فإن معظم الأسر السوداء الحرة التي أقامت في المستعمرات الثلاث عشرة قبل الثورة الأمريكية كانت تنحدر من اتحادات للنساء البيض سواء كن عاملات سخرة أو حرائر ومن رجال أفارقة سواء كانوا عبيد سخرة؛ أحرارا أو عبيدا، فقد حدثت هذه العلاقات غالبا بين الطبقات العاملة التي كانت تعكس مجتمعات أكثر مرونة في ذلك الوقت، ولأن أطفال العرق المختلط ولدوا لنساء حرائر فقد كانوا أحرارا، ومن خلال استخدام وثائق المحكمة والوقائع الموثقة والوصايا وغيرها من السجلات، قام "بول هاينج" بتتبع أسلاف عائلات لما يقارب 80 % من الزنوج الأحرار أو السود الأحرار المسجلين في إحصاءت الجنوب الأمريكي الأعلى من 1790 إلى 1810. 

وبالإضافة إلى ذلك، قام ملاك العبيد بإعتاق بعض العبيد لأسباب مختلفة منها الحصول على مكافأة سنوات الخدمة الطويلة لأن الورثة مثلا لم يكونوا يرغبون في تملك العبيد أو تحرير المحظيات وأطفالهن، وكان يسمح للعبيد أحيانا بشراء حريتهم، وقد يسمح لهم بتوفير المال من الرسوم المدفوعة عندما يتم "توظيفهم" للعمل لدى غير ملاكهم، وفي منتصف القرن الثامن عشر وحتى أواخره، شجع الإنجيليون المعمدانيون والمنهاجيون في الصحوة الكبرى الأولى أصحاب العبيد على تحرير عبيدهم إعتقادا منهم بأن جميع الناس متساوين أمام الله، وقد حولوا العديد من العبيد إلى المسيحية ووافقوا على أن يصبح بعض القادة السود وعاظا، وهكذا طور السود كنيستهم المسيحية الخاصة، وقبل حرب الاستقلال الأمريكية تم إعتاق من العبيد. 

وقد مزقت حرب الاستقلال الأمريكية مجتمعات العبيد إلى حد كبير بدءا من عهد اللورد "دونمورد" حاكم "فرجينيا" حيث جندت الحكومات الاستعمارية البريطانية العبيد المتمردين في القوات المسلحة ووعدتهم بالحرية في المقابل، في حين بدأت قوات الجيش القاري بالتدريج أيضا بالسماح للسود بالقتال مقابل الحرية، وهكذا هرب عشرات الآلاف من العبيد من المزارع وأماكن أخرى خلال الحرب، خاصة في الجنوب، وعندما أخلى البريطانيون "نيويورك" نقلوا أكثر من 3000 من الموالين السود والآلاف من باقي الموالين لإعادة توطينهم في "نوفا سكوشا" و "أونتاريو" الكنديتان، فتم إجلاء أكثر من 29.000 موال في نهاية المطاف من مدينة "نيويورك" وحدها، وقام البريطانيون بإجلاء الآلاف من العبيد الآخرين عندما غادروا الموانئ الجنوبية وقاموا بإعادة توطين الكثيرين في منطقة بحر الكاريبي والبعض الآخر في إنجلترا. 

وفي العقدين الأولين بعد حرب الاستقلال، ارتفع عدد ونسبة الزنوج الأحرار في الولايات المتحدة بشكل كبير، وألغت الولايات الشمالية العبودية، وتم كل ذلك بشكل تدريجي، وقام العديد من أصحاب الرقيق في الجنوب الأمريكي العميق على وجه الخصوص بإعتاق عبيدهم ملهمين في ذلك بمثل الحرب، ومن 1790 إلى 1810، ارتفعت نسبة السود الأحرار في الجنوب الأقصى الأمريكي إلى أقل من 1 % بشكل عام، وعلى الصعيد الوطني، ارتفعت نسبة السود الأحرار وسط السود إلى 13 %، ولكن أدى انتشار زراعة القطن في الجنوب الأمريكي العميق إلى زيادة الطلب على العبيد بعد عام 1810، فانخفضت عمليات الإعتاق بعد هذه الفترة، وفي فترة ما قبل الحرب الأهلية الأمريكية، هرب العديد من العبيد إلى الحرية في الشمال الأمريكي وكندا من خلال شبكات السكك الحديدية التحت أرضية بمساعدة العبيد السابقين وأنصار إلغاء العبودية. 

ولم تبدأ معظم الحركات السياسية والاجتماعية المناضلة لإلغاء العبودية حتى منتصف القرن الثامن عشر، وكانت المشاعر النابعة عن الثورة الأمريكية والمساواة التي أثارها إعلان الاستقلال قد حشدت العديد من الأمريكيين السود تجاه القضية الثورية وألهبت آمالهم في التحرر، وقد قاتل كل من الرجال السود المستعبدين والأحرار في الثورة إلى الجانبين، وفي الشمال، هرب العبيد من أصحابهم في خضم الحرب، بينما في الجنوب، أعلن بعض العبيد أنفسهم أحرارا وتخلوا عن عمل العبيد للانضمام إلى البريطانيين. 

وفي 1770 تقريبا، بدأ السود في جميع أنحاء "نيوإنجلاند" بإرسال عرائض إلى الهيئات التشريعية الشمالية للمطالبة بالحرية، وبحلول عام 1800، ألغت جميع الولايات الشمالية العبودية أو وضعت تدابير لتقليصها تدريجيا، وعلى الرغم من أن السود كانوا أحرارا، فقد كان عليهم في الغالب أن يناضلوا مع قضية الحقوق المدنية المتدنية، مثل القيود المفروضة على التصويت، فضلا عن العنصرية والفصل العنصري والعنف الجسدي، وكانت "فيرمونت" قد ألغت العبودية سنة 1777 بينما كانت مستقلة، وعندما انضمت إلى الاتحاد الأمريكي باعتبارها الولاية الرابعة عشر سنة 1791 كانت تعتبر أول ولاية تلغي العبودية، وهكذا ألغت جميع الولايات الشمالية الأخرى العبودية بين عامي 1780 و 1804، وقد ألغت ولاية "ماساتشوستس" العبودية كذلك عام 1780، واعتمدت عدة ولايات شمالية أخرى التحرر التدريجي. وتم حظر الرق في الإقليم الشمالي الغربي الفيدرالي عموما بموجب المرسوم الشمالي الغربي لعام 1787 والذي تم إقراره قبل التصديق على الدستور الأمريكي مباشرة. وهكذا زاد عدد السكان السود الأحرار من 8 % إلى 13.5 % بين 1790 و 1810، وكان معظمهم يعيشون في الولايات الوسطى الأطلسية و "نيوإنجلترا" وفي "الجنوب الأعلى" حيث كان معظم السكان العبيد يعيشون في ذلك الوقت. 

وقد تقلبت حقوق السود الأحرار وتضاءت مع الارتفاع التدريجي في سلطة البيض الفقراء أواخر 1820 وأوائل 1830، وكانت حركة "المؤتمر الوطني للزنوج" قد بدأت سنة 1830 حيث عقد السود اجتماعات منتظمة لمناقشة مستقبل العرق الأسود في أمريكا، وسمعت خلال هذه الاجتماعات وعبر محاضرات عامة أصوات بعض النساء الزنجيات مثل "ماريا ستيوارت" و "سوجورنر تروث"، وشجعت هذه الحركة على مقاطعة السلع المنتجة من قبل الرقيق، لكن هذه الجهود قوبلت بالمقاومة، حيث إنه في بدايات القرن التاسع عشر تنامت المشاعر المعادية للسود بعد أن بدأت شعلة الثورة في الخفوت. 

وبسبب التسوية في الدستور الأمريكي، أمكن للولايات الجنوبية احتساب ثلاثة أخماس من العبيد المتواجدين بها ضمن ساكنتها لغرض توزيع المجالس والحشود الانتخابية، وقد أدى ذلك إلى امتلاك تلك الولايات سلطة سياسية بالنسبة لفائض أصوات الناخبين البيض، وقد سيطر الجنوب الأمريكي بذلك على الحكومة الوطنية والرئاسة لسنوات، واعتمد الكونغرس تشريعات تفضل أصحاب الرقيق، مثل السماح بالرق في المناطق التي بدأت فيها الأمة بالتوسع غربا، وتم تعزيز قانون الرقيق الهارب لسنة 1793 بموجب قانون 1850 الذي عد جزءا من تسوية سنة 1850 التي طالبت حتى حكومات وسكان الولايات الحرة بضرورة القبض على العبيد الآبقين وإعادتهم، وقد حصل الهاربون المشهورون مثل "فريدريك دوجلاس" و "سوجورنر تروث" على دعم البيض أنصار إلغاء العبودية لشراء حريتهم وتجنب القبض عليهم وإعادتهم إلى الجنوب والعبودية. وفي عام 1857، فرض حكم "دريد سكوت ف. ساندفورد" حرمان السود من الجنسية في جميع الحالات. 

كما أصدرت الولايات الجنوبية قوانين صارمة تنظم سلوك السود الأحرار، وفي العديد من الحالات تم منعهم من الدخول أو الاستقرار في تلك الولايات؛ ففي ولاية "ميسيسيبي" أمكن استرقاق زنجي حر بعد مكوثه فيها أزيد من 10 أيام، وأقرت "أركانساس" قانونا في عام 1859 أباح استعباد كل شخص أسود حر لايزال متواجدا على ترابها بحلول عام 1860، وعلى الرغم من أنه لم يتم تطبيقه، فقد نجح في تقليص عدد سكان ولاية "أركانساس" من السود الأحرار ليصبح الأقل من أي ولاية أخرى. وقامت العديد من الولايات الشمالية أيضا بتقييد هجرة السود الأحرار، مما أدى بهم إلى مواجهة صعوبات في إيجاد أماكن للاستقرار القانوني. 

وجلبت قضية إلغاء العبودية دعما عرقيا في الشمال خلال سنوات ما قبل الحرب الأهلية، وفي عهد الرئيس "أبراهام لنكولن"، أصدر الكونغرس الأمريكي عدة قوانين لمساعدة السود على الحصول على ما يشبه الحرية أثناء اندلاع الحرب، وسمح قانون المصادرة لعام 1861 للعبيد الهاربين الذين فروا وراء خطوط الاتحاد بالبقاء أحرارا حيث أعلن الجيش أنهم جزء من "التهريب" من الحرب ورفض بالتالي إعادتهم إلى أصحاب الرقيق، وضمن قانون المصادرة لعام 1862 لكل من العبيد الهاربين وأسرهم الحرية الأبدية، وسمح قانون الميليشيا للرجال السود بالتسجيل في الخدمة العسكرية. 

وفي شهر يناير من عام 1863، قام إعلان تحرير "لينكولن" بتحرير المستعبدين في الأراضي التي تسيطر عليها القوات الكونفدرالية فقط، وتم قبول الرجال السود رسميا للعمل في جيش الاتحاد وتم تنظيم قوات الولايات المتحدة الملونة، وأثبتت مشاركة السود في القتال أنها ضرورية لتحقيق النصر. 

وفي عام 1865، فازت قوات الاتحاديين في الحرب، وصادقت الولايات على التعديل الثالث عشر الذي حظر العبودية (باستثناء المعاقبة على الجريمة) في جميع أنحاء البلاد، وسنت الولايات الجنوبية في البداية القوانين السوداء في محاولة للحفاظ على السيطرة على اليد العاملة السوداء؛ فميز قانون "الميسيسيبي" الأسود (أول تلك القوانين السوداء وأكثرها شهرة) بين "الزنوج الأحرار" (في إشارة إلى أولئك الذين كانوا أحرارا قبل الحرب في بعض الأماكن التي أطلق عليها إسم "القضايا القديمة") والأحرار حديثا والخلاسيين، وعلى الرغم من فرض قيود مماثلة على الحرية العامة للسود، استطاع السود المزدادون في الولايات المتحدة اكتساب الجنسية القانونية بموجب قانون الحقوق المدنية العام لسنة 1866 والفقرة الرابعة عشر المعدلة من بند المواطنة. 

وقد تباينت حياة السود الأحرار تبعا لمواقعهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد كان هناك تحيز كبير من جانب السود الأحرار للاستقرار في المدن حيث هاجر العديد منهم من الريف مع مرور الوقت في الشمال وفي الجنوب على حد سواء، ذلك أن المدن أعطت السود مجموعة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية لم تكن متوفرة في الأرياف، وكان لدى معظم المدن الجنوبية كنائس مستقلة يديرها السود وكذلك مدارس سرية للتطوير التربوي، كما أعطت المدن الشمالية فرصا أفضل للسود، فعلى سبيل المثال، كان الزنوج الأحرار الذين يعيشون في "بوسطن" يتمتعون عموما بمزيد من فرص الوصول إلى التعليم الرسمي. 

وبالعودة إلى الجنوب الأمريكي قبل الثورة كان هناك عدد قليل جدا من السود الأحرار في المستوطنات هناك، والجنوب الأدنى عموما ـ باستثناء الحواضر ـ لم يجتذب الكثير منهم، وهكذا نما عدد السود الأحرار في المناطق الحضرية بشكل أسرع وهذا النمو جاء إلى حد كبير نتيجة للهجرة الجماعية للزنوج الأحرار الريفيين، ومن أمثلة هذه المناطق الحضرية كانت "ريتشموند" و "بيترسبورغ" في "فرجينيا" و "رالي" و "ويلمينغتون" في "كارولاينا الشمالية" و "تشارلستون" في "كارولاينا الجنوبية" و "السافانا" ("أطلنطا" لاحقا) في "جورجيا"، وهكذا طور الجنوب عموما مجموعتين متمايزتين من السود الأحرار وكان عدد السود المتواجدين في الجنوب الأدنى أكبر، وأظهر إحصاء 1860 أن 144 زنجيا حرا فقط وجد في "أركانساس"، و 773 في "ميسيسيبي"، و 932 في "فلوريدا"، بينما كان في "ميريلاند" 83.942 وفي "فرجينيا" 5842 وفي "كارولاينا الشمالية" 30.463 وفي "لويزيانا" 18.647، وكان السود الأحرار في الجنوب الأدنى أكثر تحضرا وتعليما وثراء، وكانوا عموما من عرق مختلط من الآباء البيض مقارنة بالسود الأحرار في أعالي الجنوب، وعلى الرغم من هذه الاختلافات أصدرت الولايات الجنوبية قوانين مماثلة لتنظيم حياة السود متأثرة ببعضها البعض في هذا الشأن. 

وتعكس الأرقام المذكورة أعلاه محاولة متعمدة لطرد الزنوج الأحرار من أقصى الجنوب حيث "أصبح الجنوبيون يعتقدون أن الوسيلة الناجحة الوحيدة لإزالة تهديد الزنوج الأحرار هي طردهم من الولايات الجنوبية أو تغيير وضعهم من الأشخاص الأحرار إلى ... العبيد". وأصبح يُنظر إلى الزنوج الأحرار على أنهم "شر غير عادي" ومقوضين لنظام العبودية. وكان يجب إقناع العبيد أنه لا توجد ميزة في أن يصبحوا أحرارا، وهكذا، أصبح الزنوج الأحرار ضحايا لمخاوف العبيد أنفسهم. وأصبحت التشريعات في هذا الصدد أكثر قوة؛ فقد كان على الزنجي الحر الرضوخ لدوره الجديد أو مغادرة الولاية، ففي ولاية "فلوريدا" على سبيل المثال منعهم تشريع سنة 1827 و 1828 من الانضمام إلى التجمعات العامة و "إلقاء الخطب التحريضية"، كما أنهت قوانين 1825 و 1828 و 1833 حقهم في حمل الأسلحة النارية ومُنعوا كذلك من خدمة هيئة المحلفين ومن الشهادة ضد البيض، ولإثبات حرية العبد كان على السيد أن يدفع ضريبة قدرها 200 دولار لكل منهما ويوقع سندا يضمن أن الزنجي الحر سيغادر الولاية في غضون 30 يوما، وفي النهاية، أصبح لبعض مواطني مقاطعة "ليون" أكثر سكان "فلوريدا" عددا والأكثر ثراءً عبيد أكثر من أي مقاطعة أخرى في "فلوريدا"، الذين شكلوا في تعداد سنة 1860 نسبة 73% من سكانها، وقد التمس هؤلاء من الجمعية العامة إجلاء جميع الزنوج الأحرار من الولاية. وفي ولاية "فلوريدا" أيضا، فرض التشريع الذي تم إقراره في عام 1847 على جميع الزنوج الأحرار أن يكون لديهم أشخاص بيض بمثابة أوصياء قانونيين، وفي عام 1855 صدر قانون منع الزنوج الأحرار من دخول الولاية، وفي عام 1861، تم إقرار قانون يتطلب من جميع الزنوج في "فلوريدا" التسجيل لدى قاضي التحقيق في المقاطعة التي يقيمون بها، وكان على الزنجي عند التسجيل أن يذكر إسمه وعمره ولونه وجنسه ومهنته، وكان عليه أن يدفع دولارًا واحدًا للتسجيل... وكان على جميع الزنوج الذين تزيد أعمارهم عن اثني عشر عاما أن يكون لديهم وصي معتمد من قِبل قاضي التحقيق... ووفقا لهذا القانون أمكن مقاضاة الوصي على أي جريمة يرتكبها الزنجي بحيث لم يمكن مقاضاة الزنوج. وبموجب هذا القانون الجديد كذلك، تم تصنيف أي زنجي حر أو خلاسي لم يسجل لدى أقرب قاضي تحقيق كرقيق ليصبح ملكا قانونيا لأي شخص أبيض يدعي حيازته. 

وهكذا فقد هاجر السود الأحرار إلى الولايات الشمالية، ورغم مواجهتهم لبعض المشاكل المتعلقة بالاستقرار هناك، إلا أنهم وجدوا المزيد من الفرص في الشمال. وخلال القرن التاسع عشر عموما، تقلص عدد ونسبة السكان السود الأحرار في الجنوب كجزء كبير من السكان السود، وانتقلت بعض الشخصيات السوداء الحرة البارزة والموهوبة إلى الشمال بحثا عن الفرص المتاحة لها مستنزفة الجنوب من القادة السود الأحرار المحتملين، وعاد بعضهم بعد الحرب الأهلية للمشاركة في عصر إعادة الإعمار وتأسيس الشركات وانتخابهم لمنصب سياسي. واستمر هذا الاختلاف في توزيع السود الأحرار حتى الحرب الأهلية، حيث كان هناك حوالي 250.000 من السود الأحرار يعيشون في الجنوب. 

لقد قدم التفوق الاقتصادي والعسكري والعلمي للنخب مبررات للعبودية من خلال فكرة "العناية الإلهية" أي فكرة أن "الأمور كانت كما كانت لأن الرب أرادهم أن يكونوا على هذا النحو"، وبالتالي كان ينظر إلى السود كأعضاء في العرق السفلي، حيث أن الإله قد سمح للنخب باستغلال تجارة الرقيق على ما يبدو دون أي تلميح إلى أنه قد يخطط لأي نوع من العقاب الإلهي بخصوص ذلك؛ وأكد القضاء هذا الوضع التبعي حتى عندما لم تكن القوانين ذات العنصرية الصريحة متاحة. 

لم يمكن في مقدور السود الأحرار مزاولة العديد من المهن المدنية مثل الطب والمحاماة لأنهم مُنعوا من التعليم اللازم، ونفس الوضع واجههم في المهن التي تتطلب حيازة سلاح ناري أو الوظائف المتعلقة بالمكاتب الانتخابية أو الرخص الممنوحة بشأن المشروبات الكحولية، كما تطلبت الكثير من هذه المهن استثمارات رأسمالية كبيرة لم يستطع معظم السود الأحرار تحملها. 

وتمتع الذكور السود الأحرار عموما بفرص عمل أوسع من الإناث اللائي كانت أدوارهن محصورة إلى حد كبير في المهن المنزلية. وفي حين أمكن لأولاد السود الأحرار أن يتدربوا ليصبحوا نجارين وصانعي براميل وحلاقين وحدادين كانت خيارات الفتيات محدودة بدرجة أكبر حيث اقتصرت على الأعمال المنزلية مثل الطهي والتنظيف والخياطة ورعاية الأطفال. وعلى الرغم من كل ذلك أمكن في بعض المناطق أن تصبح النساء السوداوات الحرائر عضوات بارزات في مجتمع السود الأحرار، واستطعن بهذا إدارة الأسر وتشكيل جزء كبير من القوى العاملة السوداء الحرة. 

لقد أصبحت العديد من العائلات الأمريكية الإفريقية الحرة في ولاية "كارولينا" الشمالية الاستعمارية و"فرجينيا" مثلا مالكة للأراضي والبعض الآخر أصبح مالكا للعبيد أيضا. وفي بعض الحالات، قامت هذه العائلات بشراء أفراد من أسرهم لحمايتهم حتى يتمكنوا من إطلاق سراحهم، وفي حالات أخرى، شاركت في الاقتصاد الكامل للعبيد، فعلى سبيل المثال، قام رجل حر أطلق عليه اسم "كابريان ريكارد" بشراء عقار في "لويزيانا" تضمن مائة عبد. 

ووضع السود الأحرار التماسات للانضمام إلى الجيش خلال الثورة الأمريكية، بدافع من الأمل المشترك بالحرية، وعزز هذا الأمل من خلال إعلان عام 1775 من قبل المسؤول البريطاني اللورد "دونمور" الذي وعد بالحرية لأي عبد كان يقاتل إلى جانب البريطانيين خلال الحرب. وقاتل السود أيضا إلى الجانب الأمريكي كما سبق ذكر ذلك آنفا على أمل الحصول على فوائد الجنسية في وقت لاحق. وخلال الحرب الأهلية أيضا، قاتل السود الأحرار مع الجانبين الكونفدرالي والاتحادي، وكان السود الأحرار الجنوبيون الذين قاتلوا مع الجانب الكونفدرالي يأملون في الحصول على درجة أكبر من التسامح والقبول بين جيرانهم البيض، وتم تحقيق الأمل بالمساواة من خلال الجيش مع مرور الوقت، مثل معادلة الأجور للجنود السود والبيض قبل شهر من انتهاء الحرب الأهلية. 

وتمكنت العديد من النساء ضمن زيجات السود الأحرار من المشاركة على قدم المساواة في علاقاتهن مع نساء النخبة من البيض، ويمكن رؤية هذه الصورة للمساواة في الزواج من خلال مثال "الأرستقراطية الملونة" للنخبة السوداء الصغيرة في "سانت لويس"، حيث كانت النساء غالبا شريكات اقتصاديات في زيجاتهن. وكانت هذه المجموعات الصغيرة من السود تنحدر عموما من الزيجات المختلطة الفرنسية والإسبانية. وفي المناطق الأمريكية التي كان يسيطر عليها الفرنسيون، كان للنساء في هذه الزيجات نفس حقوق النساء البيض وأمكنهن كذلك حيازة الممتلكات، وكانت هؤلاء النساء يأملن في أن يبقين مستقلات ماليا لأنفسهن ومن أجل حماية أطفالهن من قوانين "ميسوري" التقييدية مثلا. 

ولم تكن الفكرة التقليدية حول سيطرة الزوج على الزوجة هي الفكرة المركزية في هذه الزيجات النخبوية بسبب أهمية المرأة في جلب دخل للأسرة، وكان على النساء توخي الحذر في العلاقات الزوجية، فكان الزواج من رجل أسود لا يزال عبدا سيجعل المرأة السوداء الحرة مسؤولة قانونا عن سلوكه سواء كان جيدًا أو سيئًا. 

كانت النساء السوداوات المستعبدات في "نيوإنجلاند" يذهبن إلى المحكمة لكسب حريتهن بينما النساء السود الأحرار كن يتوجهن إلى المحكمة للتمسك بحريتهن؛ واستندت دعاوى حرية المرأة في كثير من الأحيان إلى الجوانب التقنية، مثل عدم وجود مستندات قانونية للرقيق أو أصل من عرق مختلط أو إعفاء البعض من خدمة العبيد، وفي عام 1716، أصبحت "جوان جاكسون" أول امرأة من العبيد تفوز بحريتها في محكمة "نيوإنجلاند". وقدمت "إليزابيث فريمان" أول اختبار قانوني لدستورية العبودية في ولاية "ماساتشوستس" بعد الثورة الأمريكية، مؤكدة أن الدستور الجديد للدولة وتأكيده لمساواة الرجل بموجب القانون يعني أن العبودية لا يمكن أن توجد. وكمالكة للأراضي ودافعة للضرائب، اعتبرت "فريمان" واحدة من أشهر نساء السود في العصر الثوري.
المرجع:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ثقافة بازيريك

هي ثقافة تنتمي إلى الحضارة السكيثية البدوية التي تنتمي إلى العصر الحديدي الممتد من القرن السادس إلى القرن الثالث قبل الميلاد. وقد تم التعرف ...